قرار رقم: (45) حكم حساب مواجهة مخاطر الاستثمار في البنوك الإسلامية
بتاريخ: 21/ 1/ 1421هـ، الموافق: 25/ 4/ 2000م
ورد إلينا سؤال يقول فيه صاحبه:
ما حكم حساب مواجهة مخاطر الاستثمار في البنوك الإسلامية؟
الجواب وبالله التوفيق:
فقد بحث مجلس الإفتاء في اجتماعه طبيعة حساب مواجهة مخاطر الاستثمار المعتمد في البنوك الإسلامية، هل هو حساب تملكه البنوك الإسلامية، أم أنه حساب مخصص لأغراض محددة لا تملكه هذه البنوك، ولا يجوز لها التصرف فيه خارج ما خصص له، وبالتالي لا يجوز لها أن تستثمره، وإن حدث وخالفت فإن حصيلة ذلك تكون لهذا الحساب، ولا يجوز بأي حال من الأحوال للبنك التصرف بهذه الحصيلة، كما لا يجوز له التصرف بأصل الحساب.
وبعد مناقشة مطولة حول هذا الموضوع، والعودة للأسباب التي من أجلها تأسس هذا الحساب، والنظر في قانون البنك الإسلامي الأردني، والنظام الأساسي للبنك العربي الإسلامي الدولي، فقد انتهى المجلس إلى ما يلي:
جاءت فكرة تأسيس حساب في البنك الإسلامي الأردني لمواجهة مخاطر الاستثمار عند وضع قانونه على أساس المبدأ المقرر في الفقه الإسلامي بجواز ضمان شخص ثالث للخسائر التي يمكن أن تقع في عقد المضاربة القائم بين المودعين في حسابات الاستثمار المشترك والبنك الإسلامي، باعتبار أن المودعين هم أصحاب رأس المال، والبنك هو العامل في عقد المضاربة المتصور قيامه فيما بينهما... ذلك أنه من المعلوم في عقد المضاربة أنه لا يجوز للعامل أن يضمن أي خسارة يتعرض لها مال المضاربة، ما دام أن العامل - وهو البنك في هذه الصورة - لم يتعدَّ ولم يفرِّط ولم يقصِّر، وأن الخسارة تقع جميعها على صاحب المال (المودع في حسابات الاستثمار المشتركة في هذه الصورة)، ويكفى العامل أنه خسر عمله.
فقد جاء في قرار لجنة الفتوى في حينه (20 رجب - 28 رمضان 1397هـ الموافق 6/ 8/ـ 11/ 9/ 1977 ص16) وأما تنظيم سبيل الوقاية الشرعية لحماية رأس المال المستثمر من الخسارة، فإنه يتمثل فيما استقر عليه الرأي نتيجة المناقشة مع لجنة الفتوى حسب ما تضمنته الصيغة المعدلَة لمشروع قانون البنك الإسلامي كما يلي:
يقتطع البنك الإسلامي سنوياً نسبة عشرين بالمائة من الأرباح الصافية لتقيد لديه في حساب الاحتياطي الخاص لمواجهة مخاطر الاستثمار، وذلك استناداً إلى الآراء الفقهية التي أجازت الاتفاق على تخصيص جزء شائع من الأرباح في نطاق المضاربة لصالح جهة ثالثة غير المتعاقدين.
ويبقى هذا الحساب قائمًا، ومخصصا لتغطية أية خسارة واقعة، مما لا يتحمله البنك بسبب تفريطه أو مخالفته أو تعديه، طالما كان البنك الإسلامي مستمرًّا في عمله، باعتبار أن هذا الاحتياطي بمثابة صندوق تأمين تبادلي، يساهم فيه مجموع المستثمرين لصالحهم ولصالح غيرهم من المستثمرين الجدد.
أما إذا صفي البنك فإن هذا الرصيد المخصص لمواجهة مخاطر الاستثمار يصبح مالاً متبرعاً به فيما يزيد عن الحد اللازم لتغطية الخسارة الواقعة، وهو جدير بأن يحول إلى جهات البر والإحسان حسب ما بينه القانون.
يتحمل البنك الإسلامي أية خسارة تكون ناشئة عن أي سبب موجب لتضمينه شرعاً، مثل حالات التعدي والتفريط والمخالفة، سواء أكان ذلك بسبب تقصير الإدارة أو إهمالها، أم كان بسبب مخالفة الموظفين وتلاعبهم بالأموال المستثمرة.
ولكي يكون هذا الأمر مضبوطاً من حيث ما يجب تحميله للبنك الإسلامي بسبب شرعي، فقد نص المشروع على أن تكون الخسارة موضع فحص شامل من المراقبين الشرعيين...الخ.
وواضح أن هذا الحساب لا يقتطع من أرباح البنك، إنما يقتطع من أرباح المضاربة على أساس أنه تأمين تعاوني مستمر، حتى يصل مقدار هذا الحساب لضِعفي رأس المال، وقد حمل قانون البنك هذا الحساب مسؤولية أي خسارة تقع دون تعدٍ أو تفريط أو تقصير من البنك.
وبالتالي فإن هذا الحساب لا يجوز في أي حال من الأحوال، أن يعتبر ملكاً للبنك، وإذا اعتبر فإن عقد المضاربة الذي تقوم عليه فكرة البنك بالنسبة للمودعين يصبح عقداً غير مقبول من الناحية الشرعية، ولمزيد من الوضوح، نص القانون بناء على ما قررته لجنة الفتوى على أنه عند تصفية البنك، وعلى أساس أنه لا يعتبر من المخصصات التي يملكها البنك، يجب أن يحوَّلَ لصندوق الزكاة، باعتبار أنه مال غير مملوك للبنك، يحتفظ به لغاية معينة، وهي مواجهة مخاطر الاستثمار، وفق الشروط التي بينها القانون.
وإن تأسيس فكرة حساب مواجهة مخاطر الاستثمار يشبه بالضبط قبول فكرة كفالة الحكومة لأصل المال في سندات المقارضة (قيمة السند)، بعد قيام المشروع، حتى لو خسر المشروع الممول بالسندات، باعتبار أن الحكومة شخص ثالث غير طرفي التعاقد في السند، وهما الجهة المصدرة للسند، والمكتتبة بها.
حيث ورد في قرار لجنة الإفتاء بتاريخ 8/ 2/ 1398هـ الموافق 17/ 1/ 1978م:
وبما أنه قد فهم من معالي وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية أن الوزارة تسعى للحصول على كفالة الحكومة لأداء قيمة ما يتبقى من قيمة سندات المقارضة عند استحقاقها في الأجل المحدد.
وبما أن وزارة الأوقاف - بمقتضى المادة الرابعة من قانون الأوقاف رقم (26) لسنة 1966م - لها شخصية معنوية واستقلال مالي وإداري.
وبما أن لها شرعًا حكم المتولِّى على الوقف.
وبما أنه يجوز شرعًا للحكومة - بِما لَها من ولاية عامة - أن ترعى شؤون الموظفين، ولها أن تشجع أي فريق على القيام بما يعود على المجموع بالخير والمصلحة.
فإن لجنة الفتوى والمشتركين في هذا الاجتماع يرون أن بعد تحقق كفالة الحكومة فإن النص تحمل المكتتبين للخسارة لم يعد واردا ولا لزوم له، فإننا نقرر ما يلي:
1- جواز كفالة الحكومة لسندات المقارضة المخصصة لإعمار أراضي الأوقاف، باعتبار أن الحكومة طرفٌ ثالث، وذلك على أساس الوعد الملزم.
2- عدم الحاجة حينئذ للنص في سندات المقارضة الصادرة لهذه الغاية، على أن يتحمل المكتتبون ما يصيبهم من الخسارة.
وقد أكد مجلس الإفتاء هذا الأمر بعد اطلاعه على كتاب سماحة وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، حيث قرر:
أ- تأكيد قرار لجنة الإفتاء بشأن مشروع قانون سندات المقارضة، وانطباق نصوصه ومواده مع أحكام الشريعة الإسلامية.
ب- تأكيد قرار لجنة الإفتاء بخصوص جواز كفالة الحكومة تسديد القيمة الأساسية لسندات المقارضة الواجب إطفاؤها بالكامل في المواعيد المقررة باعتبار أن الحكومة طرف ثالث، وأن للحكومة - بما لها من ولاية عامة - أن ترعى شؤون الموظفين، ولها أن تشجع أي فريق على القيام بما يعود على المجموع بالخير والمصلحة.
ج- وقد لاحظ المجلس أن المادة الثانية عشر من القانون المؤقت رقم (10) لسنة 1981م قد أضافت بعد النص على أن الحكومة تكفل تسديد سندات المقارضة الاسمية الواجب إطفاؤها بالكامل في المواعيد المقررة، أن المبالغ التي تدفعها الحكومة في هذه الحالة تصبح قرضا للمشروع، وبدون فائدة، مستحق الوفاء فور الإطفاء الكامل للسندات، وهذا يعني أن الحكومة التي قبلت مبدأ كفالتها لتسديد القيمة الاسمية للسندات على أساس أنها طرف ثالث - لم تعد طرفا ثالثا، وأن الذي تحمل التسديد هو المشروع نفسه. كل ما في الأمر أنه قام بالاقتراض من الحكومة لعدم توافر السيولة لديه لتغطية القيمة الاسمية المطلوب تسديدها، وهذا في الواقع كفالة لعدم الخسارة، أعطيت لصاحب المال من المضارب في عقد المضاربة، وهذا أمر يخالف القواعد المقررة لعقد المضاربة في الفقه الإسلامي.
لذا يرى مجلس الإفتاء ضرورة الإبقاء على كفالة الحكومة، على أساس أنها طرف ثالث، واستمرار وضعها في الكفالة على هذا الأساس، ليقبل من الناحية الشرعية عدم النص في سندات المقارضة على تحميل المكتتبين ما يصيبهم من خسارة، كما هو وارد في نص لجنة الإفتاء في القرار المشار إليه.
ومن هنا يرى المجلس ضرورة الوقوف بالمادة الثانية عشرة عند كلمة المواعيد المقررة، وحذف الباقي، والواقع أن المشاريع الوقفية، والمشاريع التي تقوم بها البلديات والمؤسسات ذات الاستقلال المالي والإداري، التي ستستفيد من هذه الكفالة، هي من المشاريع الحيوية التي تعود على الأمة بالخير والنفع والرفاه، مما تحرص الدولة على إقامتها، والتشجيع عليها، تحقيقا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والأصل أن هذه المشاريع كما ينص القانون المؤقت لا يباشر إلا بعد دراسات وافية للجدوى الاقتصادية، وبوجود ضمانات كافية تضمن حسن سيرها، وسلامة الإشراف عليها.
(فليس في كفالة الحكومة تسديد قيمة أصل هذه السندات في مواعيد الإطفاء المقررة أي ضرر، أو إضاعة للمال العام، إنما هو استخدام إيجابي له في حالات نادرة وفي ظروف استثنائية) انتهى قرار المجلس.
وقد تم الانتباه عند عرض مشروع قانون البنوك الأخير على مجلس الإفتاء لما يمكن أن يوقعه استعمال لفظ: " مخصص " أو " حساب " من لبس، بحيث يظن أنه مملوك للبنك، فعدل عن هذا الاستعمال إلى استعمال لفظ: " صندوق " لتأكيد أنه ليس أحد المخصصات التي تقرر في البنوك كاحتياطات مثلا، وإنما هو خرج عن ملك المودعين والبنك.
وعليه فإن المجلس يرى:
أن التكييف الفقهي لحساب مواجهة مخاطر الاستثمار المعتمد في البنوك الإسلامية يقوم على أنه طرف ثالث، استحدثه التشريع، غير طرفي التعاقد المتصور في حسابات الاستثمار المشترك المفتوحة في البنوك الإسلامية، وهما المودعون والبنك، وبالتالي فإن هذا الحساب لا يملكه أي منهما، ولا يجوز التصرف فيه خارج ما هو مخصص له، وبالتالي فإنه لا يجوز للبنك أن يستثمره، وإن حدث وخالف، فإن حصيلته تكون لهذا الحساب، ولا يجوز له التصرف فيها، كما لا يجوز له التصرف في الأصل.
عند تصفية البنك الإسلامي يصرف الحساب لصندوق الزكاة، كما قرر في كل من قانون البنك الإسلامي الأردني، والنظام الأساسي للبنك العربي الإسلامي الدولي. والله تعالى أعلم.
رئيس مجلس الإفتاء
قاضي القضاة / عز الدين الخطيب التميمي
د. عبدالسلام العبادي
د. محـمـود البخيت
د. عمر الأشقــر
الشيخ سعيد الحجاوي
الشيخ محمود شويات
د. يوسف علي غيظان
الشيخ نعيم محمد مجاهد