صلة السمع والبصر بالعقل والقلب ومرادفاتهما في القرآن الكريم(*)
المفتي الدكتور محمد عبد الرحمن بني عامر/ مفتي محافظة الزرقاء سابقا
ملخص البحث
لقد تناولت في هذا البحث موضوع صلة السمع والبصر بالعقل والقلب والألفاظ المرادفة لهما من خلال تتبع الآيات القرآنية التي تحدثت عن هذا الموضوع، ودراستها دراسة علمية وفق المنهج الموضوعي، وقد جاء هذا البحث في مقدمة وتمهيد ومبحثين وخاتمة، فتحدثت في المقدمة عن أدبيات الدراسة.
وتحدثت في التمهيد عن معنى السمع والبصر في اللغة والاصطلاح، وعن تقديم السمع على البصر، وعن إفراد السمع وجمع الأبصار في آيات القرآن الكريم. وتحدثت في المبحث الأول عن صلة السمع والبصر بالعقل والقلب من خلال ذكر الآيات القرآنية التي قرن الله فيها بين السمع والبصر، وبين كل من العقل والقلب. وتحدثت في المبحث الثاني عن صلة السمع والبصر بالألفاظ المرادفة للعقل والقلب، فهناك مرادفات لغوية للعقل والقلب في القرآن الكريم يقرب معناها من معناهما إلى حد كبير، يعنينا منها في هذا البحث: اللب والفكر والفؤاد، كما أوضحت الصلة الوثيقة بين هذه الأعضاء جميعاً، مستخدماً في كل ذلك المنهج الاستقرائي والتحليلي، ودونت في الخاتمة أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذه البحث، والتي كان من بينها: أن حواس الإنسان هي المنافذ المفتوحة التي يكتسب الإنسان بواسطتها علومه ومعارفه، وأن السمع والبصر من أهم حواس الإنسان لما يتعلق بهما من المنافع الدينية والدنيوية ولا يؤديان وظيفتهما إلا إذا اتصلا اتصالاً وثيقاً بالعقل والقلب.
الكلمات المفتاحية: القلب، السمع، البصر، العقل، الإدراك.
مقدمة
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، فأنار به الطريق، وأوضح به السبيل، كتابٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والصلاة والسلام على رسول الهدى والرحمة، الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فلقد ظل القرآن الكريم على مرّ العصور، موضع اهتمام المسلمين، فعُنُوا به عناية عظيمة؛ تفهماً لمعانيه، واستنباطاً لأحكامه، واستخراجاً لعظاته وعبره.
ولما كانت العلوم الشرعية -والدراسات القرآنية بخاصة -أشرف العلوم وأنبلها؛ فقد أحببت أن يكون موضوع هذا البحث في التفسير لما له من صلة وثيقة بكتاب الله عز وجل، فكان هذا البحث بعنوان: (صلة السمع والبصر بالعقل والقلب في القرآن الكريم).
لقد كان حديث القرآن الكريم عن السمع والبصر يشمل جانبين رئيسين؛ الجانب الأول: الحديث عن السمع والبصر كصفتين من صفات الله عز وجل، حيث وردت هاتان الصفتان في عشرات الآيات القرآنية، والجانب الثاني: الحديث عن السمع والبصر كنعمتين من نعم الله على الإنسان، وهو الجانب الذي أطال فيه القرآن وأسهب، ذلك أن هاتين الحاستين من أهم وسائل الوعي والفهم عند الإنسان، كما أنهما النافذتان اللتان يطلّ منهما عقل الإنسان على الوجود، وبواسطتهما يكسب علومه ومعارفه، وهذا الجانب هو المقصود من هذا البحث.
ومن الجدير بالملاحظة هنا أن حديث القرآن عن سمع الإنسان وبصره لم يقصد به في غالب الآيات، الناحية التشريحية، بل يقصد به الناحية المعرفية الإدراكية، كما وردت مصطلحات (العقل والقلب واللبّ والفؤاد) في عشرات الآيات القرآنية، وهي مصطلحات تتداخل معانيها إلى حدّ كبير، فلا توجد حدود فاصلة بينها، فلا يكاد المرء يفرق تفريقاً واضحاً بين عمل القلب والعقل والفؤاد، ورغم هذا التداخل إلا أن لكل منها ما يميزه عن غيره، كما أن العلاقة بين العقل والقلب علاقة مترابطة غير ظاهرة، حيث إن كثيرًا من الأمور تُربط بالعقل، ولكن يكون المسؤول الأول عنها هو القلب.
مشكلة الدراسة:
رغم ما حظيت به الآيات القرآنية المتعلقة بالسمع والبصر من اهتمام المفسرين وغيرهم، ورغم ما حظيت به الآيات القرآنية المتعلقة بالعقل والقلب من الاهتمام كذلك، إلا أن الإشكالية المطروحة هي: هل هناك صلة بين السمع والبصر وبين العقل والقلب والألفاظ المرادفة لهما، وكيف تحدث القرآن الكريم عن هذه الصلة؟ هذا ما سيحاول البحث الإجابة عنه.
أهداف الدراسة:
يهدف هذه البحث إلى ما يلي:
أولاً: بيان أهمية السمع والبصر كحاستين من حواس الإنسان وأنهما من أجل نعم الله عليه.
ثانياً: بيان الصلة بين السمع والبصر وبين العقل والقلب والألفاظ المرادفة لهما، وتوضيح ذلك من خلال آيات القرآن الكريم.
الدراسات السابقة:
كثيرة هي الدراسات التي تحدثت عن السمع والبصر في القرآن الكريم، وكثيرة هي الدراسات التي تحدثت عن العقل والقلب كذلك، فقد تعرض العلماء السابقون -وخاصة المفسّرون– للحديث عن السمع والبصر من خلال تفسيرهم لآيات السمع والبصر، كما تعرضوا للحديث عن العقل والقلب من خلال تفسيرهم لآيات العقل والقلب، كما تعرض العلماء المحدثون للحديث عن هذا الموضوع، وخاصة عند حديثهم عن المعرفة والإدراك، ومنهم:
1. الدكتور راجح عبد الحميد الكردي، نظرية المعرفة بين القرآن والفلسفة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1992م.
2. الدكتور محمد طالب مدلول، الحواس الإنسانية في القرآن الكريم، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2007م.
3. زين عزيز العسافي، الحواس الخمس في القرآن الكريم، مجلة الأندلس للعلوم الاجتماعية والتطبيقية، المجلد 5، العدد 8، 1433هـ، 2012م.
4. يوسف علي الطراونة، السمع والبصر في القرآن الكريم "دراسة في الإعجاز البياني" رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الدراسات العليا، جامعة مؤتة، 2012م.
تحدثت هذه الدراسات وغيرها عن الحواس الإنسانية من خلال آيات القران الكريم، لكنني أردت في هذا البحث أن أتكلم عن الصلة بين السمع والبصر وبين العقل، وعن الصلة بينهما وبين القلب، وعن الصلة بينهما وبين الألفاظ المرادفة للعقل والقلب، وإبرازه في بحث مستقلّ مع التأكيد على بعض القضايا البلاغية التي كان يعرض لها المفسرون بإشارات متفاوتة.
حدود البحث:
تقتصر الدراسة في هذا البحث على الآيات القرآنية التي ربط الله تعالى فيها بين بين السمع والبصر وبين العقل، وبينهما وبين القلب، وبينهما وبين الألفاظ المرادفة للعقل والقلب.
منهجية البحث:
اعتمدت في هذا البحث المنهج الاستقرائي والتحليلي من خلال جمع الآيات القرآنية المتعلقة بالموضوع مدار البحث ودراستها دراسة تحليلية، مستعيناً بكتب التفسير والمصادر والمراجع المختلفة، وقد جاء هذا البحث في مقدمة وتمهيد ومبحثين وخاتمة، وعلى النحو التالي:
المقدمة: وتشمل أدبيات الدراسة؛ مشكلة الدراسة وأهدافها والدراسات السابقة وحدود البحث ومنهجيته.
التمهيد، ويشمل:
أولاً: معنى السمع والبصر لغةً واصطلاحاً.
ثانياً: تقديم السمع على البصر.
ثالثاً: إفراد السمع وجمع الأبصار.
المبحث الأول: صلة السمع والبصر بالعقل والقلب.
المبحث الثاني: صلة السمع والبصر بمرادفات العقل والقلب.
الخاتمة: وفيها أبرز النتائج والتوصيات.
التمهيد
أولاً: معنى السمع لغةً واصطلاحاً
السمع لغة: "حسّ الأذن، مصدر سَمِعَ سمعاً وسماعاً، تقول: سمَّعه الخبرَ وأسمعه إياه، ورجل سمَّاع إذا كان كثير الاستماع لما يقال وينطق به، وفي التنزيل: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) [المائدة: 42]، وسمَّع به: أسمعه القبيح، وتسمع إليه واسّمع: أصغي، وفي التنزيل: (لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ) [الصافات: 8]، يقال: تسمّعت إليه وسمعتُ إليه وسمعتُ له: كلّه بمعنى، قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ) [فصلت: 26]"([1]).
أما في الاصطلاح؛ فالسمع كما عرّفه الجرجانيّ هو "قوة مودعة في العصب المفروش في مقعر الصماخ تدرك بها الأصوات بطريق وصول الهواء المتكيف بكيفية الصوت إلى الصماخ"([2])، وعرفه الأصفهاني بأنه "قوة في الأذن به تدرك الأصوات"([3])، فالسمع بهذه المعنى هو حاسة وهبها الله تعالى للإنسان ليتمكن بها من إدراك الكلام والأصوات.
وقد عبر القرآن الكريم بالسمع عن الأذن تارة نحو: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ) [البقرة: 7]، وتارة عن فعله كالسماع نحو: (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) [الشعراء: 212]، وتارة عن الفهم نحو: (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) [البقرة: 93]، أي فهمنا ولم نأتمر لك، وقوله: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) [البقرة: 285]، أي فهمنا وارتسمنا، وكل موضع أثبت الله السمع للمؤمنين أو نفاه عن الكافرين أو حث على تحريه، فالقصد به إلى تصور المعنى والتفكر به"([4])، فخصائص السَّمع الممدوح في القرآن الكريم هي: الفهم لما يُلقى، والاستجابة للأوامر، والانتهاء عن الموانع، فإذا تخلَّف الفهم، أو الطاعة والاستجابة، كان النَّفي للسمع، وهذا في حقّ المؤمنين والكافرين.
وأما البصر لغة: "حس العين، بصر به وبصراً وبصارةً وأبصره وتبصَّره: نظر إليه، وأبصرتُ الشيءَ: رأيته"([5])، والبصر: العلم بالشيء، يقال: فلان بصير بكذا أي عليمٌ به، ويقال للجارحة الناظرة بصر، نحو قوله تعالى: (كَلَمْحٍ بِالْبَصَر) [القمر: 50]، "ويقال للقوة التي في الجارحة بصر، ويقال لقوة القلب المدركة بصر وبصيرة، نحو قوله تعالى: (فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [ق: 22]، وجمع البصر أبصار، وجمع البصيرة بصائر"([6]).
أما البصر اصطلاحاً؛ فقد عرّفه الجرجاني بأنه "القوة المودعة في العصبتين المجوفتين اللتين تتلاقيان ثم تفترقان، فيتأديان إلى العين تدرك بها الأضواء والألوان والأشكال"، وعرفه الفيومي بأنه "النور الذي تدرك به الجارحة المبصرات"([7])، والفرق بين العين والبصر والنظر والرؤية، أن العين آلة البصر وهي الحدقة، والبصر اسم للرؤية، قال تعالى: (وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ) [الأعراف: 198]، فالكفَّار يحدقون في النبي صلى الله عليه وسلم غير أنَّهم لا يبصرون، أي: لا يدركون فضله، ولا ينتفعون بالنظر إليه، ولا بالهدى المرسل به، والنظر هو تقليب الحدقة نحو المرئي التماسًا لرؤيته، فالبصر خاص بالمعاينة والمشاهدة بالعين، "وحاسّة البصر إحدى أبواب القلب، وأعمر الطرق إليه، وعملها من أكثر أعمال الجوارح وقوعًا وتكرارًا"([8])، والبصر قوة ربانية أودعها الله تعالى في عيني الإنسان ليدرك بها ما حوله، فهو حاسّة تدرك بها الأشكال.
ثانياً: تقديم السمع على البصر:
لقد ذكر القرآن الكريم حاسة السمع وآلتها وما له علاقة بها في أكثر من مائة وسبعين موضعاً، وذكر حاسة البصر وآلتها وما له علاقة بها في أكثر من مائتين وستين موضعاً، جمع بين السمع والبصر في مواضع منها، وقدم السمع على البصر في معظمها، كقوله تعالى: (أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ) [يونس: 31]، وقوله تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ) [النحل: 78]، وقدم البصر على السمع في مواضع قليلة، كقوله تعالى: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَىٰ وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ) [هود: 24]، وقوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا) [الأعراف: 195]، "والظاهرة العامة لترتيب السمع على البصر في القرآن الكريم هو ترتيبها على أساس فعاليتها في المعرفة، حيث تقدم السمع على البصر في كل مواقف المعرفة ومواضع ذكرها في القرآن إلا في عدة مواضع، ولذلك التقديم على خلاف القاعدة توجهٌ لا يخلّ بها"([9]).
وقد وقف العلماء -قديماً وحديثاً– عند هذا الترتيب لإدراكهم أنه ترتيب مقصود، وذكروا له مجموعة من المزايا، ومنها:
أولاً: السمع أهمّ في إقامة الحجة على الخلق، إذ إن البصر لا يشاهد المعجزة إلا زمان وقوعها، ومن شاهدها فقط، أما السمع فطريقٌ أعم وأشمل وأطول في مداه وزمانه، وذلك انبثاقاً من طبيعة الدين نفسه، وهو العموم والخلود([10]).
ثانياً: السمع أهم في توصيل نتائج العقول إلى الغير، "فالسمع كأنه سبب لاستكمال العقل بالمعارف، والبصر لا يوقفك إلا على المحسوسات"([11]).
ثالثاً: السمع يدرك المسموعات من الجهات الستّ، وفي النور والظلمة، بينما لا تدرك القوة الباصرة إلا في جهة المقابلة وبواسطة شعاع أو ضياء، فتحصيل السمع للمعرفة أكثر من تحصيل البصر، وما تم نفعه زاد فضله، وإلى هذا المعنى أشار الآلوسي بقوله: "ولعل سبب تقديم السمع على البصر مشاركته للقلب في التصرف في الجهات الست، ولا ينطبق ذلك على البصر"([12]).
رابعاً: السمع أهمّ في تنمية القدرات العقلية والشعورية عند الإنسان، فمن الأسباب الرئيسة للتخلف العقلي –الخَلقي والمكتسب– هو تعطل آلة السمع عند المولود، "فإذا ولد الإنسان أصم، فإنه يصعب عليه الانسجام مع المحيط الخارجي، بمعنى أن جهاز السمع هو الذي ينمي مدركات الإنسان وذهنه ووعيه، ولذلك فإن الذي يفقد السمع قبل النطق لا ينطق وهي حقيقة علمية، أما فقدان البصر في الطفولة فنادراً ما يصحبه تخلّف عقليّ، وقد عرف التاريخ كثيراً من فاقدي البصر الذين نبغوا في شتّى مجالات العلم والمعرفة، ولكن من النادر أن تجد أصمّ نبغ في مجال من هذه المجالات، بالرغم مما اخترعه العلماء في هذا العصر من وسائل تساعد الأصم على النطق والفهم"([13]).
خامساً: السمع يؤدي وظيفته باستمرار ودون توقف، بينما قد يتوقف البصر عن أداء وظيفته إذا أغمض الإنسان عينيه أو نام، في حين إنك إذا أيقظت نائماً، فأوّل ما يستجيب لهذا الإيقاظ سمعه وأنت تراه ما زال بعد مغمض العينين، ولذلك فقد ذكر الله تعالى في قصة أهل الكهف أنه ضرب على آذانهم كي يستغرقوا في نومهم فلا توقظهم الأصوات، قال سبحانه: (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا فضربنا) [الكهف: 11]، "فتسليط الضرب على السمع أبلغ في النوم من تسليطه على العين، فقد تتناوم العينان وصاحبهما يقظان، وإنما النائم الحقيقي هو الذي ضرب على سمعه لا على بصره"([14]).
لهذه المزايا ولغيرها([15])فضل معظم العلماء -وخاصة المفسرون -السمع على البصر، وقد أشار كثيرٌ منهم إلى هذا التفضيل عند تفسيرهم لآيات السمع والبصر، فعند تفسير قوله تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) [البقرة: 7]، يشير القرطبي إلى أفضلية السمع على البصر لتقدمه عليه([16])، وفي تفسيره لنفس الآية يقول ابن عاشور: "وفي تقديم السمع على البصر في مواقعه من القرآن دليل على أنه أفضل فائدة لصاحبه من البصر، فإن التقديم مؤذن بأهمية المقدَّم"([17])، كما احتجوا بقوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ) [يونس: 42-43]؛ قالوا: "فلما قرن الله تعالى بذهاب السمع ذهاب العقل، ولم يقرن بذهاب النَّظر إلا ذهاب البصر، كان دليلاً على أنّ السمع أفضل"([18])، وذهب البعض -كابن قتيبة- إلى أن البصر أفضل، قالوا: "إن أعلى النعيم لذةً وأفضله منزلةً، النظر إلى الله تعالى في دار الآخرة، وهذا إنما ينال بالبصر، وهذه وحدها كافية في تفضيله، والبصر مقدمة القلب وطليعته ورائده، فمنزلته عنده أقرب من منزلة السمع"([19]).
لكن التحقيق –كما يقول ابن القيم– أن لكل منهما مزية على الآخر "فمزية السمع العموم والشمول، ومزية البصر كمال الإدراك وتمامه، فالسمع أعم وأشمل، والبصر أتم وأكمل، فهذا أفضل من جهة شمول إدراكه وعمومه، وهذا أفضل من جهة كمال إدراكه وتمامه"([20]).
اما الآيات التي تقدم البصر فيها على السمع؛ فالظاهرة العامة أن هذا التقديم جاء في مواقف لا يؤدي البصر والسمع فيهما دوراً معرفياً، ومن هذه الآيات:
أولاً: قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا) [الأعراف: 195]، فالموقف هنا موقف استهزاءٍ بالكفار، حيث سواهم بالحيوانات غير العاقلة التي لا يؤدي البصر والسمع عندها الدور المعرفي الذي ينتج عنه الهدى، بل إن البصر بالنسبة إلى الحيوانات أهم من السمع الذي لا يعدو أن يكون وسيلة لحفظ الحياة.
ثانياً: قوله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ) [السجدة: 12]، فالحديث هنا في الآخرة لا في الدنيا، وهناك لا يؤدي البصر أو السمع دوراً معرفياً، ولزوم البصر هناك أكثر من لزوم السمع.
ثالثاً: قوله تعالى: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [هود: 24]، والمثل في هذه الآية يقصد به الحديث عن تعطيل حاستي البصر والسمع، فعند تعطيل هاتين الحاستين تقدم البصر على السمع، وهكذا في كل الآيات القرآنية التي تقدم فيها البصر على السمع.
ثالثاً: إفراد السمع وجمع الأبصار:
في الآيات التي قرن الله تعالى فيها بين السمع والبصر، جاء السمع مفرداً، بينما ذُكرت الأبصار بصيغة الجمع، كقوله تعالى: (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَار) [يونس: 31]، وقوله تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ) [الملك: 23]، وهذا مضطرد في جميع آيات القرآن الكريم باستثناء آية واحدة أُفرد فيها البصر.
وقد أشار بعض المفسرين إلى هذا الموضوع، وذكروا له أسباباً مختلفة، يقول الرازي: "إنما جمع الأبصار ووحّد السمع لوجوه؛ أحدها: أنه وحّد السمع، لأنّ لكل واحد منهم سمعاً واحداً، كما يقال: أتاني برأس الكبشين، يعني رأس كل واحد منهما، يفعلون ذلك إذا أمنوا اللبس، فإذا لم يؤمن كقولك فرسهم وثوبهم، وأنت تريد الجمع رفضوه، الثاني: أن السمع مصدر في أصله، والمصادر لا تجمع، يقال: رجلان صوم، ورجال صوم، فروعي الأصل، الثالث: أن نقدر مضافاً محذوفاً أي وعلى حواس سمعهم، الرابع: قال سيبويه: إنه وحد لفظ السمع إلا أنه ذكر ما قبله وما بعده بلفظ الجمع، وذلك يدل على أن المراد منه الجمع أيضاً، قال تعالى: (يخرجهم من الظلمات إلى النور) [البقرة: 257]" ([21]).
أما الآلوسي فلم يرتض هذا التعليل، فهو يقول: والقول بأنه وحد السمع للأمن من اللبس، ولأنه مصدر والمصادر لا تجمع ليس بشيء، وأدنى من هذا عندي تقدير مضاف مثل وحواس سمعهم، ويرجح الآلوسي إفراد السمع وجمع الأبصار "للاختصار والتفنن مع الإشارة إلى نكتة، وهي أن مدركاته نوع واحد ومدركات الأبصار مختلفة، وكثيراً ما يعتبر البلغاء مثل ذلك، وقيل: إن وحدة اللفظ تدل على وحدة مسماه -وهو الحاسة- ووحدتها تدلّ على قلة مدركاتها"([22]).
ويوافق صاحبُ المنار الآلوسيَّ فيما ذهب إليه من كون السمع مصدراً ليس سبباً لإفراده، لأنّ البصر أيضاً مصدر، ومع ذلك جاء مجموعاً، ويرى أن سبب إفراد السمع هو قلة مدركاته بخلاف الأبصار، لأن أنواع المبصرات كثيرة، والسمع لا يدرك إلا الصوت، وليس في الكلام عند النقل طريق من العلم اليقيني إلا التواتر، بخلاف ما تقطع فيه بالضرورة من طريق العقل والبصر، فهو كثير، فالعقول والأبصار بمنزلة ينابيع كثيرة تنبجس من كلّ منها عيون للعلم مختلفة، بخلاف السمع فإنه ينبوع واحد لا اختلاف فيما يصدر عنه، فالحاصل أن العقول والأبصار تتصرف في مدركات كثيرة، فكأنها صارت بذلك كثيرة فجمعت، وأما السمع فلا يدرك إلا شيئاً واحداً فأفرد([23]).
ويشير ابن عاشور إلى لطيفة أخرى في إفراد السمع وجمع الأبصار، وهي أن الأبصار متفاوتة التعلق بالمرئيات التي فيها دلائل الوحدانية في الآفاق، وفي الأنفس، فلكل بصر حظه من الالتفات إلى الآيات المعجزات والعبر والمواعظ، فلما اختلفت أنواع ما تتعلق به جمعت، وأما الأسماع فإنما كانت تتعلق بسماع ما يلقى إليها من القرآن، فالجماعات إذا سمعوا القرآن سمعوه سماعاً متساوياً، وإنما يتفاوتون في تدبره، والتدبر من عمل العقول، فلما اتحد تعلقها بالمسموعات جعلت سمعاً واحداً([24]).
أما من الوجهة الوظيفية؛ فإن إفراد السمع وجمع الأبصار من أدلة الاعجاز في أسلوب القرآن الكريم، فحاسة السمع تستقبل الأصوات الصادرة من جميع الجهات، بينما لا تري العين إلا إذا اتجه الإنسان ببصره نحو الشيء الذي يريد أن يراه، وإذا حدث صوت في مكان يتواجد فيه مجموعة من الناس، فإنهم جميعاً يسمعون نفس الصوت تقريباَ، بينما هم يرون الشيء الواحد من زوايا مختلفة، وبذلك لا تكون رؤيتهم للشيء الواحد متماثلة تماماً، ثم إن استقبال الأذن لا خيار للإنسان في أن يمنع أذنيه أن تسمع، فلا يوجد في الأذن شيء بحيث يسدها كي لا تسمع، أما العينان فلك أن تغمضهما فلا ترى، فإذا حدث صوت في مجموعة من الناس فإنهم لا يملكون إلا أن يسمعوه جميعاً، أما المرئي فيختلف الناس في رؤيته، فهذا يفتح عينيه فيراه، وذاك يغمض عينيه فلا يراه([25]).
أما الآية الوحيدة التي أفرد فيها البصر فهي قوله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36]، والحكمة في إفراد البصر هنا واضحة، إذ الكلام في الآية الكريمة عن المسؤولية الذاتية، فكل إنسان مسؤول عن سمعه وبصره وفؤاده فقط، وليس مسؤولاً عن سمع الآخرين وأبصارهم وأفئدتهم([26]).
المبحث الأول
صلة السمع والبصر بالعقل والقلب
المطلب الأول: صلة السمع والبصر بالعقل
العقل لغةً الحِجر والنهى، ضد الحمق، والجمع عقول، وقيل: العاقل هو الجامع لأمره ورأيه، مأخوذ من عقلت البعير إذا جمعت قوائمه، والعاقل أيضاً هو الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها، أخذاً من قولهم: قد أعقل لسانه إذا حبس ومنع من الكلام، ويسمى العقل عقلاً لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، أي يحبسه، وقيل: العقل هو التمييز الذي يتميز به الإنسان عن الحيوان([27]).
والملاحظ أن المعاجم اللغوية ترجع أصل كلمة العقل إلى المنع، قال ابن فارس: "العين والقاف واللام أصل واحد منقاس مطرد، يدلّ عُظْمُهُ على حُبْسة في الشيء أو ما يقارب الحُبسة، من ذلك العقل، وهو الحابس عن ذميم القول والفعل"([28])، والمقصود بالحُبسة: المنع، ثمّ جرى التوسّع بمعنى الكلمة، فأطلق العقل على القوة الغريزية في النفس التي تعقل الإنسان عن الأمور القبيحة وتبين له الأمور الحسنة.
أما في الاصطلاح؛ فقد عرفه العلماء بتعريفات متعددة أرجحها تعريف الماوردي، وهو أن العقل "العلم بالمدركات الضرورية، وهو ما وقع عن إدراك الحواس الخمس وما كان مبتدأ بالنفوس"([29]).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن العقل ليس كائناً أو موجوداً مادياً، إنما هو فعلٌ وعملٌ فكري ونفسي وروحي غير مادّي، ترتبط به الأعمال الفكرية غير المادية، التي تظهر في الأوامر والنواهي، والخيارات والمفاضلات، وأعمال الإرادة واتخاذ القرارات، والإبداعات الفنية والأدبية... وإن كانت هذه الأعمال الفكرية تُترجم إلى أفعال مادية وتتجسّد فيها([30]).
وقد ورد لفظ العقل في القرآن الكريم في تسع وأربعين آية([31])، وفي جميع هذه الآيات لم يرد لفظ العقل اسماً، إنما وردت مشتقاته بصيغة الفعلية مثل (يَعْقِلُونَ) (تعْقِلُونَ (نَعْقِلُ)، والملاحظ في هذه الاشتقاقات أنها جميعها –إلا واحدة– جاءت بصيغة المضارع وعلى سبيل الاستفهام (أَفَلَا تَعْقِلُونَ) أو التقرير (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أو النفي (لَا يَعْقِلُونَ)، أما الألفاظ الأخرى التي تدلّ على النشاط العقلي بصفة عامة مثل التفكر والتدبّر والعلم وغيرها فقد وردت مئات المرات.
لقد أوضح القرآن الكريم الصلة بين السمع والبصر وبين العقل، والناظر في الآيات القرآنية التي ربطت بين السمع والبصر وبين العقل، يتبين له أن السمع والبصر هما نافذتان يطل الإنسان من خلالهما على العلم والمعرفة، فهما يشاركان العقل في عملية المعرفة والإدراك، وإذا تعطلت هاتان النافذتان تعطل العقل، وعندئذٍ يبدو الإنسان أشبه بالحيوان الذي لا يستفيد من حواسه في معرفة حقائق الكون لأنه لا يعقل، قال تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) [الأنفال: 22].
لقد أمرنا القرآن الكريم أن نحكم عقولنا في كل ما نرى ونسمع، فالإنسان يدرك العالم المحيط به بحواسه، وعقلُه يفسر ما يدرك، ويؤول ما يحسّ، فتترتب على ذلك معرفة، والمعرفة تفيض من نباهة العارف وانتباهه، وتتوقف على القدرة والتمييز، وتكون ممتنعة بلا عقلٍ مكتمل، "فإذا جمد الإنسان هذه الطاقات وقفل نوافذها وسحب الستائر والأغشية عليها يكون قد اختار بنفسه المنزلة التي ما أرادها الله له يوم منحه السمع والبصر والعقل، وهي منزلة البهائم والأنعام"([32]).
وإذا كانت البهائم والأنعام تبصر ما ينفعها وما يضرها، فتأخذ ما ينفعها وتترك ما يضرها، فإن أهل الكفر والضلال يعرفون الحقّ ويسمعونه بآذانهم ويعقلونه، إلا أنهم يخالفون سمعهم وعقولهم، فلا يتبعون الحق، وهذه إحدى صفات اليهود الذين قال الله تعالى فيهم: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة: 75]، وقد ذكر الله تعالى في هذه الآية حاسّة السمع مع العقل لأهمية هذه الحاسة في فهم الدعوة إلى الله، وقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ) توبيخ لهم وزيادة تشنيع عليهم، لأنهم إنما حرفوا كلام الله بعد فهمهم له عن تعمدٍ وسوء نية.
وشبه الله تعالى حال من لا يستخدم حواسه بحال الدواب التي لا تعقل ولا تعي، فقال جل وعلا: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) [الأنفال: 21]، ولفظ الدواب يشمل الناس فيما يشمل فهم يدبون على الأرض، ولكن استعماله يكثر في الدواب من الأنعام فيلقي ظله بمجرد إطلاقه، وقوله تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [البقرة: 171]، يخلع عليهم صورة البهيمية في الحسّ والخيال وأنهم لكذلك، بل هم شرّ الدواب، فالبهائم لها آذان ولكنها لا تسمع إلا كلمات مبهمة، ولكنها مهتدية بفطرتها فيما يتعلق بشؤون حياتها الضرورية، أما هؤلاء الدواب فهم موكولون إلى إدراكهم الذي لا ينتفعون به، فهم شرٌ من الدواب قطعاً([33]).
لقد كان بعض المشركين يستمعون لقراءة الرسول صلى الله عليه وسلم، غير أنهم لم يكونوا ينتفعون بما يتلى عليهم ولا يعملون بموجبه، وإذا لم يعملوا بموجبه، فهم في حكم من لم يسمع، قال تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ) [يونس: 42]، "فالسماع أصل العقل وأساس الإيمان الذي انبنى عليه وهو رائده وجليسه ووزيره، وحقيقة السماع تنبيه القلب على حقيقة المسموع"([34]).
ولأن حقيقة استماع الكلام فهم المعنى المقصود منه، فإن البهائم لا توصف به، وحقيقة الاستماع لا تتأتى إلا باستعمال العقل السليم في تدبره "فحريٌ بمن عُدم السمع والعقل ألا يكون له إدراكٌ بشيءٍ البتة بخلاف أن لو كان الأصم عاقلاً فإنه بعقله يهتدي إلى الأشياء"([35])، وقد جمع الله تعالى بين السمع والعقل في قوله تعالى: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير) [الملك: 10]، "لأنّ مدار التكليف على أدلة السمع والعقل، ولا شكّ أنهم كانوا ذوي أسماع وعقول صحيحة، وأنهم ما كانوا صمَّ الأسماع، ولا مجانين، فوجب أن يكون المراد ما كان لهم سمع الهداية ولا عقل الهداية"([36]).
لقد دعا الله تعالى هؤلاء الغافلين إلى السير في الأرض سير الباحثين عن الحقيقة والتأمل في مظاهر الوجود، والاعتبار بمن سبق من الناس، قال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور) [الحج: 46]، فهذه الآية تحظ على الاعتبار بالمدن الهالكة والآثار المعطلة والقصور المشيدة التي تركتها تلك الأمم، وإنما يكون هذا الاعتبار بالسير في الأرض، فإن السير فيها ربما بعث الإنسان على أن يتفكر في سبب هلاك تلك الأمم، وأن الذي وقع بهم، إنما وقع لشركهم بالله وإعراضهم عن آياته واستكبارهم على الحق وتكذيبهم الرسل، فيكون له قلب يعقل به ويردعه عن الشرك والكفر.
وقد بين الله تعالى أنه أعطى الناس جميعاً سمعاً وأبصاراً وعقولاً، إلا أن الكافرين عطلوا هذه المدارك فختم الله عليها بسبب إعراضهم عن الهدى والحق، وهؤلاء حين يُلقون في النار يوم القيامة سوف يقرون ويعترفون بأنهم ما كانوا يسمعون الهدى ولا يعقلونه قال تعالى: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير) [الملك: 10]، فقد جمع الله تعالى في هذه الآية بين السمع والعقل؛ السمع لما أنزل الله، وجاءت به الرسل، والعقل الذي ينفع صاحبه، ويوقفه على حقائق الأشياء، فكأنهم لا سمع لهم ولا عقل.
يتضح مما سبق قوة الاتصال والترابط بين السمع والبصر وبين العقل، وأكثر ما أكد عليه القرآن هو حاسة السمع وصلتها بالعقل لأهمية الدور الذي تقوم به هذه الحاسة.
المطلب الثاني: صلة السمع والبصر بالقلب
القلب هو "المضغة من الفؤاد معلقة بالنياط، والجمع، أقلب وقلوب وقيل: القلوب والأفئدة قريبان من السواء، وكرّر ذكرهما لاختلاف اللفظتين تأكيدا"([37])، وقال الأزهري: "ورأيت بعض العرب يسمي لحمة القلب كلها شحمها وحجابها، قلباً وفؤاداً، قال: ولم أرهم يفرقون بينهما، ولا أنكر أن يكون القلب هو العلقة السوداء في جوفه"([38])، وقال الفيروز آبادي: "القلب هو الفؤاد أو أخص منه، والعقل ومحض كل شيء"([39])، وفي مختار الصحاح القلب: الفؤاد، وقد يعبر به عن العقل([40])، والقرآن يعبر بالقلب والفؤاد عن مجموع مدارك الإنسان الواعية، وهي تشمل ما اصطلح على انه العقل، وتشمل کل قوى الإلهام الكاملة المجهولة الكنه والعمل([41]).
ولا يختلف المعنى الاصطلاحي للقلب عن المعنى اللغوي كثيراً، فالتعريفان قريبان جداً من بعضهما، بل إن الفرق بينهما لا يكاد يلحظ، يقول الغزالي: يطلق القلب ويراد به معنيان، أحدها اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر، والمعنى الثاني: هو لطيفة ربانية روحانية([42]) لها بهذا القلب الجسماني تعلق، وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان، وهو المخاطب والمعاقب والمطالب، ولها علاقة مع القلب الجسماني، وقد تحيرت عقول أكثر الخلق في إدراك، وجه علاقته، فإن تعلقه به يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام، والأوصاف بالموصوفات، واللطيفة الربانية هذه هي الروح الإنساني المتحمل لأمانة الله المتحلي بالمعرفة المركوزة فيه، العالم بالفطرة الناطق بالتوحيد فهو أصل الآدمي ونهاية الكائنات في عالم المعاد، وحيثما ورد القلب في الشرع فيراد الروح الإنساني([43]).
ومما تجدر الإشارة إليه أن كلمة قلب بالرغم من أنها قد ذكرت في القرآن الكریم -في حالات الإفراد والتثنية والجمع -أكثر من مائة وثلاثين مرة([44])، إلا أنه لم يقصد بها مطلقا الدلالة على القلب بمعناه التشريحي الطبي، ولكن قصد بها التعبير عن جهاز إدراكي معرفي بالغ التعقيد، له وظائف متشعبة ومتعددة ومتداخلة إلى حدّ بعيد جداً، كما أن له خصائص قد انفرد بها ولم يشاركه فيها أي من الملكات الأخری([45])، وقد ورد في القرآن الكريم عدد لا يستهان به من الآيات التي تشير في ظاهرها إلى أن القلب هو مركز العقل والتعقّل.
لقد قرن الله سبحانه وتعالى بين السمع والبصر وبين القلب من خلال حديث القرآن عن العقوبات التي عاقب الله بها الكافرين في الحياة الدنيا بأن جعل في قلوبهم موانع تمنعهم من الإيمان والاهتداء بسبب كفرهم وبعدهم عنه سبحانه وتعالى، وهذه العقوبات منها ما يتعلق بالقلب كالختم والطبع والأكنة، ومنها ما يتعلق بالسمع كالختم والطبع، ومنها ما يتعلق بالبصر كالغشاوة والحجاب، والعمى، ومنها ما يتعلق بهما معا كأخذهما، حيث تتعطل هاتان الحاستان عن أداء وظيفتهما بسبب عقوبة القلب، ومن هذه الموانع:
أولاً: الختم على القلوب والأسماع، والتغشية على الأبصار، وذلك في آيتين من كتاب الله تعالی، هما قوله تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة: 7]، وقوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية: 23]، والختم على القلب هو ألا يفهم شيئاً ولا يخرج منه شيء كأنه طبع، فلا تعقل ولا تعي شيئاً، قال أبو إسحاق: "معنی ختم وطبع في اللغة واحد، وهو التغطية على الشيء والاستيثاق من أن لا يدخله شيء، والخاتم ما يوضع على الطينة"([46]).
ففي الآية الأولى وبعد أن ذكر الله المؤمنين وأوصافهم في أول سورة البقرة ذكر بعدهم الذين كفروا، وذكر من أوصافهم أنهم لا يجدي معهم الإنذار نفعاً، ثم ذكر بعد ذلك العقوبة التي عاقبهم بها بسبب كفرهم، إلا وهي الختم على قلوبهم وأسماعهم، والتغشية على أبصارهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نقطة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع صقل قلبه، فإن زاد زادت حتى يغلف قلبه، فذلك الران الذي قال جلّ ثناؤه: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين:14]"([47])، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلفتها، وإذا أغلفتها أتاه حينئذ الختم والطبع الذي ذكره الله تبارك وتعالى في قوله تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ)، وخصّ القلب والسمع بالختم؛ لأنّ الأدلة السمعية لا تستفاد إلا من جهة السمع، والأدلة العقلية لا تستفاد إلا من جانب القلب، ولهذا خصّها بالذكر، وقدم سبحانه الختم على القلوب هنا لأنّ الآية تقرير لعدم الإيمان فناسب تقديم القلوب لأنها محلّ الإيمان، والسمع والأبصار طرق وآلات له، وأعاد جلّ شأنه الجار لتكون أدلّ على شدّة الختم في الموضعين([48]).
ويعلّل صاحب المنار سبب استعمال الختم مع القلب والسمع، والغشاوة مع البصر "بأن الختم من شأنه أن يكون على المكان المستور وهكذا موضع حمل السمع، وموضع الإدراك من العقل، وأما البصر فالحاسة منه ظاهرة منكشفة"([49])، ولما اختص إدراك الإبصار بجهة المقابلة جعل المانع عن فعلها الغشاوة المختصة بتلك الجهة، وأما سبب الاقتصار على هذه الأعضاء "فلأنها طرق العلم، فالقلب محل العلم، وطريقه إما السماع أو الرؤية"([50]).
أما في الآية الثانية؛ وهي قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية: 23]، فقد قدم السمع على القلوب، وذلك لأنه ذكر قبلها الأسماع المعطلة، قال تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [الجاثية: 7]، فالذي يسمع آيات الله ويعاند وكأنه لم يسمع شيئاً استحق الختم على سمعه أولاً، بخلاف آية البقرة التي قدم فيها القلوب على السمع، فقد ذكر في البقرة أن الإنذار وعدمه سواء، وأنهم ميؤوس من إيمانهم ولم يقل مثل ذلك في الجاثية([51]).
أما الرازي فيرى أن سبب تقديم السمع على القلب في الجاثية، وتقديم القلوب على السمع في البقرة، هو "أن الإنسان قد يسمع كلاماً فيقع في قلبه منه أثر، مثل أن جماعة من الكفار كانوا يلقون إلى الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم شاعر وكاهن، وأنه يطلب الملك والرياسة، فالسامعون إذا سمعوا ذلك أبغضوه ونفرت قلوبهم عنه، وأما كفار مكة فهم كانوا يبغضونه بقلوبهم بسبب الحسد الشديد فكانوا يستمعون إليه، ولو سمعوا كلامه ما فهموا منه شيئاً نافعاً، ففي الصورة الأولى كان الأثر يصعد من البدن إلى جوهر النفس، وفي الصورة الثانية كان الأثر ينزل من جوهر النفس إلى قرار البدن، فلما اختلف القسمان لا جرم أرشد الله تعالى إلى كلا هذين القسمين بهذين الترتيبين اللذين نبهنا عليهما"([52]).
