أثر الذكاء الاصطناعي في صياغة الفتوى
المقدمة:
يعتبر الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) من التكنولوجيات الحديثة التي تتسم بالتقدم السريع والتأثير الواضح في مختلف المجالات[1]، ومن هذه المجالات الفتاوى والأحكام الشرعية، لأن لها مكانة هامة في حياة المسلمين، إذ يتطلعون إلى الاستشارة الشرعية والتوجيهات الدينية في مختلف جوانب الحياة، وقد أثر الذكاء الاصطناعي على انتشار الفتوى وتوفير المراجع المعتبرة والمختصة في الشريعة الإسلامية، لذا سنتناول في هذا المقال أثر الذكاء الاصطناعي في انتشار وصياغة الفتوى.
تعريف الذكاء الاصطناعي:
الذكاء الاصطناعي هو أحد فروع علم الحاسوب، وإحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها صناعة التكنولوجيا في العصر الحالي، ومعناه أن يقوم الحاسب بمحاكاة عمليات الذكاء التي تتم داخل العقل البشري، ويمكن تعريف مصطلح الذكاء الاصطناعي -الذي يشار له بالاختصار (AI)- بأنه قدرة الآلات والحواسيب الرقمية على القيام بمهام معينة تحاكي وتشابه تلك التي تقوم بها الكائنات الذكية[2].
يشير الذكاء الاصطناعي إلى قدرة الأجهزة الحاسوبية والبرامج على تنفيذ مهام تشابه الأنشطة التي يقوم بها البشر والاستنتاج من البيانات واتخاذ القرارات الذكية بناءً على الخوارزميات[3] والتعلم الآلي، وتشمل تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل تعلم الآلة، والتعلم العميق[4]، ومعالجة اللغة الطبيعية،[5] وتحليل البيانات والتعرف على الأنماط.
أثر الذكاء الاصطناعي في انتشار الفتوى:
يوفر هذا الذكاء المعلومات والإجابات الشرعية، من خلال العمل على تحليل ومعالجة الكم الهائل من المعلومات الشرعية المتاحة في الكتب والمقالات والفتاوى السابقة، وباستخدام تقنيات التعلم الآلي، يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم إجابات شرعية سريعة ودقيقة للمستخدمين والمتسائلين.
ومع ذلك؛ فللذكاء الاصطناعي إيجابيات وسلبيات:
ومن إيجابيات الذكاء الاصطناعي على الفتوى:
1. القدرة على تصنيف وترتيب الفتاوى والأحكام الشرعية وفقًا للمواضيع والفقهاء والمراجع، وبذلك يمكن للباحثين عن فتاوى محددة أو أحكام شرعية أن يجدوا المعلومات بسهولة ويسر، ويتصفحوا المراجع المعتبرة بشكل فعال، والتواصل المباشر مع المراجع الدينية والعلماء المعتبرين، سواء عبر منصات الدردشة أو الروبوتات الذكية، وبذلك يمكن للأفراد طرح أسئلتهم والحصول على الإجابات بشكل مباشر وفوري.
2. كما له ميزة الترجمة والتعريب، فمن خلاله يمكن ترجمة الفتاوى والأحكام الشرعية من اللغات المختلفة إلى لغة المستخدم، وبذلك يتيح فهمًا أوسع وأعم للمعلومات الشرعية، وتوفير الإرشادات الدينية بلغات مختلفة.[6]
3. تمكين الفتوى من زيادة الوصول والانتشار؛ لأنه يمكّن الأفراد من الوصول إلى مصادر كثيرة للفتاوى بسهولة، سواء عبر مواقع الإنترنت أو التطبيقات المتاحة، ويتيح لهم تصفح وتنقيب البيانات بشكل فعال، مما يجعل الفتاوى والمعلومات الدينية متاحة للجميع بشكل أوسع وأسرع.
4. يتيح للمسلم التحقق من صحة المعلومات، حيث يواجه الأفراد في عصر التكنولوجيا الحديثة تحدي تحقق صحة المعلومات التي يتلقونها من مصادر مختلفة.
ومن سلبيات الذكاء الاصطناعي على الفتوى:
1. الذكاء الاصطناعي له بعض الآثار السلبية خصوصاً عندما يتعلق الأمر بإصدار الفتوى والتعامل مع النصوص الشرعية، لقصوره عن الفهم البشري، حيث يعتبر فهم السياق والتفاصيل الدقيقة في الأسئلة الشرعية والتحليل العميق للنصوص الدينية من مهارات العلماء والمراجع الدينية المتميزة، ومثالها فتاوى الطلاق، فهي تحتاج إلى حوار مع الأطراف والوقوف على ملابسات الألفاظ التي تصدر، ومعرفة درجات الغضب، فقد يكون الطلاق متحققاً وتظهر نتائج البحث على الذكاء الاصطناعي عدم وقوعه.
2. ومع استخدام الذكاء الاصطناعي، قد يتم التخلي عن الجانب البشري والتكفل بالأسئلة والإجابات بطريقة أوتوماتيكية، مما يؤدي إلى فقدان البعد الفكري والتأويلي الذي تميز به أهل العلم والاختصاص، خصوصاً الخلافات المالية، التي تحتاج الى سماع من الطرف الاخر، وإبداء الآراء التي يترتب عليها فتوى مختلفة تماماً عن التي تظهر عبر هذا الذكاء الاصطناعي.
3. هناك بعض المواقع المدعومة والمشبوهة في استصدار الفتوى تخالف ما عليه إجماع المذاهب، والذكاء الاصطناعي غير قادر على معرفة الفتاوى الشاذة أو التي تكون مرجوحة في المذهب، مما يترتب على هذا فوضى في الفتوى، حيث يتطلب تقديم الفتوى وتقديم الإرشاد الشرعي تجربة ومعرفة عميقة في العلوم الشرعية وفهم السياق الثقافي والاجتماعي للمستفتين، ويمكن أن ينقص الذكاء الاصطناعي هذا الجانب البشري والتجربة الشخصية، فلا يكون قادرًا على تطبيق الاعتبارات الشخصية التي تنطوي على التفاعل البشري المباشر.
4. هذا النوع من الذكاء لا يراعي القواعد الأصولية في الفتوى، فقد يخلط بين أصول المذاهب، فيترتب على هذا الخلط اضطراب في الفتوى؛ لأنه ليس له القدرة على الاستنباط ولا على الاجتهاد في حكم مسألة، كل ما هنالك أنه يقوم بجمع أصول المسألة من أكثر من مرجع، ويقوم بتكوين جواب للسؤال الذي طرح علية بغض النظر عن صحة الجواب وعدم الصحة من ناحية شرعية.
وعلى الرغم من هذه الآثار المحتملة، فالذكاء الاصطناعي جهد بشري قام بتزويد هذا الذكاء بمعلومات حيث يجعل الدور البشري قاصراً على تزويد هذا الذكاء بالمراجع، وهو يقدم لمستعمله تصوراً عن موضوع معين، ولا يعتبر ما ينتج عنه بمثابه الحكم القطعي الذي يعذره عند الله تعالى، بل لا بد من الرجوع إلى أهل العلم للتحقق من معلومات هذا الذكاء، ويجب التأكيد على أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة لنشر الفتوى الصحيحة أو غير الصحيحة، فينبغي الحذر في استعماله خصوصاً في الفتاوى؛ للحفاظ على البعد البشري والاعتبارات الثقافية والأخلاقية اللازمة لتقديم فتاوى شرعية شاملة ومتوازنة.
[1] الذكاء الاصطناعي: مبادئ وتطبيقات، للدكتور سامي الحربي، ص(16).
[2] أساليب الذكاء الاصطناعي، أحمد هاني حماد، ص(1).
[3] الخوارزمية هي مجموعة من الخطوات الرياضية والمنطقية والمتسلسلة اللازمة لحل مشكلة ما. وسميت الخوارزمية بهذا الاسم نسبة إلى العالم أبي جعفر محمد بن موسى الخوارزمي الذي ابتكرها في القرن التاسع الميلادي.
[4] التعلم العميق: هو وسيلة في الذكاء الاصطناعي تُعلِّم أجهزة الكمبيوتر معالجة البيانات بطريقة مستوحاة من الدماغ البشري. تتعرف نماذج التعلم العميق على الأنماط المعقدة في الصور والنصوص والأصوات والبيانات الأخرى لإنتاج رؤى وتنبؤات دقيقة.
[5] معالجة اللغات الطبيعية: عبارة عن تقنية تعلّم الآلة وتمكّن أجهزة الكمبيوتر من تفسير اللغة البشرية ومعالجتها وفهمها.
[6] تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم، مريم شوقي عبد الرحمن، ص (5) بتصرف.