استخدام الذكاء الاصطناعي في الإفتاء/ أنموذجاً(*)
المفتي الدكتور عبدالله محمد الربابعة
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فتتطور الحياة العلمية في جميع الأوقات، وتتواكب مع تطور التكنولوجيا، ولا بد لعلماء الأمة في جميع التخصصات العلمية من مواكبة العلم الحديث؛ وبناء عليه وتماشيا مع هذا التطور العلمي الهائل، وهذه الثورة التكنولوجية الكبيرة، فقد أبدعت التكنولوجيا في إظهار ما يسمى اليوم بالذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence)، لمواكبة التكنولوجيا الحديثة التي تتسم بقوة التأثير والسرعة الهائلة في جميع مجالات الحياة، وفي هذا المجال يستطيع علماء الشريعة الإفادة من هذا التطور العالمي الجديد، حيث أصبح التعمق بهذا العلم ضرورة ملحة من علماء الدين في بلدنا المعطاء، وخاصة في الدوائر الدينية التي تتسم بالتطور العلمي، ومن هذه الدوائر في بلدنا الحبيب دائرة الإفتاء العام، والتي هي اليوم بأشد الحاجة إلى مواكبة هذا التطور العلمي، خاصة في مجال الفتوى للوصول إلى فتاوى وأبحاث علمية متراصة ومتوازنة، تواكب هذا التطور العلمي الحديث، والذي يسمى اليوم بالذكاء الاصطناعي، لتوفير الجهد على الباحثين والسائلين والمستخدمين والمطالعين وباللغات المختلفة، لتوفير الوقت للحصول على فتوى بواسطة الذكاء الاصطناعي([1])، وتعتبر عملية الذكاء الاصطناعي من وسائل التقدم العلمي لمواكبة التكنولوجيا الحديثة المعاصرة.
ونحن في دائرة الإفتاء العام الأردنية من السباقين لمواكبة هذا التطور، بطريقة الذكاء الاصطناعي، وخاصة في مجال الفتوى، مع العلم أن الفتوى في دائرة الإفتاء العام تصدر اليوم بعدة لغات عالمية، وإذا كان الذكاء الاصطناعي يجعل الحصول على هذه الفتوى بطريقة ميسرة وسهلة من خلال الذكاء الاصطناعي أو ما يسمى اليوم بطريقة الريبورت، فلا بد من الانتباه إلى موضوع دقة هذه الفتوى من خلال الذكاء الاصطناعي، حتى لا يحدث أي خلل في الفتوى الصادرة، على اعتبار أن الذكاء الاصطناعي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب، وبعد تحقق من عنصر الأمان في هذا المجال، سيكون لهذه الفتوى الانتشار الكبير في العالم كله، وتكون الفتوى من السهولة بمكان الحصول عليها في أي وقت.
وعليه فقد قسمت هذا البحث إلى مقدمة، ومبحثين، وخاتمة:
أما المبحث الأول فقد عنونته بمقدمات في الذكاء الاصطناعي، فقد ذكرت فيه وقسمته إلى مطلبين، المطلب الأول: التعريف بمصطلحات البحث، والمطلب الثاني: مقدمات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
والمبحث الثاني: صياغة الفتوى في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، واشتمل على ثلاثة مطالب، المطلب الأول: تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والمطلب الثاني: صياغة الفتوى بواسطة الذكاء الاصطناعي، والمطلب الثالث: الإيجابيات والسلبيات للذكاء الاصطناعي في الفتاوى.
والخاتمة.
مشكلة البحث وأسئلته
بينت هذه الدراسة أن الذكاء الاصطناعي المعاصر أدى إلى تطور وسائل التواصل بين الناس في كافة أماكنهم وبلدانهم، وأن الذكاء الاصطناعي قرّب المسافات رغم تباعدها، وأصبح اليوم ضرورة ملحة في تسابق الزمن الإلكتروني؛ ولحماية المجتمعات في ظل العولمة الجديدة، أدى ذلك إلى ظهور وتطور العلم، وتطوير الفتوى ضمن منهاج متكامل، في ظل وظهور ثورة التواصل الاجتماعي، مما انعكس إيجابا على واقع الحياة العلمية لدى المجتمعات العلمية، وكان لوسائل التواصل الاجتماعي الأثر الإيجابي للتخفيف من أعباء الانتظار، وأعباء الوقت الطويل الذي كانت تستغرقه في السابق، ورغبة من الباحث في الإسهام في مواكبة التطور العلمي والوصول إلى نتائج واضحة المعالم من خلال الذكاء الاصطناعي، والذي أصبح اليوم ضرورة ملحة لأبناء المجتمعات في مختلف بلدانهم وأماكنهم، وأصبح طريقا سهلا في مواكبة التكنولوجيا (الذكاء الاصطناعي)، موضوع البحث؛ ولذلك تحاول هذا الدراسة الإجابة عن الأسئلة الآتية:
1. ما أهداف وقيمة الذكاء الاصطناعي في الفتوى، وما مجالاته وخصائصه؟
2. كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجيب عن الفتاوى من خلال المخزون العلمي الموجود في دائرة الإفتاء العام، واستخدامه كوسيلة من وسائل الذكاء الاصطناعي الحديث؟
3. ما الطريقة التي نعمل بها لبيان الأحكام الشرعية (الفتوى والأبحاث العلمية، والمنشورات والمقالات) من خلال الذكاء الاصطناعي؟
فرضية الدراسة
تحاول هذه الدراسة التحقق من فرضية بحثية إشكالية، تكمن في دور الذكاء الاصطناعي في الفتيا.
أهداف الدراسة
تتمثل أهداف الدراسة في الأهداف الآتية:
1. التعرف على أهداف الذكاء الاصطناعي، وبيان دور المؤسسات العلمية في بيان الأحكام الفقهية والفتاوى الصادرة من الإفتاء.
2. بيان أوجه الفتوى والأبحاث العلمية بطريقة الذكاء الاصطناعي، وبشكل دقيق ومتناسق.
3. توضيح وتسهيل الصعوبات التي قد يتعرض لها المفتي للوصول إلى فتوى صحيحة وأمنة من خلال الذكاء الاصطناعي، للوصول إلى حكم شرعي له قيمته وله اعتباره، ويؤدي إلى أحكام صحيحة تتوافق مع المنهج الصحيح في اصدار الفتوى، وهذا يحتاج إلى ضوابط محددة للتعامل مع الذكاء الاصطناعي.
4. وضع رؤيا بحثية تحفّز دور الإفتاء في العالم العربي والإسلامي للمحافظة على التراث الفقهي من الخدش والضياع، الذي قد يسببه موضوع الذكاء الاصطناعي-موضوع البحث- لوجود السلبيات أحيانا، وفتح المجال للإبداعات البحثية في مجال الفتوى والإفتاء من خلال عمليات الذكاء الاصطناعي.
أهمية البحث
تنبع أهمية هذا البحث من أهمية ديمومة المحافظة على كينونة الذكاء الاصطناعي، وحمايته من العولمة، التي قد تفسد هذا الذكاء وتحوله إلى خلل كبير، بالإضافة إلى ما يأتي:
1. مساعدة المفتين والمختصين وجميع العاملين في مجال الفتوى، في بيان قيمة هذه الذكاء الاصطناعي في الفتوى، من خلال توفير عدد من الخيارات البحثية المتنوعة، والتي يمكن عمل تجربة مبدئية في موضوع الذكاء الاصطناعي للتوصل إلى فتوى دقيقة وخالية من الأخطاء.
2. تحقيق الشمول والتوازن في حماية الفتوى والأبحاث التي تصدرها دائرة الإفتاء العام في الأردن مستقبلاً، بواسطة الذكاء الاصطناعي.
منهج البحث
تعتمد هذه الدراسة على المنهج التكاملي الذي يتخذ من الوصف، ثم الاستقراء، ثم تحليل أدوات منهجية للوصول إلى التقييم، والخروج بنتائج علمية، تكون إيجابه عن أسئلة الدراسة، ومنسجمة مع أهدافها؛ لتقدم حلولا لمشكلتها الرئيسة، ويمكن توضيح ذلك كما يلي:
1. الوصف والاستقراء: حيث سيقوم الباحث باستقراء كافة مواضيع الذكاء الاصطناعي الخاص بالفتوى، وتصنيفها وفق منهجية محددة تتوافق مع مفردات الدراسة وأهدافها.
2. التحليل: حيث سيقوم الباحث بتحليل عناصر الموضوعات الخاصة بالذكاء الاصطناعي في مجال الفتوى، والتعرف على وسائل حماية هذا البرنامج (الذكاء الاصطناعي) من عبث العابثين، وطرائقها المختارة شكلا ومضمونا، وقياس منهجها واستقلاليتها، والكشف عن التقليد والتكرار والنمطية في ذلك.
أداة الدراسة
تمثلت أداة الدراسة في بيان دور الذكاء الاصطناعي لإجابة السائلين عن الفتوى المتعلقة بحياتهم، من خلال برامج خاصة آمنة تحمي الفتوى من العبثية، ومن أجل التصدي للفكر المعادي لنظام الفتوى الواحدة والبرامج الخاصة بالفتيا بواسطة الذكاء الاصطناعي.
الدراسات السابقة
هناك عدة دراسات تتعلق بموضوع الذكاء الاصطناعي، لكن هذه الدراسات لم تستوعب استخدام الفتوى في الذكاء الاصطناعي؛ ولكنها كانت تتكلم عن بعض الجوانب الخاصة بالعملية التعليمة، ومنها ما يلي:
1. كتاب تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم، للمؤلف مريم شوقي عبد الرحمن، تكلم المؤلف عن بعض التطبيقات للذكاء الاصطناعي حول التعليم بشكل عام، ولم تذكر المؤلفة ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي في استخدام الفتاوى.
2. مقال دور الذكاء الاصطناعي في تطوير أعمال المصرفية الإسلامية، للباحث صفوان عضيبات، حيث تكلم بهذا البحث حول الأعمال المصرفية وسبل تطويرها، ولم يتطرق إلى موضوع الفتوى واستخدامات الذكاء الاصطناعي فيها.
