ملخص خطبة جمعة عن الإيمان بوجود الله
سماحة المفتي العام السابق / الدكتور نوح علي سلمان
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحثكم على طاعته، وأستفتح بالذي هو خير.
أما بعد:
فقد قرأت كتاباً عنوانه "الله يتجلى في عصر العلم". وفكرة الكتاب: أن صحفياً وزَّع السؤال التالي -على علماء متخصصين في علوم مختلفة-: "ما هو دليلك من خلال تخصصك على وجود الله"؟
فأجابه كل عالم -حسب تخصصه- على سؤاله، وأخبره كيف عرف الله.. الطبيب من خلال بحوث الطب، والفلكي من خلال علوم الفلك، وعلماء النبات من خلال علمهم..
التخصصات كثيرة؛ فكانت الإجابات كثيرة.. هذه الإجابات جمعها الصحفي -الذي كان رجل دين مسيحي سابقاً- وأخرجها في كتاب..
بعد عرض الإجابات -وكلها تدل على وجود الله تعالى- تساءل الصحفي: إذن لماذا يوجد من ينكر وجود الله؟!
أجاب الصحفي بأن السبب أحد ثلاثة أمور:
1. بعض الديانات تُقدِّم صورة خرافية عن الله تعالى، وتصوِّره كأنه إنسان عادي له والد وولد وتصرفات غير معقولة.. وغير منطقية!
2. بعض الدول تقوم على عقيدة إنكار وجود الله؛ ولذا تُضلِّل الناس بوسائل الإعلام وتشككهم بالله.
3. بعض الأشخاص مُدمِنُون على المعاصي؛ فإذا اعترفوا بوجود الله فمعنى ذلك أنه سوف يحاسبهم على ذنوبهم؛ ولذا يكذبون على أنفسهم ويقولون بعدم وجود الخالق ليستريحوا من الصراع النفسي، كالذي لا يستطيع ترك السجاير أو الخمر مثلاً؛ فيقول: هو غير مضر. مع أنه في داخله يعتقد بالضرر.
هذه خلاصة الكتاب، وعندما قرأته تذكرت أموراً من ثقافتنا الإسلامية العريقة الجامعة لكل خير:
1. قال علماء المسلمين: معرفة الله لها طرق عديدة بعدد أنفاس المخلوقات، ومعناه أن العالِم العاقل إذا تأمل في أي شيء من خلق الله عرف الله؛ لأن كل مصنوع له صانع، وهذه المخلوقات عجيبة تحتاج إلى صانع قدير عليم هو الله.
وبعد أن يعرف الإنسان ربه يجب أن يتعامل معه المعاملة الصحيحة؛ يطيع أوامره، ويعمل بإرشاداته التي علمه إياها محمد صلى الله عليه وسلم؛ فالمعرفة بدون طاعة لا فائدة فيها.
2. يقول الله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فاطر/28، فالعلماء هم الذين يخافون من الله عز وجل، والعالم الصحيح هو الذي يُعرِّفه علمه على الله، ومن لم يعرف اللهَ جاهل مهما عرف من أمور الدنيا.
ولذلك أجاب العلماءُ الصحفيَّ كيف عرفوا الله، وترى بعض الجهلاء، يشك في الله، أو لا يتعامل مع الله المعاملة الصحيحة.. فهؤلاء الجهلاء سوف يحاسبهم الله بشدة.
3. الإسلام والقرآن: يصف لنا الخالق وصفاً ليس فيه خرافات: الله واحد لم يلد أحداً، ولم يلده أحدٌ ولا يشبهه أحد: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) هذا الإيمان الراقي، هذا الوصف البعيد عن الخرافات سبب بقاء الإسلام وقوته.
ولذلك الكفر والإلحاد لم ينتشر بين المسلمين كما انتشر عند غيرهم.. الإسلام قوي لأنه يحارب الخرافات، كل ما أمر به معقول ونافع، وكل ما نهى عنه مضر.
وأكبر دليل على هذا أن المسلمين تقدموا عندما عملوا بالإسلام، وتأخروا عندما ابتعدوا عن الإسلام، بعكس الديانات الأخرى.
والمسلم المثقف يجب أن يعرف الفرق بين الإسلام وغيره: فالاختلاف كبير جداً بين الإسلام والديانات الأخرى؛ لأن الإسلام حق وما عداه باطل؛ لأن البشر تلاعبوا بالديانات السابقة، والإسلام حفظه الله.
هناك -الآن- من يعرض الديانات كأنها شيء واحد.. هذا خداع؛ فالإسلام متميز.
4. الدول التي أقامت عقيدتها على الإلحاد انهدمت وعاد الناس يتعرفون على الله بطرق متعددة؛ لأن معرفة الله في قلب كل إنسان، وهي أقوى من كل عقيدة.
لكن الطريق الصحيح لمعرفة الله هي القرآن والإسلام، ومن اعتنق غير الإسلام فلن يُقْبَلَ منه.. هكذا قال الله.
5. الذين يكذبون على أنفسهم وينكرون الله ليستمروا في المعاصي؛ هؤلاء حمقى؛ لأن الحقيقة سوف تفاجئهم عند الموت، وعندما يقفون للحساب عند الله.
القرآن أخبرنا عنهم وقال: (بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ؛ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ) القيامة/5-6.
والجواب: أنه سوف يرى نتيجة عمله قبل يوم القيامة بمجرد أن يموت.
هل يستطيع الإنسان بكل علومه أن يهرب من الموت؟! كلا لا يستطيع، وبعد الموت الحساب على ما عمل ثم بقية الحساب يوم القيامة.
إخواني المسلمين..
عندما نقرأ هذا نشكر الله الذي أكرمنا بالإسلام وبالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم، وندعو الله أن يوفقنا إلى طاعته والعمل بشرعه؛ لنكون إخواناً سعداء في الدنيا والآخرة.
إن ديننا عظيم، ويجب أن نتعرف عليه أكثر.. الله سبحانه أخبرنا أن أصحاب الديانات الأخرى يحسدوننا على الإسلام، فكيف يحسدنا الناس على نعمة ونكون عنها غافلين؟!
يجب أن نتثقف بالثقافة الإسلامية لنهتدي ونهدي الآخرين؛ فهذا واجبنا الذي شرفنا الله تعالى بحمله وهداية الناس إليه.
الخطبة الثانية:
الإيمان ليس الاعتراف بوجود الله فقط، بل الاعتراف بوجوده مع طاعته والتأدب معه، والاعتقاد بأن كل ما أمر به حق وصواب يجب العمل به.
الله تعالى ذكر في القرآن أن إبليس خالف أمر الله، وآدم وحواء خالفا، لكن إبليس أصر على المخالفة، واعتقد أن أمر الله كان غير صواب؛ فلعنه الله وصار رمزاً للكفر والشر، أما آدم وحواء فاعترفا بذنبهما وتابا إلى الله وتأسفا على المخالفة؛ فغفر الله لهما وجعلهما قدوة صالحة لكل من خالف وتاب، وجعل من أولادهما أنبياء وصالحين.
ونحن يجب أن نقتدي بأبينا آدم، وليس بإبليس.