الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
عقيدة الإرجاء عقيدة باطلة لا ترى للعمل الصالح في الإيمان أي منزلة، بل هو كالعدم، فلا فرق عند المرجئة بين العاصي والطائع العابد، ولا بين الفاسق والمؤمن، وقالوا عبارتهم المشهورة: لا يضر مع الإيمان معصية، بل قالوا: إن أفسق الناس يستوي هو وأصلح الناس في الجنة.
والمرجئة على فرق وأفكار عدة يمكن الاطلاع عليها في كتب الملل والنحل الموسعة.
وقد توسط أهل السنة في هذه المسألة بين المرجئة والمعتزلة:
جاء في كتاب [تبيين كذب المفتري /151] لابن عساكر: "قالت المرجئة: من أخلص لله سبحانه وتعالى مرة في إيمانه لا يكفر بارتداد ولا كفر، ولا يكتب عليه كبيرة قط.
وقالت المعتزلة: إن صاحب الكبيرة مع إيمانه وطاعاته مائة سنة لا يخرج من النار قط.
فسلك رضي الله عنه -يعني أبا الحسن الأشعري- طريقةً بينهما، وقال: المؤمن الموحد الفاسق هو في مشيئة الله تعالى، إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة، وإن شاء عاقبه بفسقه ثم أدخله الجنة، فأما عقوبة متصلة مؤبدة فلا يجازى بها - صاحب - كبيرة" انتهى.
هذا في الآخرة.
أما في أحكام الدنيا فالناس على مذهبين:
الخوارج: الذين قالوا: إن صاحب الكبيرة كافر يعامل في الدنيا معاملة الكافرين، لا سيما في حكم الولايات العامة، ولهذا كثر خروجهم على ولاة الأمور.
وغير الخوارج من الأشاعرة والماتريدية والحنابلة والمعتزلة والمرجئة: وهؤلاء يقولون إن المؤمن إذا فعل الكبيرة لا يكفر، وبالتالي لا يفسخ عقد نكاحه، لكن يعاقب على ذنبه في الدنيا، فلا تقبل شهادته، أما ولايته للأمور العامة فصحيحة حتى يعزله من له حق العزل، ولا يخفى أنه لا يستقر أمر الناس في الدنيا إلا بهذا، فإذا حكمنا بعزل كل صاحب ذنب، وعدم صحة ولايته ولا صلاته، فقد عمت الفوضى، وادعى كل من شاء عزل من شاء، ولذلك لما لاقى الإمام أحمد رحمه الله ما لاقاه من العذاب في مسألة خلق القرآن، لم يفت بعزل الخليفة عن ولايته. والله أعلم.