3. كتاب المصرفية الإسلامية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، للباحث محمد النعيمي، حيث تكلم الباحث في الأعمال المصرفية وتكنلوجيا الذكاء الاصطناعي، دون الحديث حول موضوع الفتاوي واستخداماتها.
4. مقال مراحل صياغة الفتوى، للباحث علي جمعة، حيث تكلم حول موضوع مراحل صياغة الفتوى، ولم يتكلم حول استخدامات الفتاوى بطريق الذكاء الاصطناعي، ولم يذكر كيفية الرجوع إلى الفتاوى وتطويرها بطريقة الذكاء الاصطناعي.
المبحث الأول
مقدمات في الذكاء الاصطناعي
يعتبر الذكاء الاصطناعي من التكنولوجيا الحديثة المعاصرة، والتي صارت الحاجة لها ملحة وماسة، ونحن في دائرة الإفتاء الأردنية كغيرنا من دور الإفتاء في العالم العربي والإسلامي بحاجة إلى استخدام هذه التقنيات في الفتاوى وقرارات مجلس الإفتاء، والأبحاث والمنشورات وأسئلة الرسائل القصيرة في الذكاء الاصطناعي، لمواكبة التكنولوجيا الحديثة؛ وعليه فلا بد من الإفادة من هذا التطور العلمي الحديث.
المطلب الأول: التعريف بمصطلحات البحث
المعنى اللغوي والاصطلاحي مهم في تعريف المعاني الواردة في ثنايا البحث، والحديث عن معنى الذكاء الاصطناعي، يتطلب التعريف بالمعنى اللغوي والمعني الاصطلاحي، وهو على النحو الآتي:
أولاً: معنى الذكاء الاصطناعي لغة:
الذكاء: ذَكاء السنّ، وَهُوَ تَمَامه، والذَّكاء: حِدة النَّفْس، والذَّكاء: ذَكا النَّار، وَهُوَ من الْوَاو، قَالَ الشَّاعِر: (وعارَضَها يومٌ كأنّ أُوارَه... ذَكا النارِ من فَيح الفُروغ طويلُ)، وذُكاء: الشَّمْس، اسْم لَهَا خاصِّ، قَالَ الشَّاعِر:(فتذكَّرا ثَقَلاً رَثيداً بَعْدَمَا... أَلقَتْ ذُكاءُ يمينَها فِي كافرِ)، وَابْن ذُكاء: الصُّبح والفهم القوي([2]).
الاصطناعي لغة: اسم علم غير منصرف للعلَميّة والتأنيث، صَنْعَة: اصطناعي، مفتعل، يقال مثلاً: خلقة وإلاّ صنعة أي مخلوق أو مصنوع([3])، واصْطِناعي: صناعي، مصنّع، صَنْعَة: اصطناعي، مفتعل، يقال مثلاً: خلقة وإلاّ صنعة أي مخلوق أو مصنوع، مُصْطَنَع: تنكر، ظاهر كاذب، تصنع([4]).
ذكاء اصطناعيّ: (حس) قدرة آلة أو جهاز ما على أداء بعض الأنشطة التي تحتاج إلى ذكاء مثل الاستدلال الفعليّ والإصلاح الذَّاتيّ([5]).
ثانياً: معنى الذكاء الاصطناعي اصطلاحا:
هناك عدة تعاريف للذكاء الاصطناعي، وقد اخترت منها ما له علاقة بهذا المبحث، ومنها:
الذكاء الاصطناعي: هو تقنية تكنولوجية حديثة تتسم بالتقدم السريع لمجالات الفهم الحديث، وتقوم عليه صناعة التكنولوجيا الحديثة في العصر الحالي، تهدف إلى تمكين الأنظمة الحاسوبية من القيام بمهام تعتبر عادة مهمة بشكل خاص للذكاء البشري، وميسّرة للعمليات المرتبطة بأعمال معينة، ولها قدرات لحل المشكلات تشبه قدرات الإنسان في حل المشكلات.
وهو أيضاً طريقة حاسوبية يقوم من خلالها الحاسوب بمحاكاة عملية الذكاء التي تتم داخل العقل البشري، وهي القدرات الألية والحواسيب الرقمية على القيام بمهام تحاكي وتشابه أحوال الكائنات الذكية، ويتم من خلالها تنفيذ مهام تشبه مهام الأنشطة التي يقوم بها البشر، والاستنتاجات من البيانات واتخاذ القرارات الذكية، والتعلم الألي، وتشمل تحليل البيانات والتعرف على أنماطها([6]).
