فتاوى بحثية

اسم المفتي : لجنة الإفتاء ومراجعة سماحة المفتي العام الدكتور نوح علي سلمان
الموضوع : توضيح مفهوم الإرجاء وعقيدة المرجئة
رقم الفتوى: 514
التاريخ : 16-02-2010
التصنيف: الفرق والأديان
نوع الفتوى: بحثية



السؤال:

ما عقيدة الإرجاء، وهل هي عقيدة صحيحة؟


الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله

عقيدة الإرجاء عقيدة باطلة لا ترى للعمل الصالح أثراً في الإيمان، فلا فرق عند المرجئة بين العاصي والطائع العابد، ولا بين الفاسق والمؤمن، من حيث مصيرهم يوم القيامة، فالطائع والعاصي لا يعذبان مطلقاً، وقالوا عبارتهم المشهورة: لا يضرّ مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة.

والمرجئة على فرق عدة، يمكن الاطلاع عليها في كتب الملل والنحل الموسعة، وإنما سموا مرجئة لأنّهم أرجأوا العمل عن مسمى الإيمان، بمعنى أنهم جعلوا العمل غير ذي أثر على الإيمان، حتى حكموا بأن العاصي كالطائع في المصير يوم القيامة.

وعلماء أهل السنة يذكرون هذه الفرقة في كثير من المواضع في كتبهم، أشهرها عند الكلام على مصير مرتكب الكبيرة،وقد توسّط أهل السنة في هذه المسألة بين المرجئة من جهة، والمعتزلة والخوارج من جهة أخرى، حيث يحكم أهل السنة على أصحاب الكبائر بأنهم مؤمنون عصاة، متوعدون بالعذاب يوم القيامة، ولكنهم لا يخلدون في نار جهنم، وذهبت المرجئة إلى أنهم لا يعذبون ألبتة ويدخلون الجنة مع الداخلين، وأما الخوارج والمعتزلة فحكموا على أهل الكبائر بالخلود في نار جهنم وجعلوهم كالكفار في المصير.

جاء في كتاب [تبيين كذب المفتري /151] لابن عساكر: "قالت المرجئة: من أخلص لله سبحانه وتعالى مرة في إيمانه لا يكفر بارتداد ولا كفر، ولا يكتب عليه كبيرة قط، وقالت المعتزلة: إنّ صاحب الكبيرة مع إيمانه وطاعاته مائة سنة لا يخرج من النار قط، فسلك رضي الله عنه [يعني أبا الحسن الأشعري] طريقةً بينهما، وقال: المؤمن الموحد الفاسق هو في مشيئة الله تعالى، إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة، وإن شاء عاقبه بفسقه ثم أدخله الجنة، فأما عقوبة متصلة مؤبدة فلا يجازى بها صاحب كبيرة" انتهى.

ولا بد من التنبه إلى مسألة يذكرها العلماء في كتبهم، وهي نسبة الإرجاء إلى الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وهي نسبة غير صحيحة، فإن الإمام أبا حنيفة من أئمة أعلام أهل السنة والجماعة، بل هو مقدم في دينه وورعه وعقله وفهمه تقدماً لا يكاد يدانيه فيه أحد من أهل زمانه، حتى صارت عدالته مستغنية عن الشهود، وما نسبه إليه بعض الناس من الإرجاء إما أنه صادر عن جهل أو عدم علم بحقيقة قول هذا الإمام، فإن غاية ما قاله أن الإيمان هو التصديق والإقرار، فظنّ بعض الناس أنه مرجئ لأنه لم يذكر العمل في معنى الإيمان، ولكن غاب عنهم أنه أراد بيان أصل الإيمان، لا الإيمان الكامل، ولذلك حقق العلماء مقالة الإمام أبي حنيفة، وسموا إرجاءه إرجاء الفقهاء، كما سموه إرجاء سنياً، تفرقة بينه وبين المرجئة المبتدعة، وبعض العلماء أبى أن يسمي أبا حنيفة مرجئاً أصلاً، لأنه موافق لأهل السنة والجماعة.

وقد بين علماء الفرق وجه نسبة الإرجاء للإمام أبي حنيفة، وأنه بريء منها، فقد جاء في كتاب الملل والنحل للإمام الشهرستاني (1 / 141) رحمه الله تعالى: "ومن العجيب أنّ غسان [رجل من فرق المرجئة] كان يحكي عن أبي حنيفة رحمه الله مثل مذهبه، ويعده من المرجئة، ولعله كذب كذلك عليه، لعمري! كان يقال لأبي حنيفة وأصحابه مرجئة السنة، وعده كثير من أصحاب المقالات من جملة المرجئة، ولعل السبب فيه أنه لما كان يقول: الإيمان هو التصديق بالقلب، وهو لا يزيد ولا ينقص، ظنوا أنه يؤخر العمل عن الإيمان، والرجل مع تحريجه في العمل [يثبت الإثم على تارك العمل] كيف يفتي بترك العمل؟ وله سبب آخر، وهو أنه كان يخالف القدرية، والمعتزلة الذين ظهروا في الصدر الأول، والمعتزلة كانوا يلقبون كل من خالفهم في القدر مرجئاً، وكذلك الوعيدية من الخوارج، فلا يبعد أنّ اللقب إنما لزمه من فريقي المعتزلة والخوارج، والله أعلم".

ومن عرف مذاهب الفرق في هذه المسألة واطلع على الأدلة الشرعية، علم قطعاً أن الحقّ مع أهل السنة والجماعة، لأنهم ملتزمون بما ورد من الأدلة الشرعية، وفوق ذلك مذهبهم مذهب معتدل وسط لا غلو فيه، ولا إفراط ولا تفريط. والله تعالى أعلم.



للاطلاع على منهج الفتوى في دار الإفتاء يرجى زيارة (هذه الصفحة)

حسب التصنيف السابق | التالي
رقم الفتوى السابق | التالي



التعليقات


Captcha


تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا