دراسات وبحوث

أضيف بتاريخ : 06-08-2017
هذا البحث يعبر عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي دائرة الإفتاء العام


نظرية الوضع اللغويّ

وعوامل الاستقرار الدلاليّ في التواصل والإفهام(*)

الباحث الدكتور جاد الله بسام صالح

ملخص

يتناول البحث نظرية الوضع (المواضعة) في الدلالة اللغوية من جهة كلامية فلسفية، تحقيقاً لمتطلب الاتصال والتواصل مع الثقافات الأخرى بناء على أسس عقلية نسعى أن تكون مشتركة.

ويقدم البحث نظريةَ الوضع بوصفها منهجاً كلياً معرفياً أدبياً نقدياً قديماً، يقدّم حلولاً عصرية ممكنة وقريبة لدراسة النصوص الأدبية ونقدها، مقارناً هذه النظرية ببعض النظريات الحداثية الغربية (البنيوية والتفكيكية)، مع عرض لأهم الأسس التي تنبني عليها هذه النظريات والظروف التي نشأت فيها، والأهداف التي ترمي إليها، مع ذكر أهم الإشكالات التي تواجهها.

ويعتمد البحث من خلال المنهجين الاستقرائي والاستنباطي على كتب التراث العربي المختص بهذا الحقل، من كتب الكلام، كآثار القاضيين الباقلاني وعبد الجبار، وكتب اللغة وفقهها، وكتب البلاغة، كآثار ابن جني وشيخ البلاغيين عبد القاهر، وكتب النقد الأدبي المتنوعة، وكتب المنطق وعلم أصول الفقه عند كبار العلماء الجامعين بين الحقول المعرفية المتنوعة، محاولاً إبراز هذه النظرية عند المتقدمين.

ويعرّف البحث بمفهوم الدلالة عموماً لغة واصطلاحاً، ومفهوم نظرية الوضع وأركانها (الوضع، الواضع، الموضوع له، الموضوع، معرفة الوضع)، مبيناً القطعي المتفق عليه في هذه النظرية من الظني الذي يمكن الاختلاف فيه، مع بيان مراتب كل ذلك، متوصّلاً إلى ثمرة النظرية، وهي مفهوم الدلالة اللفظية الوضعية.

ويبرز البحث بالمنهج المقارن الاستقرار الدلالي في نظرية الوضع، بخلاف الاضطراب الدلالي في النظريات الغربية الحداثية، وآثار ذلك على الفهم والنقد الأدبي.

ومن جهة تطبيقية؛ يعرض البحث لنقد بعض آراء الدكتور نصر حامد أبو زيد في كتابه الاتجاه العقلي في التفسير، حيث ذكر فيه ما يتعلق بنظرية الوضع وأركانها وشروطها، محللاً بعض الجهات في رأيه، مبيناً ذلك بالدليل والتعليل.

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإنّ علماء العربية في أوّل أمر نظرهم في اللغة العربية قد سلكوا في تحديد نشأتها مسالك؛ أهي توقيف ووحي إلهيّ أم هي اصطلاح واجتهاد بشريّ، أم هي شيءٌ مركب من هذين، أم أنَّ مناسبات خاصة دعت واضع اللغة إلى الأوضاع الموجودة الآن؟ وقد كان حاديَهم في هذا التفكير شعورٌ عميق بأصالة هذه اللغة ورهافة ما فيها من محتوى، وحساسية عالية لألفاظها، حتى إنها تكاد تمتزج بالمعاني من شِدّة ما هُـيِّئ لها من نفاذيّـة إلى القلوب والعقول والآذان.

ومهما يكن من هذه المسالك صائباً راجحاً، فإنَّ جميعها تندرج تحتَ الرأي القائل بأنَّ دلالة الألفاظ على معانيها إنما ترجع إلى إرادة واضعٍ قصد إلى جعل اللفظة المعينة بإزاء معنىً معين أراد أن يُعبَّـر عنه بتلك اللفظة، سواء كان الواضع هو الله تعالى أو البشر من تلقاء أنفسهم، أو بملاحظة مناسبات طبيعية بين اللفظ والمعنى.

وقد تناولتُ في هذا البحث هذه القضية خصوصاً، أعني أنَّ دلالة اللفظ على معنىً إنما هي راجعة إلى إرادة الواضع، قاطعاً نظري في مجال هذا البحث عن تفصيل مرجع ذلك الوضع، هل هو وضع إلهيّ اهتدى إليه البشر، أو هو وضع بشريّ وفّق الله تعالى إليه أناساً مخصوصين، أو أنه على نحو من الأنحاء مركّب من الأمرين؟ إذ إنَّ ذلك مما تتفاوت فيه الآراء وتتباين الأقوال، ولا يمنع من القول بها مانع قاطع([1]).

وأختم مقدّمتي بأنّ ما كان في هذا البحث من صواب فمن فضل الله تعالى، وما كان من خطأ فمن عجلة أو قلّة نظر وتدبّر منّي، وأسأل الله التوفيق لي وللمسلمين أجمعين، خصوصاً طلبة العلم والمدرسين والباحثين.

والحمد لله رب العالمين

فهرس موضوعات البحث

ملخص

المقدمة

المبحث الأول: نظرية الوضع في الدلالة اللغوية

المطلب الأول: مفهوم الدلالة[2]

أولاً: المعنى المعجمي

ثانياً: المعنى الاصطلاحيّ

المطلب الثاني: نظرية الوضع مفهومها وأركانها

أولاً: مفهوم الوَضْع

ثانياً: أركان نظرية الوضع

المبحث الثاني: عوامل الاستقرار الدلالي في نظرية الوضع

المطلب الأول: جهة الدلالة في نظرية الوضع

المطلب الثاني: معرفة الوضع

المبحث الثالث: نظريات حداثية في الدلالة اللغوية للنصوص.. عرض ونقد (أبو زيد أنموذجاً)

المطلب الأول: نظريات حداثية في الدلالة اللغوية

المطلب الثاني: دعوى "قصد المتكلم" وأثرها على الاضطراب الدلالي في كتاب (الاتجاه العقلي في التفسير) لنصر حامد أبي زيد

أولاً: تصوير الدعوى

ثانياً: نقد الدعوى

الخاتمة والنتائج والتوصيات

المصادر والمراجع

المبحث الأول

نظرية الوضع في الدلالة اللغوية

نظرية الوضع هي إحدى النظريات المطروحة في سياق البحث في الدلالة اللغوية، ويحتم البحث في هذه النظرية توضيح مفهوم الدلالة اللغوية، فلذا جعلت المطلب الأول متعلقاً بمفهوم الدلالة اللغوية، والمطلب الثاني بنظرية الوضع.

المطلب الأول: مفهوم الدلالة

أولاً: المعنى المعجمي

قال ابن فارس: "(دلّ) الدال واللام أصلان: أحدهما إبانة الشيء بأمارة تتعلمها، والآخر اضطراب في الشيء"([3])، ولكن الأصل الآخر الذي ذكره ابن فارس، وهو: اضطراب في الشيء، لا يرجع إلى الأصل المجرد (د ل ل)، لكنه يعود إلى (دلدل)، وهذا ما ذكره ابن فارس نفسه، حيث قال: "والأصل الآخر قولهم: تدلدل الشيء، إذا اضطرب"([4])، ومن هذا يعلم أنّ لفظة (الدّلالة) ومشتقاتها تبقى دائرة على الأصل الأوّل، وهو إبانة الشيْءِ، دون الثاني.

وقال ابن منظور: "والدليل: ما يستدلّ به. والدليل: الدالّ. وقد دلَّه على الطريق يدلّه دَلالة ودِلالة ودلولة، والفتح أعلى"([5]). ودلالة مصدر دلّ، وجمعها دلالات([6]). وقال الزبيدي: "والدَّالَّةُ: مَا تَدِلُّ بِهِ على حَمِيمِك كَمَا فِي المحكَم. وَفِي التَّهْذِيب: {الدالَّةُ: مَن} يَدِلُّ على مَن لَهُ عندَه منزلةٌ، شِبه جَراءةٍ مِنْه"([7]). وقال كذلك: "قال شيخنا: صرح الملا عبد الحكيم في حَواشي المُطَوَّل بأنه لم تَجئ الدَّلالَةُ إلّا لازماً"([8])، لكن قال أبو البقاء الكفويّ: "والدّلالة تتضمَّنُ الاطّلاعَ، ولهذا عوملت معاملته حتى تتعدّى بـ (على)" ([9]).

فالخلاصة أنَّ الدلالة في اللغة تطلق ويراد بها المصدر، وهو الإبانة عن الشيء، وقد يراد بها الاسم، كما ورد عند الزبيدي، أي ما يدل على الشيء ويبين عنه، والفعل من الدلالة لازم، إلا أنْ يتضمن معنى الاطلاع فيتعدّى بعلى.

ثانياً: المعنى الاصطلاحيّ

اهتمَّ علماء المنطق بشكل خاصّ بالدلالة من حيث إنها تدل على ما يفكر فيه الإنسان، وقد اختصّوا من بين العلماء بمزيد بحث عن الدلالة حتى أفردوا لها مباحث خاصة، وإنما اختصّوا بذلك لأنَّ الدلالة على الفكر هي أوّل ما يحتاجه المفكر للدلالة على ما يجول في خاطره، وليتمكن من تفهيمه للآخرين.

والذي يجدر ذكره أنَّ المناطقة يبحثون في موضوع الدلالة على جهة تتشارك فيها كل اللغات، لا العربية دون سواها. ويعرف القطب الرازي الدلالة بأنها: كونُ الشيءِ بحالةٍ يلزم من العلمِ به العلمُ بشيءٍ آخرَ([10]). وقال الكفوي: "وَالدّلَالَة: كَون الشَّيْء بِحَيْثُ يُفِيد الْغَيْر علماً إِذا لم يكن فِي الْغَيْر مَانع، كمزاحمة الْوَهم والغفلة بِسَبَب الشواغل الجسمانية"([11]). وجاء في المعجم الفلسفي: "شيء أو معنى يفيده لفظ أو رمز ما، ومنه دلالة الكلمة والجملة"([12]).

وفي معنى الدلالة الاصطلاحيّ أمور لا يحسن أن يُغفَل عن ملاحظتها، إذ إن لها أثراً في تحديد ملامح نظريَّـة الوضع وتمييزها عن سواها من النظريات:

  1. أنَّ الدلالة ليستْ أمراً متوقّفاً على إرادةٍ ما بعد حصول أصل الدلالة، فالدالّ يدلّ على مدلوله بغير توقف على شيء آخر غير كونه متصفاً بالدلالة.
  2. أنَّ الدلالة في هذا التعريف مطلقة بإزاء كلّ ما من شأنه أن يكون له دلالة، سواء كان علامة أو لفظاً أو إشارة أو حركة، من غير اختصاص بنوع من أنواع الأدلة.
  3. أنَّ هناك ثلاثةَ أمورٍ يقتضيها تحقق دلالة شيء على شيء؛ الدالُّ، والمدلول، والدلالة، وهي الكون أو النسبة بين الدال والمدلول، وكلّ واحد من هذه الأمور مختلف عن الآخر.

إنّ أساس موضوع الدلالة هو الإفهام والإفادة، والتفهّم والاستفادة، وبناء على هذه النظرة؛ فإنّ ما يمكن به إفادةُ المعاني واستفادتها قد يكون رمزاً أو لفظاً أو شيئاً آخر، فالدلالة بناء على نوع الدال تنقسم إلى نوعين واسعين، وهما:

  1. لفظية.
  2. غير لفظية.

وكل منهما تنقسم إلى أنواع ثلاثة من حيث علّة الدلالة، وضعية وعقلية وطبيعية.

وبالرغم من صحة كون الدال رمزاً أو غيره، لكنّ الدالَّ اللغوي اللفظي هو الأكثر إفهاماً وإفادة من بين صور الدالّ الأخرى، ولذلك حاز مكانة خاصة في دراسته والاهتمام به، وهذا المعنى يوافق عليه الكاتبون المعاصرون في الكتب التي تسمى بعلم الدلالة، حيث يصرّحون بأنَّ مجال الإفادة والاستفادة بين الناس ينظر إليه بصورة أساسية من خلال الألفاظ، وهي التي يسمّيها علماء المنطق بالدلالة اللفظية.

قال الأستاذ أحمد مختار عمر في تأكيد ذلك، مبيناً أنَّ الدلالة التي يهتمّ بها اللغويون هي الدلالة اللغوية: "ورغم اهتمام علم الدلالة بدراسة الرموز وأنظمتها حتى ما كان منها خارج نطاق اللغة، فإنه يركز على اللغة من بين أنظمة الرموز باعتبارها ذات أهمية خاصة بالنسبة للإنسان"([13]).

ولما كان اهتمام اللغويون منصباً على الدلالة اللفظية، فإني سأقتصر على ذكر أقسامها([14]):

  1. الدَّلالة اللفظية الوضعية، وهي الدلالة التي تكون فيها دلالة الدالّ على المدلول مقصودة ومرادة بالوضع أي جعل الدال في مقابل المدلول، كدلالة لفظ (أسد) على الحيوان المتفرس المعروف، مثلاً.
  2. الدلالة اللفظية الطبيعية، وهي الدلالة التي يدل فيها الدالّ على المدلول بحسب الطبيعة، كدلالة لفظ الأنين من المريض على توجّعه.
  3. الدلالة اللفظية العقلية، وهي الدلالة التي يدل فيها اللفظ على المدلول بطريق العقل لا بالوضع أو الطبيعة، كدلالة صدور لفظ من خلف جدار على وجود شيء صدر عنه ذلك اللفظ، فإن ذلك أمر يستنتج بالعقل، لأنَّ الأثر (اللفظ) لا يصدر إلا عن مؤثر (لافظ).

والدلالة المقصودة في اللغات هي الدلالة اللفظية الوضعية فقط، لكونها أكثر انضباطاً واتّساقاً، ولكونها هي الأكثر استعمالاً بين الناس، ولأنها هي الموثوقة على المعاني، لا سيما أنها لا يتطرق إليها إلباس عند المتكلم والسامع.

وقد ذكر ذلك صاحب دستور العلماء: "ومدار الإفادة والاستفادة على الدّلَالَة اللفظية الوضعية"([15])، وتعبيره بأنّ الدلالة اللفظية الوضعية هي مدار الإفادة والاستفادة، تعبير جيد، إذ ليست هي قصراً وحصراً، بل هي مدار ذلك، أي الأكثر استعمالاً.

وأمّا المراد بالدلالة اللفظية الوضعية على التحديد، فهو كما بينه السيد الشريف الجرجاني في التعريفات، حيث قالَ: "الدّلالة اللفظية الوضعية: هي كون اللفظ بحيث متى أُطلق أو تخيل فُهم منه معناه، للعلمِ بوضعه، وهي المنقسمة إلى المطابقة، والتضمُّن، والالتزام؛ لأنَّ اللفظ الدالَّ بالوضع يدلُّ على تمام ما وُضع له بالمطابقة، وعلى جزئه بالتضمن، وعلى ما يلزمه في الذهن بالالتزام"([16]).

وأمّا الزبيديُّ فهو يذكر قرابة هذا التعريف، الذي يتناسب مع المجال اللغويّ لمعجمه تاج العروس، قال: "كونُ اللَّفظِ متى أُطلق أو أُحسّ فهم معناه للعلم بوضعه"([17]).

وقيل: "وعرفوا الدلالة اللفظية الوضعية بأنها فهم المعنى من اللفظ"([18])، وهو تعريف موجز ومباشر، لكن تعريف الجرجاني والزبيدي يظلُّ أكثر دقة وتفصيلاً.

ويمتاز تعريف الجرجانيّ الذي تابعه الزبيديّ عن تعريفات الدلالة مطلقاً بأمور تفيدُ كمالَ معرفة حقيقة الدلالة اللفظية الوضعية، وهي:

  1. أنه يحددّ الدالّ بأنه اللفظ، ولا يطلقه على أنه شيء.
  2. أنه يحددّ المدلول بأنه المعنى، ولا يطلقه كذلك على أنه شيء.
  3. أنه ينصّ على علّة دلالة اللفظ على المعنى، وهي العلمُ بالوضعِ، ومعنى كون العلم بالوضع علّة للدلالة هو أنّ الفهم متعلّق بالوضع، فلو لم يكن وضعٌ لم يكنْ فهمٌ، أيْ إنه لو أطلق لفظ لم يوضع بإزاءِ شيء من المعاني، فإنَّ هذا اللفظ لا مدلولَ له ولا دلالة ولا يسمى دالاً، ولا يمكن أن يتأتى التخاطب به بين المتخاطبين، بل يعد التفوّه به ضرباً من العبث والإخلال بحقيقة ما كان لأجله كلام الناس.

ويلاحظ أنَّ الإمامَ الزبيديَّ نحا في تعريفه إلى هذا التحديد الذي يمتاز بتلك الأمور، لأنه أراد بالدلالة ما يقتصر عليه غرضُ اللغويِّـين دونَ مَنْ سواهُم، فهو قد عرف الدلالةَ مريداً بها نوعاً من أنواعها، وهي الدَّلالة اللفظية الوضعية، دون غيرها من الدلالات، ولعلّ من علل اختيار الزبيديّ لهذا التعريف ما أشار إليه علماء المنطق من قبلُ، وذكره الكفويّ، حيث قال: "ثمّ الإفادة والاستفادة من بين هذه الأقسام الستة باللفظية والوضعية دون غيرها"([19]).

المطلب الثاني: نظرية الوضع مفهومها وأركانها

أولاً: مفهوم الوَضْع

المعنى المعجميّ قال ابن فارس: "الواو والضاد والعين: أصل واحد يدل على الخفض للشيء وحطِّه. ووضعته بالأرض وضعاً، ووضعت المرأة ولدها. ووضع في تجارته يوضع: خسر. والوضائع: قوم ينقلون من أرض إلى أرض يسكنون بها"([20]).

وقد يستعار الوضع للدلالة على معنى البسط، فقد جاء في لسان العرب: "وفي الحديث: إنَّ الله واضعٌ يده لمسيء الليل ليتوب بالنهار، ولمسيء النهار ليتوب بالليل؛ أراد بالوضع هاهنا البسط"([21]).

وقد يستعار كذلك للدلالة على الإلزام، وقد أورد الفيروزآبادي في قاموسه أن الوضعَ يطلق بمعنى الإلزام، وهو غيرُ الحطّ والخفض، قال: "ووَضَعْتُها: ألزمتها المرعى، فهي موضوعة"([22]).

وقد يستعار للدلالة على الاشتهار والتعارف، حيث جاء في تاج العروس: "وقال الفراء: الإيضاع: السير بين القوم"([23])، وقد يؤخذ من هذا المعنى أنَّ الوضع يدلّ على اشتهار الموضوع والتعارف عليه، كما يدلّ السير بين القوم على اشتهار السائر بين الناس، وهو مناسب لمعنى الوضع في الاصطلاح، كما سيأتي.

والخلاصة التي تجمع بين (وضع) في أصل اللغة، وفي الاستعارات التي يتجوز فيها، أنّ الوضع إذا تعلّق باللّفظ، فإنه يعني أنَّ اللفظ صارَ مخفوضاً، بحيث يأتيه من الناس من يأتيه، وتتناوله ألسنة الناس في التخاطب بسهولة ويُسر، وقد يعني أنَّه صار لازماً لمعناه، كما تلزم الإبل المرعى، وقد يكون على معنى الاستعارة بأن اللفظ إذا اشتهر فكأنه سائر يسير بين القوم بسبب التعارف عليه والتخاطب به.

المعنى الاصطلاحيّ

قال في التعريفات: "وفي الاصْطلاح: تخصيص شيء بشيء متى أطلق، أو أحسَّ الشيء الأول، فهم منه الشيء الثاني، والمراد بالإطلاق: استعمال اللفظ وإرادة المعنى، والإحساس: استعمال اللفظ، أعمَّ من أن يكون فيه إرادة المعنى أو لا"([24]).

وعرّف السيوطي الوَضْعَ بأنه: "جعلُ اللفظ بإزاء المعنى أوَّلاً"([25]).

وقد جعل الوضع اسماً لعلم سمي به، وهو علم الوضع, وقد ألفت فيه رسائل وكتب وشروح.

وأمّا تسمية الوضع بالمواضعة، فهي تسميةٌ مستخدمة في كتب اللغويين القدماء كابن جنيّ([26])، وفي كتب المحدثين، لكنَّ المواضعة استخدمتْ اصْطلاحاً في نوع من أنواع البيوع، حيث جاء في المصباح المنير: "قال الشافعيّ: لو اشترى جارية من رجل لم يكن لأحدهما المواضعة، والمراد وضعها عند عدل، بل تسلم الجارية لمشتريها، وعليه أنْ لا يطأها حتى يستبرئها([27])، وكذلك؛ فإنَّ الاصطلاح على تخصيص لفظ معين بمعنى معين استقرَّ في الكتب المتأخرة بإطلاق لفظ (الوضع)، فالعدول عن هذا الإطلاق واستعمال المواضعة قد يكون غير مستحسن، كما أنَّ المواضعة تدلّ من الحيثية الصرفية على المشاركة في أصْل الفعل، وهو ما ليس مشروطاً في عملية الوضع، بل يجوز أنْ يحصل الوضع بغير مشاركة ابتداء، ثمَّ يتواطأ الاستعمال لاحقاً فيما حصل له الوضع، ولأجل هذه الأسباب؛ رأيت أنْ أختار اصطلاحَ الوضْع على المواضعة، لتجنب الإشكالات السابقة.

وبناء على ما سبق من المعنيين المعجمي والاصطلاحي، فإنّ المقصود بـ (نظرية الوضع في الدلالة اللغوية): كون الألفاظ متعلّقة بمعانيها الموضوعة لها بسبب جعل الواضع تلك الألفاظ خاصة بتلك المعاني اختصاص دلالة، ولا سبيل لأي علاقة بين اللفظ والمعنى إلا بواسطة ذلك السبب.

وفي مقابل هذه النظرية هناك نظريات أخرى تنتمي إلى المناهج اللغوية الحداثية في الدلالة اللغوية سآتي على ذكرها ونقدها إن شاء الله تعالى.

ثانياً: أركان نظرية الوضع

تنحصر أركان الدلالة اللغوية في ثلاثة أشياء:

الركن الأول: الدال = الدليل (أداة الدّلالة)

الدال والدليل في اللغة بمعنىً واحد، وهو اسم لما يفيد الدلالة، قال ابن منظور في لسان العرب: "والدليل: ما يستدلّ به. والدليل: الدالّ"([28]).

وقال الكفوي في الكليات: "الدَّلِيل: المرشد إلى المطلوب، يذكر ويراد به الدَّال، ومنه: (يَا دَلِيل المتحيرين) أَي: هاديهم إلى مَا تزول به حيرتهم، ويذكر ويراد به العلامة المنصوبة لمعْرِفَة المدلول، ومنه سمي الدُّخان دَلِيلا على النَّار، ثمَّ اسْم الدَّلِيل يَقع على كل مَا يعرف به المدلول، حسيّاً كَانَ أَو شرعياً، قَطْعِياً كَانَ أَو غير قَطْعِيّ، حَتَّى سُمِّيَ الحسّ وَالْعقل وَالنَّص وَالْقِيَاس وَخبر الْوَاحِد وظواهر النُّصُوص كلهَا أَدِلَّة"([29]).

وقد تكلّم الجاحظ على الدالّ وصوره، وصنفه إلى خمسة أصناف، قال: "وجميع أصناف الدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ، خمسة أشياء لا تنقص ولا تزيد: أوّلها اللفظ، ثمّ الإشارة، ثمّ العقد، ثمّ الخطّ، ثمّ الحال التي تسمى نُصبة، والنُّصبة هي الحال الدالة، التي تقوم مقام تلك الأصناف، ولا تقصر عن تلك الدلالات. ولكلِّ واحد من هذه الخمسة صورة بائنة من صورة صاحبتها، وحلية مخالفة لحلية أختها، وهي التي تكشف لك عن أعيان المعاني في الجملة، ثم عن حقائقها في التفسير، وعن أجناسها وأقدارها، وعن خاصّها وعامّها، وعن طبقاتها في السارّ والضارّ، وعما يكون منها لغواً بهرجاً، وساقطاً مطّرحاً"([30]).

واللّفظ في عرف اللغة مفعول من الرَّمي، وهو "صادرٌ من الفم من الصوت المعتمد على المخارج، حرفاً واحداً أو أكثر، مهملاً أو مستعملاً"([31]).

والدال في نظرية الوضع هو ذلك اللفظ الموضوع، ويمكن تعداد الموضوعات اللغوية بحسب ما تدل عليه على ما في رسالة العضد الإيجي، التي تعتبر أساساً لعلم الوضع الذي ألف فيه كثير من العلماء([32])، إلى ما يأتي([33]): العلم الشخصي، والحرف، والضمير، واسم الجنس، وعلم الجنس، والمصدر، والمشتق، والفعل، واسم الإشارة، والاسم الموصول.

الركن الثاني: المدلول = المعنى (الموضوع له)

وهو المعنى المفهوم من الدالّ، وهذا المعنى هو الذي كان علة لوجود الألفاظ، بمعنى أنَّ الناس ما كانوا ليتكلموا ويعبروا بالألفاظ واللغات إلا لحاجة وجدوها في نفوسهم يريدون إبلاغها لغيرهم.

وقد بيّن الشيخ عبد القاهر أنَّ المدلول الذي هو ترتيب المعاني في النفس يقع أوّلاً، ثمَّ يتلوه الدال وهو اللفظ المترتّب على وفق ذلك المعنى، قال: "إذا فرغت من ترتيب المعاني في نفسك، لم تحتج إلى أن تستأنف فكراً في ترتيب الألفاظ، بل تجدها تترتّب لك بِحُكْم أنها خدمٌ للمعاني، وتابعةٌ لها، ولاحقةٌ بها، وأنَّ العلمَ بمواقع المعاني في النفس، علمٌ بمواقع الألفاظ الدالّة عليها في النطق"([34]).

وكذلك بين علماء المنطق أنَّ اللفظ الدالّ إنما يتناول ثانياً لا أوّلاً، وأنَّ الذي من حقه أنْ يبحث فيه هو المدلول، وهي الأفكار والمعاني، وذلك بسبب تلك العلاقة التي تربط بين الدالّ والمدلول، وهي من حيث دلالته على المعاني والأفكار التي هي موضوعُ اللغة والفكر، قال الساوي: "قد بينا أنَّ نظر المنطقي في المعاني، ولكنه إذا اقتصر في البحث عن الألفاظ وأحوالها وأقسامها على ما تدعوه الضرورة إلى النظر فيها بسبب ما بين اللفظ والمعنى من العلاقة أغناه ذلك عن استئناف تعرف أحوال المعاني وأقسامها إذ الألفاظ تحذو حذو المعاني"([35]).

تبين أنَّ اللفظ إنما يوضع ليدلّ على مدلول ما، وذلك المدلول هو القائم بنفس المتكلم، وإنما أراد أنْ يدل عليه باللّفظ، فالمدلول يسمّى في نظرية الوضع بالموضوع له، أي الموضوع له اللفظ.

وقد اختلفت أنظار العلماء في تعيين الموضوع له الذي يدلّ عليه اللّفظ، وفيه ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: الصورة الذهنية التي في ذهن الواضع.

وممن ذهب إلى هذا الرأي الرازي، قالَ في تفسيره بخصوص هذه المسألة: "للألفاظ دلالات على ما في الأذهان لا على ما في الأعيان، ولهذا السبب يقال: الألفاظ تدل على المعاني، لأنَّ المعاني هي التي عناها العاني، وهي أمور ذهنية"([36])، وقال في المحصول: "الألفاظ ما وضعت للدلالة على الموجودات الخارجية، بل وضعت للدلالة على المعاني الذهنية"([37]).

المذهب الثاني: المعنى الخارجيّ الذي يريد الواضع أنْ يدلَّ عليه باللّفظ الموضوع، وممن ذهب إلى هذا الرأي تاج الدين السبكيّ صاحب جمع الجوامع([38]).

المذهب الثالث: المعنى من حيث هو، بدون تقييد من حيث كونه خارجياً أو ذهنياً، وقد ذهب إلى ذلك تقي الدين السبكي([39]).

الركن الثالث: الدلالة (العلاقة بين الدالّ والمدلول)

تقدم الحديث عن الدالّ والمدلول، وأنَّ كلاً منهما أمر منفصل عن الآخر، وأنه لا علاقة تجمع بينهما في الأصل، والعلاقة بين الدالّ والمدلول هي ذلك الأمر الثالث الذي يجمع بين الدالّ والمدلول ليصير بينهما صلة، وبدون هذه العلاقة فإنّ كلاً من الدالّ والمدلول لا صلة بينهما.

وقد مايزَ الجاحظ بين اللفظ والمعنى، فقال: "ثمَّ اعْلم-حفظك الله- أنَّ حكم المعاني خلافُ حكم الألفاظ، لأنَّ المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وممتدة إلى غير نهاية، وأسماء المعاني مقصورة معدودة، ومحصلة محدودة"([40]).

وهذه العلاقة تستفاد من التعريف الذي ذكرته للدلالة، أعني: كونُ الشيءِ بحالةٍ يلزم من العلمِ به العلمُ بشيءٍ آخرَ، فالحالة التي ذكرت في التعريف هي تلك العلاقة.

قال الإمام الدسوقي في شرح التذهيب، مبيناً العلاقة بين الدالّ والمدلول وحقيقتها: "(قوله بحالة) الباء للملابسة، أيْ كونُ الشيءِ ملتبساً بحالةٍ، وهي العلاقة التي بين الدالّ والمدلول بحيث ينتقل منه إليه بسببها"([41]).

وأشار أهل اللغة إلى العلاقة بين الدالّ والمدلول، أعني اللفظ والمعنى، فقد قال ابن رشيق القيرواني: "اللَّفظ جسمٌ، وروحه المعنى، وارتباطه به كارتباط الرّوح بالجسْم: يضعف بضعفه، ويقوى بقوته"([42]).

المبحث الثاني

عوامل الاستقرار الدلالي في نظرية الوضع

تتأسس نظرية الوضع على المفهوم الدلالي الوضعي بالمعنى الذي أوضحته في المطلب السابق، وتستقر فيها الدلالة من خلال تلك الأركان التي سبق ذكرها.

وسأعرض في هذا المطلب لعوامل الاستقرار الدلالي في هذه النظرية، وهي تتجلى في أمرين اثنين: أن جهة الدلالة اللغوية وضعية، وأن المعرفة بالوضع منحصرة في النقل وأسبابه.

المطلب الأول: جهة الدلالة في نظرية الوضع

تعددت الأقوال في جهة العلاقة بين الدالّ والمدلول، أي لأي سبب كان الدالّ مرتبطاً ومتعلقاً بذلك المدلول بعينه لا بغيره من المدلولات. ويمكن تلخيص ما قيل في ذلك في الأقوال الآتية([43]):

  1. طبيعية: وتسمى ذاتية أو عقليّـة، تحكمها ذوات الألفاظ ويدلّ عليها العقل، وذهب إلى هذا القول بعض فلاسفة اليونان، مثل هيراقليط وأفلاطون ويذكر عن سقراط، وذهب إليه بعض المعتزلة كالصيمري.
  2. وضعية: وتسمى عرفية واصطلاحية، يحكمها الإنسان، حيث يقوم بَوَضْعِ لفظ معين إزاء معنىً معين، وهو قول أرسطو من فلاسفة اليونان، ورأي أبي هاشم من المعتزلة وتابعه عليه القاضي عبد الجبار([44]).
  3. وضعية: لكنها بوضع الإله، لا بوضع البشر.
  4. وضعية وطبيعية: وهذا قول لطائفة مزجت بين الرأيين السابقين، فجعلت تلك العلاقات راجعة إلى الطبيعة تارة، وإلى الاصطلاح والعرف تارة أخرى.
  5. ظلّية: طائفة أنكرت وجود ثنائية بين اللفظ والمعنى، وهذا ما ذهب إليه بعض فلاسفة الهند، حيث يرون اللفظ والمعنى متّصلين اتّصال الشيء وظلّه.

وهذه الأقوال كلّها ترجع إلى قولين اثنين، هما القول بالطبع أو بالوضع على اختلاف في تعيين الواضع.

أما الطبع فهو القول بعلاقة ذاتية بين الدال والمدلول، وأما القول بالوضع فهو القول بعلاقة ليست أكثر من اختيار لفظ معين ليدل على معنى معين، والقول المختار من هذين هو القول بالوضع، وهو الذي جرى عليه العلماء إيذاناً منهم بحسم مادة النزاع حول جهة العلاقة بين اللفظ والمعنى.

وتنحصر جهة العلاقة بين اللفظ والمعنى في ثلاثة أمور: "العلاقة التي بين الدالّ والمدلول بحيث ينتقل منه إليه بسببها، الوضع في الوضعية، واقتضاء الطبع في الطبيعية، والعلّة في العقلية"([45])، فكأنما أهمل العلاقة الذاتية التي أثبتها بعض المعتزلة، لكون القول بها قد اضمحلّ وتلاشى وثبت بطلانه بتحرير المذاهب ونضج الأقوال عبر الزمن.

وقد نقل السيوطيّ حجّة الصيمريّ وردّ الجمهور عليها، حيث جاء في المزهر: "نقلَ أهلُ أُصول الفِقْه عن عباد بن سليمان الصيمري من المعتزلة أنه ذهبَ إلى أنَّ بين اللفظِ ومدلولهِ مناسبة طبيعية حاملة للواضع على أن يضعَ قال: وإلا لكانَ تخصيصُ الاسمِ المُعيّنِ بالمسمَّى المُعيَّن ترجيحاً من غير مُرَجِّح (...) وأنكَر الجمهور هذه المقالة، وقال: لو ثبتَ ما قالَه لاهْتَدَى كلُّ إنسان إلى كل لغةٍ ولما صحَّ وضعُ اللفظِ للضدين كالقَرْءِ للحيض والطهر والجَوْن للأَبيض والأسود، وأجابوا عن دليله بأنَّ التخصيص بإرادة الواضع المختار"([46]).

قال السيوطي: "لأنَّ الأسماء لا تدل على مدلولاتها لذاتها؛ إذ لا مناسبة بين الاسم والمسمى؛ ولذلك يجوز اختلافها باختلاف الأمم، ويجوز تغييرها، والثوب يسمى في لغة العرب باسم، وفي لغة العجم باسم آخر، ولو سمي الثوب فرسا والفرس ثوبا؛ ما كان ذلك مستحيلا؛ بخلاف الأدلة العقلية؛ فإنها تدلّ لذواتها، ولا يجوز اختلافها، أما اللغة فإنها تدل بوضع واصطلاح"([47]).

وهذا الرأي هو الذي نجده غالباً عند أهل هذه اللغة، وليس ذلك إنكاراً لصفات الحروف من الذلاقة والعلو والاستفال والرخاوة وغير ذلك مما له بعض إيحاء في النفس.

وقد ذكر بعض الباحثين أن القول بالمناسبة الذاتية ليس محرّراً عن الصيمري، وأنه لا يقول بأنّ تلك المناسبة موجبة بالذات([48])، وقد نبه إلى تحرير هذه النسبة الإمام السبكي في جمع الجوامع، وذكر الأصفهانيّ أنّ الصيمري يعني أنَّ المناسبة كافية في دلالة اللفظ على المعنى، لا حاملة على الوضع([49]).

نستنتج من كون الدلالة اللغوية محكومة بقانون الوضع، وهو جعل الواضع اللفظ المعين بإزاء المعنى المعيّن أنها لا تتبدل عن تلك الحالة الأولى التي جعلها الواضع عليها، فمثلاً: كلمة (أسد) تعني (الحيوان المفترس المعهود)، ولا يمكن لقائل أن يقول إن هذه اللفظة تعني غير ذلك لأن استقرار الدلالة يمنع هذا، ولا يعترض على ذلك بالدلالات المجازية والاستعارات والتشبيهات فإنها راجعة إلى الوضع نفسه لكن بنحو من الدلالة الوضعية العرفية، وقد وضح الجويني ذلك، قال: "فإن قيل: فما معنى الاسم العرفي في تجاوز أهل اللغات؟ قيل: ينقسم ذلك إلى معنيين: أحدهما أن الاسم في أصل وضع اللغة إذا انقسم بين معان فغلب الاستعمال في وضعه عرفاً في أحد معانيه حتى لا يفهم منه عند إطلاقه إلا بعض ما وضع له. فيسمى عند اختصاصه ببعض ما وضع له عند غلبة الاستعمال في العرف عرفياً (...)، الثاني: الملتحق ببابها لفظة تجوز بها عن أصل الوضع على منهج استعمالهم غلب استعماله عرفاً على إرادة معنى غير ما وضع أصل اللفظ له أصلاً، فيفهم منها القصد به لغلبة العرف كما يفهم من الحقائق معانيها"([50]).

وإذا تبين أنّ جهة الدلالة هي الوضع فإنّ ذلك يعدّ من أبرز عوامل الاستقرار الدلالي، فإن المعنى الذي وضع له اللفظ واضح في ذهن الواضع واللفظ واضح في سمعه، والعلاقة بينهما ناشئة عن إرادته، فلم يبق إلا أن تكون هذه الحادثة الوضعية معلومة للآخرين، وهو ما سأتكلم عنه في المطلب الثاني تحت عنوان "معرفة الوضع".

المطلب الثاني: معرفة الوضع

من المعلوم أنَّ الوضع أمر يمثل حادثة واقعية ما، أي حصلت في الواقع، وبقطع النظر عن الواضع، وتلك الحادثة هي وضع اللفظ بإزاء المعنى، أو الدال بإزاء المدلول، وحادثة هذا شأنها لا يمكن التوصل إليها إلا بالنقل، ولا طريق إلى المعرفة بها سواه.

وهذا ما ذكره الآمدي، قال: "وأما طرق معرفتها لنا، فاعلم أن ما كان منها معلوماً بحيث لا يتشكك فيه مع التشكيك، كعلمنا بتسمية الجوهر جوهراً، والعرض عرضاً، ونحوه من الأسامي، فنعلم أن مدرك ذلك إنما هو التواتر القاطع، وما لم يكن معلوماً لنا ولا تواتر فيه فطريق تحصيل الظن به إنما هو إخبار الآحاد، ولعلّ الأكثر إنما هو الأول"([51]).

وأكد السبكيّ ذلك وزاد في توضيحه، فقال: "وتعرف بالنقل تواتراً أو آحاداً، أو باستنباط العقل من النَّقل، لا مجرَّد العقل"([52]).

ويستفاد مما سبق أنّ طرق معرفة الموضوعات اللغوية على ثلاثة أضرب:

  1. النقل المتواتر.
  2. النقل الآحادي.
  3. القياس (الاستنباط من النقل بالعقل).

وقد علّق الإمام الرازيّ على إشكال قد يردُ على طرق معرفة الوضع بقولِه: "أكثرُ ألفاظ القرآن ونحوه وتصريفه من القسم الأول؛ فلا جرم قامت الحجة به. وأما القسم الثاني؛ فقليل جداً، وما كان كذلك فإنا لا نتمسك به في المسائل القطعية، ونتمسك به في الظنيات، ونثبت وجوب العمل بالظنِّ بالإجماع، ونثبت الإجماع بأنه وارد بلغات معلومة لا مظنونة، وبهذا الطريق يزول الإشكال، والله أعلم"([53]).

وأيّ دعوى تخالف قانون الوضع لا يعتدّ بها مطلقاً، لأنّ فيها تجاوزاً لاستقرار الدلالة، فدعوى نية القائل بما يعارض قوله مثلاً يعدّ سوء تعبير، لا أكثر، ودعوى أنّ اللفظ يدلّ على غير مدلوله لخصوصية في القائل أو في موضوع القول، أو غير ذلك من الخصوصيات، هي دعوى مخالفة لأصل الدلالة نفسها، وهكذا ينبغي التعامل بصرامة مع الدخائل التي يمكن أن تتلاعب باستقرار الدلالة اللغوية.

ولا يعدّ الخروج عن أصل الوضع للألفاظ بأنظمة القرائن الحالية والمقالية وقرائن السياق وغيرها خروجاً عن نظرية الوضع، ولعل ذلك يستلزم تفصيلاً لا يتّسع له المقام.

لقد اختلفت المذاهب في تحديد الواضع للألفاظ المخصوصة بإزاء المعاني المخصوصة، على أقوال، لكن جميع تلك الأقوال محتملة، والفاسد منها هو القول الذي لا يتّسق ونظرية الوضع، وقد بين الإمام الرازيّ ذلك كلّه في المحصول([54])، ومن الملاحظ أنَّ الرازي وإن جوّز الأقسام كلّها، إلا أنه منع جواز قول الصيمريّ، إذ إنَّ قوله لا ينسجم ونظرية الوضع، بل هو يفسدها ابتداءً، وذكر الآمديّ نحواً من قول الرازيّ في أنَّ الوضع لا يكون عن مناسبة طبيعية بين اللفظ ومعناه، قال: "وظهر أنّ مستند تخصيص بعض الألفاظ ببعض المعاني إنما هو الوضع الاختياري"([55]).

ومما ينبغي التنبه له أنَّ تعيين الواضع ليس ركناً من أركانها، فإنَّ أصول هذه النظرية تقوم بناء على مفهوم الوضع مطلقاً، بقطع النظر عن شخص الواضع، وقد ذكر السبكيُّ هذه الملاحظة، فقال: "من الألطاف حدوثُ الموضوعات اللغوية ليعبر عمّـا في الضمير"([56]).

لقد عبر علماء العربية والأصول عن الاستقرار اللغوي الذي تتيحه نظرية الوضع في صورة قانون يقول: "الوضع سابق، والحمل لاحق، والاستعمال متوسط"([57])، أو: "الاستعمال من صفة المتكلم، والحمل من صفة السامع، والوضع قبلهما"([58])، فالوضع هو أساس الفهم والإفهام، ويضبط عدم تميع النص وتلاشي الدلالة.

المبحث الثالث

نظريات حداثية في الدلالة اللغوية للنصوص.. عرض ونقد

أبو زيد أنموذجاً

المطلب الأول: نظريات حداثية في الدلالة اللغوية

نشأت بعض النظريات الحداثية في الدلالة اللغوية في سياق ثقافي واجتماعي وأدبي عام ينتمي إلى واقع الثقافة الغربية، وجدت نظريات أخرى تقابل نظرية الوضع، وقد نشأت هذه النظرية لتعبر عن الواقع الذي تعيشه تلك الثقافة، أعني بها الأزمة السياسية التي عاشتها المجتمعات الأوروبية في ظل السلطات الحاكمة باسم الدين إبان العصور الوسطى، وما انعكس عنها من أزمات دينية معقّدة على مستوى الفرد والمجتمع([59])، وكان مضمون تلك النظريات أن الدين الذي اعتُمد أساساً لتسلط الحكام الغربيين على مجتمعاتهم لا بد من إعادة تفسيره، فظهر ما يسمى بـ "أنسنة الدين"([60])، على أنه من أنماط الحداثة الغربية بمستوياتها جميعاً([61]).

وفي السياق الحداثي الأدبي خصوصاً، الذي يتناول نظريات تفسير النصوص دينية وغير دينية، ظهرت نظريات في فهم الدلالات استناداً إلى معايير "أنسنة الدين"، فأنتج هذا النمط طريقة جديدة في فهم اللغة عند الحداثيين العرب، تقوم على أن "لا نصّ ولا دلالة ثابتة، لا تفسير نهائيّ للنصوص، لا تفسير مفضل أو موثوق به، اللعب الحر للغة، كل القراءات إساءة قراءات، إلى آخر تلك المتاهات التي أدخلتنا فيها الحداثة الغربية ومدارسها النقدية"([62]).

على أنه ينبغي القول: إن المسوغات الفلسفية لقيام هذه النظريات اللغوية إن توافرت لدى أصحاب الثقافات الأخرى، فإنها لا تتوافر في ثقافة العرب التي يعدّ القرآن الكريم أحد أهم ركائزها، ولكن الذي جرى تبعيةٌ وارتهانُ واقع بواقع([63]).

وفي الفقرات الآتية، أتناول أهم النظريات الحداثية التي تمثل مقابلات لقانون الوضع في فهم اللغة، وتعدّ تفكيكاً لثبات الدلالة اللغوية، وصولاً إلى ميوعة في فهم النص الديني، وإبطال الوظائف اللغوية القائمة على التلقي والأداء القائمين على الوضع([64])، وأهم النظريات: البنيوية، والتفكيكية، والتاريخية، أتناولها في هذا المطلب لبيان نظريات حداثية في فهم النص تقابل نظرية الوضع.

أولاً: البنيوية (Structuralism)([65])         

البنيوية مأخوذة من لفظ البنية أو البناء، ويراد به الشكل والصورة، وتطلق أساساً في علم النفس لتحليل الظواهر النفسية، أي معرفة الأنشطة النفسية المفصلة للوصول إلى تشخيص للحالة الكلية لنفسية الشخص.

وتطور المصطلح بعد تفعيله في مجالات لغوية وفلسفية، ليدل على معنى خاص وجديد، بحسب تعبير موسوعة لالاند، حيث جاء فيها: "البنية تقال للدال، في مقابل اندغام عادي للعناصر، على كل متكون من ظواهر متضامنة، بحيث إن كلاً منها يتوقف على الأخرى، ولا يمكنه أن يكون ما هو عليه إلا في علاقته معها، وبهذه العلاقة"([66]).

وإنما سميت هذه النظرية اللغوية بالبنيوية، لأنها تتجاوز الدلالة بالمعنى المتعارف عليه، وهو العلاقة بين الدال والمدلول، وتجعل معنى الكلام مرتبطاً بأمر آخر غير الدال، وهو طريقة الدلالة ونظامها، وهذا بالضبط انعكاس للمنهج التجريبي على الدراسات اللغوية، فتكون "القضية الأساسية عند البنيوية هي أن كل اللغة، كل النصوص بناءٌ لمعنى مأخوذ من معجم ليس لمفرداته معان خارج البناء الذي يضمها"([67])، بالضبط كما حدد لالاند معنى البنية.