الخلاصة في هذا المطلب كما يراه الباحث: أن هذا التعريف من التعاريف المهمة والمناسبة والدقيقة؛ لأن الذكاء الاصطناعي يعتمد على البيانات الدقيقة لتحقيق أهداف محددة، ويساعد في حفظ المعلومات وتذكُّرها عند الحاجة إليها، ويرسخها في ذهن المتبحر لهذه العلوم، ويساعد في بيان المعرفة بشكل منهجي ومنظم ودقيق، ويسهم في بيان المعرفة التي يصل إليها الإنسان لمواكبة التطور التكنولوجي المعاصر، وهو أمر لا بد منه خاصة في مجال الفتاوى الشرعية التي تصدرها دائرة الإفتاء الأردنية، وتشمل تطبيقات متنوعة ومتعددة في جميع المجالات الحيوية الهامة أمثال التعليم والمعرفة، وجميع اللغات والأمور المستحدثة مثل الروبوتات، وتعلم الآلة حيث يبدأ بعرض أهمية الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة من خلال الإشارة إلى الإنجازات التي قدمها للبشرية حتى الآن، وتأثيرها على مجالات الحياة اليومية، والمراحل التي يمر بها حتى وقتنا الحاضر، وبعدها ينطلق في شرح مفصل لكافة المصطلحات التي تتعلق بمجال الذكاء الاصطناعي وبالتحديد تخصص تعلم الآلة والأسس التي بُنِي عليها، وأساليب تعليم الإنسان للآلة مثل: التعلم المعزز والتعلم العميق والشبكات العصبية …إلخ، ثم يذكر التحديات التي تواجه عملية تعليم الآلة وعلاقتها بالبيانات، وفي نهايته يبين خارطة طريق تُبيّن أبرز المفاهيم التي تعلّمها وإتقانها في حالة ما إذا أردت التوسع في مجال الذكاء الاصطناعي والانتقال لتطوير تطبيقات عملية باستخدامه، وكافة المجالات التكنولوجية الحديث.
الاصطناعي: هو تقنية تكنولوجية حديثة تتسم بالتقدم السريع لمجالات الفهم الحديث، وتقوم عليه صناعة التكنولوجيا الحديثة في العصر الحالي، ولها قدرات الحل تشبه قدرات الإنسان في حل المشكلات([7]).
المطلب الثاني: مقدمات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي
التطبيقات الواقعية والحقيقية لفتاوى دائرة الإفتاء العام الأردنية خاصة، ودور الإفتاء في العالم العربي والإسلامي، من خلال تطبيق الذكاء الاصطناعي، حيث يتم أولاً إدخال هذه الفتاوى على نظام خاص من أجل حفظها وتثبيتها ضمن منظومة علمية دقيقة، وهذا ما تقوم به دائرة الإفتاء العام الأردنية، حيث تم حوسبة ما يزيد عن مئة ألف فتوى تقريبا من خلال الرجوع الى موقع دائرة الإفتاء العام، حيث تم إدخال جميع هذه الفتاوى وجميع المنشورات والدراسات وقرارات مجلس الإفتاء في تطبيق الذكاء الاصطناعي كمقدمة أولى للحصول على فتوى، بحيث يسهل الرجوع إلى هذه الفتاوى والدراسات والقرارات الصادرة من الإفتاء بواسطة الذكاء الاصطناعي في أي وقت([8])، ونستطيع من خلال عمليات الذكاء الاصطناعي تقديم إجابات شرعية شافية وسريعة ودقيقة للمستخدمين؛ لأن طريقة الذكاء الاصطناعي توفر المعلومات والفتاوى الشرعية والإجابات الدقيقة والمتميزة والمحفوظة في دور الإفتاء، والتي تعتبر مراجع قيمة وتراث كبير، وإرث علمي مميز، يمكٌن المستخدمين لهذه البرامج من الحصول على فتاوى وبسرعة متناهية، ويمكن كذلك للمستخدمين من إرسال ما يحتاجونه من الأسئلة الخاصة بهم للحصول على أجوبة شرعية، ولعل هذا هو الذي يجعل دور الإفتاء في العالم وفي بلدنا على وجه الخصوص مرجعا ذاتياً وثقة من المستخدمين بهذه الدائرة كون الدائرة تمثل العلماء الأجلاء وأصحاب العلم الشرعي، ثم يأتي دور الذكاء الاصطناعي، فيعود إلى الكم المخزون من الفتاوى في موقع الدائرة ويتم تجهيزها لتكون مهيأة لاستقبال الذكاء الاصطناعي، ويقوم بعدها الذكاء الاصطناعي بما يسمى اليوم بالبحث عندما يوجه السائل سؤاله إلى دائرة الإفتاء العام، ويستخدم الذكاء الاصطناعي، فيقوم بدوره بالبحث من خلال المخزون والكم الهائل من الفتاوى المخزنة لدية، وإخراج الإجابة الشرعية، وإعطائها إلى الباحث، وهو ما يسمى اليوم بالسائل، ليقوم الذكاء الاصطناعي مقام المفتي والباحث، ويوفر الذكاء الاصطناعي المعلومات والإجابات الشرعية من خلال العمل على تحليل ومعالجة الكم الهائل من المعلومات الشرعية المتاحة في الكتب والمقالات والفتاوى السابقة، وباستخدام تقنيات التعلم الآلي، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي من تقديم إجابات شرعية سريعة ودقيقة للمستخدمين والمتسائلين([9]).
ويتميز الذكاء الاصطناعي بدقة وموثوقية للمعلومات التي تخضع للتحرير والتنقيح والمراجعة الدقيقة قبل نشرها، وتشرح مواضيع ومعلومات المجال التقنية بشكل مفصّل ودقيق يساعد المتعلم على فهم المعلومات واستيعابها بشكل أفضل، وتحتوي كتب الذكاء الاصطناعي على فهرس بصفحات المواضيع التي طُرحت فيه، وهذا يُسهّل العودة إلى المواضيع التي يريدها الباحث، ولا شك في أن لكل شخص طريقته في التعلّم، فهناك من يُفضّل الكتب، وهناك من يفضّل الطرق الأخرى، ولا يستطيع الإنسان الاستغناء عن التعلّم من خلال الفيديوهات والدورات التدريبة والمقالات التعليمية وغيرها، لأن تعلم الذكاء الاصطناعي هو مزيج بين الدراسة النظرية من الكتب وبين الطريقة العملية التطبيقية التي تجدها في مراجع أخرى، ولعل الجمع بين عدة أساليب في تعلم الذكاء الاصطناعي هو أفضل طريقة لتعلمه([10]).
والخلاصة في هذا المطلب كما يراه الباحث أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي مهمة في الوصول إلى النتائج، حيث إن مقدمات كتب الذكاء الاصطناعي للعلماء الذين كان لهم السبق في تطور العلوم في الذكاء الاصطناعي العالم في مجال الذكاء الاصطناعي هي التي يحتاجها العالم التكنولوجي المتطور لكل القضايا في جميع المؤسسات والدوائر العامة والخاصة، ومن أبرز المؤلفين الذين كان لهم السبق في هذا هو العالم التكنولوجي (أندرو نغ( Andrew NG، والذي يعد من أشهر الشخصيات في صناعة الذكاء الاصطناعي، حيث يشرح في كتابه هيكلة مشاريع التعلم الآلي وطريقة عمل خوارزميات التعلم الآلي بالتفصيل، وعند الانتهاء من قراءة هذا الكتاب سيملك القارئ المعرفة الكاملة بخطوات عمل مشاريع الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، وسيكون من السهل تشخيص الأخطاء لأنظمة الذكاء الاصطناعي([11]).
المبحث الثاني
صياغة الفتوى
صياغة الفتوى بواسطة الذكاء الاصطناعي يعني إعداد الفتوى بطريقة الذكاء الاصطناعي، حيث يتم إرسال سؤال من أحد الأشخاص مثلا، فتقوم اللجنة المختصة بإعداد جواب شرعي معززا بالنصوص الداعمة من الكتاب والسنة والإجماع، وكافة المراجع ذات الشأن المختص، وبعد إعداد الجواب يتم حفظ هذه المعلومات في الأرشيف، ثم يقوم السائل بالبحث عن هذه الفتوى المطلوبة بواسطة الذكاء الاصطناعي، ويحصل على الجواب المطلوب.
المطلب الأول: تطبيقات الذكاء الاصطناعي
لعل الحديث عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الفتاوى، وتطبيقاتها اليوم يأخذ طريقا جديدا لمواكبة التطور العلمي، ولكن قبل الحديث عن الذكاء الاصطناعي لا بد من البيان أن الفتوى وإعدادها وصياغتها تمر بعدة مراحل، حيث تمر الفتوى بعدة طرق ومراحل ضمن المنهج العلمي الصحيح، وعليه فهناك الفتاوى الخاصة بالطلاق، وهناك الفتاوى الخاصة بالأسئلة المكتوبة، وهناك الفتاوى الشفهية الخاصة عبر الهاتف، وهناك الفتاوى التي ترسها مؤسسات وجهات حكومية تطلب فتوى خاصة بهذه المؤسسة، وهناك فتاوى مكتوبة يكتبها السائل للحصول على فتوى أو جواب وخاصة في الأمور المالية والشركات، وهنالك فتاوى عامة تحتاجها الدولة، ويتطلب هذا كله أن يقوم السائل مثلا بإحضار العقود التي تكون في هذه المؤسسة، وهناك فتاوى مكتوبة وهي رد على سؤال يتعلق بأمور الحمل والإسقاط مثلا، فهذه تحتاج إلى فتوى ورقية صادرة عن دائرة الإفتاء العام، وهناك الفتاوى التي هي رد على سؤال مستعجل، وهي ما يعبر عنه اليوم في دائرة الإفتاء بالرسائل القصيرة عبر تطبيقات ذكية ترسل إجابتها إلى السائل في وقت قصير، إلى غير ذلك من الفتاوى الكبيرة والتي تتعلق بأمور الناس([12])، بعد هذا كله نقوم بتطبيق الذكاء الاصطناعي على هذا الكم الهائل من المخزون حتى يستطيع السائل من خلال التطبيق الذكي الحصول على أي معلومة يريدها وأي سؤال يهم هذا السائل بوقت قصير جداً وبسرع فائقة، وسيكون لها الأثر الكبير على سهولة الحياة وخدمة الإنسان من خلال التقنيات والبرمجيات التي تهدف إلى تمكين الأنظمة الحاسوبية من القيام بمهام تعتبر عادة مهمة بشكل خاص للذكاء البشري، وميسرة للعمليات المرتبطة بأعمال معينة؛ لأن الذكاء الاصطناعي يعتمد في صياغة الفتوى على البيانات المخزنة في الأرشيف لتحقيق أهداف معينة، وتشمل تطبيقات مجموعة متنوعة من المجالات([13]).
ويستطيع الذكاء الاصطناعي تقديم صياغة جديدة للفتاوى من خلال تحقيق الامتثال لقواعد الشريعة أو من خلال تحسين عمليات المراجعة، ويؤثر الذكاء الاصطناعي على صياغة الفتوى، لكن مع بعض المحاذير، وهذا يتطلب دراسات وبحوث علمية دقيقة وناجعة للحيلولة دون وقوع أخطاء في صياغة الفتاوى أو في إعدادها وترحيلها للذكاء الاصطناعي، مما يعزز صياغة الفتاوى بشكل دقيق وملموس وتطبيق هذه التقنية التكنولوجية الحديثة([14]).
ويوفر الذكاء الاصطناعي المعلومات والإجابات الشرعية من خلال العمل على تحليل ومعالجة الكم الهائل من المعلومات الشرعية المتاحة في الكتب والمقالات والفتاوى السابقة، وباستخدام تقنيات التعليم الآلي يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم إجابات شرعية سريعة ودقيقة للمستخدمين والسائلين([15])، وهو ما يعبر عنه اليوم بالحديث عن منهج جديد وطريقة مبتكرة وحديثة، ضمن مواكبة التطور التكنولوجي الحديث؛ لأن السير في هذا المنهج الجديد لهو ضرورة ملحة، لمواكبة التغيرات السريعة في عالم التكنولوجيا، ونحن اليوم نواكب هذا التطور ضمن منهج متكامل وخطوة إيجابية في سبيل الرقي، وتطبيقات الفتوى ضمن الصياغة العلمية الجديدة([16]).
والخلاصة في هذا المطلب في تطبيقات الذكاء الاصطناعي هي أن هذه التطبيقات تشمل كل البيانات المدرجة والموثقة والتي تم إدخالها ضمن بوتقة علمية دقيقة وناجحة، وبعد هذه الدقة المتناهية في هذه البيانات الخاصة بكل المؤسسات العلمية، والتي ينبثق عنها النتائج المترتبة عليها، يستطيع الباحث في هذا المجال التنقيب عن أي موضوع في هذه البيانات المدرجة والمدخلة، والحصول على المعلومات الخاصة به بطريقة الذكاء الاصطناعي الحديث.
المطلب الثاني: صياغة الفتوى بواسطة الذكاء الاصطناعي
اذا كان الحديث عن عالم التكنولوجيا الحديث، وإذا كنا جميعاً نسلم أن الذكاء الاصطناعي هو مجهود بشري، فهل يمكن لهذا العلم استيعاب جميع المعلومات البشرية المخزنة لدى أي داتا معينة، وللجواب على هذا السؤال نقول: بأن التطور التكنولوجي اليوم أصبح يشابه عالم الخيال، وأصبح يستوعب كافة المعلومات ضمن برنامج بسيط يسمى مرة بالداتا ومرة يسمى بالمومري فلاش، ويجمع الذكاء الاصطناعي لعمليات تكنولوجيا المعلومات، حيث يجمع بين تعلّم الآلة والبيانات الكبيرة والتحليلات، ويساعد فرق تكنولوجيا المعلومات والفرق التشغيلية في دعم مبادرات التحول الرقمي، وتستخدم التطبيقات الحديثة تقنياتٍ برمجيةً معقدةً كي تعمل وتتوسّع عبر بيئة السحابة، ومن الصعب استخدام الطرق التقليدية في جمع المقاييس من السيناريوهات الحديثة، مثل تبادل البيانات بين المكونات، مثل الخدمات المُصغّرة وواجهات برمجة التطبيقات ومخازن البيانات بدلاً من ذلك، تستخدم فرق البرمجيات الذكاء الاصطناعي في مراقبة أداء التطبيقات لجمع المقاييس ذات الصلة، وتجميعها على نطاق واسع، وتتميز تقنيات الذكاء الاصطناعي (تعلّم الآلة (بالكفاءة في مساعدة الباحث في تحديد السبب الجذري لتقنيات الفتوى، وهذه التقنيات تعالج البيانات الكبيرة بسرعة وتربط بين العديد من الأسباب المحتملة من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي لعمليات تكنولوجيا المعلومات، ويُمكن لمؤسسة الفتوى التحقيق فيما وراء الأعراض أو التنبيهات، حتى تتوصّل إلى الأسباب الحقيقية التي تؤثر على أداء النظام الصحيح لنظام الفتوى، التي عملت بجهد كبير وتم تخزينها للحصول عليها بطريقة سهلة وبسرعة تواكب التقنيات التكنولوجية الحديثة([17]).
وقد أشار الدكتور علي جمعة إلى موضوع صياغة الفتوى، وأوضح المراحل التي تتم بها صياغة الفتوى وعلى النحو التالي: صناعة الإفتاء من العلوم المعقدة التي تحتاج إلى حرفية خاصة للقيام بها وإصدارها في صورة صحيحة، وتعد عملية صياغة الفتوى من أعقد العناصر في هذه الصناعة، حيث تمر الفتوى في ذهن المفتي بأربع مراحل أساسية، تخرج بعدها في صورتها التي يسمعها أو يراها المستفتي، وهذه المراحل الأربع هي:
المرحلة الأولى: مرحلة التصوير:
وفيما يتم تصوير المسألة من قبل السائل الذي يريد أن يستفتي في واقعة نزلت به أو بغيره، والتصوير قد يكون لواقعة فعلية، وقد يكون لأمر مقدر لم يقع بعد، وحينئذ فلابد من مراعاة المآلات والعلاقات البينية.
المرحلة الثانية: مرحلة التكييف:
والتكييف هو إلحاق الصورة المسئول عنها بما يناسبها من أبواب الفقه ومسائله، فنكيف المسألة مثلا على أنها من باب المعاملات لا العبادات، حينئذ يرجع إلى قوة دليل أي منهم، ويرجع إلى عمق فهم الواقع.
المرحلة الثالثة: مرحلة بيان الحكم:
والحكم الشرعي هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، ويؤخذ هذا من الكتاب والسنة والإجماع ([18]).
المرحلة الرابعة: إصدار الفتوى:
أو مرحلة التنزيل أي إنزال هذا الحكم الذي توصل إليه على الواقع، وحينئذ فلابد عليه من التأكد أن هذا الذي سيفتي به لا يعود على المقاصد الشرعية بالبطلان، ولا يخالف نصاً مقطوعاً به ولا إجماعا متفقا عليه، ولا قاعدة فقهية مستقرة([19]).
وقد علقت دائرة الإفتاء الأردنية على موضوع صياغة الفتوى بقولهم: "وهكذا يتعامل أصحاب الفضيلة المفتون مع المسائل الواردة إليهم من الجمهور عبر وسائل الاتصال المتنوعة، ضمن سلسلة متدرجة وآلية متقنة، تبدأ بتحديد نوع المسألة الواردة من الأنواع السابقة، وتنتهي بوصول الجواب إلى السائل في أسرع وقت ممكن، وإن وقع التأخير فإنما يقع بسبب الدراسة المفصلة التي تقوم بها الدائرة لعشرات المسائل يومياً، وإذا علم المفتي أنه مسؤول بين يدي الله عز وجل عن كل كلمة يكتبها فإنه -ولا شك- سيؤثر التأني والتمهل على العجلة والترجُّل، والله الموفق"([20]).
والخلاصة في هذا المطلب، أن صياغة الفتوى تمر بعدة مراحل في عملية الذكاء الاصطناعي، وهذه المراحل تؤدي في النهاية إلى تطبيق هذه الفتاوى وصياغتها ضمن منظومة متكاملة لعملية الذكاء الاصطناعي، والتي بدورها تواكب التكنولوجيا الحديثة، وتدخل جميع الفتاوى الصادرة من الإفتاء في هذه الخاصية، ويستطيع الباحث الرجوع إليها عند الحاجة.
المطلب الثالث: الإيجابيات والسلبيات للذكاء الاصطناعي في الفتاوى
لا يخفى على ذي لب أن التقنيات الحديثة والتكنولوجيا المتطورة لها آثار إيجابية ولها آثار سلبية، ومن هذه الأثار ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي؛ لأن الذكاء الاصطناعي هو نوع من أنواع التكنولوجيا الحديثة المتطورة، وهو عمل بشري يحتاج إلى ضبط مخرجاته؛ وعليه فإن الإيجابيات للذكاء الاصطناعي تنحصر فيما يأتي:
أولا: القدرة على تصنيف وترتيب الفتاوى والأحكام الشرعية وفقا للمواضيع الفقهية والفقهاء والمراجع، وبذلك يمكن الباحثين عن فتاوى محددة أو أحكام شرعية أن يجدوا المعلومات بسهولة ويسر، ويتصفحوا المراجع المعتبرة بشكل فعال، والتواصل المباشر مع المراجع الدينية والعلماء المعتبرين سواء عبر منصات الدردشة أو الروبوتات الذكية، وبذلك يمكن للأفراد طرح أسئلتهم والحصول على الإجابات بشكل مباشر وفوري.
ثانيا: الترجمة والتعريب، فمن خلاله يمكن ترجمة الفتاوى والأحكام الشرعية من اللغات المختلفة إلى لغة المستخدم، وبذلك يتيح فهمًا أوسع وأعم للمعلومات الشرعية، وتوفير الإرشادات الدينية بلغات مختلفة([21])، مع العلم أن فتاوى دائرة الإفتاء العام الأردنية تصدر اليوم بعدة لغات مما يتيح للباحث عن أي فتوى الحصول عليها في أي بلد في العالم وبأي لغة كانت، وهذا مما يبرهن على التطور التكنولوجي في مجال الذكاء الاصطناعي.
ثالثا: تمكين الفتوى من زيادة الوصول والانتشار؛ لأنه يمكّن الأفراد من الوصول إلى مصادر كثيرة للفتاوى بسهولة، سواء عبر مواقع الإنترنت أو التطبيقات المتاحة، ويتيح لهم تصفح وتنقيب البيانات بشكل فعال، مما يجعل الفتاوى والمعلومات الدينية متاحة للجميع بشكل أوسع وأسرع([22]).
