واقع الطلاق في الأردن وأثره على الأسرة(*)
المفتي الدكتور عبدالله محمد الربابعة/ مدير مديرية إفتاء محافظة إربد
ملخص
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
لا يخفى على ذي لب أن موضوع الطلاق موضوع مقلق لدى المجتمعات والأسرة المسلمة، لا سيما أن الطلاق له وقع سلبي على الزوج والزوجة والأولاد، ويتعدى هذا إلى الآباء والأمهات وسائر المجتمع المسلم، ولعل الذين يعملون في الاصلاح الأسري يواجهون هذا العمل الصعب، لأنهم يعيشون واقع الأزواج، وخاصة عندما يجلسون مع الأطراف من أجل الصلح بين المتخاصمين، ولعل الأمر يزيد صعوبة إذا ما حضر الأزواج ومعهم الأطفال وقرر الزوجان الانفصال عن بعضهما، فتجد ان الأطفال يرفعون أصواتهم بالبكاء، وتراهم يذهبون ويتوسلون بالأب، لعله أن يعيد الأم إليهم، ويتطور الأمر كذلك إذا ما شاهدنا الأطفال يركضون ويتشبثون لصوقا بالأم، ولا يملكون إلا البكاء والعويل والترجي، وبناء على ما سبق فإن واقع الطلاق مرير على المجتمعات، لا سيما الأطفال صغارا وكبارا؛ وبناء عليه أيضاً؛ فإن واقع الطلاق مرير على الأطفال؛ لا بل على الأسرة كلها، ولعل من أكبر الأثار السلبية على الأسرة هو تشتت الأسرة دون رقيب، وخاصة أن الأزواج يحاول كل منهم الانتقام من الأخر، والضحية في نهاية الموقف هم الأولاد المشردون في الشوارع، الذين لا معيل ولا مربي لهم، ومن هنا يكثر في المجتمع الأطفال المشردون، وتكثر الخلافات، ويكثر تعاطي المخدرات، حتى من الأطفال، وتكاد أن تكون ظاهرة المشردين في الأطفال بسبب الطلاق هو الأبرز في هذا الموضوع، وقد بين النبي الكريم العلاج المناسب لهذه الخلافات كلها، وحث على التنازل عن هذه الأمور للوصول إلى أسر أمنة وقوية، قال صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا)([1])، وإذا تم تحديد مسؤولية كل واحد منا وعرف كل واحد واجبه في أسرته، عندها تتلاشى الخلافات وتضمحل، ونصل في نهاية الأمر إلى أسرة سعيدة بعيدة عن أجواء الخوف والقلق والتشتت إلى بر الأمان.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فإن واقع الطلاق على الأسرة واقع مرير، ويذهب ضحيته الأبناء والبنات والأسرة بكاملها، ويجب علاج ظاهرة الطلاق من خلال دور الإصلاح الأسري المتواجدة في المحاكم الشرعية ودائرة الإفتاء العام، ولا بد من الاهتمام بجانب الإصلاح الأسري لما له من أهمية في علاج الحالات الأسرية في المجتمعات التي تغص بالقضايا، والتي عسر حلها إلا من طريق الشرع الشريف قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا، وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) [النساء: 34-35]، ولا بد أن يعرف كل واحد منا دوره الريادي الذي أمره الإسلام به، من خلال ما قاله صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا)([2])، وإذا تم تحديد مسؤولية كل واحد منا وعرف واجبه في أسرته وتلاشت الخلافات ووصلنا بالأسرة إلى بر الأمان.
وقد قام الباحث بدراسة موضوع واقع الطلاق وأثره على الأسرة "دراسة شرعية تربوية" لبيان الدلالات المستنبطة من خلال الآيات والأحاديث الواردة فيما يتعلق بالطلاق وأثره على الأسرة؛ لما لهذا الموضوع من أهمية خاصة في حياة الأسرة المسلمة، ولعدم وجود دراسة مستقلة حول هذا الموضوع، وما وجد في بلدنا الأردن إنما هو إشارات ومحاولات، قد يصاحبها النجاح إن شاء الله؛ مثل الإصلاح الأسري في المحاكم الشرعية، والإصلاح الأسري في دائرة الإفتاء العام، ولعل هذا يحتاج إلى تكاثف الجهود على المستوى الرسمي والمحلي للوصول إلى حلول ناجعة ومناسبة لأسرنا الكريمة، حتى تعيش في جو إيماني تتخلله السعادة وتسوده المودة والرحمة، بعيدا عن أجواء الشحناء والبغضاء في الأسرة المسلمة، وقد قمت بتقسيم هذا البحث إلى مقدمة ومبحثين واحتوى كل مبحث على عدة مطالب ثم جاءت الخاتمة، لتبين أهم النتائج والتوصيات التي أوصى بها الباحث، وعلى النحو التالي:
المبحث الأول: واقع الطلاق في الأردن
المطلب الأول: تعريف الطلاق لغة واصطلاحاً.
