الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
شرع في الإسلام عقود ومعاملات يحصل بها تيسير حاجات الناس، منها عقد الإجارة، والمعاملة المذكورة في السؤال تكيّف على أنها إجارة.
ويشترط في هذا العقد أنْ تكون المنفعة معلومة متقومة، والأجر معلوماً أيضاً، جاء في [تحفة المحتاج 6/ 130] من كتب الشافعية: "ويشترط لصحّتها أيضاً [أي الإجارة] كون المنفعة معلومة، متقومة، أي: لها قيمة، ليحسن بذل المال في مقابلتها، وإلا بأن كانت محرمة أو خسيسة كان بذل المال في مقابلتها سفهاً".
والإجارة في هذه المعاملة إجارة ذمة، فالشركة تستأجر المركز الطبي لمعالجة الموظفين بما تقتضيه المعالجة الطبية من استعمال الأطباء والأدوات وغير ذلك، ولا يشترط حبس المركز وتجهيزاته وأطبائه لهذه الشركة فقط، بل هي مستأجرة لتقديم الخدمة لهم ولغيرهم، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "والمشترك [أي الأجير المشترك في إجارة الذمة]: هو الذي يتقبل العمل في ذمته، كما هو عادة الخياطين والصواغين، فإذا التزم لواحد، أمكنه أن يلتزم لغيره مثل ذلك العمل، فكأنه مشترك بين الناس. والمنفرد: هو الذي أجّر نفسه مدة مقدرة لعمل، فلا يمكنه تقبل مثل ذلك العمل لغيره في تلك المدة" [روضة الطالبين 5/ 228].
وأما الغرر الذي قد يكون في مثل هذا العقد فهو مغتفر لكونه يسيراً في مثل هذه الحاجات العامة للناس، قال الإمام النووي: "الأصل أن بيع الغرر باطل... والمراد ما كان فيه غرر ظاهر يمكن الاحتراز عنه، فأما ما تدعو إليه الحاجة ولا يمكن الاحتراز عنه كأساس الدار، فهذا يصح بيعه بالإجماع" [المجموع 9/ 258].
وعليه؛ فإنّ استيفاء المركز مبلغاً مالياً مقابل تقديم خدمة المعالجة لموظفي الشركات التي يتعاقدون معها أمر جائز شرعاً، ويكيّف على أنه إجارة على عمل مقابل أجرة معلومة. والله تعالى أعلم.