الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الميت له حرمة وكرامة؛ لقول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:70]، ومن كرامته أن لا يُنبَش قبرُه، ولا تُنتَهَكَ حرمتُه، فلا يجوز نبش قبور الأموات، ولا إزالتها ما دام فيها عظام الموتى، ومعلوم أن عظام الموتى لا تبلى إلا بعد مئات السنين، كما هو مشاهد في بلادنا؛ ولأن الأموات لهم حرمة الأحياء، لقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) رواه أبو داود، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ) رواه مسلم، وكلُّ هذا يدل على حرمة الميت، ووجوب المحافظة على قبره من الإيذاء.
والمكان الذي يدفن فيه الميت يعتبر وقفاً عليه، فلا يجوز بيعه ولا التصرف فيه، ما دام الدفن تمّ برضى صاحب الأرض، وأما إذا تمّ الدفن بغير رضى صاحب الأرض أو علمه؛ فيجب نقل الميت إن لم يرضَ صاحب الأرض ببقائه؛ لأنها عندئذٍ أرض مغصوبة، ولا حق للميت ولا لأهله بها، ومعلوم أنه لا حرمة للغاصب، ولأن حق الحيّ أولى بالمراعاة، قال شيخ الإسلام الإمام النووي رحمه الله: "ولو دفن في أرض مغصوبة استحب لصاحبها تركه، فإن أبى فله إخراجه وإن تغير وتفتت وكان فيه هتك لحرمته؛ إذ لا حرمة للغاصب وليس لعرق ظالم حق، واتفق أصحابنا على هذا" [المجموع 5/ 299].
والحاصل أن الميت لو دفن برضى صاحب الأرض فلا يجوز له أن يطلب نقله منها، وتكون البقعة التي دفن بها الميت وقفاً عليه، وأما إذا تمّ الدفن بغير رضى صاحب الأرض أو علمه؛ فيجوز له طلب نقل الميت، والأولى لصاحب الأرض أن يترك الميت في البقعة التي دفن بها، فإن رفض بقاءه وطالب بإخراجه كان له ذلك وإن تغير الميت وكان في إخراجه هتك حرمته؛ لأن حرمة الحيّ أولى بالمراعاة.
ولا مانع على أقارب الميت من شراء تلك الأرض إن رغبوا بذلك ورضي صاحبها ببيعها، لكن لا يجبروا على ذلك وجوباً، ولا يجبر صاحب الأرض على بيعها. والله تعالى أعلم.