وأول ما أطلقت لفظة «بنية» عند تيناينوف في أوائل العشرينيات، ولفظة «بنيوية» عند رومان ياكبسون، حيث استخدمها 1229م([68]).

إنّ العلامة الفارقة في النزعة البنيوية هي عدّها اللغة نظاماً كلياً يشكل تماسكه بصورة معينة وجهاً دلالياً ليس مستفاداً من الألفاظ أنفسها، ويشير إلى ذلك ميشيل فوكوه، حيث يقول: "لم تعد اللغة تتكون فقط من ممثلات وأصوات تقوم بدورها بتمثيل الممثلات..."، ثم يخلص إلى أن اللغة "تتكون من عناصر شكلية يجمعها نسق"([69])، وكثيراً ما يشار إلى هذا النسق أو الشكل أو النظام في الكلام باسم الوحدة العضوية.

وبالرغم من اختلاف توجهات البنيويين سياسياً وفكرياً، إلا أنهم يعرفون البنيوية اللغوية بأنها التعامل مع اللغة من خلال الأنساق الصغرى (الدوال البسيطة كالكلمات) للتوصل إلى النظام الكلي الذي هو البناء اللغوي المنشود.

ولكن السؤال الذي يلح علينا: لم كانت هذه النظرية؟ وما علتها الفلسفية؟

لقد طمحت هذه النظرية إلى تأليف منهج لغوي يستند إلى النمط الفكري السائد وقتها، وهو المنهج التجريبي، ويتمثل ذلك في محاولة التوصل إلى النظام الكلي اللغوي بواسطة النسق الشكلي للألفاظ والدالات، على اعتبار أنها أشبه ما تكون بالدلائل الحسية على وجود النظام الكلي المطلوب معرفته، تشبيهاً لتلك الدوال بالمحسوسات الخارجية التي يمكن الاستفادة منها في المعرفة، إذ إن المذهب التجريبي يقصر المعرفة على المحسوسات.

ويمكن تلخيص ما نريده في توضيح هذه النظرية أنها تقوم على عدم وجود مرجعية للغة، إذ إنّ نقطة الثبات اللغوي وهي الدلالة الوضعية تلاشت في هذه النظرية، مما يعطي أمثال القائلين بهذه النظريات حصة كبيرة من الحرية في التجديد المعرفي، بل التأويلات للنصوص الدينية، من غير وجود ضرورة لتخطئة الأفهام السابقة، فالنص ثريّ يعطي معانيَ كثيرة وأفهاماً متجددة، "تجعله يتجاوز الإطار التفسيري السابق، ويقدّم عدة قراءات جيدة"([70]).

لكن هذه النظرية قد فشلت بحسب الكاتب عبدالعزيز حمودة، بدليل أنها لم تستطع تحقيق هدفها وهو تحقيق المعنى المنشود، كما لم تقدر على إعطاء نموذج يشمل جميع الأساليب اللغوية.

وكان من نتائج فشل البنيوية أن ظهرت النزعة التفكيكية التي سنتحدث عنها فيما يأتي.

ثانياً: التفكيكية (Deconstruction)([71])

تنسب نظرية التفكيك إلى "جاك دريدا"، وهو فيلسوف لغوي فرنسي، وقد عبر عن حقيقتها ومنهجها بقوله: "نعرف أن التفكيك يتحول -إن عاجلاً أو آجلاً- إلى كل قراءة نقدية أو تركيبة نظرية، حينما يتم اتخاذ قرار، تظهر السلطة، حينما تعمل النظرية أو النقد عندئذ يشكك التفكيك، بمجرد أن يفعل ذلك يصبح مخرباً... وفي نهاية الأمر يحقق التفكيك مراجعة التفكير التقليدي"([72])، ولذلك وصفت هذه النزعة عند روادها بما بعد البنيوية.

يتلخّص مذهب التفكيكية فلسفياً بعدم وجود حقيقة خارج اللغة نفسها، أي: إن الحقيقة المطلقة هي النصّ نفسه، والنصّ مرهون بدوره لتفسيرات متتابعة لا تنتهي. ويعبر جاك دريدا عن هذا المعنى بصورة واضحة في مقولته المشهورة: "لا يوجد شيء خارج النص"([73]).

وتتميز نظرية التفكيك بأنها ترفض المذاهب السابقة، وتخطئ كل المشاريع، وتنادي بالتعدد اللانهائي لتفسير النصّ([74])، وهي تعني تجزئة عناصر النصّ بدون أي معيار خارجي ضابط لها أو رابط بينها، سوى نفس القارئ.

تفرض هذه النظرية نفسها على من يتبنّاها فقط، وعلى من يؤمن بعدم وجود حقيقة خارج اللغة، وهذا بعيد جداً عن الصواب والواقع، وهذه نقطة اشتباك فلسفية، إذ إن الحقائق الخارجية ثابتة والعلم بها ممكن، وكذلك فإنّ هناك ثباتاً لغوياً يقابل معياراً واقعياً، والأصل أن يعدّ الدال تابعاً لمعنى مدلول من حيث هو معنى مدلول متميّز في الذهن، كما بينته في نظرية الوضع، لا أن يكون هناك انفلات لغوي وتفكّك بين الدال والمدلول بحيث يصير النصّ قابلاً لكل تفسير، وينبغي على الأقل أن يسلم ثبوت واقعة الوضع التي بموجبها مثلاً وضع لفظ الأسد للحيوان المفترس.

وقد بين الإمام عبد القاهر الجرجاني كيفية ترتيب الدلالة وأطرافها في اللغة والتفاهم، وبين أن الألفاظ مرتبطة بالمعاني على وجه التبعية، فالمعاني تكون وتتلوها الألفاظ وتترتب في اللسان على وفق ترتب المعاني في الأذهان، يقول في بيان خطأ من ظنّ أن الألفاظ هي أصل المعنى، ومن يقول بانفكاك الألفاظ عن المعاني التي في الخارج: "وشبيه بهذا التوهم منهم، أنك قد ترى أحدهم يعتبر حال السامع، فإذا رأى المعاني لا تترتب في نفسه إلا بترتب الألفاظ في سمعه، ظن عند ذلك أن المعاني تبع للألفاظ، وأن الترتب فيها مكتسب من الألفاظ، ومن ترتبها في نطق المتكلم. وهذا ظن فاسد ممن يظنه، فإن الاعتبار ينبغي أن يكون بحال الواضع للكلام والمؤلف له، والواجب أن ينظر إلى حال المعاني معه لا مع السامع، وإذا نظرنا علمنا ضرورة أنه محال أن يكون الترتب فيها تبعا لترتب الألفاظ ومكتسبا عنه، لأن ذلك يقتضي أن تكون الألفاظ سابقة للمعاني، وأن تقع في نفس الإنسان أولا، ثم تقع المعاني من بعدها وتالية لها، بالعكس مما يعلمه كل عاقل إذا هو لم يؤخذ عن نفسه، ولم يضرب حجاب بينه وبين عقله. وليت شعري، هل كانت الألفاظ إلا من أجل المعاني؟ وهل هي إلا خدم لها، ومصرفة على حكمها؟ أوليست هي سمات لها، وأوضاعا قد وضعت لتدل عليها؟ فكيف يتصور أن تسبق المعاني وأن تتقدمها في تصور النفس؟ إن جاز ذلك، جاز أن تكون أسامي الأشياء قد وضعت قبل أن عرفت الأشياء، وقبل أن كانت. وما أدري ما أقول في شيء يجر الذاهبين إليه إلى أشباه هذا من فنون المحال، ورديء الأقوال"([75]).

فهذه كلمة من أحد العلماء المبرزين في جانب اللغة والبلاغة، تبين أولاً أن مثل هذه النظرات الحداثية ليس حديثة بالفعل، بل هي احتمالات مطروحة من قديم، ثم تبين خطأ مثل هذه التصورات التي تلقي بظلال سلبية على النص القرآني والنصوص عموماً، بل يستحيل معها التفاهم بصورة ثابتة.

ثالثاً: التاريخية أو التاريخانية (Historicism)([76])

"التاريخية" اصطلاح يمثل نزعة فلسفية تقوم على "المذهب الذي يرى أن الحقوق شيمة اللغات والعادات، هي نتاج إبداعي جماعي، غير واع وغير إرادي، إبداع يتناهى في لحظة انصباب الفكر عليه، ولا يمكن لاحقاً تبديله صراحة، ولا فهمه وتأويله بطريقة أخرى غير طريقة دراسته التاريخية"([77]).

وأطلق هذا المصطلح كذلك على مدرسة في الأدب، وهي تلك التي ترى التاريخ فاعلاً أساسياً في النصوص الأدبية، سواء كانت فنية أو اجتماعية أو دينية، بحيث يدخل الزمن في حقيقته، ويكون له أثر في تحديد المعنى المراد بالنصّ.

وطبقت النزعة التاريخية على النصوص اللغوية، ومنها النص القرآني وقضاياه، كقضية أسباب النزول، والمكي والمدني، وكان هذا التطبيق مجحفاً من قبل الحداثيين والعلمانيين، مثل محمد أركون ونصر حامد أبو زيد وغيرهم([78])، وإنما كان كذلك لمخالفته النظام اللغوي الذي أنزل القرآن على وفقه، وعليه بنيت القواعد التفسيرية للنصوص عموماً، والقواعد الخاصّة المتعلقة بتفسير القرآن الكريم، علاوة على عدم ثبوت النظريات الحداثية في تفسير النصوص، وكونها مجرّد انعكاسات لثقافات غريبة عن النصوص اللغوية العربية والنص القرآني خصوصاً([79]).

ولا شك أن مثل هذه المدارس تلقي بظلال وآثار فيها من السلبية ما فيها على فهم النصوص ونقدها، وطبيعة التحاور بين الأطراف، واستجلاء الثقافات والتواصل الحضاري.

المطلب الثاني دعوى "قصد المتكلم" وأثرها على الاضطراب الدلالي في كتاب (الاتجاه العقلي في التفسير) لنصر حامد أبي زيد

سأتناول قضية أثارها الكاتب نصر حامد أبو زيد في كتاب له بعنوان الاتجاه العقلي في التفسير، وهي قضية تناقض نظرية الوضع، وقد اخترت أنْ أُسمي دعوى أبي زيد بـ (دعوى قصد المتكلم).

أولاً: تصوير الدعوى

تقوم نظرية الوضع كما أشرت إلى ذلك في المبحث الأول على فعل اختياري من الواضع، وهو جعل اللفظ المعين بإزاء المعنى المعين، بحيث تكتمل بذلك أركان الدلالة الثلاث، فليس ثمّ رابط غير الوضع، والوضع هو المرجع في الدلالة، فمهما اختلف الناس في فهم الألفاظ كان الوضع حاكماً بينهم.

لكنَّ الكاتب نصر حامد أبو زيد قد توجّه في تقرير مرجع الدلالة توجّهاً آخر، فهو لم يكتفِ بالوضع مرجعاً للدلالة والتفاهم بين المتكلم والسامع، بل جعل ذلك مشروطاً بشرط آخر، وهو (القصد) كما يسمّيه هو، ومن هنا سميتُ دعوى أبي زيد بـ (دعوى قصد المتكلم)، ليكون العنوان معبراً عما امتازت به هذا الدعوى.

وخلاصة دعوى الكاتب أنّ الدلالة اللغوية لا تكون تامّة وصحيحة، ولا يتأتى فهم كلام المتكلم إلا بشرطين اثنين، وهما: المواضعة، والقصد، وسأنقل كلام أبي زيد الذي يوضح دعواه بما لها وما عليها، لكي أكون أميناً في نقل كلامه من غير حيف أو جور.

قال أبو زيد في توضيح مفهوم القصد ووظيفته ومنزلته من المواضعة: "(القصد) هو الرابط الوحيد بين الدلالة اللغوية وما تدلّ عليه، ومعنى ذلك أنَّ المواضعة وحدها تتساوى مع الإشارة. أما (القصد) فهو الذي يعطي للمواضعة ثباتها ويحوّل الأصوات إلى دلالة"([80])، وقال كذلك في توضيح مراده: "وهذا القصد ليس من صنع الفرد، بل هو من صنع الجماعة عن طريق المواضعة على مسمّيات الأشياء"([81]).

فالقصد عند أبي زيد هو الحامل الحقيقي للمعنى، بل هو ما يتحدد به مدلول الكلام، والأصوات بدون القصد، عبارة عن موضوعات لا معاني لها، وأما المواضعة فهي سابقة على القصد، وهي خالية عن المعنى، هكذا يحدد أبو زيد مفهوم القصد مع المواضعة، وهو تحديد بعيد عن الإفهام، وتعريف أشبه بإبهام.

وإذا تأمّل المتأمل ما يكتبه أبو زيد، فسوف يجد أنَّ الكاتب لا يجيد التعبير عن المعاني تعبيراً صحيحاً، بحيث يحتاج القارئ إلى ضروب من تجاوز الألفاظ التي تشوّش الفهم، فانظر مثلاً كيف أن الكاتب استخدم الدلالة اللغوية، وهو يريد الدال، في قوله: "(القصد) هو الرابط الوحيد بين الدلالة اللغوية وما تدلّ عليه"، وانظر إلى قوله: "أمّا (القصد) فهو الذي يعطي للمواضعة ثباتها"، مع أنه قال قبلُ: "إن القصد هو الرابط الوحيد بين الدلالة اللغوية وما تدل عليه".

ومع ذلك التشويش، فكلام الكاتب في الجملة يفيد أنَّ المواضعة تساوي الإشارة إلى المدلولات، وتسبق القصد، ومعنى ذلك أن المواضعة عنده هي مجرد الإشارة المجردة عن المعاني، والتي يتبعها تحديد المعنى الذي يقصده ذلك المشير إلى الأشياء، ومثل هذا الادعاء قد لا يبعد فهمه، ولا يبعد أنْ يكون صحيحاً، لكنّ في حدود نظرية الوضع التي قررتها في المبحث الأول.

وبناء على هذا المعنى للمواضعة الخالي عن أي معنى، فإنَّ القارئ سيدرك بسهولة أنَّ أبا زيد إنّما يصف مجريات عملية الوضع – الفعل الاختياري بجعل اللفظ المعين إزاء المعنى المعين- لا أكثر، وهي عملية قد نتصوّرها على هذه الصورة وقد نتصورها على صورة أخرى، لكن في حدود نظرية الوضع المعروفة التي لا يدخل فيها شرط القصد الذي يذكره أبو زيد.

ويبرز أبو زيد الوظيفة النهائية للغة في دعواه عبر ترتيب الكلام والقصد والمواضعة والفكر، قال: "وإذا كانت وظيفة التسمية - ومن ثَمَّ اللغة- قد تحدّدت في (الإنباء) عمّا في النفس والإخبار عن الأشياء والأفكار، فمن الطبيعي أنْ يراعى حال المتكلم وقصده حين نحاول فهم كلامه أو الاستدلال به، ومعنى ذلك أنّ فهم قصد المتكلم ضروري إلى جانب المواضعة حتى يتمكن أن يفيد الكلام"([82]).

ومع إبراز الكاتب لوظيفة اللغة النهائية، فإنَّه يصرّ على أن القصد هو الذي يعطي الكلام دلالة، قال: "فمن الطبيعي أنْ يراعى حال المتكلم وقصده حين نحاول فهم كلامه أو الاستدلال به"([83])، ولعل هذا القصد هو خلاصة دعوى هذا الكاتب، فالكلام مفتقر في دلالته إلى قصد المتكلم، حتى يفهم ويفيد.

ويلحظ متتبع دعوى أبي زيد أنه قد تناقض في مفهوم المواضعة الذي نصّ عليه، مما ينقض أساسَ مفهوم القصد ومنزلته من المواضعة، وهذا لا شكّ كفيل بإلقاء ثوب من الإبهام الأوّلي على دعوى الكاتب، فالكاتب يجعل المواضعة (المساوية للإشارة) خالية عن أيّ معنى، ويصرّ في الوقت نفسه على أنْ تفيد معنى، حيث يقول: "ومعنى ذلك أن قصد المتكلم ضروري إلى جانب المواضعة حتى يتمكن أن يفيد الكلام"([84]).

هذا ما لا يتفق مع تصوّره، ويمكن أن يكون هذا أساساً في نقد دعوى القصد عند أبي زيد، فكيف يمكن معرفة القصد بغير لفظ القاصد وكلامه؟

وهذا الإشكال العصيّ على الحلّ حقاً، قد واجه الكاتب، وكان المنتظر أن يجيب عنه ليتجلى مفهوم القصد في هذه الدعوى، لكن الكاتب فاجأ القارئ بالتهرّب من السؤال، فقال: "كيف يمكن للمستمع أن يعرف قصد المتكلم حتى يستدلّ بكلامه؟ وقد يبدو السؤال غريباً عن الحسّ المعاصر الذي لا يفصل بين القصد والكلام، ويعتبر الكلام دليلاً على القصد، بل هو الوسيلة الوحيدة لمعرفة قصد المتكلّم"([85])، وقد اكتفى الكاتب بتأويله لمذهب المعتزلة، وهذا الإشكال الذي لم يجب عليه الكاتب ناشئ عن شرط القصد في دعواه، وهو الفارق الجوهري بين (دعوى قصد المتكلم) ونظرية الوضع.

ثانياً: نقد الدعوى

يعتمد أبو زيد في سوق دعوى القصد أساساً على نصوص ينقلها من القاضي عبد الجبار المعتزلي، وهو في رأيي المتواضع لا يحسن فهم كلام القاضي، ولا يتقن تحرير كلامه.

وفي هذا المطلب؛ سأحاول أنْ أنقل كلام القاضي الذي يتكلم فيه عن شرط القصد، مع توضيحه في سياقه، وأحاول نقد دعوى القصد التي يحاول أبو زيد أن يجعل كلام القاضي مرجعاً لها.

نقلت سابقاً أنَّ أبا هاشم الجبائي يرى أنَّ اللغة إنما هي بالاصطلاح والمواضعة بين الناس، ومن المعلوم أنّ أبا هاشم إنما هو شيخ القاضي عبدالجبار، وهو على مذهبه في قضية المواضعة وابتداء اللغة، قال القاضي: "ولهذه الجملة يفهم أحدنا مراد العربي بالعربية، إذا وقف على طريقة المواضعة فيها، ومتى لم يعرف ذلك، وإن عرف سائر اللغات، لم يعرف المراد"([86]).

فعبد الجبار في هذا النصّ يبين قضية المواضعة بصورة واضحة، وهو في ذلك على مذهب شيخه أبي هاشم، وهو مذهب موافق للأشعريّ القائل بالتوقيف، من حيث إنّ كلاً من المذهبين مبني على نظرية الوضع، وذلك بقطع النظر عن الواضع، وقد بينت ذلك في المبحث الأول، فالمذاهب المختلفة في تعيين الواضع، هل هو الله تعالى أو الناس، تتفق في حصول الوضع وهو الفعل الاختياري في جعل اللفظ المعين بإزاء المعنى المعين، بغض النظر عن ذات الفاعل.

وقد بين القاضي أنه على مذهب شيخه أبي هاشم الجبائي في قضية الوضع اللغوي، ومذهب أبي هاشم في ذلك أنَّ اللغة إنما وضعت بالاصطلاح، لا غير، قال القاضي: "يبين ذلك جواز اختلاف اللغات، وإن كان المسمى بهما يختلف، نحو ما قال شيخنا أبو هاشم: إن مَرْداً قد يكون من كلام العرب مصدر مَرَده مرداً يعني لينه؛ ومن ذلك سمي الأمرد أمرد، ومن كلام العجم هو اسم الرجل، وذلك يكثر إذا تتبع"([87]).

ويؤكد القاضي معنى الوضع اللغوي بطريقة فذّة، فيقول: "فإنْ حصل معنى المواضعة، من غير طريقة المواطأة والمخاطبة، حلّ محلّ المواطأة في هذا الباب، ولذلك تجد أحدنا يستدعي من غلامه سقي الماء بالإشارة، على حدّ ما نستدعيه بالعبارة، لعادة تقدمت، يعرف بها أنّ الإشارة تحلّ محلّ العبارة التي تقدمت معرفة فائدتها"([88]).

وأما ما استدلّ به أبو زيد من تفرقة المعتزلة بين الاسم والمسمى فهو على أصله من وضع اللغة، وعلى أصله في نظرية الوضع، قال القاضي مؤكداً معنى المواضعة الذي به تبتدأ اللغة في رأيه ورأي شيخه أبي هاشم: "فإذا كان ابتداء اللغة يتعلق بالاختيار والمواضعة؛ لم يمتنع في الثاني فيه النقل والتحويل بالاختيار، وكما أن اللغة المبتدأة لم تكسب المعاني أحوالاً لم تكن عليه، فكذلك حصول التبديل فيه لا يغير حاله"([89]).

ومعنى ذلك أنَّ الاسم لا يرتبط بالمسمى إلا بناء على الوضع الاختياري، وليس ثمة علاقة أخرى بينهما، وذلك خلافاً لأبي زيد الذي حرف قصد عبد الجبار عن حقيقته، ونسب إليه مقاصد لا يقصدها، لكن يقصدها أبو زيد حيث قال في تحليله لعلاقة الاسم بالمسمى عند المعتزلة: "وإذا كانت وظيفة التسمية - ومن ثَمَّ اللغة - قد تحدّدت في (الإنباء) عمّا في النفس والإخبار عن الأشياء والأفكار، فمن الطبيعي أنْ يراعى حال المتكلّم وقصده حين نحاول فهم كلامه أو الاستدلال به، ومعنى ذلك أنّ فهم قصد المتكلم ضروريٌّ إلى جانب المواضعة حتّى يتمكن أنْ يفيد الكلام"([90]).

وكلام أبي زيد، علاوة على أنه تحريف لكلام القاضي عبد الجبار، لا يستقيم على سبيل، فهو يرى أن اللغة تنبئ عما في النفس، ومع ذلك يجب أن يراعي السامع قصد المتكلم الذي لا يمكن الاطلاع عليه إلا باللغة التي تنبئ عن قصده، وهذا ضرب من المحال، فكيف يكون الإنباء مشروطاً بالقصد الذي عنه يكون الإنباء، هذا دور محال.

والذي يدفع أبا زيد إلى تحميل كلام القاضي ما لا يحتمله بعض النصوص التي لم يأخذها في سياقها، أو التي أساء فهمها، وقد يكون له من وراء ذلك غاية في تقوية دعواه، وسآتي بالنصوص التي استدل بها أبو زيد من مظانها في كتب عبد الجبار مع تحليلها بصورة تكفي في كفّ دعوى أبي زيد التي بلغت حدّ الاعتداء على القاضي، فهاك هذه النصوص.

