الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الزواج عقد وصفه الله تبارك وتعالى بالميثاق الغليظ، يقول الله تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]، ولخطورة هذا العقد كان لا بدَّ من التمهيد له بمقدمة تعرف بالخِطبة وهي طلب التزوج أو الوعد به، هدفها التفكر عن قرب لكلا الطرفين، وهي -في نفس الوقت- إشعار بالجديّة والصدق في طلب الزواج.
هذا؛ وقد كرَّم الإسلام المرأة أيما تكريم، وأعلى مكانتها، ومن مظاهر تكريمها أن تخطب في بيتها ومن أهلها، ومن العادات الحسنة -التي لا تتعارض مع شريعة الإسلام- وهي مما يشيع في المجتمعات الإسلامية أن تتوجه جاهة عريضة (عدد كبير من الوجهاء) إلى بيت أهل المرأة لخطبتها منهم، وفي ذلك إشعار باحترام المرأة وإعلاء قدرها، وحفظ مكانتها وكرامتها.
وينبغي للمرأة أن تراعي هذه العادات والأعراف التي تحفظ عليها كرامتها ومكانتها، فلا تقبل بخطبتها في الشارع العام بعيداً عن حضور أهلها وأوليائها، فقبولها بهذا التصرف نزول منها عن المكانة العالية التي بوأها إياها الإسلام.
وأما مصافحة الخاطب للمخطوبة عند طلب الزواج أو بعده، أو العناق لبعضهما، أو التقبيل؛ فهذا كله حرام قبل عقد الزواج الشرعي، سواء كان أمام الناس أم في خلوة، فإن كان الله تعالى قد أمر كلاًّ من الجنسين بغض البصر، فكيف بما فوق ذلك؟ قال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}[النور: 30، 31]، بل إن العرف العام يرفض مثل هذه الأفعال حتى بين الأزواج إذا كانت أمام الناس.
والمجاهرة بهذه الأفعال أمام الناس يعدُّ مجاهرة بالحرام، وهذا ذنب آخر، وكل هذا يشير إلى قلة الحياء من الله تعالى وعباده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ) متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام: (الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ) متفق عليه.
فعلى مَن قام بهذه الأفعال المخلة بالآداب والأخلاق الحميدة أن يتوب إلى الله تعالى، بالإقلاع عنها، والندم على فعلها، والعزم على عدم تكرارها، والله يحب التوابين.
وعليه؛ فيحرم على الخاطب قبل العقد ما يحرم على أي أجنبي من لمس لمخطوبته، أو تقبيلها؛ لأنّ الخطبة دون عقد لا تُحلُّ حراماً، وينبغي مراعاة الأعراف الناظمة لخطبة المرأة بما يصون كرامتها، ويحفظ مكانتها، ولا ينعقد عقد الزواج إلا بتوافر أركانه. والله تعالى أعلم.