المطلب الثاني: حكمة مشروعية الطلاق
المطلب الثالث: أنواع الطلاق
المطلب الرابع: إحصائيات الطلاق في دائرة قاضي القضاة
المطلب الخامس: إحصائيات الطلاق في دائرة الإفتاء العام
المبحث الثاني: أثر الطلاق على الأسرة.
المطلب الأول: الإصلاح الأسري ودوره في حماية الأسرة
المطلب الثاني: الخلافات الأسرية
المطلب الثالث: العادات السيئة.
المطلب الرابع: المرأة والخيانات الزوجية.
المطلب الخامس: آثار الطلاق على الأسرة
الخاتمة، وفيها أهم النتائج والتوصيات
المبحث الأول
واقع الطلاق في الأردن
مما لا شك فيه أن الطلاق عملية هدم لبناء أسرة، وقد يأتي هذا الهدم عند بداية الطريق وقبل الدخول، وقد يأتي متأخراً بعد أن يكون البناء قد فرغ واكتمل، وتعددت الحجرات ووضع السقف أعني بعد النسل وكثرة الأولاد، والذين ظنوا أن الإسلام أباح الطلاق مطلقاً بلا ضوابط، وفتح للناس الأبواب على مصراعيها في أن يتزوجوا كما يشاءون ويطلقوا وقتما يشاءون، فقد أخطأوا وتجنوا على هذا الدين، وكذلك الذين يريدون حجر الطلاق ومنعه وتقييده بغير الطرق الشرعية، ظناً منهم أن ذلك عمل إنساني وأنه في صالح المرأة، فهم أيضاً جاهلون مخطئون، وأن العدل هو ما جاء به الدين الصحيح، بلا إفراط ولا تفريط، ومع إقرارنا بأن الطلاق عملية هدم إلا أنه في الإسلام هدم منظم يحافظ على اللبنة فينقلها من مكان إلى مكان آخر أكثر تلاؤماً دون كسرها أو إهمالها([3]).
المطلب الأول: تعريف الطلاق لغة واصطلاحاً
الفرع الأول: تعريف الطلاق لغة:
الطلاق هو حل القيد، سواء أكان حسياً، كقيد الناقة، تقول العرب: ناقة طالق أي مرسلة بلا قيد، أو معنوياً كقيد النكاح، وهو الارتباط الحاصل بين الزوجين، ويطلق أيضاً على الترك والتخلية، يقال: طلق فلان البلد إذا تركها، وأطلق الأسير أي خلاه([4]).
الفرع الثاني: تعريف الطلاق اصطلاحاً:
ذهب أكثر الفقهاء إلى تعريف الطلاق بقولهم: حل قيد النكاح في الحال أو المآل بلفظ مخصوص([5]).
فحل رابطة الزواج في الحال يكون بالطلاق البائن، وفي المآل أي بعد العدة يكون في الطلاق الرجعي، واللفظ المخصوص هو الطلاق الصريح والكناية.
المطلب الثاني: حكمة مشروعية الطلاق
الزواج آية من آيات الله تعالى الدالة علي بديع صنعه، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].
بالزواج يكون التناسل والتكاثر، وبه تقوى الأمم، وتحفظ من الزوال، وقديماً قيل: [إنما العزة للتكاثر]([6])، وبه يعف كل واحد من الزوجين نفسه عن الوقوع في الفاحشة، وبه يحصل السكن النفسي والطمأنينة القلبية.
وفي ظلال بيت الأسرة تتربى الأجيال، وتنشأ الروابط والعلاقات، وتحفظ الأنساب، ولا يمكن أن تستقر الحياة الزوجية إلا إذا كان عقد الزواج مؤبداً، ليتسنى للزوجين أن يجعلا من البيت مهداً يأويان إليه، وينعمان في ظلاله، وليتمكنا من تنشئة أولادهما تنشئة صالحة.
ومن أجل ذلك كانت الصلة بين الزوجين من أقدس الصلات وأوثقها، ولذا سمى الله تعالى العهد بين الزوج وزوجته بالميثاق الغليظ، فقال تعالى: (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء:21]، قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير: "المراد بالميثاق الغليظ عقد النكاح"([7])، وإذا كانت العلاقة بين الزوجين هكذا موثقة مؤكدة، فإنه لا ينبغي الإخلال بها، ولا التهوين من شأنها، وكل أمر من شأنه أن يوهن من هذه الصلة، ويضعف من شأنها فهو بغيض إلى الإسلام، وأي إنسان أراد أن يفسد العلاقة بين الزوجين فهو خارج عن أحكام الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ([8]) امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا)([9])، كما أن الإسلام حرم على المرأة أن تطلب الطلاق من غير سبب لذلك، قال صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ)([10])، وحيث إن الأصل في عقد الزواج الاستمرارية والديمومة إلا أن الحياة الزوجية قد يحصل فيها من الخلافات المريرة، وفي حالة استعصائها؛ فإن الشارع شرع الطلاق علاجاً لهذه الخلافات، إلا أن بعض الأزواج قد يتعسف في طلاقه لزوجته، ويوقع الضرر عليها، وعلى أولادها وأهلها وأقاربها دون وجه حق مما استوجب وضع التدابير الشرعية المناسبة لمثل هذا النوع من الطلاق.
ويرى الباحث أن زيادة حلات الطلاق لا مبرر لها أحيانا، فإن من المؤسف جداً مما نلاحظه يومياً وجود أعداد كبيرة من النساء تتزاحم على أبواب المحاكم الشرعية ومكاتب دائرة الإفتاء، وبعضهن لم يمض على فترة خطوبتهن سوى يومين فقط، وأذكر أنه قد وفد إلى دائرة إفتاء إربد زوج عقد على زوجته بتاريخ 31/12/2021 وقام بطلاقها بعد يومين فقط في 2/1/2023م من غير أن يدرك أمثال هؤلاء متانة عقد الزواج وأهميته وحكمته، وأنه تعالى سماه ميثاقاً غليظاً، فمتى قرر هذا الشخص أن الزوجة غير صالحة له!!!، وهل يعقل خلال ساعات أن يحسم الرجل أو المرأة قراره في هذا الموضوع، ولماذا لم يحسم أمره قبل العقد مثلا، أليس هناك رجل رشيد في البيت، أليس بينهما عاقل يتفهم الأمور، قال تعالى: (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) [هود: 78].
المطلب الثالث: أنواع الطلاق
إن الطلاق شرعاً: هو حل العصمة الزوجية، وهو نوعان: طلاق سني وطلاق بدعي، فالسني مجمع على حل العصمة الزوجية، وإبطال النكاح، وإفساده، والبدعي مختلف فيه وليس مجمعا عليه في إبطال النكاح وإفساده([11]).
والمراد من الطلاق السني هو أن يقع ويتم على الصورة التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المبين لأمته ما هو خير لها، والمبعد لها عما يضرها في دينها ودنياها معا، وهذا بيان الطلاق الشرعي السني، وهو أن يرى الزوج رؤية حقيقية، وهي أن بقاء هذه الزوجة في عصمته يضر بها ضرراً لا يجوز بقاؤه عليها، فلا يحل إلحاق الضرر بها بحال من الأحوال([12]).
صيغة الطلاق الشرعي السني وهي أن ينتظرها إذا حاضت وطهرت ولم يجامعها بعد طهرها، والمراد بالطلاق البدعي المحرم صفته أن يكون في حيض امرأته، أو في طهر مسها فيه، والذي يجب على كل مؤمن أن يتقي الله فيه ولا يفعله أبداً؛ لحرمته وفساده ومخالفته للطلاق الشرعي الذي شرعه الله وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم([13]).
ولما كان الطلاق فراق الزوجة، فإنه يترتب علي هذا الفراق أحكام كثيرة منها:
1. وجوب العدة إذا كان الزوج قد دخل بزوجته أو خلا بها، أما أن طلقها قبل أن يدخل بها ويخلو بها، فلا عدة له عليها، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) [الأحزاب:49]، والعدة ثلاث حيضات إن كانت من ذوات الحيض، وثلاثة أشهر إن لم تكن من ذوات الحيض، ووضع الحمل إن كانت حاملا.
2. تحريم الزوجة على الزوج إذا كان قد طلقها قبل ذلك الطلاق مرتين: يعني: لو طلق زوجته ثم راجعها في العدة، أو تزوجها بعد العدة، ثم طلقها مرة ثانية وراجعها في العدة، أو تزوج بعدها، ثم طلقها المرة الثالثة، فإنها لا تحل له بعد ذلك حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا، ويجامعها فيه، ثم يرغب عنها ويطلقها، فإنها بعد ذلك أي تحل للأول، لقوله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة: 229]. إلي أن قال: (فَإِنْ طَلَّقَهَا) يعني المرة الثالثة (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا) يعني الثاني (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) يعني الزوج الأول وزوجته التي طلقها (أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [البقرة: 230]. وإنما حرم الله المرأة على من طلقها ثلاث مرات حتى تنكح زوجا غيره، لأن الناس كانوا في أول الإسلام يطلقون ويراجعون بأي عدد كان.
ويرى الباحث أن الطلاق لا بد أن يقسم إلى نوعين: الطلاق الصريح والطلاق الكنائي، وهذا ما جاء في قانون الأحوال الشخصية الأردني حيث جاء فيه: "لا يقع الطلاق غير المنجز إذا قصد به الحمل على فعل شيء أو تركه ويقصد بهذا الكنائي"([15]).
والطلاق الصريح بلفظ أنت طالق أو روحي طالق...، ومنه الطلقة الأولى الرجعية وهو الذي لا يزيل الزوجية في الحال، وللزوج حق مراجعة زوجته اثناء العدة قولا وفعلا، وكل طلاق يقع رجعيا إلا الطلاق المكمل للثلاث، والطلقة الثانية الرجعية والطلقة الثالثة الكبرى، والطلقة الأولى قبل الدخول والثانية قبل الدخول والثالثة البائنة قبل الدخول([16]).
ويرى الباحث أن تعدد أنواع الطلاق في الإسلام تجعل الإنسان يأخذ وقتا كافيا ليقرر مصيره في إنهاء العلاقة الزوجية، وليس قرارا سريعا يتخذه الإنسان اليوم ويندم على فعله فيما بعد، ولهذا جعل الإسلام الطلاق الرجعي الأول والثاني، وجعل الطلقة الأولى البائنة والطلقة الثانية البائنة حتى يتريث الشخص في موضوع الطلاق.
المطلب الرابع: إحصائيات الطلاق في دائرة قاضي القضاة
لا يغيبن عن البال أن من الأعمال الرئيسية في دائرة قاضي القضاة هو العمل في قضايا الطلاق؛ وعليه فإن نسبة إجمالي حالات الطلاق التي تمت من خلال المحاكم الشرعية الخاصة بالزوج من زواج عام 2021 هي كالتالي:
1-حيث بلغ إجمالي حالات الطلاق الخاصة التي وقعت من زواج عام 2021 الخاص بالزواج والتي سجلت لدى المحاكم الشرعية الواقعة ضمن محافظات المملكة الأردنية الهاشمية هي (4396)، وعلى التفصيل التالي: طلاق رجعي(273)، طلاق بائن صغرى قبل الدخول(3057)، طلاق بائن صغرى بعد الدخول(1025)، بائن كبرى(41) المجموع (4396).
2- بلغ إجمالي حالات الطلاق التراكمية التي وقعت من زواج عام 2022 بالزواج والتي سجلت لدى المحاكم الشرعية الواقعة ضمن محافظات المملكة الأردنية الهاشمية، موزعة حسب نوع الطلاق، على النحو التالي:
إجمالي مجموع الطلاق في المحاكم الشرعية في المملكة(20416) ومفصل على النحو التالي: طلاق رجعي(4475)، طلاق بائن صغرى قبل الدخول(6848)، طلاق بائن صغرى بعد الدخول(8408)، بائن كبرى(685)([17]).
ويرى الباحث أن أعداد الطلاق في دائرة قاضي القضاة وحسب الإحصائية أنها في تزايد مستمر، وهذا يلقى بالثقل النوعي على كاهل قضاة الشرع الحنيف، ويبين أن هذا العمل الذي يقومون به وعلى مدار الساعة عمل يؤجرون عليه وهو نوع من أنواع الأحكام القضائية الملزمة، ويستحق قضاة الشرع الحنيف الشكر على تأدية هذه الخدمة المباركة للمواطنين.
المطلب الخامس: إحصائيات الطلاق في دائرة الإفتاء العام
لا يغيبن عن البال أن من الأعمال المهمة التي تقوم بها دائرة الإفتاء العام هو العمل في قضايا الطلاق؛ وعليه فإن نسبة إجمالي حالات الطلاق التي تمت هي كالتالي:
إحصائيات الطلاق في دائرة الإفتاء، وعلى مر السنوات السابقة، وحسب الترتيب التالي:
1-التقرير الإحصائي السنوي لدائرة الإفتاء العام لعام (2018)
عدد الفتاوى الصادرة (75582) وكانت على النحو التالي:
فتاوى الطلاق الواقع(5931)، فتاوى الطلاق غير الواقع(7888)، والأسئلة عن طريق الهاتف(25360)، والأسئلة العامة(8091)، وأسئلة الرسائل القصيرة(2002)، وأسئلة الموقع الإلكتروني(18673)، وأسئلة الفيس بوك(7666)، والأسئلة المكتوبة(268)([18]).
2-التقرير الإحصائي السنوي لدائرة الإفتاء العام لعام (2019)
عدد الفتاوى الصادرة (79920) وكانت على النحو التالي:
فتاوى الطلاق الواقع(6105)، فتاوى الطلاق غير الواقع(7867)، والأسئلة عن طريق الهاتف(30975)، والأسئلة العامة(7328)، وأسئلة الرسائل القصيرة(2226)، وأسئلة الموقع الإلكتروني(19095)، وأسئلة الفيس بوك(5862)، والأسئلة المكتوبة(462)([19]).
3-التقرير الإحصائي السنوي لدائرة الإفتاء العام لعام (2020)
عدد الفتاوى الصادرة (204031) وكانت على النحو التالي:
فتاوى الطلاق الواقع(11657)، فتاوى الطلاق غير الواقع(17798)، والأسئلة عن طريق الهاتف(131304)، والأسئلة العامة(20310)، وأسئلة الرسائل القصيرة(2196)، وأسئلة الموقع الإلكتروني(16128)، وأسئلة الفيس بوك(4175)، والأسئلة المكتوبة(463)([20]).
4-التقرير الإحصائي السنوي لدائرة الإفتاء العام لعام (2021)
عدد الفتاوى الصادرة (219583) وكانت على النحو التالي:
فتاوى الطلاق الواقع(13341)، فتاوى الطلاق غير الواقع(23718)، والأسئلة عن طريق الهاتف(136153)، والأسئلة العامة(18518)، وأسئلة الرسائل القصيرة(2086)، وأسئلة الموقع الإلكتروني(21488)، وأسئلة الفيس بوك(3554)، والأسئلة المكتوبة(725)([21]).
5-التقرير الإحصائي السنوي لدائرة الإفتاء العام لعام (2022)
عدد الفتاوى الصادرة (245197) وكانت على النحو التالي:
فتاوى الطلاق الواقع(13441)، فتاوى الطلاق غير الواقع(24828)، والأسئلة عن طريق الهاتف(161262)، والأسئلة المقابلات الشخصية(17600)، وأسئلة الرسائل القصيرة(732)، وأسئلة الموقع الإلكتروني(22871)، وأسئلة الفيس بوك(3502)، والأسئلة المكتوبة(961)([22]).
ويرى الباحث أن أعداد الطلاق في دائرة الإفتاء العام، وحسب الإحصائية للسنوات السابقة من عام 2018 حيث بلغت الفتاوى الصادرة(75582)، وفي عام 2019 حيث بلغت الفتاوى الصادرة (79920)، وفي عام 2020 حيث بلغت الفتاوى الصادرة (204031)، وفي عام،2021، حيث بلغت الفتاوى الصادرة (219583)، وفي عام 2022م حيث بلغت الفتاوى الصادرة (245197)؛ وعليه فهي في تزايد مستمر، وهذا يبين حجم العمل الذي تقوم به دائرة الإفتاء العام من حيث إصدار الفتاوى الخاصة، بالإضافي إلى فتاوى الهاتف وفتاوى المسجات والمقابلات الشخصية وأسئلة الفيس بوك وغيرها، وكذلك العمل الإداري.
المبحث الثاني
أثر الطلاق على الأسرة
يرى الباحث أن الخلاف الأسري هو الموضوع الذي شغل الكثيرين من علماء الشريعة والتربية وعلماء النفس والمصلحين، الذين يحاولون إصلاح ما دمر من بيوت بسبب الطلاق، لكن يفاجأ الإنسان، وبعد بذل الجهد كله أن الخلاف الموجود بين الأُسر، خلاف متجذر في قلوب الزوجين أحيانا، ويصعب علاجه في بعض الأحيان، ويبقى أثره ممتدا إلى الأسرة الواحدة، من حيث القلق والشتات وضياع الأولاد والفرقة والنزاع بين الأسر، ولعلي في هذا المبحث أن أصل إلى آثار الطلاق على الأسرة والمجتمع الإنساني وسبل العلاج.
المطلب الأول: الإصلاح الأسري ودوره في حماية الأسرة
عالج الإسلام مشاكل الأسرة ومنها الطلاق، من خلال بيان الأسباب الحقيقية لهدم الأسرة، ومن هذه الأسباب الأبعاد الاجتماعية، ويقصد به الحياة الاجتماعية داخل البيت الأسري، ونحن نعلم أن الحياة الزوجية تعتريها المنغصات، وما من بيت في الدنيا إلا وبه لمات وهنات، ومن المؤثرات الاجتماعية المهمة تدخل الأهل لحل الخلافات بين الأطراف المتنازعة، وعندما يحصل الخلاف بين الزوجين لا بد من التدخل من قبل الأهل لحل هذه الخصومات أو تدخل الحكمين للصلح، كما يقول الإمام الزمخشري في تفسير الكشاف عند حديثه عن الحكم الذي يجب أن يكون أثناء النزاع بقوله:" وهو الرجال والنساء حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ رجلا مقنعاً رضياً يصلح لحكومة العدل والإصلاح بينهما، وإنما كان بعث الحكمين من أهلهما، لأنّ الأقارب أعرف ببواطن الأحوال، وأطلب للصلاح، وإنما تسكن إليهم نفوس الزوجين، ويبرز إليهم ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة والفرقة، وموجبات ذلك ومقتضياته وما يزويانه عن الأجانب ولا يحبان أن يطلعوا عليه([23])، وتدخل المصلحين أو الحكمين لإصلاح الزوجين، والأولى بالحكمين أن يتصفا بصفات العدل، وقد أشار القرآن الكريم إلى الحكمين وأن يكونوا عادلين، حيث قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) [النساء:35]، يقول المحب الطبري: "يوفق الله بين الحكمين فيتفقا على الإصلاح بينهما"([24])، ويقول الزحيلي: "(وَإِنْ خِفْتُمْ) علمتم شِقاقَ نزاع وخصام أو خلاف، كأن كلّا منهما في شقّ وجانب، فَابْعَثُوا إليهما برضاهما، حَكَماً أي رجلا عدلا محكما مِنْ أَهْلِهِ أقاربه، وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها أقاربها، ويوكل الزوج حكمه في طلاق وقبول عوض عليه، وتوكل هي حكمها في الفرقة، إِنْ يُرِيدا أي الحكمان بَيْنِهِما بين الزوجين، أي يقدرهما اللّه على ما هو الطاعة من إصلاح أو فراق"([25]).
