الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
جعلت الشريعة الإسلامية السمحة لكل مكلف ذمة مالية مستقلة، فلكل من الوالد والولد -ذكراً أو أنثى- أو الزوج والزوجة ذمة مالية مستقلة وملكه الخاص، وليست الأبوة والبنوة أو الزوجية مما يبيح التعدي على المال الخاص، وأمارة ذلك أن كلَّ واحد من الأب والابن يخرج زكاة ماله باستقلال عن مال الآخر، وأن كل واحد منهما يرث الآخر، ولولا استقلال ذمة كل منهما لما جازت هذه الأشياء.
وما يقدمه الولد لوالده أو الزوج لزوجته أو الزوجة لزوجها له حالات:
الحالة الأولى: أن يدفعه على سبيل النفقة الواجبة، قال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق:7]، وفي هذه الحالة لا يحق لمن وجبت عليه النفقة بشروطها الشرعية، أن يستردها بعد ذلك، سواء من الشخص نفسه أو من تركته.
الحالة الثانية: أن يدفع له المال على سبيل الهبة، فإذا تم قبض الهبة من قبل الموهوب له، فلا يحق للواهب الرجوع بهبته في هذه الحالة كما هو مقرر عند جمهور الفقهاء، مستدلين بما رواه ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهُما، قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (العَائِدُ في هِبَتِه كَالكَلبِ يَقيءُ، ثُمَّ يَعودُ في قَيئِه) رواه البخاري.
الحالة الثالثة: إذا قدم المال على سبيل القرض، فيحق للدافع المطالبة بهذا المال في حال حياة المقترض، كما يحق له كذلك مطالبة ورثته بهذا المال إن كان له تركة.
الحالة الرابعة: أن يكون المال المدفوع للطرف الآخر على سبيل الشركة بين الطرفين سواء شركة عنان أم شركة مضاربة، فيحق للشريك المطالبة برأس المال والربح إن تحقق، فإن كانت هنالك خسارة فيبحث في أسباب الخسارة، وهل ثمة تقصير من أحد الشركاء أم لا.
ولتنوع الحالات السابقة، ينبغي على الآباء والأزواج حفظاً لحق أبناءهم وزوجاتهم أن يوثقوا الأموال التي يأخذونها منهم على سبيل القرض أو الشراكة بينهم قطعاً للتنازع والخلاف سواء في أثناء حياتهما أو بعد الوفاة، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282]، ويقول تعالى في نفس الآية: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}. والله تعالى أعلم.