مقالات

إشكالية منتجات التمويل الشخصي في الأردن

الكاتب : الباحث الدكتور حمزة مشوقة

أضيف بتاريخ : 13-05-2025


إشكالية منتجات التمويل الشخصي في الأردن

نشأة منتجات التمويل الشخصي في الأردن:

تعتبر تجربة الصيرفة الإسلامية في الأردن من أوائل التجارب العالمية في المصرفية الإسلامية؛ حيث يعتبر البنك الإسلامي الأردني أقدم بنك إسلامي في العالم بعد بنك دبي الإسلامي وبنك فيصل الإسلامي، وقد تأسست التجربة الأردنية على الفكر المقاصدي، وتتلمذ عمالقة الهيئات الشرعية فيها على العلامة الدكتور محمد فتحي الدريني (الشاطبي الصغير) والعلامة الشيخ مصطفى الزرقا (رائد فقه المعاملات المعاصرة).

وامتازت التجربة الأردنية في الفترة السابقة بابتكارها للمنتجات المالية المتنوعة، ومن أبرز المنتجات التي ابتكرتها: منتج المرابحة للآمر بالشراء - التي ابتكرها كمنتج مصرفي الدكتور سامي الحمود أول مدير للبنك الإسلامي الأردني -، وسندات المقارضة، ونظام البيع التدريجي في التأجير المنتهي بالتمليك، ومنتج الجعالة، ومنتجات تمويل أعمال الصيانة والتشطيب، وغير ذلك.

وقد ابتعدت التجربة المصرفية الأردنية في الفترة السابقة عن منتجات التمويل الشخصي قدر الإمكان، ويمكن استثناء الحالات التي يحتاج فيها المصرف لهذه المنتجات كبديل عن المنتجات الربوية في إدارة قسم الخزينة.

وحين بدأ أحد المصارف الإسلامية في الأردن بتطبيق منتج التورق المنظم سنة 2010م، شهدنا ردة فعل قوية ضد هذه التجربة الجديدة من خلال قرار مجلس الإفتاء العام في حكم التورق المنظم سنة 2011م، ومن خلال مؤتمر التورق المنظم والحيل الربوية الذي دُعم من بقية المصارف الإسلامية الأردنية سنة 2012.

جاء في قرار مجلس الإفتاء الأردني رقم (171) (3/ 2012): (إن ما تجريه بعض البنوك الإسلامية من التورق المصرفي المنظم ما هو إلا صورة من صور التحايل على الربا؛ وذلك لأن المقصد الحقيقي من هذه العملية هو الحصول على المال مقابل زيادة؛ حيث يقوم البنك بعملية شراء صورية لبضائع، ثم يبيعها للعميل بمبلغ آجل، ومن ثَمَّ يقوم ببيعها مرة أخرى لطرف ثالث بمبلغ أقل من المبلغ الأول، ويعطي العميل المبلغ الحالَّ، ويُقيِّد عليه جميع المبلغ المؤجَّل.

وهذا في حقيقته قرض ربوي وإن كان في ظاهره صورة من صور التورق، وقد ورد عن الإمام مالك رحمه الله أنه سُئل عن الرجل يبيع السلعة بمئة دينار إلى أجل، فإذا وجب البيع بينهما قال المبتاع للبائع: بعها لي من رجل بنقد، فإني لا أبصر البيع. قال: لا خير فيه، ونهى عنه. [المدونة 9/ 179]) انتهى.

بعد ذلك بدأت المصارف التي طبقت التورق المنظم مسبقاً بتطبيق منتجات التمويل الشخصي وتم حذف موضوع التوكيل؛ بمعنى أن التورق المنظم بصورته الشائعة كان يقوم على توكيل العميل للمصرف بشراء السلعة وبيعها نيابة عنه، فتم حذف شرط توكيل العميل للمصرف، واستبداله بتوكيل العميل لشركة وساطة تابعة للمصرف نفسه؛ خروجاً من مأزق التورق المنظم.

ولكن لو رجعنا إلى ضابط التورق المنظم في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي وقرار مجلس الإفتاء العام فسيظهر أن التورق المنظم يشمل ثلاث حالات:

1. توكيل العميل للمصرف بشراء السلعة وبيعها.

2. توكيل المصرف لغيره ببيع السلعة.

3. وجود تواطؤ بين المستورق والمصرف على شراء السلعة وبيعها.

جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم (179): "أولًا: أنواع التورق وأحكامها:

(1) التورق في اصطلاح الفقهاء: هو شراء شخص (المستورق) سلعة بثمن مؤجل من أجل أن يبيعها نقدًا بثمن أقل غالبًا إلى غير من اشتُريت منه بقصد الحصول على النقد. وهذا التورق جائز شرعًا، شرط أن يكون مستوفيًا لشروط البيع المقررة شرعًا.

 (2)التورق المنظم في الاصطلاح المعاصر: هو شراء المستورق سلعة من الأسواق المحلية أو الدولية أو ما شابهها بثمن مؤجل يتولى البائع (المموّل) ترتيب بيعها، إما بنفسه أو بتوكيل غيره أو بتواطؤ المستورق مع البائع على ذلك، وذلك بثمن حال أقل غالبًا.

 (3)التورق العكسي: هو صورة التورق المنظم نفسها مع كون المستورق هو المؤسسة والممول هو العميل.

ثانيًا: لا يجوز التورقان (المنظم والعكسي)؛ وذلك لأن فيهما تواطؤًا بين الممول والمستورق، صراحة أو ضمنًا أو عرفًا، تحايلًا لتحصيل النقد الحاضر بأكثر منه في الذمة، وهو ربا" انتهى.

وبناء على ذلك فتكون منتجات التمويل الشخصي نوعاً من أنواع التورق المنظم –والتي حرَّمها قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي وقرار مجلس الإفتاء العام– التي تتم بتواطؤ وترتيب وتنظيم بين العميل والمصرف على شراء السلعة وبيعها.

فضابط التورق المنظم –كما سمعه الباحث من سماحة المفتي العام الدكتور أحمد الحسنات– أن تجري عادة المقرضين بأن يشتروا سلعاً للمستورقين ويعيدوا بيعها بتوكيل منهم أو بتواطؤ وتفاهم واتفاق مسبق على ذلك؛ من أجل الحصول على النقد، ولا يقتصر على حالة توكيل العميل للمصرف ببيع السلعة نيابةً عنه.

وفي عام 2024م توالت جميع المصارف الإسلامية الأردنية في تطبيق منتجات التمويل الشخصي لجميع العملاء، حتى صار البعض منهم يطبق هذا المنتج في تمويل ديون عملائها المتعثرين، وهذا ما يسمى بفسخ الدين بالدين، وهو تحايل على الربا.

وبالتالي فيمكن اعتبار هذه نقطة تحول في تجربة الصيرفة الإسلامية في الأردن، فالخلاصة أن التجربة الأردنية من أوائل التجارب التي طبقت الصيرفة الإسلامية على مستوى العالم، وهي من أواخر التجارب التي قدمت منتجات التمويل الشخصي لجميع العملاء.

إشكالية التوسع في تطبيق منتجات التمويل الشخصي:

تعتبر منتجات التمويل الشخصي خطاً فاصلاً في تجربة الصيرفة الإسلامية، وكثيراً ما يدور الجدل الفقهي حول مشروعيتها، ولكنه لا ينتهي إلى نتيجة مثمرة؛ لأنه يقتطع البحث في هذه المسألة من أصولها الكلية؛ فمنتجات التمويل الشخصي ينبغي أن تُفهم في إطار أصول وقواعد التمويل الإسلامي.

فالبحث الفقهي المعاصر يتعامل في الغالب مع منتجات التمويل الشخصي على أنها مسألة معاصرة، وثمة مسلكان للعلماء المعاصرين في التعامل مع النوازل المالية المعاصرة، وهما:

الأول: مسلك العلماء الذين يقفون على أركان العقد وشروطه والابتعاد عن مفسداته، فإذا توافر في منتجات التمويل الشخصي شرط القبض وانتفت الصورية جاز؛ لأن الأصل في المعاملات الإباحة.

والثاني: مسلك العلماء الذين يُحكِّمون المآلات والمقاصد؛ فحقيقة التمويل الشخصي نقد بنقد مع زيادة، وهذا من التحايل على الربا، ولا عبرة لما توسط من عقود؛ لأنها غير مقصودة.

والوقوف مع الأقوال وأدلتها قد لا يفيد كثيراً ما لم نقف على أصل المسألة؛ فمنتجات التمويل الشخصي تنبثق من أصول وقواعد التمويل الإسلامي التي يتميز بها عن التمويل الربوي.

ومن أبرز الأصول التي يقوم عليها التمويل الإسلامي: تحقيق الكفاءة الاقتصادية من خلال تنويع العقود وشمولها للأنشطة الاقتصادية المختلفة؛ فقطاع التصنيع يحتاج إلى عقد الاستصناع، وقطاع تمويل السلع يحتاج إلى عقد المرابحة، وقطاع تمويل الخدمات يحتاج إلى عقد الإجارة الموصوفة بالذمة، والقطاع الاستثماري يحتاج إلى عقود المضاربة والمشاركة.

وأما التمويل الربوي فيلبي حاجة الناس إلى النقد، وليس له سوى عقد واحد تختلف صوره ولكنه يرجع إلى القرض بفائدة.

ومنتجات التمويل الشخصي تلبي حاجة الناس إلى النقد، فهي تصنف من منتجات التمويل النقدي، وهي تختصر على المصرف والعملاء أكثر العقود الشرعية الأخرى؛ باعتبارها أقل مخاطرة بالنسبة للبنك، وإجراءاتها أسهل بالنسبة للعملاء.

فالتوسع في تطبيق منتجات التمويل الشخصي يشوه هيكل التمويل الإسلامي ويجعل الفارق بينه وبين التمويل الربوي صورياً، ويحد من سعي المصارف الإسلامية لتحقيق الكفاءة الاقتصادية؛ والذي يتطلب أن تقوم المصارف الإسلامية بتلبية حاجات الناس في القطاعات الاقتصادية المختلفة وتنويع المنتجات المالية الإسلامية بما يتناسب مع القطاعات المختلفة.

وأخيراً فقد وجدنا أكبر مؤسسة علمية أجازت منتجات التمويل الشخصي (التمويل المصرفي) بالضوابط الشرعية وهي هيئة المحاسبة والمراجعة الإسلامية (أيوفي) نصت على أن التورق المصرفي أجيز للحاجة بشروطها وليست بصيغة تمويل ولا صيغة استثمار.

رقم المقال [ السابق ]

اقرأ للكاتب




التعليقات



تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا


Captcha