وأمر آخر تجدر الإشارة إليه، وهو أنه تعالى قال في البقرة: (وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) بالجملة الاسمية التي تفيد الدوام والثبات، أي إن هؤلاء لم يسبق لهم أن أبصروا، وإنما هذا طبعهم وخلقتهم فلا أمل في إبصارهم، في حين قال في الجاثية: (وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً) بالجملة الفعلية التي تفيد الحدوث والتجدد، أي إن الغشاوة لم تكن من قبل الجعل، يدلّ على ذلك قوله تعالى: (وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) مما يدل على أنه كان مبصراً قبل ترديه، ثم ختم آية البقرة بقوله: (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ولم يقل مثل ذلك في الجاثية، فدل على أن صفات الكفر في الجاثية أشد تمكناً منهم([53])، فهؤلاء الكافرون لما صموا عن سماع الحقّ آذانهم، وأغلقوا عن النظر في آيات الله تعالى أبصارهم، كانوا بمنزلة من لم يسمع ولم يبصر، لأنهم أعرضوا عن استخدام هذه الوسائل في الوصول إلى الحق والعمل به.
ثانياً: الطبع على القلوب والأسماع والأبصار: في قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [النحل: 108]، والطبع على القلوب هو الختم عليها فلا تعي شيئاً([54])، والطبع والختم عند أهل اللغة بمعنى واحد([55])، وأكثرهما شدة في المنع هو الطبع على القلب في أنه يصبح سجية تتطبع بها أخلاق الكافر وسلوكه، وهو بذلك يعطل مداركه وحواسه ويطمسها حتى يصير كأنه قد غيرها لشدة جحوده وعناده ومكابرته وجهله، لانطماس بصره وبصيرته، فهو أصم أبكم أعمى، لا إحساس عنده ولا مشاعر، لا فرق بينه وبين الأنعام إلا في الشكل والهيئة، يقول الفخر الرازي: "إن الطبع والختم عبارة عن حصول الداعية للكفر المانعة من حصول الإيمان... وقال الحسن: الطبع عبارة عن بلوغ القلب في الميل في الكفر إلى الحدّ الذي كأنه مات عن الإيمان"([56]).
فهذه الآية تتحدث عن أولئك الذين ارتدوا عن الإيمان وشرحوا بالكفر صدراً، وآثروا الحياة الدنيا على الآخرة، فبينت أن الله تعالى قد ختم على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم فلا يستطيعون بعدها سماع الحقّ ولا رؤية البراهين الدالة عليه، لأن الطبع قد يمتد على أولئك الذين يتمادون في كفرهم حتى يشمل سمعهم وأبصارهم وعندئذ يكونون في غفلة تامة، وقوله تعالى: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) أي هم "الكاملون في الغفلة لا أحد أغفل منهم، لأن الغفلة عن تدبر العواقب هي غاية الغفلة ومنتهاها"([57]).
وقد بين الله عز وجل أنه بسبب استهزاء المنافقين بهذا الدين وتكبرهم عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعهم أهواءهم في الدنيا، عاقبهم بالطبع على قلوبهم فلا تفقه ولا تعي، قال تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) [محمد: 16]، فقد جاءت هذه الآية بعد الحديث عن صفات المرتدين وأحوالهم، حيث اعتبر الإسلام أن كل من كفر بالله بعد إيمانه فقد ارتكب جريمة عظيمة، لأنه عرف الإيمان وذاق حلاوته، ثم ارتد عنه إيثاراً للحياة الدنيا على الآخرة، وقد عاقب الله المرتدين بالعقاب الشديد والعذاب الأليم في الآخرة والحرمان من الهداية، ووصمهم بالغفلة وانطماس القلوب والسمع والأبصار، وحكم عليهم بأنهم في الآخرة هم الخاسرون، لأنّ العقيدة لا يجوز أن تكون موضع مساومة وحساب للربح والخسارة، ومتى آمن القلب بالله، فلا يجوز أن يدخل عليه مؤثر من مؤثرات هذه الأرض"([58]).
ثالثاً: أخذ السمع والبصر والختم على القلوب، في قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) [الأنعام: 46]، أيْ: قل يا محمد لهؤلاء المعاندين المكابرين، أخبروني ماذا يمكن أن تفعلوا إن سلبكم الله نعمة السمع التي هي وسيلة لاستماع الحق والخير، ونعمة البصر التي هي وسيلة لرؤية الآيات الدالة على وحدانية الله، وختم على قلوبكم التي هي محلّ العقل والفهم، وعندها لن تستطيعوا أن تعقلوا الأمور وتفهموها، لأنّ القلب سبب إمداد العقل بقوّة الإدراك.
لقد دعانا القرآن الكريم إلى تصور ما سيحلّ بمن فقد هذه النعمة ليدرك مدى قيمتها، فإن الإنسان لا يدرك قيمة النعمة غالباً إلا إذا فقدها، أو فقد جزءاً منها، ويحدثنا الإمام الغزالي عمن فقد نعمتي السمع والبصر فيقول: "فكر فيمن انعدم عنده البصر والسمع وما يناله من الصعاب، فإنه لا ينظر أین يضع قدمه، ولا يدري ما بين يديه، ولا يفرق بين الألوان، ولا يدري هجوم آفة أو عدو، ولا سبيل له أن يتعلم أكثر الصناعات، وأما من عدم السمع، فإنه يفقد روح المخاطبة والمحاورة ويعدم لذة الأصوات المستحسنة، وتعظم المؤونة على من يخاطبه حتی ينصرف عنه، ولا يسمع شيئاً من أخبار الناس وأحاديثهم حتى يصیر كالغائب وهو شاهد، وكالميت وهو حيّ"([59]).
وذكر الرازي في قوله تعالی: (وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ) وجوها: "الأول: قال ابن عباس: معناه وطبع على قلوبهم فلم يعقلوا الهدى، الثاني: معناه وأزال عقولكم حتى تصيروا كالمجانين، والثالث: المراد بهذا الختم الإماتة أي يميت قلوبكم"([60])، "ويجوز أن يكون الختم عطفا للأخذ المذكور، فإن السمع والبصر طريقان للقلب فهما يوردانه ما يردهما من المدركات فأخذهما سد لبابه، وهو السر في تقديم ختمهما على أخذه"([61]).
يقول ابن الجوزي: "قرأت هذه الآية (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ) فلاحت لي إشارة كدت أطيش منها، وذلك أنه كان عنى بالآية نفس السمع والبصر فإن السمع آلة لإدراك المسموع، والبصر آلة لإدراك المبصرات، فهما يعرضان ذلك على القلب فيتدبر ويعتبر، فإذا عرضت المخلوقات على السمع والبصر أوصلا إلى القلب أخبارها من أنها تدلّ على الخالق وتحمل على طاعة الصانع وتحذر من بطشه عند مخالفته، ولأن عنى معنى السمع والبصر فكذلك يكون بذهولهما عن حقائق ما أدركا شغلاً بالهوى، فيعاقب الإنسان بسلب معاني تلك الآلات، فيرى وكأنه ما رأی، ويسمع وكأنه ما سمع، والقلب ذاهل عما يتأذى به، لا يدري ما يراد به، لا يؤثر عنده أنه يبلی، ولا تنفعه موعظة تجلى، ولا يدري أین هو ولا المراد منه ولا الى أين يحمل، وإنما يلاحظ بالطبع مصالح عاجلته ولا يتفكر في خسران آجلته، لا يعتبر برفيقه، ولا يتعظ بصديقه، ولا يتزود لطريقه"([62]).
وتعطُّل السمع -سمع الاستجابة والهداية التوفيقيَّة- إنَّما يكون لتعطل مَحل الإدراك، وهو القلب، قال تعالى: (وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ) [الأعراف: 100]، أي: لا يسمعون ما ينفعهم للهداية، فهم يفهمون ويُدركون بالسمع ما قيل لهم، لكن قلوبهم لا تقتنع، وصدورهم لا تنشرح للحقّ، فاستوى السَّمع والصمم؛ لأنَّ الاستجابة منتفية، وإن كان الإدراكُ للأصوات، وفهم الكلام قائم؛ فالعمل بموجبه مُتخلف عنه، وهذا قطع للغاية من الخطاب بالأمر أو النَّهي.
رابعاً: الأكنة على القلوب والوقر في الأذن والحجاب على الأعين، وذلك في قوله تعالى: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ) [فصلت:5]، والكِن: السترة والجمع أکنان، قال تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا) [النحل:81] والأكنة: الأغطية، قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) [الأنعام: 25]، والواحد كنان([63])، فالأكنة هي تراكم الذنوب على القلب حتى تغطيه وتستره، فتمنعه من الاستجابة والهداية والإيمان.
وقد ذكر القرآن في هذه الآية ثلاثة موانع تمنعهم من الاستجابة واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي: الأكنة على القلوب، والوقر في الأذن، والحجاب الحاجز بينهم وبينه، قال تعالى: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا) [الإسراء:45-46]، يقول الرازي: "إنّ ذلك حجاب يخلقه الله تعالى في عيونهم بحيث يمنعهم ذلك الحجاب عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك الحجاب شيء لا يراه أحد فكان مستوراً من هذا الوجه، وقوله (أَنْ يَفْقَهُوهُ) أي لئلا يفقهوه، ومعلوم أنهم كانوا عقلاء سامعين فاهمين، فعلمنا أن المراد منعهم من الإيمان ومنعهم من سماع القرآن بحيث لا يقفون على أسراره ولا يفهمون دقائقه وحقائقه([64]).
وآية الإسراء هذه تشبه قوله تعالى في سورة الأنعام: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الأنعام:25]، ويذكر الزمخشري في سبب نزول هذه الآية أنه "اجتمع أبو سفيان والوليد والنضر وعتيبة وشيبة وأبو جهل وأضرابهم يستمعون تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا للنضر: يا أبا قتيله، ما يقول محمد فقال: والذي جعلها بيته –يعني الكعبة- ما أدري ما يقول، إلا أنه يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين مثل ما حدثتكم عن القرون الماضية، فقال أبو سفيان: إني أراه حقاً، فقال أبو جهل: كلا، فنزلت"([65])، ويقول سيد قطب: "إن هذه الآيات تصور حال المشركين وهم يستمعون القرآن الكريم معطلي الإدراك مطموسي الفطرة معاندين مكابرين، يجادلون رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم على هذا النحو من الاستغلاق والعناد، وهذه النماذج البشرية التي تستمع ولكنها لا تفقه، كأن ليس لها قلوب تدرك، وكأن ليس لها آذان تسمع، نماذج موجودة في كل جيل وفي كل قبيل، وفي كل زمان وفي كل مكان، إنهم أناس من بني آدم، ولكنهم يسمعون القول وكأنهم لا يسمعونه، كأن آذانهم صماء لا تؤدي وظيفتها، وكأن إدراكهم في غلاف لا تنفذ إليه مدلولات ما سمعته الأذان، وأعينهم ترى كذلك ولكن كأنها لا تبصر، أو كان ما تبصره لا يصل إلى قلوبهم وعقولهم، وهذا يعبر عن قضاء الله فيهم بألا يتلقى إدراكهم هذا الحق ولا يفقهه، وبألا تؤدي أسماعهم وظيفتها فتنقل إلى إدراكهم ما تسمع من هذا الحق فتستجيب له مهما يرون من دلائل الهدی وموجبات الإيمان، غير أن هؤلاء لم يتجهوا إلى الهدى ليهديهم الله ولم يحاولوا أن يستخدموا أجهزة الاستقبال الفطرية في كيانهم فييسر الله لهم الاستجابة، هؤلاء عطلوا أجهزتهم الفطرية ابتداء فجعل الله بينهم وبين الهدی حجاباً"([66]).