رابعاً: يتيح للمسلم التحقق من صحة المعلومات، حيث يواجه الأفراد في عصر التكنولوجيا الحديثة تحديا يتمثل في التحقق من صحة المعلومات التي يتلقونها من مصادر مختلفة([23]).
أما السلبيات، حيث إن هذا العمل جهد بشري يعتريه النقص أحيانا؛ ولذلك كان من أهم السلبيات ما يأتي:
أولاً: الذكاء الاصطناعي له بعض الآثار السلبية خصوصاً عندما يتعلق الأمر بإصدار الفتوى والتعامل مع النصوص الشرعية، لقصوره عن الفهم البشري، حيث يعتبر فهم السياق والتفاصيل الدقيقة في الأسئلة الشرعية، والتحليل العميق للنصوص الدينية من مهارات العلماء والمراجع الدينية المتميزة، ومثالها فتاوى الطلاق، فهي تحتاج إلى حوار مع الأطراف، والوقوف على ملابسات الألفاظ التي تصدر، ومعرفة درجات الغضب، فقد يكون الطلاق متحققاً، وتظهر نتائج البحث على الذكاء الاصطناعي عدم وقوعه([24])، وهذا خلل يمكن ان يحصل في الذكاء الاصطناعي في مجال العلوم الشرعية.
ثانياً: ومع استخدام الذكاء الاصطناعي، قد يتم التخلي عن الجانب البشري والتكفل بالأسئلة والإجابات بطريقة أوتوماتيكية، مما يؤدي إلى فقدان البعد الفكري والتأويلي الذي تميز به أهل العلم والاختصاص، خصوصاً الخلافات المالية، التي تحتاج إلى سماع من الطرف الاخر، وإبداء الآراء التي يترتب عليها فتوى مختلفة تماماً عن التي تظهر عبر هذا الذكاء الاصطناعي([25])، وهذا أيضاً خلل يمكن أن يحصل في الذكاء الاصطناعي في مجال العلوم الشرعية، لكن هذا الخلل يمكن تفاديه في حالة تطور العلوم التكنولوجية والتعامل مع الذكاء الاصطناعي بشكل دقيق وهادف([26]).
والخلاصة في هذا المطلب أن هناك سلبيات وأخطاء قد تكون في عمليات الذكاء الاصطناعي، كونه عمل بشري، يحتاج إلى دقة متناهية، وهذا مما يتنبه له أن يقوم مدخل البيانات بحفظ المعلومات ضمن منهج متكامل وصحيح، وبعد الفراغ من كل هذه العمليات يجب أن يكون هناك فريق للمتابعة والتدقيق حتى لا يحصل الخطأ غير المقصود.
الخاتمة
فبعد التطواف في موضوع: "استخدام الذكاء الاصطناعي في الإفتاء/ أنموذجاً"، تبين لنا أن الذكاء الاصطناعي اليوم ضرورة ملحة لمواكبة التطور التكنولوجي الحديث، كيف لا والتعامل اليوم من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي يعطي الباحثين مجالاً قويا لاستخراج الفتوى بدقة متناهية، وقد توصل الباحث إلى أهم النتائج والتوصيات على النحو التالي:
أولاً: النتائج:
وقد توصل الباحث إلى أهم النتائج الآتية:
1. أن الذكاء الاصطناعي ضرورة ملحة لا بد من التعامل معها لمواكبة التطور العلمي التكنلوجي الحديث.
2. مواكبة دائرة الإفتاء العام الأردنية التطور التكنولوجي في عملية الذكاء الاصطناعي.
3. أن الذكاء الاصطناعي له القدرة على استخراج الفتوى من مضانها الأصيلة وبسرعة فائقة.
4. هناك سلبيات واضحة في استخدام الذكاء الاصطناعي، تتمثل في موضوع دقة المعلومة أحيانا، وترجمة الفتوى بطريقة الذكاء الاصطناعي يوقع الترجمة في الخطأ أحياناً.
ثانياً: التوصيات:
وقد توصل الباحث إلى أهم التوصيات الآتية:
1. على دور الفتوى العالمية ودائرة الإفتاء العام الأردنية على وجه الخصوص ضرورة التعامل مع الذكاء الاصطناعي، لمواكبة التطور التكنولوجي الحديث.
2. على دور الفتوى العالمية ودائرة الإفتاء العام تخزين الفتاوى بدقة للحصول عليها عند الحاجة.
3. عقد دورات علمية لكافة علماء الشريعة من المفتين والباحثين المتعاملين مع الفتوى بهدف التعامل الجيد والدقيقة مع الذكاء الاصطناعي.
(*) المؤتمر العلمي الثالث عشر لكلية الشريعة، جامعة جرش-الأردن، بعنوان: "الذكاء الاصطناعي والشريعة الإسلامية، أفاق جديدة، وتحديات معاصرة"، 20-22 أيار(مايو)2025م.
[1] انظر: سامي الحربي، الذكاء الاصطناعي، مبادئ وتطبيقات، ص15-ص22، بتصرف.