ملخص خطبة جمعة بعنوان: (لماذا نؤرخ بالهجرة؟)
سماحة المفتي العام السابق الدكتور نوح علي سلمان - رحمه الله
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فأوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحثكم على طاعته.
إخواني المسلمين:
ها هو العام الهجري قد انتهى، وبدأ عام جديد، وأسأل الله لكل المسلمين في العالم الخير والسعادة.
في هذه المناسبة نسأل أنفسنا: لماذا جعل المسلمون بداية تاريخهم هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، ولم يجعلوا البداية من ميلاده صلى الله عليه وسلم، أو من نزول الوحي، أو غير ذلك من المناسبات المهمة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب على هذا مهم في حياتنا اليوم، ويجب أن يكون معروفاً لدينا؛ لأن كل الصحابة اتفقوا على أن تكون البداية من الهجرة، وكذلك كل المسلمين سواء أرخوا بالحساب القمري أو الشمسي.
والجواب باختصار: إن الإسلام أخذ وضعه الكامل بعد الهجرة؛ فالإسلام نظام شامل ينظم حياة الفرد والأسرة والدولة، والإسلام قبل الهجرة كان سلوكاً شخصياً فقط لمن دخل في الإسلام، أما بعد الهجرة فقد أصبح الإسلام سلوكاً شخصياً لكل المسلمين، وصار نظاماً للدولة الإسلامية.
بعبارة أوضح: بالهجرة قامت الدولة الإسلامية، ونحن نؤرخ ببداية قيام الدولة الإسلامية... هذه الحقيقة نعرف منها أموراً مهمة:
1. عندما قامت الدولة الإسلامية عرف الناس جمال الإسلام؛ ولذا دخلوا في دين الله أفواجاً. والدول الإسلامية مدعوة اليوم إلى تطبيق الإسلام؛ ليعرف العالم كله فضل الإسلام وجمال الإسلام، بل كل مسلم يجب عليه أن يُطبِّق الإسلام على نفسه؛ ليعرف الناسُ الأثرَ الطيبَ للإسلام على سلوك الأشخاص.
2. الذين يريدون الإسلام سلوكاً شخصياً فقط يهدمون جزءاً كبيراً من الإسلام، ولم يفهموا ما فهمه الصحابة من الهجرة. والصحابة أفضل المسلمين وأعرفهم بالإسلام.
3. التاريخ الإسلامي الطويل كان الالتزام فيه بالإسلام متفاوتاً بين حاكم وحاكم، لكن لم يُقْدِمْ حاكم مسلم على استبدال شريعة الله (الشريعة الإسلامية) بقانون آخر، حتى الذين خالفوا شريعة الله كانوا يعرفون خطأهم، ونحن اليوم - ويا للأسف - نجد من ينادي باستبدال بعض الأحكام الإسلامية بقوانين غير إسلامية، وهذا بُعْدٌ خطير عن الإسلام.
4. الشعب المسلم إلى اليوم لا يرضا بغير الإسلام، حتى لو غلبه الأعداء وحكموا بقوانين غير إسلامية؛ فإن المسلم في حياته الشخصية ملتزم بالإسلام، وإذا خالف الإسلام طلب المغفرة من الله؛ لأنه مؤمن بأن الله سيُحاسبه على ما عمل.
5. في هذا التاريخ الطويل مر المسلمون بأيام نصر وعز، وأيام ضعف، وعندما نبحث عن الأسباب نجد أن المسلمين ينتصرون إذا تمسكوا بالإسلام؛ لأن الله يقول: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) محمد/7؛ يعني: إن تنصروا دين الله...
6. مرت على المسلمين أيام صعبة جداً، لكن في لحظة حاسمة تتدخل قدرة الله لتنقذ المسلمين؛ لأن هذا الدين يرعاه الله، وقد وعد الله باستمرار الإسلام حتى يوم القيامة، وإذا ذهب المسلمون ذهب الإسلام، والإسلام لن يذهب، إذن: هنيئاً لمن يثق بوعد الله ويعمل لبقاء الإسلام، ومن يأس من نصر الله يضر نفسه فقط، والإسلام باق.
7. الذين خالفوا شريعة الله كانوا يقولون: نريد المصلحة العامة للناس! وقد تبين أنهم مخطئون؛ فإن مصلحة المسلمين فيما سَنَّهُ الله من أنظمة للمسلمين، لكن هؤلاء مثل فرعون الذي أراد أن يقتل موسى عليه السلام باسم المصلحة العامة! ودعا الناس إلى عبادته هو باسم المصلحة العامة أيضاً! وهذا منتهى الكفر والأنانية وخداع الجماهير!
8. الذي يُقارن الحاضر بالماضي القريب يجد أن الأمة الإسلامية تصحو من نوم عميق، وتستعد لمستقبل طيب، لكن - ويا للأسف - بعض المسلمين ما زال نائماً؛ فهو لا يعمل لمصلحة الإسلام، وبعضهم لا يدري بالصحوة الإسلامية فهو يائس، بينما أعداء الإسلام يراقبون الصحوة الإسلامية ويخافون منها؛ لأن الباطل يخاف من الحق، ويعدون العدة للقضاء على هذه الصحوة، لكن هم بذلك يحاربون الله، ومن حارب الله قهره الله.
أبشركم بأن المستقبل للإسلام؛ فاعملوا ولا تيأسوا؛ فإن الله على كل شيء قدير.