ومن الأسباب وجود الأب أو الأم ووجود الأخوة والأخوات الذين يسكنون في بيت واحد مع الزوجين، فإذا وقعت خلافات بين الزوجين سرعان ما نجد التدخل المباشر من قبل الأب أو الأم لصالح الزوج غالباً على اعتبار أن الزوجة هي غريبة عن أهل البيت، وقد يكون من أسباب المشاكل الغيرة من الأب أو الأم أو الأخوات اللواتي يسكنن في بيت الأهل، فتقوم الدنيا ولا تقعد بسبب بغض الأخوات والأخوة لزوجة الأخ، والأفضل من هذا كله أن لا يسكن الزوج عند أهله، وقد أشار قانون الأحوال الشخصية الأردني إلى هذا الموضوع في المادة (74) حيث جاء فيه: "ليس للزوج أن يسكن أهله وأقاربه معه دون رضا زوجته في المسكن الذي هيأ لها، ولها الرجوع عن موافقتها على ذلك، ويستثنى من ذلك أبناؤه غير البالغين وبناته الفقيرات إذا لم يمكنه الإنفاق عليهما استقلالاً، وتعين وجودهما عنده، وذلك بشرط عدم إضرارهم بالزوجة، وأن لا يحول وجودهما في المسكن دون المعاشرة الزوجية"([26]).
والحقيقة كما يرى الباحث أن هذه المادة حلت جوهر الخلافات بين الزوجين واشترطت قضية هامة جداً للزوجة وهي: عدم الإضرار بها، وهذا يشكل باكورة خير للزوجة وحقها وفرج كبير لها، وعدم وجود أي شخص يسكن في بيت الزوجية المستقل للزوجين، ومنها الأسباب السلوكية، ونقصد بهذا سلوك أحد الزوجين في البيت، وهنا تظهر الصفات النوعية والصفات الخلقية التي جبل عليها الإنسان أو هي الفطرة المركوزة في النفس البشرية، ومنها: عدم مبالات كل من الزوجين بالآخر، وعدم الاحترام المتبادل بين الطرفين، وينتج عن هذا الغفلة وسوء التدبير والتبذير والإسراف، وقد أرشدنا الإسلام إلى المحبة والتعاون فيما بيننا كأزواج، وظهور بعض الألفاظ من قبل الزوجين من السب والشتم والتحقير، وهذا مخالف لتعاليم النبي الكريم، قال صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)([27]).
ومنها الأسباب الاقتصادية؛ ولأن المال عامل مهم في استقرار الحياة الزوجية؛ فالمال عصب الحياة، وله أثر مهم في حياة الأسرة، والموضوع المالي تتشعب مداخله وتتشعب جهات الإنفاق فيه، وقد يكون هناك دخلان للأسرة دخل للزوج ودخل للزوجة، وقد يكون دخل واحد للزوج أو للزوجة، علماً أن الزوج شرعا هو وحده المكلف بالإنفاق على زوجته؛ لأن القوامة له، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء: 34]، وقال تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا) [الطلاق:7]، يقول الشيخ الجزائري: "الرجل ما دام قواماً على المرأة يرعاها ويربيها ويصلحها بما أوتي من عقل أكمل من عقلها، وعلمه أغزر من علمها غالباً، ويُعد نظره في مبادئ الأمور ونهاياتها أبعد من نظرها، يضاف إلى ذلك أنه دفع مهراً لم تدفعه، والتزم بنفقات لم تلتزم هي بشيء منها، فوجبت له الرئاسة الشرعية عليها"([28]).
ويرى الباحث أن هناك دورا كبيرا للعاملين في الإصلاح الأسري في حماية الأسرة المسلمة، من الضياع والتشرد ومن المخدرات ورفقاء السوء، من أجل الوصول إلى أسرة سعيدة تعيش في جو أمن بعيد عن النزاعات والخلافات، التي تؤدي إلى دمار الأسرة.
المطلب الثاني: الخلافات الأسرية
تربية الأطفال سبب رئيسي وعامل مؤثر، كما يراه الباحث، وهو من أسباب الخلافات الأسرية، وقد يؤدي إلى حدوث الطلاق بين الزوجين أحياناً، ومن أسباب الخلاف إهمال تربية الأطفال من قبل الزوجين فيلقي كل واحد منهما باللائمة على الأخر، وترك الأطفال يلعبون ويلعبون خارج البيت دون العناية، وضرب الأطفال ضرباً مبرحاً بسبب التقصير؛ فيؤدي هذا إلى تدخل أحد الزوجين، والغيرة الزائدة من الزوجين بسبب الحنان الزائد، ويؤدي هذا إلى مشاكل بين الزوجين، والحضانة، ومطالبة كل من الزوجين بأحقيته في الحضانة وما يترتب عليها من عواقب، ومنها أيضا موضوع الضرائر، وهو من الأسباب التي تؤدي إلى حدوث الطلاق والمشاكل الأسرية كما يراه الباحث هو وجود زوجة أخرى للزوج في بيت واحد، وهذا الحكم عاما، فبمجرد تفكير الزوج- ولو كان مازحاً- تنسلخ الزوجة من عقلها ومن علمها، وتظهر الخلافات، والأفضل في هذا الأمر أنه إذا تزوج الرجل ثانية عليه أن يوفر لها مسكنا مستقلا بعيدا عن الزوجة الأولى حتى لا يحصل الخلافات بين الزوجين.
