الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
أموال المتوفى بمجرد وفاته تخرج عن ملكه، وينقطع حول زكاتها، وتدخل في ملك الورثة، فيستحقونها بحسب أنصبتهم المفروضة شرعًا، ويُحسب لهذا المال حول جديد من لحظة الوفاة، فإن تمَّ تقسيم التركة على الورثة؛ حَسب كلُّ وارث حوله في نصيبه إذا كان بالغًا النصاب.
وأما إن لم يقسم المال بين الورثة وبقي مشتركًا، وكان بالغاً النصاب (85 غراماً من الذهب الصافي عيار 24)، وجب زكاته في كل حول عند السادة الشافعية؛ لأن الزكاة حق تعلق بالمال فوجب إخراجها، فيجب على كلِّ وارث زكاة نصيبه عند قبضه عن جميع السنوات السابقة -إن لم تخرج الزكاة-؛ لأن ملكه لهذا المال لم ينقطع طوال السنوات الماضية، فعليه إخراج الزكاة عمّا مضى من السنين، وتخرج منه ما نسبته (2,5%)، قال الإمام الشربيني رحمه الله: "وتجب [أي: الزكاة] في المغصوب إذا لم يقدر على نزعه، ومثله المسروق، والضال، والواقع في بحر، وما دفنه ثم نسي مكانه، والمجحود من عين أو دين الذي لا بينة له به ولا علم القاضي به، في الأظهر الجديد...، ولا يجب دفعها حتى يعود المغصوب وغيره مما تقدم؛ لعدم التمكن قبله، فإذا عاد زكاه للأحوال [أي: الأعوام] الماضية...، فإن كان نصاباً فقط وليس عنده من جنسه ما يعوض قدر الواجب؛ لم تجب زكاة ما زاد على الحول الأول" [مغني المحتاج 2/ 123].
وذهب السادة المالكية إلى أن المعتبر في المال المشترك بين الورثة هو القبض وحولان الحول، فلا زكاة على المال الموروث لما مضى من سنين قبل قبضه، فإذا قبضه استأنف حولاً جديداً، قال الإمام الدسوقي رحمه الله: "ولا زكاة في عين فقط ورثت وأقامت أعواماً إن لم يعلم بها"، قال الدسوقي: "والحاصل أن كلام المدونة يقتضي أنه لا زكاة في تلك العين إلا إذا قبضت؛ فإذا قبضت استقبل بها حولاً، ولا زكاة لما مضى من الأعوام ولو وقفت وعلم بها، ومفهوم المصنف يقتضي أنها إذا وقفت وعلم بها؛ فإنها تزكى لماضي الأعوام، والمعول عليه مذهب المدونة من اعتبار القبض فقط في الوجوب" [حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/ 458].
وعليه؛ فمن أراد من الورثة الأخذ بالأحوط بتقليد مذهب السادة الشافعية وإخراج الزكاة عن جميع السنوات السابقة؛ له ذلك، ومن أراد منهم تقليد مذهب السادة المالكية، وابتداء حساب الحول من يوم قبض حصصهم من الميراث؛ نظرًا لطول مدة حبس المبلغ؛ فلا حرج عليه. والله تعالى أعلم.