النص الأول:

قال القاضي: "وقد بين شيخنا أبو هاشم رحمه الله أنه تعالى لا يصحّ أن يعرّف المكلف الأسماء كلها، لأنه لا بدّ من مواضعة متقدمة على لغة واحدة، ليفهم بها سائر اللغات، فمتى لم تتقدّم لم يصحّ أن يعرفه مع التكليف، لأنَّ تعريف الأسماء يقتضي تعريف المقاصد، ولا يصحّ فيمن يعرف الله باستدلال أن يعرف مقاصده ضرورة"([91]).

غاية كلام القاضي عبد الجبار في هذا النص أنَّ ابتداء اللغة هل هو بالتوقيف والوحي الإلهي أو أنه بالاصطلاح من الناس، وترجيح واحد من القولين على نظيره مما لا يناقش فيه، لأنه لا يدخل في نظرية الوضع، وقد بينت في المبحث الأول وفي أكثر من موضع أنَّ كلاً من القولين لا يشكل على نظرية الوضع، وأنهما قولان محتملان، وأنّ العلماء لا يقطعون بواحد منهما، مع قطعهم بأنَّ دلالة اللفظ على المعنى إنما هي بالوضع.

النص الثاني:

قال القاضي عبد الجبار: "فإذا ثبت بما قدمناه، حاجة دلالة الكلام، وما يجري مجراه، إلى المواضعة، وجب حاجته إلى القصد المطابق لها، لعلمنا بأنه قد يحصل من غير قصد فلا يدلّ، ومع القصد فيدلّ ويفيد، فكما أنَّ المواضعة لا بدَّ منها، فكذلك المقاصد التي بها يصير الكلام مطابقاً للمواضعة، فلذلك قلنا: إنه يدلّ بالمواضعة والقصد"([92]).

غاية ما يفيده كلام القاضي هو ضرورة وجود القصد عند الإشارة إلى الأشياء (المواضعة على الأشياء). وهذا وصف من القاضي عبدالجبار لعملية الوضع من حيث مجرياتها الواقعية المتصورة، فمجرد الإشارة إلى الأشياء من غير قصد الربط بينها وبين المعاني لا يكفي في الدلالة، ولكن بتوفر القصد إلى ذلك الربط تنجز الدلالة وتتمّ، هذا غاية ما هنالك، وهو في غاية الوضوح([93]).

لكن أبا زيد لا يفهم هذا المعنى الواضح من كلام القاضي، ويصر على ما توهمه من "إصرار المعتزلة هنا على فكرة (القصد) -من جانب المتكلم- تؤكد أنَّ المواضعة وحدها في التركيب لا تكفي، فالكلام (قد يحصل من غير قصد فلا يدل، ومع القصد فيدل ويفيد، فكما أن المواضعة لا بدَّ منها، فكذلك المقاصد التي بها يصير الكلام مطابقاً للمواضعة)([94])"([95])، وقد تبين بطلان ما توهمه الكاتب.

النص الثالث:

قال القاضي: "الأصل في دلالة السمع أنه لا بد من مواضعة، ولا بد معها من القصد إلى ما يطابق المواضعة، من حيث نعلم أنّ المواضعة تدخل الكلام في أن يكون دليلاً، لأنه لا يدلّ لشيء من أحواله، يبين ذلك أنّ دلالته على ما يدلّ عليه كدلالة الحركات، فكما أنها لا تدلّ مع فقد المواضعة، وإذا حصلت المواضعة فيها على طرائق مخصوصة، دلّت وأفادت، فكذلك القول في الكلام"([96]).

وهذا النصّ يزيد فيه الوضوح إلى وضوح، حيث يصرح القاضي بأن المواضعة على طرائق مخصوصة تدلّ وتفيد، وتجعل الكلام داخلاً في أن يكون دليلاً، وهذه الطرائق المخصوصة هي اتصال الإشارات أو ما يقوم مقامها بالقصد أي معرفة المتواضعين على ما يتواضعون عليه، لا أن الوضع مشروط بمعرفة القصد المنفصل للمتكلم بعد تمام الوضع الدالّ، كما فهمه أبو زيد، وأصر عليه باعتباره أمراً أصر عليه المعتزلة، وهيهات أن يكون المعتزلة على طريقة أبي زيد.

الخاتمة والنتائج والتوصيات

لقد خلصت في هذا البحث إلى أن الدلالة القائمة بين الدال والمدلول لا بد أن تكون مضبوطة بضابط واضح لتحققها، أي ليكون الدال دالاً على مدلوله، وهذا الضابط الواضح هو الوضع، أي جعل اللفظ الدال المعين بإزاء المعنى المعين، وقد تبين لي أن أي إخلال بهذا الضابط يؤدي إلى إلباس في الكلام لا يمكن معه تحقق الأمن

في الفهم، وقد سمّيت هذا النمط من الانضباط في العلاقة القائمة بين الدال والمدلول بنظرية الوضع.

وقد توصّلت في هذا البحث إلى النتائج الآتية:

  1. الدلالة اللغوية تتركب من أركان ثلاثة؛ الدالّ والمدلول والدلالة، وكل واحد من هذه الأمور الثلاثة متميز عن صاحبه، وله مفهوم مستقلّ عن مفهوم غيره.
  2. الوضع في نظرية الوضع يراد به ذلك الفعل الاختياري من الواضع، وذلك الفعل هو جعل اللفظ بإزاء المعنى أولاً، ولا يمكن معرفة الوضع إلى من خلال النقل أو الاستنباط بالعقل من النقل، ونظرية الوضع هي تلك النظرية التي تدخل في مفهوم الدلالة اللغوية بحيث تكون حاكمة على قوانين الدلالة والفهم والإفهام، وتعطيه الاستقرار الكافي.
  3. نظرية الوضع لا تنفي قوانين الاستعمال اللغوي والتطور الذي تتعرض له الألفاظ، والوجوه التي بها يمكن تفسير الكلام، من حمل على الحقيقة أو المجاز، أو قول بالترادف أو المشترك المعنوي أو اللفظي أو النقل أو مطلق أنحاء الاستعمال اللغوي.
  4. خلاصة دعوى (قصد المتكلم) التي ذكره أبو زيد أنه لا دلالة للكلام على المعنى والمراد إلا بشرطين، وهما: المواضعة، والقصد، فالكلام لا يفهم معناه إلا بالتعرّف على قصد المتكلم.
  5. دعوى القصد مناقضة لنظرية الوضع في ثلاثة أمور: وجود الدلالة واستقرارها وثباتها، فهذه الأمور تتوافر في نظرية الوضع وتنتفي في دعوى قصد المتكلم.
  6. استناد أبي زيد في دعوى القصد إلى القاضي عبد الجبار المعتزلي استناد غير صحيح.
  7. نظرية الوضع ودعوى (قصد المتكلم) لهما أثر كبير في تفسير النصوص ونقدها، فالوضع يعطي التفسير والفهم وجوداً واستقراراً وثباتاً، بخلاف دعوى (قصد المتكلم)، فهي تهزّ أركان القول في تفسير النصّ القرآني خصوصاً، ونصوص اللغة عموماً.

التوصيات

دراسة الاتجاهات الحداثية في تفسير النصوص اللغوية، خصوصاً القرآن الكريم من خلال الدعاوى الحداثية في نظرية الدلالة اللغوية.

 

(*) مقدم لأعمال مؤتمر النقد الأدبي السادس عشر "إشكالية المنهج في الدراسات الأدبية والنقدية واللغوية" المنعقد بجامعة اليرموك في المملكة الأردنية الهاشمية، تموز- 2017م.

 

الهوامش


([1]) انظر: الآمديّ، سيف الدين علي ابن أبي علي بن محمد بن سالم (ت 631 هـ)، الإحكام في أصول الأحكام، بلا طبعة، 4م، دار الكتب العلمية، بيروت، 1983م: ج1، ص107.

([3]) ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395هـ)، معجم مقاييس اللغة، دط، 6م، (تحقيق عبد السلام هارون)، دار الفكر، بيروت، 1979م: ج2، ص259.

([4]) المرجع السابق: ج2، ص260.

([5]) ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الإفريقي المصري (ت 711 هـ)، لسان العرب، د ط، 15م، دار صادر، بيروت: ج11، ص248- 249.

([6]) الرازي، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي (ت 666هـ)، مختار الصحاح، ط5، (تحقيق يوسف الشيخ محمد)، المكتبة العصرية – الدار النموذجية، بيروت، 1999م: ص106.

([7]) الزبيدي، السيد محمد مرتضى الزبيدي (ت 1205هـ)، تاج العروس من جواهر القاموس، 40م، (تحقيق مجموعة من المحققين من لجنة التراث العربي)، دار الهداية: ج28، ص497.

([8]) المرجع السابق: ج28، ص497- 498.

([9]) الكفوي، أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الحنفي (ت 1094هـ)، الكليات، ط2، (تحقيق عدنان درويش، ومحمد المصري)، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1998م: ج1، ص439.

([10]) القطب الرازي، محمود بن محمد (ت 766 هـ)، شرح الشمسية في علم المنطق، ط1، 2م، المطبعة الأميرية، القاهرة، 1905م: ج1، ص174.

([11]) الكفوي، الكليات: ج1، ص439.

([12]) مجمع اللغة العربية، المعجم الفلسفي، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة، 1983م: ص84.

([13]) مختار، أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ط7، عالم الكتب، القاهرة، 2009م: ص12.

([14]) انظر أنواع الدلالة: القطب الرازي، شرح الشمسية في علم المنطق: ج1، ص174-177.

([15]) الأحمد نكري، القاضي عبد النبي بن عبد الرسول، جامع العلوم في اصطلاحات الفنون المشهور بدستور العلماء، ط1، 4م، (تحقيق وتعريب حسن هاني فحص)، دار الكتب العلمية، بيروت، 2000م: ج2، ص76.

([16]) الجرجاني، التعريفات: ص104.

([17]) الزبيدي، تاج العروس: ج28، ص498، ويلاحظ أن الزبيدي ذكر هذا التعريف للدلالة مطلقاً، والظاهر أنه يريد به نوعاً من أنواع الدلالة، وهي اللفظية الوضعية.

([18]) الأحمد نكري، دستور العلماء: ج2، ص75.

([19]) الكفوي، الكليات: ج1، ص441.

([20]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة: ج6، ص117-118.

([21]) ابن منظور، لسان العرب: ج8، ص401.

([22]) الفيروزآبادي، مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب (ت 817هـ)، القاموس المحيط، ط8، (تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة بإشراف محمد نعيم العرقسُوسي)، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2005م: ص771.

([23]) الزبيدي، تاج العروس: ج22، ص338.

([24]) الجرجاني، علي بن محمد بن علي السيد الشريف (ت 816هـ)، التعريفات، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1983م: ص252.

([25]) السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911هـ)، معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم، ط1، (تحقيق محمد إبراهيم عبادة)، مكتبة الآداب، القاهرة، 2004م: ص118.

([26]) ابن جني، أبو الفتح عثمان ابن جنيّ (392 هـ)، الخصائص، (تحقيق: محمد علي النجار)، ط4، 3م، وزارة الإعلام-دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1990م: ج1، ص45.

([27]) الفيومي، أبو العباس أحمد بن محمد بن علي الحموي، (ت نحو 770هـ)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، المكتبة العلمية، بيروت: ج2، ص 663.

([28]) ابن منظور، لسان العرب: ج11، ص248- 249.

([29]) الكفوي، الكليات: ج1، ص439.

([30]) الجاحظ، عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (ت 255هـ)، البيان والتبيين، 3م، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1423هـ: ج1، ص82.

([31]) العضد، عضد الدّين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي (ت 756 هـ)، الرسالة العضدية في علم الوضع، المطبعة الأزهرية، مصر،  1929م: ص58.

([32]) انظر: ابن عاشور، محمد الطّاهر، أليس الصبح بقريب، ط2، دار السلام، القاهرة، ودار سحنون، تونس، 2007م: ص198، وقال عن رسالة العضد: هي رسالة نفيسة.

([33]) انظر: الفتني، عبد الملك ابن عبد الوهاب الهندي، شرح عقد اللآلي في علم الوضع، ط1، المطبعة الشرفية، القاهرة، 1306هـ: ص90.

([34]) الجرجاني، الشيخ أبو بكر عبد القاهر بن عبدالرحمن بن محمد (ت 471 هـ)، دلائل الإعجاز، ط3، (قرأه وعلق عليه محمود شاكر)، مطبعة المدني ودار المدني، جدة، 1992م: ص54.

([35]) الساوي، القاضي زين الدين عمر بن سهلان، البصائر النصيرية في علم المنطق، (تحقيق محمد عبده وتصحيح عبدالله الصاوي وعبدالحفيظ سعد)، مطبعة الصاوي، القاهرة: ص10.

([36]) الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي الملقب بفخر الدين (ت 606هـ)، مفاتيح الغيب، ط3، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1420هـ: ج1، ص37.

([37]) الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي الملقب بفخر الدين (ت 606هـ)، المحصول في علم أصول الفقه، ط1، 4م، (تحقيق عادل أحمد بعد الموجود وعلي محمد معوض)، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة- الرياض، 1997م: ج1، ص99.

([38]) المحلي، البدر الطالع في حل جمع الجوامع للتاج السبكي: ج1، ص217.

([39]) المرجع السابق: ج1، ص217.

([40]) المصدر السابق: ج1، ص82.

([41]) الدسوقي، محمد بن أحمد بن عرفة (ت1230 هـ)، التجريد الشافي على تذهيب المنطق الكافي (حاشية على شرح الخبيصي على تهذيب التفتازاني)، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1936م: ص86.

([42]) ابن رشيق، أبو على الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي (ت463 هـ)، العمدة في محاسن الشعر وآدابه، ط5، 2ج، (تحقيق محمد محي الدين عبدالحميد)، دار الجيل، 1981م: ج1، ص124.

([43]) انظر: أنيس، إبراهيم، دلالة الألفاظ، ط7، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1992م: ص62. وانظر: الرديني، محمد علي عبد الكريم، فصول في علم اللغة العام، ط1، عالم الكتب، بيروت، 2002م: ص229. وانظر: الأنطاكي، محمّد، دراسات في فقه اللغة، ط4، دار الشرق العربي، بيروت، بلا تاريخ: ص47.

([44]) انظر: عبد الجبار، القاضي أبو الحسن عبد الجبار الأسدأبادي المعتزلي (ت 415 هـ)، المغني في أبواب العدل والتوحيد، 20م، (الفرق غير الإسلامية)، بإشراف طه حسين، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والطباعة والنشر، مصر: ج5، ص172.

([45]) الدسوقي، التجريد الشافي: ص86، بتصرف يسير.

([46]) السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، بلا رقم طبعة، 2م، (تحقيق محمد أحمد جاد المولى وعلي البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم)، دار الجيل ودار الفكر، بيروت، بلا تاريخ: ج1، ص47.

([47]) المرجع السابق: ج1، ص365.

([48]) الحكيم، محمد تقي، الوضع، المجمع العلمي العراقي، دورة مجمع اللغة العربية المنعقدة في بغداد، مطبعة العاني، بغداد: ص8-10.

([49]) المحلي، البدر الطالع في حل جمع الجوامع للتاج السبكي: ج1، ص216.

([50]) الجويني، أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله (ت 478هـ)، التلخيص في أصول الفقه، 3ج، (تحقيق عبد الله جولم النبالي وبشير أحمد العمري)، دار البشائر الإسلامية، بيروت: ج1، ص197.

([51]) الآمديّ، سيف الدين علي ابن أبي علي بن محمد بن سالم (ت 631 هـ)، الإحكام في أصول الأحكام، بلا طبعة، 4م، دار الكتب العلمية، بيروت، 1983م: ج1، ص112.

([52]) المحلي، البدر الطالع في حل جمع الجوامع للتاج السبكي: ج1، ص213.

([53]) الرازي، المحصول في علم أصول الفقه: ج1، ص109.

([54]) الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي الملقب بفخر الدين (ت 606هـ)، المحصول في علم أصول الفقه، ط1، 4م، (تحقيق عادل أحمد بعد الموجود وعلي محمد معوض)، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة- الرياض، 1997م: ج1، ص87-89.

([55]) الآمديّ، سيف الدين علي ابن أبي علي بن محمد بن سالم (ت 631 هـ)، الإحكام في أصول الأحكام، بلا طبعة، 4م، دار الكتب العلمية، بيروت، 1983م: ج1، ص104-105.

([56]) المحلي، أبو عبد الله جلال الدين محمد بن أحمد الشافعي (ت 864 هـ)، البدر الطالع في حل جمع الجوامع للتاج السبكي، ط1، 2م، (تحقيق مرتضى الداغستاني)، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت، 2005م: ج1، ص213.

([57]) الفتوحي، أبو البقاء محمد بن أحمد المعروف بابن النجار (ت 972هـ)، مختصر التحرير شرح الكوكب المنير، ط2، 4ج، (تحقيق محمد الزحيلي ونزيه حماد)، مكتبة العبيكان، 1997م: ج1، ص108.

([58]) جمعة، علي جمعة محمد عبد الوهاب، المصطلح الأصولي ومشكلة المفاهيم، ط1، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، 1996م: ص40.

([59]) حمودة، عبد العزيز (1998، إبريل)، المرايا المحدبة – من البنيوية إلى التفكيك، ضمن سلسلة عالم المعرفة، الكويت، عدد 232: ص80.

([60]) انظر: قانصو، وجيه (2007م)، التعددية الدينية في فلسفة جون هيك- المرتكزات المعرفية واللاهوتية، ط1، المغرب، المركز الثقافي العربي: ص128، حيث يتناول ألفاظ الخلاص والنجاة والتحرير والإعتاق في الأديان جميعاً على اختلافها، وتأويلها في سياق "الأنسنة".

([61]) انظر: طه، أنيس مالك، اتجاهات التعددية الدينية والموقف الإسلامي منها، رسالة دكتوراه، الجامعة الإسلامية بإسلام آباد، باكستان، 2000م: ص45.

([62]) حمودة، المرايا المحدبة: ص30.

([63]) حمودة، عبد العزيز (2003م، نوفمبر)، الخروج من التيه – دراسة في سلطة النص، ضمن سلسلة عالم المعرفة، الكويت، عدد 298: ص10.

([64]) الحسين، عبد القادر محمد (2012)، معايير القبول والرد لتفسير النص القرآني، ط2، دار الغوثاني، دمشق: ص111.

([65]) انظر تعريف البنيوية ومدارسها ونشأتها: وهبة، المعجم الفلسفي: ص146. وانظر: علوش، سعيد (1985م)، معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، ط1، دار الكتاب اللبناني، بيروت: ص52-53. وانظر: عناني، محمد، المصطلحات الأدبية الحديثة، ط3، الشركة المصرية العالمية للنشر، القاهرة، 2003م: ص101-111.

([66]) لالاند، موسوعة لالاند الفلسفية: ص1341.

([67]) حمودة، المرايا المحدبة: ص140.

([68]) انظر: حمودة، المرايا المحدبة: ص163.

([69]) حمودة، المرايا المحدبة: ص161.

([70]) بحيري، سعيد حسن (1997م)، علم لغة النص – المفاهيم والاتجاهات، ط1، الشركة المصرية العالمية، القاهرة: ص169.

([71]) انظر تعريف التفكيك: عناني، المصطلحات الأدبية الحديثة: ص131. وعلوش، معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة: ص169.

([72]) حمودة، المرايا المحدبة: ص255.

([73]) انظر: عناني، المصطلحات الأدبية الحديثة: ص148.

([74]) انظر: حمودة، المرايا المحدبة: ص145.

([75]) الجرجاني، دلائل الإعجاز: ص417، نقلته بطوله لأهميته.

([76]) انظر تعريف مصطلح التاريخية: لالاند، موسوعة لالاند الفلسفية: ص561، 1102. وانظر: وهبة، مجدي، والمهندس، كامل، معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، ط2، مكتبة لبنان، بيروت، 1984: ص406. وانظر: عناني، المصطلحات الأدبية الحديثة: ص60-63. وانظر: علوش، معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة: ص56.

([77]) لالاند، موسوعة لالاند الفلسفية: ص561.

([78]) من أمثلة التلاعب بالنص القرآني تحت عنوان ما يسمى "سلطة النص الديني": أبو زيد، نصر حامد (1994م)، نقد الخطاب الديني، ط2، سينا للنشر، القاهرة. وانظر: أركون، محمد (2001م)، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، دار الطليعة، بيروت. وانظر: عبد الرسول، أيمن (2002م)، في نقد الإسلام الوضعي، ط1، ميريت للنشر والتوزيع، القاهرة.

([79]) راجع في كيفية استغلال الحداثيين لهذه النزعة وتطبيقها على القرآن الكريم: عبد القادر الحسين، معايير القبول والرد لتفسير النص القرآني: ص512، حيث ذكر أمثلة على ذلك.

([80]) أبو زيد، نصر حامد، الاتجاه العقلي في التفسير: ص86.

([81]) المرجع السابق: ص86.

([82]) المرجع السابق: ص86.

([83]) المرجع السابق: ص86.

([84]) المرجع السابق: ص86.

([85]) المرجع السابق: ص87.

([86]) عبد الجبار، المغني في أبواب العدل والتوحيد، (النبوات والمعجزات): ج15، ص160.

([87]) عبد الجبار، المغني في أبواب العدل والتوحيد، (الفرق غير الإسلامية):  ج5، ص172.

([88]) عبد الجبار، المغني في أبواب العدل والتوحيد، (النبوات والمعجزات): ج15، ص161.

([89]) عبد الجبار، المغني في أبواب العدل والتوحيد، (الفرق غير الإسلامية):  ج5، ص173.

([90]) أبو زيد، نصر حامد، الاتجاه العقلي في التفسير: ص86.

([91]) عبدالجبار، القاضي أبو الحسن عبد الجبار الأسدآبادي المعتزلي (ت 415 هـ)، متشابه القرآن، 2م، (تحقيق عدنان زرزور)، دار التراث، القاهرة: ج1، ص83-84.

([92]) عبد الجبار، المغني في أبواب العدل والتوحيد، (النبوات والمعجزات): ج15، ص162.

([93]) انظر: عبد الجبار، المغني في أبواب العدل والتوحيد، (الفرق غير الإسلامية): ج5، ص164، حيث تكلم القاضي على الإشارة أو ما يقوم مقامها في الدلالة على القصد الذي بتمام اقترانه مع الإشارة تتم المواضعة التي هي وضع اللفظ بإزاء المعنى، لا على ما يتصوره أبو زيد في جعل (القصد المنفصل) عن (المواضعة التامة) ركنين للدلالة اللغوية.

([94]) عبد الجبار، المغني في أبواب العدل والتوحيد، (النبوات والمعجزات): ج15، ص162.

([95]) أبو زيد، نصر حامد، الاتجاه العقلي في التفسير: ص86.

([96]) عبد الجبار، المغني في أبواب العدل والتوحيد، (النبوات والمعجزات): ج15، ص160.

رقم البحث [ السابق | التالي ]

اقرأ للكاتب




التعليقات


Captcha


تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا