يوم الأضحى
وما أدراك ما يوم الأضحى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
تعريف:
هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة، وذو الحجة هو الشهر الثاني عشر من الأشهر العربية.
أسماؤه:
هذا اليوم العظيم المبارك له أكثر من اسم، سماه بها الله تعالى وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها:
أولاً: يوم الحج الأكبر:
سماه الله تعالى بهذا الاسم فقال: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} [التوبة: 3].
وبهذا سماه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا يوم الحج الأكبر)[1].
وسمي هذا اليوم بيوم الحج الأكبر؛ لأن فيه تُؤدى معظم مناسك الحج الرئيسية.
ثانياً: يوم النحر:
سماه بهذا الاسم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأله علي رضي الله عنه عن المقصود بالحج الأكبر فأخبره أنه يوم النحر، فقد روى الترمذي بسنده عن علي رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم الحج الأكبر، فقال: (يوم النحر)[2].
والسبب في تسميته بهذا الاسم هو أن أهم الأعمال والعبادات فيه هو ذبح الأضاحي، ففي الحديث عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، إنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفسا)[3].
الحكمة من عيد الأضحى المبارك:
هناك حكم كثيرة تظهر لنا في هذا اليوم العظيم المبارك، منها:
1. شكر الله تعالى وحمده على نعمه؛ وفي مقدمتها نعمة الإيمان والإسلام، ثم نعمة إتمام الحج لمن أدى الفريضة، ونعمة الصحة والسلامة، ثم نعمة المال، والله تعالى يقول: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53].
2. فيه إحياء لقصة نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل عليهما الصلاة والسلام، وما فيها من طاعة إبراهيم لربه عز وجل، وطاعة إسماعيل لوالده في استسلامهما لأمر الله تعالى، وما جرى فيها من تضحية وفداء له من الله تعالى بكبش عظيم. كما قال الله تعالى على لسان إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ* فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ* فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ* وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 101- 107].
3. التقرب إلى الله تعالى بالذبح والتضحية؛ امتثالا لأمر الله تعالى، لما في ذلك من تعظيم شعائر الله تعالى من خلال إراقة الدماء تقربا إلى الله تعالى. وفي هذا يقول الله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].
4. توثيق أواصر المحبة في المجتمع المسلم من خلال التواصل مع الأهل والأقارب والجيران، وإهدائهم من الأضحية، وتعزيز روح التكافل الاجتماعي من خلال مساعدة الفقراء والمحتاجين، وإدخال السرور على قلوبهم.
5. نشر البهجة والسرور والسعادة بين المسلمين من خلال التكبير والذكر وتعظيم شعائر الله تعالى، وكذلك التزين بالملابس الجديدة واستخدام الطيب. وإنهاء الخلافات بين المسلمين ونشر التسامح بتصفية النفوس من الأحقاد والضغائن، وتعزيز وحدة الأمة الإسلامية وترابطها.
6. تعليم قيم التضحية والفداء عن طريق ترسيخ مبدأ تقديم محبة الله على محبة النفس والأهل والمال، وغرس مفهوم البذل والعطاء في نفوس المسلمين.
7. إحياء سنة سيدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، واتباع هديه في الأضحية، والاقتداء بسنته في تقسيم الأضحية إلى أجزاء للأكل والإهداء والتصدق.
فضل هذا اليوم:
- يوم النحر هو أفضل وأعظم الأيام عند الله تعالى، فعن عبد الله بن قُرْط، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر يستقر فيه الناس)[4] وفي رواية أخرى: (أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر[5])[6].
- أنه أحد أيام شهر ذي الحجة الذي هو من الأشهر الحرم التي عظمها الله تعالى بقوله: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36]، والأشهر الحرم هي (المحرم وذو القعدة وذو الحجة ورجب).
- أنه أحد الأيام التي أقسم الله تعالى بها فقال: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر: 3]، قال ابن عباس رضي الله عنه: "الشفع: يوم النحر، والوَتر: يوم عرفة"[7].
- أنه أحد الأيام العشرة الأول من ذي الحجة التي هي أفضل أيام السنة عند الله تعالى في عظم الأجر والثواب؛ حيث قال سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: (ما العمل في أيام أفضل منها في هذه؟) قالوا: ولا الجهاد؟ قال: (ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء)[8].
- أنه من مفاخر المسلمين وأعيادهم؛ حيث قال سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب)[9]. ولهذا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصيام فيه، ففي الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن صوم هذين اليومين، أما يوم الفطر ففطركم من صومكم وعيد للمسلمين، وأما يوم الأضحى فكلوا من لحوم نسككم"[10].