ويرى الباحث أن الخلافات الأسرية التي تعيشها الأسرة تسبب في شتات الأسرة وضياع أبناءها، وإهمال تربية الأطفال، والغيرة الزائدة من الزوجين، والحضانة، ومطالبة كل من الزوجين بأحقيته في الحضانة وما يترتب عليها من عواقب، وفقدان الأسرة الود والاحترام والأنس والسكينة والمودة والرحمة المنشودة، والتي أمر الله بها عباده المؤمنين، كما قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].
المطلب الثالث: العادات السيئة
تظهر بعد الزواج قضايا خاصة بين الزوجين، فتهز كيان الأسرة وتعصف بها الرياح، وقد يصل الحال إلى طلاق، وقد توصل الباحث إلى أهم الأسباب والعادات السيئة، ومنها تعاطي المخدرات والمسكرات وما شاكلها، والإدمان على المحطات الفضائية، ويكون هذا على حساب الشريك الأخر، ويؤدي إلى إهمال أحد الزوجين الأخر، وقد يؤدي إلى انفصال الزوجين بسبب عدم الاهتمام من أحد الطرفين بصاحبه وشريك حياته، والتساهل في القضايا المحرمة (ألفاظ الكفر، السب، اللعن، والشتم)، وقد قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنه يصف حال النبي صلى الله عليه وسلم في أخلاقه: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا، وَلاَ مُتَفَحِّشًا، في رواية: سبابا ولا فحاشا ولا لعانا ولا سخابا في الأسواق ولا يجزئ بالسيئة السيئة، وَكَانَ يَقُولُ: (إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا)"([29])، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "والفحش كل ما خرج عن مقداره حتى يستقبح ويدخل في القول والفعل والصفة، والمتفحش بالتشديد الذي يتعمد ذلك ويكثر منه ويتكلفه"([30]).
ويرى الباحث أن العادات السيئة من تعاطي المخدرات والمسكرات ورفقاء السوء والكلام البذيء له أثره على الحياة الزوجية، وما شاكلها، وخاصة الإدمان على المحطات الفضائية وعلى الهاتف، والتساهل في القضايا الكفرية مثل: (ألفاظ الكفر، السب، اللعن)، جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: (إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا)"([31])، كل هذا الذي تقدم ذكره يساهم في دمار الأسرة وإبعادها عن رسالتها التي طلبها الله تعالى.
المطلب الرابع: المرأة والخيانات الزوجية
من الأمور المؤلمة والقاسية على النفس الإنسانية -كما يراه الباحث- أن تسمع بظهور قضايا يخجل الإنسان من الحديث عنها في المجتمع المسلم، وتعود أسباب الخيانة إلى ضعف الوازع الديني عند الزوجين، وعدم تلقي الزوجين الدروس الكافية في الثقافة الدينية قبل الزواج، وشعور الزوجين بالنقص بنظر كل واحد إلى الأخر، والاختلاط المحرم من كلا الزوجين بغير المحارم، وعدم اهتمام الزوجين بلباسهما وطيب عطرهما وحسن كلامهما.
ويرى الباحث أن الكلام عن حرية المرأة في السنوات الأخيرة تطور الحال فيه، فيما يتعلق بحقوق المرأة وأصبحت المرأة تنادي بحقوقها، وتوسع هذا الأمر حتى خرجت المرأة عن دورها الريادي، ويرى الباحث أيضاً أن من أهم الأمور التي ساهمت في هذا الموضوع قناعة المرأة أن حريتها تعني الخروج دون إذن زوجها، على اعتبار أنه لا سلطة عليها لأحد، ودور الإعلام المساند للمرأة، وتقليد المرأة لغيرها من نساء الغرب بسبب تطور الحياة، والحرية الغير مسئولة والغير منضبطة وخاصة في المجتمعات المظلمة، وهذا له نتائجه الخطيرة على الأسرة المسلمة.
المطلب الخامس: آثار الطلاق على الأسرة
قد يبدو الطلاق في نظر الزوجين بابا للخلاص من الجحيم الذي صنعاه بأيديهما، ولذا نراهما يتنفسان الصعداء عند افتراقهما، ومن الآثار المدمرة على المجتمع والأسرة على وجه الخصوص، هي عدم الاستقرار النفسي لدى الزوجين، ونظر المجتمع إلى الزوجين المنفصلين نظرة شؤم وازدراء، والوقوع في الحرام، وتشرد الأولاد، حيث لا يجد الأبناء من يحسن تربيتهم بعد الفراق؛ لأن كلاً من الزوجين يلقي بالمسؤولية على الآخر، ولربما تزوج الرجل بأخرى وتزوجت المرأة بآخر، وهذه الخلافات تعود آثارها السيئة على الأولاد([32])؛ ولذا فإن الطلاق مشكلة اجتماعية خطيرة تهدد الكثير من الأسر، وتنقلها من السعادة إلى الشقاء، ومن الراحة إلى العناء([33])، والتشتت الذهني، إذ كل منهما يصيبه من أذى الآخر ما يجعله شارد الذهن، الأمر الذي ينتهي به إلى شلل في التفكير، والقلق والاضطراب النفسي، والتردي في الهاوية، وحلول الغضب الإلهي، ونزع البركة من الرزق والأجل، وضياع الأولاد أو الحرمان منهما"([34])، هذا جانب مجمل، أما آثار الطلاق على الأسرة بأقسامها وبالتفصيل فهو على النحو التالي:
الآثار السلبية على الأطفال ومنها: تشرد الأولاد، حيث لا يجد الأبناء من يحسن تربيتهم بعد الفراق؛ لأن كلاً من الزوجين يلقي بالمسؤولية على الآخر، ولربما تزوج الرجل بأخرى وتزوجت المرأة بآخر، وهذه الخلافات تعود آثارها السيئة على الأولاد، والتشتت الذهني لدى الأطفال.