ونظير ما مرّ من آياتٍ في الوقر والأكنة والحجاب، قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا) [الكهف:57] فالظالم لنفسه المعرض عن آيات الله عقوبته غطاء يستر قلبه، وصمم يصيب سمعه، وهذا هو الجزاء الأوفى لكل من أعرض وتولى.
خامساً: تعطل القلب والسمع والبصر عن أداء دورهما، كما في قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور) [الحج: 46]، فقد نعى الله تعالى على الكافرين عدم سيرهم في الأرض سير المعتبرين، بقلوب تعقل وتفهم سنة الله في البقاء والهلاك، نعى على هؤلاء الكافرين تعطيلهم لقلوبهم عن التعقل والفهم، ولآذانهم عن سماع المواعظ والنصائح، التي فيها صلاحهم في الدنيا والآخرة، وبين الله تعالى أن العمى الحقيقي هو عمى القلوب لا عمى الأبصار، وأن عمی الأبصار بجانب عمل القلوب ليس بعمى على الحقيقة.
والشيء الملفت للنظر في هذه الآيات الكريمة هو الصلة الوثيقة والترابط بين السمع والبصر وبين القلب، وبينهما وبين عقوبة الأعراض عن دين الله، ذلك أن ما يصيبه القلب من ذنوب وموانع توثر على السمع والبصر، وعلى عملهما في الإدراك الواعي الصحيح تأثيراً سلبياً، بينما نجد أن صلاح القلب يؤثر تأثيراً إيجابياً في السمع والبصر وفي سلامة إدراكهما وصحته.
المبحث الثاني
صلة السمع والبصر بمرادفات العقل والقلب
المطلب الأول: اللب
"وهو العقل وجمعه ألباب"([67])، وهو أيضاً: "العقل الخالص من الشوائب سمي به لكونه خالص ما في الإنسان من قواه كاللباب من الشيء...، وقيل هو ما ذكا من العقل، فكل لب عقل ولا عكس"([68])، واللب "هو الدائرة الواقعة في عمق مركز التفكير، وهو مركز استقرار المعرفة العلمية ومركز التذكر ومركز الاعتبار والاتعاظ، والذكرى، وعنه تصدر النتائج الفكرية إلى الفؤاد والقلب والصدر لتحريك العواطف وتنبيه الإرادة صاحبة السلطة في توجيه السلوك"([69])، وبين العقل والقلب جامع مشترك في اللغة، هو اللبّ، الذي يعني العقل كما يعني القلب، ومن هنا تأتي الإشارة إلى القلوب بمعنى العقول في القرآن الكريم، كونها تعني الألباب، فالألباب تعني القلوب، وهي تعني العقول في الوقت عينه، حيث يوُصف الإنسان العاقل والذكيّ والفطن باللبيب.
وردت كلمة اللب في القرآن الكريم ست عشرة مرة([70])، إلا أنها لم تذكر إلا في صورة الجمع الذي أضيف إلى أصحابه في عبارة (أُولُو الْأَلْبَابِ).
ومن خلال التأمل في النصوص القرآنية التي ورد فيها ذكر (أُولُو الْأَلْبَابِ) يمكننا ملاحظة كثرة ارتباط أولي الألباب بالتذكر، وكأن التذكر وظيفة مخصوصة بهم، فهم أهل الحكمة في التصرف والسلوك، وتذكر أولي الألباب هو "استدعاؤهم لما يعرفون من أصول يقينية عن الله وصفاته ودلالات آياته المحكمات ليحملوا ما تشابه عليهم على ما هو محكم غير متشابه"([71])، لذلك فإن أولى الألباب يعرفون أن ما أنزل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحقّ، قال تعالى: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الرعد: 19]، فهؤلاء نوّر الله أبصارهم وبصائرهم وطمس أبصار وبصائر المعرضين.
ومن صفات أولي الألباب أنهم يُسخِّرون سمعهم وأبصارهم لما فيه الخير، فهم يستمعون القول فيأخذون منه ما ينفعهم ويفيدهم ويتركون ما لا خير فيه، قال تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر:18]، يقول العلامة السعدي: "قوله تعالى: (وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) أي: العقول الزاكية، ومِن لبِّهم وحزمهم أنَّهم عرَفوا الحسنَ من غيره، وآثروا ما يَنبغي إيثاره على ما سواه، وهذا علامة العقل، بل لا علامة للعقل سوى ذلك، فإنَّ الذي لا يميِّز بين الأقوال حسنها وقبيحها ليس من أهل العقول الصَّحيحة، أو الذي يميِّز لكن غلبَت شهوتُه عقلَه، فبقي عقلُه تابعًا لشهوته فلم يؤْثِر الأحسنَ، كان ناقص العقل"([72]).
المطلب الثاني: الفكر
وهو التفكر والتأمل، والاسم: الفكر والفكرة([73])، وقال الفيروز أبادي: "الفكر: إعمال النظر في الشيء"([74])، والفكر والتفكير هو النظر المتأمل في الشيء وهذه عملية ووظيفة عقلية تعتمد على الحواس في مرحلتها الأولى، حيث تنقل الحواس صورة الأشياء إلى العقل فیفكر فيها ويعطي لكل واحدة منها معنى ودلالة.
وقد ورد الفكر في القرآن الكريم بصيغة الفعلية في ثماني عشرة آية([75])، والملاحظ أن المواضيع التي وردت فيها الدعوة إلى التفكير شملت الإنسان والكون والحياة، ومن هذه الآيات، آية ختمت بالحض على التفكر، قارن الله فيها بين الأعمى والبصير وأنهما لا يستويان، وهي مقارنة بين الضال والمهتدي، وبين المؤمن والكافر، فالمؤمن بصير القلب والعقل والسمع والبصر، والكافر أعمى القلب ومعطل العقل ومطموس السمع والبصر، فكيف يستویان؟ قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ) [الأنعام: 50]، يقول ابن عاشور: "وشبهت حالة من لا يفقه الأدلة ولا يفكك بين المعاني المتشابهة بحالة الأعمى الذي لا يعرف أين يقصد، ولا أين يضع قدمه، وشبهت حالة من يميز الحقائق ولا يلتبس عليه بعضها ببعض بحالة القوي البصر، حيث لا تختلط عليه الأشباح"([76])، وقوله تعالى: (أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ) أي في أنهما لا يستويان، فقد أشارت الآية إلى أن اتباع الوحي وحده هداية وبصر، والمتروك بغير هذا الهادي أعمی.
المطلب الثالث: الفؤاد
الفؤاد هو "القلب وجمعه أفئدة"([77])، والقلب مضغة من الفؤاد معلقة بالنياط، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أتاكم أهل اليمن، هم أرق قلوباً وألین افئدة"([78])، فوصف القلوب بالرقة والأفئدة باللين، وكأن القلب أخص من الفؤاد في الاستعمال، وقد فرق القرآن الكريم بين القلب والفؤاد في قوله تعالى: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [القصص: 10]، وقيل: القلوب والأفئدة قريبان من السواء، وكرر ذكرهما لاختلاف اللفظتين تأكيداً([79]).
وقد قرن الله سبحانه وتعالى بين السمع والبصر وبين الفؤاد في عدة آيات كقوله تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ) [النحل: 78]، وقوله تعالى: (وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً) [الأحقاف: 26]، وقد اختص الإنسان وتميز عن باقي الكائنات بالأفئدة التي هي الخاصية التي صار بها الإنسان إنساناً، وهي قوة الإدراك والتمييز والمعرفة التي استخلف بها الإنسان في هذه الأرض، والتي بها الأمانة التي أشفقت من حملها السماوات والأرض والجبال، أمانة الإيمان الاختياري، والاهتداء الذاتي، والاستقامة الإرادية على منهج الله القويم.
وقد ورد لفظ الفؤاد مرادفاً للفظ القلب في القرآن الكريم في خمسة عشر موضعاً([80])، وهو لا يقل في أهميته عن القلب في تعبيره عن العقل الواعي المدرك، وكذلك يعبر عن الصلة المترابطة القوية بينه وبين السمع والبصر في الإدراك والمسؤولية والشكر لله تعالی.
ومن بين الآيات الخمس عشرة التي جاء فيها ذكر الفؤاد في القرآن الكريم هناك ثمان آيات ذكر فيها الفؤاد مع حاستي السمع والبصر، وهذا يدلّ على اشتراك الفؤاد مع هاتين الحاستين في اكتساب العلم والمعرفة، ما يدل على عظيم الصلة بينهما، فقد جعل الله سبحانه بين السمع والبصر والفؤاد علاقة وارتباطاً ونفوذاً يقوم به بعضها مقام بعض، ولهذا يقرن سبحانه بينهما كثيراً في كتابه، وهذا من عناية الخالق سبحانه بكمال هذه الصورة البشرية لتقوم كل حاسة منها مقام الحاسة الأخرى وتفيد فائدتها في الجملة لا في كل شيء([81])، ويمكن أن نلاحظ هذا الاشتراك من خلال الآتي:
أولاً: مسؤولية السمع والبصر والفؤاد: فالسمع مسؤول ومحاسب يوم القيامة عما سمعه من لغو الكلام وباطله، ومسؤول كذلك عن عدم استماعه لدعوة الحق، والبصر مسؤول أيضاً عما اقترفه، والفؤاد -مركز الإدراك ومحل القبول والرفض لما يسمع ويبصر- مسؤول ومحاسب أيضاً.
وقد أوضح الله تعالى تلك المسؤولية بقوله: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36]، وأصل القفو مأخوذ من قفوت أثر فلان أقفو قفواً إذا تتبعت أثره، فقوله: ولا تقف "أي ولا تتبع ولا تقتف ما لا علم لك به من قول أو فعل، وحاصله يرجع إلى النهي عن الحكم بما لا يكون معلوما"([82])، وفي الآية فائدتان؛ الأولى: أن العلوم إما مستفادة من الحواس أو من العقول، أما القسم الأول فإليه الإشارة بذكر السمع والبصر فإن الإنسان إذا سمع شيناً ورآه فإنه يرويه ويخبر عنه، وأما القسم الثاني: فهو العلوم المستفادة من العقل وهي قسمان: البديهية والكسبية وإلى العلوم العقلية الإشارة بذكر الفؤاد، والفائدة الثانية: ظاهر الآية يدل على أن هذه الجوارح مسؤولة وفيه وجوه، الوجه الأول: أن المراد أن صاحب السمع والبصر والفؤاد هو المسؤول، لأن السؤال لا يصح إلا لمن كان عاقلاً، وهذه الجوارح ليست كذلك، بل العاقل الفاهم هو الإنسان، يقال لهم: لم سمعتم ما لا يحل لكم سماعه، ولم نظرتم إلى ما لا يحل لكم النظر إليه، ولم عزمتم على ما لا يحل لكم العزم عليه؟ والوجه الثاني: أن تقرير الآية أن أولئك الأقوام كلهم مسؤولون عن السمع والبصر والفؤاد، فيقال لهم استعملتم السمع في ماذا؟ أفي الطاعة أو في المعصية؟ وكذلك القول في بقية الأعضاء، ثم إنها تشهد على الإنسان، والدليل عليه قوله تعالی: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النور: 24]، لذلك لا يبعد أن يخلق الحياة والعقل والنطق في هذه الأعضاء، ثم إنه تعالى يوجّه السؤال إليها، وقال القرطبي: "وعبر عن السمع والبصر والفؤاد بأولئك لأنها حواس لها إدراك وجعلها في هذه الآية مسؤولة، فهي حالة من يعقل فلذلك عبر عنها بأولئك"([83]).
ثانياً: شكر الله على نعمة السمع والبصر والفؤاد، فقد أنعم الله تعالى على عباده بأن خلق لهم أدوات العلم والمعرفة والتي بواسطتها يكتسبون علومهم ومعارفهم، ومن هذه الأدوات السمع والبصر، كما أكرمهم بالفؤاد الذي به يعقلون، فكم لله على عبده من نعمة سابغة في هذه الأعضاء والجوانح والقوى والمنافع التي فيه، فهو لا يلتفت إليها ولا يشكر الله عليها، ولو فقد شيئاً منها لتمنى أنه له بالدنيا وما عليها، فهو يتقلب في نعم الله بسلامة أعضائه وجوارحه وقواه وهو عار من شكرها، ولو عرضت عليه الدنيا بما فيها بزوال واحدة منها لأبى المعاوضة وعلم أنها معاوضة غبن"([84]).
ويذكر الله عباده بالنعم التي منَّ بها عليهم حين أخرجهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئاً، ثم بعد هذا رزقهم السمع الذي به يسمعون، والبصر الذي به يبصرون، والأفئدة التي بها يدركون ويعقلون، فالمرجو منهم إذن هو أن يؤدوا حق هذه النعم بشكر خالقها وواهبها، قال تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78]، فقد ذكر الله تعالى في هذه الآية بعض مظاهر قدرته ومنته على عباده، وهي إخراجهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون، فالإنسان خلق في مبدآ الفطرة وهو خال من العلم، والفهم، والإدراك، ثم زوده الله تعالى بالمعارف والعلوم، فهيأ له مفاتيح المعرفة من السمع الذي يسمع به الأصوات ويدركها، والبصر الذي يبصر به الأشخاص والأشياء، والفؤاد الذي يعي به الأمور، ليشكر الله عليه باستعمال كل عضو فيما خلق من أجله، وليتمكن من عبادة ربه ويطيعه في أمره"([85])، وإلى هذا المعنى أشار النسفي بقوله: "وما ركب فيكم هذه الأشياء إلا آلات لإزالة الجهل الذي ولدتم عليه واجتلاب العلم والعمل به من شكر المنعم وعبادته والقيام بحقوقه"([86])، ويقول سبحانه في آية أخرى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) [المؤمنون: 78]، فالله تعالى "إنما خصّ السمع والأبصار والأفئدة لأنه يتعلق بها المنافع الدينية والدنيوية ما لا يتعلق بغيرها، ومقدمة منافعها أن يعملوا أسماعهم وأبصارهم في آيات الله وأفعاله، ثم ينظروا ويستدلوا بقلوبهم، ومن لم يُعملها فيما خلقت له فهو بمنزلة عادمها، كما قال تعالى: (فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ) [الأحقاف: 26]، ومقدمة شكر النعمة فيها الإقرار بالمنعم بها، وأن لا يجعل له نداً ولا شريكاً"([87])، وقال تعالى أيضاً: (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) [السجدة: 9]، وقال أيضاً: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) [الملك: 23]، فالله تعالى جعل لنا هذه القوى لاستعمالها في طاعة الله عزّ وجل، ولنشكره سبحانه على أن وهبنا هذه النعم، من خلال استخدام هذه النعم في مرضاته سبحانه وتعالى، وقوله تعالى: (قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) أي: قلما تستعملون هذه القوى التي أنعم الله بها عليكم في طاعته وامتثال أوامره وترك زواجره"([88]).
الخاتمة
بعد أن من الله تعالى على بإتمام هذا البحث، فإني أسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل عملي هذا وأن يجعله خالصاً لوجهه الكریم، وسأذكر بإيجاز أهم النتائج التي توصلت إليها، وهي:
أولاً: إن حواس الإنسان -وخاصة السمع والبصر- هي المنافذ المفتوحة التي يكتسب الإنسان بواسطتها علومه ومعارفه، فهي أدوات اجتلاب العلم وإزالة الجهل وهي أدوات الإدراك والتمييز، وأن حديث القرآن عن السمع والبصر لم يكن في غالبه من حيث هي أجهزة حسية، بل من حيث هي وسائل وعي وفهم.
ثانياً: إنّ السمع والبصر من أهم حواس الإنسان لما يتعلق بها من المنافع الدينية والدنيوية، ولا يؤدي السمع والبصر وظيفتهما إلا إذا اتصلا اتصالاً وثيقاً بالعقل والقلب، فالعين طليعة القلب ورائده، والسمع رسوله المؤدي إليه، وهما جنديان من جنوده يأتمران بأمره، وينفذان ما يريد، ولشدة الصلة بين هاتين الحاستين وبين العقل وبين القلب فقد قرن الله تعالي بينها كثيراً.
ثالثاً: يُوصف القلب في القرآن الكريم بالبصر والعمى والسمع والصمم، بل هَذِه –كما يقول ابن القيم- لَهُ أصلاً وللعين والأذن تبعاً، فإذا فسد القلب فسد السمع والبصر، وإذا فسد السمع والبصر فسد القلب، فكل منهما يصلح بصلاح الآخر ويفسد بفساده.
رابعاً: كلّ إنسان مسؤول عن سمعه وبصره، ومسؤول أيضاً عن عقله وقلبه وفؤاده، فهذه حواسّ وقدرات وطاقات خلقها الله تعالى في الإنسان، وأنها ستكون يوم القيامة شهوداً لصاحبها أو عليه.
خامساً: كثرت في القرأن الكريم الدعوة إلى استخدام السمع والبصر والعقل للتفكر في الأنفس والآفاق، لأنها آيات باهرة ودلائل ظاهرة على قدرة الله سبحانه وتعالى.
سادساً: إنّ سمع المؤمنين وأبصارهم مرهفة شفافة لا تقع أسيرة الأغلال المادية القانية فلا تتوقف في إيمانها عند حدود السمع والبصر، بل تؤمن بالغيب، إيماناً يقينياً لا يقبل الشك، أما سمع المعرضين عن صراط الله وأبصارهم فلا تؤمن بما وراء هذه الحياة، لأنهم قد عطلوها عن أداء دورها وهم بتعطليهم لها قد اختاروا لأنفسهم منزلة دون منزلة البهائم.
سابعاً: على الرغم من أهمية السمع والبصر والعقل والقلب في المعرفة والإدراك، إلا أن هذه الوسائل، ليست هي المصدر الوحيد للمعرفة، كما أن هدايتها غير كافية لإسعاد الإنسانية، ولذا فلا بد من اقتران هدايتها بهداية الوحي.
(*) مجلة الفتوى والدراسات الإسلامية، دائرة الإفتاء العام، المجلد الأول، العدد الخامس، 1443هـ/ 2021م.
الهوامش
([1]) ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي (ت711هـ/1311م)، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط3، 1414هـ، ج8 ص162-165.
([2]) الجرجاني، علي بن محمد بن علي (ت816هـ/1414م)، التعريفات، 1403هـ -1983م، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، ص26.
([3]) الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد (ت502هـ/1109م)، المفردات في غريب القرآن، تحقيق: صفوان عدنان الداودي، دار القلم، بيروت، ط1، 1412هـ، ج1 ص425.
([4]) الفيروز آبادي، محمد بن يعقوب (ت817/1414م)، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، تحقيق: محمد علي النجار، لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة، ط1، 1416هـ/ 1996م، ج3 ص258.
([5]) ابن منظور، لسان العرب، ج4 ص64.
([6]) الفيروز آبادي، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، ج2 ص222.
([7]) الفيومي، أحمد بن محمد بن علي (ت770هـ/1368م)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، المكتبة العلمية، بيروت، ج1 ص50.
([8]) ابن القطان، علي بن محمد بن عبد الملك (ت628هـ/1221م)، النظر في احكام النظر، تحقيق: شريف أبو العلا العدوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ص17.
([9]) الكردي، راجح عبد الحميد، نظرية المعرفة بين الإنسان والفلسفة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1992م، ص502.
([10]) بليل، عبد الكريم، المفاهيم المفتاحية لنظرية المعرفة في القران الكريم، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1436هـ/2015م، ص509-510
([11]) الفخر الرازي، محمد بن عمر بن حسين (ت606هـ/1209م)، مفاتيح الغيب، ط3، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1420هـ، ج2 ص295.
([12]) الآلوسي، محمود شكري (ت1270هـ/1854م)، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تحقيق: علي عبد الباري عطية، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1415هـ، ج1 ص138.
([13]) كنجو، خالص جلبي، الطب محراب الإيمان، دار الكتب العربية، دمشق– بيروت، ط7، 1416هـ/1993م، ج1 ص171.
([14]) ينظر: صبح، علي مصطفى، التصوير القرآني، مجلة الوعي الإسلامي، أبو ظبي، العدد ۲۰۳، ذو القعدة 1401هـ/ سبتمبر ۱۹۸۹م، ص85.
([15]) من هذه المزايا أيضا ما أشار إليه الأطباء من بعض أسرار تقديم السمع على البصر من الناحية الطبية، ومن ذلك:
أ. أن جهاز السمع يتطور جنينيا قبل جهاز البصر، حيث يتكامل جهاز السمع في الشهر الخامس من حياة الجنين، بينما لا يتكامل نضج العينين إلا بعد ولادة الجنين.
ب. أن مراكز السمع تأتي قبل مراكز البصر في المخ، وكما أن صفة (بكم) تقع دائما في آيات القرآن الكريم بين صفتي (صم وعمي) فقد ثبت أن مركز البيان في المخ يقع كذلك بين مركزي السمع والبصر.
ج. العين مسؤولة عن وظيفة البصر، أما الأذن فمسؤولة عن وظيفتي السمع والتوازن، حيث يوجد في الأذن الداخلية مادة هلامية رقيقة هي المسؤولة عن توازن الإنسان.
د. أن حاسة السمع تعمل عقب الولادة مباشرة حيث يستطيع الوليد أن يسمع الأصوات بعد ولادته مباشرة، بينما يحتاج الوليد إلى فترة من الزمن لكي يستطيع أن يرى الأشياء بوضوح، ولذلك كان من السنة أن يؤذن في أذن المولود اليمنى، وأن تقام الصلاة في أذنه اليسرى ليكون ذكر الله سبحانه وتعالى أول ما يطرق سمعه، وقد تكون الحكمة في هذا الترتيب أكثر من ذلك والله أعلم، ينظر: ذياب، عبد الحليم، وقرقور، أحمد، مع الطب في القرآن الكريم، مؤسسة علوم القرآن، دمشق، ط2، ۱۹۸۰م، ص53-60.
([16]) القرطبي، محمد بن أحمد بن أبي بكر (ت671هـ/1272م)، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة، ط2، 1384هـ /1964م، ج1 ص189.
([17]) ابن عاشور، محمد الطاهر (ت1393هـ/1973م)، التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، تونس، 1984م، ج1ص258.
([18]) ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر (ت751هـ/1350)، بدائع الفوائد، دار الكتاب العربي، بيروت، ج3 ص164.
([19]) السفاريني، محمد بن أحمد بن سالم (ت1188هـ/1174م)، غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، ضبطه وصححه: محمد علي الخالدي، دار الكتب العلمية، بيروت، ج1 ص59.
([20]) ابن قيم الجوزية، بدائع الفوائد، ج3 ص165.
([21]) الفخر الرازي، مفاتيح الغيب، ج2 ص295.
([22]) الآلوسي، روح المعاني، ج1 ص1138.
([23]) رضا، محمد رشيد (ت1354هـ/1935م)، تفسير المنار، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990، ج1 ص122.
([24]) ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج1 ص265.
([25]) البار، محمد علي، خلق الإنسان بين الطب والقرآن، الدار السعودية للنشر والتوزيع، 1420هـ/1999م، ط1، ص310-312.
([26]) الآلوسي، روح المعاني، ج20 ص341.
([27]) ابن منظور، لسان العرب، ج11ص458-459.
([28]) الرازي، احمد بن فارس بن زكريا (ت395/1005م)، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الفكر، 1399هـ/1979م، ج4 ص69.
([29]) الماوردي، علي بن محمد بن حبيب (ت450هـ/1058م)، أدب الدنيا والدين، تحقيق: مصطفى السقا، المكتبة الثقافية، بيروت، ص20.
([30]) سعادة، رضا، أين يوجد عقل الإنسان، في قلبه أم في دماغه؟ مجلة نور الإسلام، العدد 237، أغسطس 2019.
([31]) عبد الباقي، محمد فؤاد، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار الفكر، بيروت، 1401هـ/1992م، ص121-122.
([32]) خليل، عماد الدين، حول إعادة تشكيل العقل المسلم، كتاب الأمة، 1403هـ/1983م، مطابع الدوحة الحديثة، الدوحة، ط1، ص59.
([33]) قطب، سيد، في ظلال القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1391هـ/1971م، ج3ص1493.
([34]) ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر(ت751هـ/1350)، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، تحقيق: محمد المعتصم بالله البغدادي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 1416هـ/ 1996م، ج1 ص478.
([35]) أبو حيان، محمد بن يوسف (ت745هـ/1344م)، النهر الماد من البحر المحيط، بهامش البحر المحيط، دار الفكر، 1403هـ/1983م، ط2، ج2ص27.
([36]) الرازي، مفاتيح الغيب، ج30 ص588.
([37]) مدلول، محمد طالب، الحواس الانسانية في القران الكريم، دار الكتب العلمية، بيروت، ص246.
([38]) ينظر: ابن منظور، لسان العرب، ج11 ص458.
([39]) الفيروز آبادي، محمد بن يعقوب (ت817/1414م)، القاموس المحيط، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط8، 1426ه/2005 م، ج1 ص678.
([40]) الرازي، محمد بن أبي بكر (ت666هـ/1268م)، مختار الصحاح، تحقيق: يوسف الشيخ محمد، المكتبة العصرية، بيروت، ط5، 1420هـ / 1999م، ص258.
([41]) قطب، في ظلال القران، ص2186.
([42]) ونحن في هذا البحث، نعني بالقلب هذا المعنى، اللطيفة الربانية الروحانية.
([43]) ينظر: الغزالي، محمد بن محمد (ت505هـ/1111م)، معارج القدس في معرفة مدارج النفس، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط2، 1975م، ص17.
([44]) ينظر: عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص 459.
([45]) الشرقاوي، محمد، تأملات حول وسائل الإدراك في القرآن الكريم، عالم الكتب، الرياض، 1402هـ/1982م، ص41.
([46]) ابن منظور، لسان العرب، ج12 ص 163.
([47]) الترمذي، محمد بن عيسى (ت279هـ/892م)، الجامع الصحيح، تحقيق: تحمد محمد شاكر، مطبعة عيسى البابي الحلبي، مصر، 1398هـ/1978م، ج5ص 24، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة ويل للمطففين، حديث رقم (3334)، وقال: حديث حسن صحيح.
([48]) الرازي، مفاتيح الغيب، ج2 ص295.
([49]) رضا، تفسير المنار، ج1 ص123.
([50]) البيضاوي، عبد الله بن عمر (ت685هـ/1286م)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، تحقيق: محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1418هـ، ج1 ص43.
([51]) السامرائي، فاضل، التعبير القرآني، دار الكتب، بغداد، 1989م، ص61-62.
([52]) الرازي، مختار الصحاح، ص188.
([53]) السامرائي، التعبير القرآني
([54]) ابن منظور، لسان العرب، ج12 ص163.
([55]) الزجاج، إبراهيم بن السري بن سهل (ت311هـ/923م)، معاني القرآن وإعرابه، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1408هـ/1988م، ج1 ص82.
([56]) الفخر الرازي، مفاتيح الغيب، ج16ص119.
([57]) الزمخشري، محمود بن عمرو بن أحمد (ت538هـ/1144م)، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 1407هـ، ج2ص637.
([58]) قطب، في ظلال القرآن، ج4 ص2196.
([59]) الغزالي، محمد بن محمد (ت505هـ/1111م)، الحكمة في مخلوقات الله، تحقيق: محمد رشيد قباني، دار إحياء العلوم، 1398هـ/1978م، ط1، ص46-48.
([60]) الرازي، مفاتيح الغيب، ج12 ص536.
([61]) أبو السعود، محمد بن محمد العمادي (ت951هـ/1544م)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، دار المصحف، القاهرة، ج3ص134.
([62]) ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي (ت597هـ/1200م)، صيد الخاطر، تحقيق: حسن المساحي سويدان، دار القلم، دمشق، ط1، 1425هـ/ 2004م، ج1 ص120.
([63]) الرازي، مختار الصحاح، ص274.
([64]) الفخر الرازي، مفاتيح الغيب، ج20 ص350.
([65]) الزمخشري، الكشاف، ج2 ص13.
([66]) قطب، في ظلال القرآن، ج2ص1066.
([67]) الرازي، مختار الصحاح، ص278.
([68]) الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ج1 ص37.
([69]) الميداني، عبد الرحمن حسن حبنكه، الأخلاق الإسلامية وأسسها، دار القلم، بيروت، 1399هـ/1979م، ط1، ج1ص291.
([70]) عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص644.
([71]) الميداني، الأخلاق الإسلامية وأسسها، ج1ص292.
([72]) السعدي، عبد الرحمن بن ناصر، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ/2000م، ص 84.
([73]) الرازي، مختار الصحاح، ص242.
([74]) الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ج12 ص586.
([75]) عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص525.
([76]) ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج7ص243.
([77]) الرازي، مختار الصحاح، ص233.
([78]) البخاري، محمد بن إسماعيل (ت256هـ/869م)، صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، ط1، 1422هـ، كتاب المغازي، باب قدوم الأشعريين، حديث رقم (4388).
([79]) ابن منظور، لسان العرب، ج1ص687.
([80]) عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص510.
([81]) ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر (ت751هـ/1350م)، التبيان في أقسام القرآن، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت، بيروت، ص406.
([82]) الفخر الرازي، مفاتيح الغيب، ج20 ص339.
([83]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج10 ص260.
([84]) ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر (ت751هـ/1350م)، مفتاح دار السعادة، دار الكتب العلمية، بيروت، ج1ص266.
([85]) ينظر: الزحيلي، وهبة بن مصطفى، التفسير المنير، دار الفكر المعاصر، دمشق، ط2، 1418هـ، ج12ص192.
([86]) النسفي، عبد الله بن أحمد بن محمود (ت710هـ/1310م)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، تحقيق: يوسف علي بديوي، دار الكلم الطيب، بيروت، ط1، 1419هـ/1998م، ج2ص295.
([87]) الزمخشري، الكشاف، ج3ص199.
([88]) ابن كثير، إسماعيل بن عمر (ت774هـ/1372م)، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط2، 1420هـ/1999م، ج8 ص182.