- قد يشكل على البعض ما ورد عن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم من أنه وصف يوم عرفة بأنه أفضل الأيام عند الله تعالى، وكذلك وصف يوم النحر بأنه أفضل الأيام عند الله تعالى، فكيف نجمع بينهما؟ الجمع بينهما بأن نقول: يوم عرفة أفضل وأعظم الأيام عند الله تعالى في مغفرة الذنوب وخاصة العظام منها، حيث قال سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: (وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ضاحين، جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي، ولم يروا عذابي، فلم ير يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة)[11]، وقال سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: (ما رئي الشيطان يوما، هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ، منه في يوم عرفة. وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إلا ما أري يوم بدر)، قيل: وما رأى يوم بدر يا رسول الله؟ قال: (أما إنه قد رأى جبريل يزع الملائكة)[12]. ويوم النحر هو أفضل وأعظم الأيام عند الله تعالى في اكتساب الحسنات ورفع الدرجات عند الله تعالى، فبعد أن يتطهر المسلم في يوم عرفة، ويتخلى عن السيئات، يقبل على الله تعالى بعمل طاعات عظيمة مثل الذبح؛ تقربا إلى الله تعالى والدعاء والذكر والصلاة وغيرها، فيكون يوم عرفة تخلية، ويوم النحر تحلية للمسلم، وهذا فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء.
أعمال يوم الأضحى المبارك:
هناك الكثير من العبادات التي يمكن للمسلم أن يقوم بها يوم الأضحى المبارك تقرباً الى الله تعالى، ويمكن تقسيمها إلى قسمين:
الأول: طاعات يقوم بها الحاج إلى بيت الله الحرام، وهي[13]:
- في ليلته يكون المبيت بمزدلفة، ويكون ذكر الله تعالى ودعاؤه من بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس.
- فيه يرمي الحاج جمرة العقبة الكبرى.
- وعند بدء الرمي يقطع التلبية، ويبدأ بالتكبير، فتجتمع فيه التلبية والتكبير، وهما شعيرتان عظيمتان.
- فيه تذبح الأضاحي والهدايا تقرباً إلى الله تعالى.
- فيه يحلق الحاج شعر رأسه، ويتحلّل من إحرامه.
- فيه يطوف الحاج بالبيت طواف الإفاضة أو الزيارة.
- وفيه يسعى بين الصفا والمروة.
والحكمة من اجتماع هذه الأعمال في هذا اليوم العظيم تظهر في أمور أهمها: إظهار التوحيد والعبودية لله وحده، والاقتداء بنبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وتذكير المسلم بيوم القيامة، وتعزيز روح التقوى والإخلاص في نفس الحاج.
الثاني: طاعات يقوم بها غير الحاج، وهي:
- يؤدي المسلم في هذا اليوم العظيم صلاة عيد الأضحى المبارك، ويحضر خطبة العيد.
- التكبير المطلق والمقيد بعد كل صلاة، وهو شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام[14].
- ذبح الأضاحي تقربا إلى الله تعالى وتوسعة على أهل بيته، وهي سنة للقادر عليها[15].
- الإكثار من الدعاء والذكر والصدقة.
- الحرص على زيادة البر للوالدين، وصلة الرحم، وزيارة المسلمين وتهنئتهم بالعيد، والبعد عن العقوق وقطيعة الرحم ومخاصمة المسلمين.
وفي الختام:
أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا لطاعته ونيل مرضاته، وأن يجعلنا من المقبولين عنده سبحانه وتعالى.
[1] - رواه البخاري: صحيح البخاري، برقم/1742.
[2] - الترمذي: سنن الترمذي، برقم/957.
[3] - الترمذي: سنن الترمذي، برقم/1493.
[4] - البيهقي: السنن الكبرى، برقم/10214.
[5] - يوم القر هو اليوم الأول من أيام التشريق، وسمي بذلك لأن الحجاج يقرون فيه بمنى.
[6] - حنبل: مسند أحمد، برقم/19075.
[7] - الطبري: جامع البيان، 24/ 397.
[8] - رواه البخاري: صحيح البخاري، برقم/969.
[9] - الترمذي: سنن الترمذي، برقم/773.
[10] - الترمذي: سنن الترمذي، برقم/771.
[11] - ابن حبان: صحيح ابن حبان، برقم/3853.
[12] - مالك: موطأ الإمام مالك، برقم/1597.
[13] - الشربيني: مغني المحتاج (2 / 266) وما بعدها.
[14] - الرملي: نهاية المحتاج (2 / 398).
[15] - الهيتمي: تحفة المحتاج (9 / 344).