علاج مشكلة الخلافات الأسرية بين الأزواج
العلاقة المتوازنة بين الزوج والأهل، يجب أن تكون متينة حتى لا يخدشها أحد، وعلى الزوج أن يكرم زوجته من خلال: الثناء عليها أمام أهلها مثلاً، ومبادلتهم الزيارات، ودعوتهم في المناسبات، وبذل الإحسان إليهم، وأن لا يمنع الزوجة من زيارة أهلها وخاصة والديها مهما كانت الظروف، واستقبالهم أحسن استقبال عند حضورهم لزيارة ابنتهم، ومجاملة أهل الزوجة ومبادلتهم الزيارات خاصة في المناسبات.
ويرى الباحث أنه وعلى كل ذي لب أن يدرك آثار الطلاق على الأسرة، لا سيما الأبناء والأزواج والآباء والأمهات والمجتمع، وأن هذه الأثار تنعكس سلبا على كل ما ذكرنا من حيث القطيعة وتقطيع الأرحام، وفقدان المودة بينهما، وكذلك النزاع المشترك الذي يدمر العقول والأسرة بكاملها، ثم يتطور الأمر إلى حرمان الأبناء من مشاهدة الأب مثلا أو من مشاهدة الأم إذا رفض والدها أن تجلب الأبناء معها بعد الطلاق، مما يوقع الزوجة في حالة عسر فكري وعاطفي، ويؤدي هذا العمل إلى الدمار لكل الأطراف المتنازعة من الأزواج والآباء والأمهات.
الخاتمة
فبعد التطواف في موضوع: "الطلاق في الأردن وأثره على الأسرة"، تبين لنا أن كثرة الطلاق في الأردن ذات مؤشر سلبي تجاه المجتمع، رغم توفر دور الإصلاح الأسري في بلدنا العزيز؛ لكن ما زال الطلاق يجثم على قلوب المجتمع الأردني، وتنعكس أثاره على الأسرة الواحدة، ولعل بلدنا الحبيب من أكثر البلدان طلاقاً، وقد توصل الباحث إلى أهم النتائج والتوصيات على النحو التالي:
أولاً: النتائج:
وقد توصل الباحث إلى أهم النتائج الآتية:
1- الزواج من آيات الله تعالى، والصلة بين الزوجين من أقدس الصلات، سماها الله تعالى بالميثاق الغليظ، فلا يجوز الإخلال بها والتعسف في إنهائها من غير سبب معقول.
2- الإصلاح الأسري مهم يجب العناية به، وله دوره الفعال في المجتمع، في سبيل الوصل إلى حلول جدية وصحيحة.
3- الآثار الكبيرة للطلاق على الأسرة تنوعت إلى آثار على الزوجين وعلى الأبناء وعلى أهل الزوجين وعلى المجتمع.
4- تدخل الآباء والأمهات في القضايا الخاصة بالزوجين، يوقع الزوجان في خلافات ومشاكل كبيرة، تكون الخاتمة بالطلاق والشتات وتضيع الأبناء والأسرة بكاملها.
ثانياً التوصيات:
وقد توصل الباحث إلى أهم التوصيات الآتية:
1- إشراك دائرة الإفتاء والقضاء الشرعي ووزارة الأوقاف في العمل على عقد مؤتمر خاص بالإصلاح الأسري، يحضره كافة العاملين في مجال الإصلاح الأسري، من أجل وضع صيغة صحيح وواقعية لعلاج مشكلة الطلاق وأثرها على الأسرة.
2- عقد دورات حقيقية وملزمة خاصة للمتزوجين وللمقبلين على الزواج- رغم وجودها في دائرة قاضي القضاة- من خلال التعاون مع منظمات الإصلاح الأسري وتوفير بيئة أمنة للأسرة.
3- توعية الأسرة بخطورة الطلاق وأثره السلبي على المجتمع المسلم، من خلال عقد ندوات خاصة، للآباء والأمهات، وتعريفهم بواجبهم الشرعي تجاه أبناءهم، ومنع الآباء من التغول على أبناءهم بقصد العاطفة، مما يترتب عليه تفريق الأسرة وشتات الأبناء.
الهوامش
(*) بحث مقدم للمؤتمر العلمي (الأسرة في الإسلام، واقع وتحديات)، مديرية الإفتاء العسكري- القوات المسلحة الأردنية، بتاريخ 6 /9/ 2023م.
([1]) صحيح البخاري، باب الجمعة في القرى والمدن، رقم الحديث (893).