العنف ضد المرأة
تنطلق في العالم فعاليات حملة 16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة في كل عام في الفترة من 25 تشرين الثاني/نوفمبر، وحتى 10 كانون الأول/ ديسمبر، الذي يصادف الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان.
ولهذا الاتصال بين المناسبتين وجه، وهو أننا لن نستطيع أن نحافظ على حقوق الإنسان ما لم نحافظ على حقوق المرأة ونحميها من الاضطهاد والعنف؛ لأنها نصف المجتمع، وهي من الفئات الأكثر عرضة للانتهاك، حيث يعاني أكثر من 70% من النساء من العنف في حياتهن، حسب إحصائية الأمم المتحدة.
وربما يظن البعض أن هذه الإحصائية مبالغ فيها، وأنه من قبيل الترف إحياء 16 يوماً بفعاليات تناهض العنف ضد المرأة، وهذا الظن في غير محله، إذ العنف ضد المرأة منتشر بين مختلف الشعوب عبر القارات، وله أشكال وألوان متعددة، ربما ألفها الناس حتى ما عادوا يعتبرونها انتهاكاً لحقوق المرأة وعنفاً ممارساً عليها. وسأبين في عجالة بعض أشكال العنف ضد المرأة لنرى إلى أي مدى يصل الانتهاك لحقوقها وشخصيتها:
أولاً: العنف الجسدي
تتعرض كثير من النساء للعنف الجسدي، حيث يتعرضن للأذى الجسدي من قبل الرجال، سواء كانوا أزواجاً أو آباء أو إخوة.
وقد أظهرت دراسات جامعة هارفرد أن 20- 60% من النساء في الدول النامية تعرضن للضرب في داخل الأسرة أو من أزواجهن، وهذه نسبة لا يستهان بها، وتعطي مؤشراً خطيراً لما تعانيه المرأة من عنف جسدي على يد الأهل أو الزوج.
ولا يقتصر ظهور هذا العنف على البلاد النامية، فحتى دول العالم المتقدمة والمتحضرة لها نصيب وافر من هذا العنف، فقد أشارت الدراسة إلى أن 30% من النساء الأمريكيات يتعرضن للعنف الجسدي من قبل أزواجهن، و95% من ضحايا العنف في فرنسا من النساء. وهذا غاية في الغرابة، فبدل أن يكون الزوج أو أفراد الأسرة الملاذ للمرأة صار الزوج أو بعض أفراد الأسرة يلعبون دور الجلاد والمعتدي على المرأة.
ومما لا شك فيه أن الاعتداء الجسدي ينتج آلاماً ومشكلات نفسية؛ لأنه يذيق الإنسان طعم الإهانة، وينأى به عن الكرامة الإنسانية التي خلقه الله تعالى عليها، بالإضافة إلى الآلام الجسدية التي قد تفضي إلى الإصابة بعاهة دائمة، وربما وصل العنف الجسدي إلى القتل وإزهاق النفس.
وهنا نسأل، هل يصح أن تكون قوة الرجل وسطوته وسلطته طريقاً لإهانة المرأة، والحط من كرامتها الإنسانية؟ أما جعلت هذه القوة والسطوة التي يمتاز بها الرجل لحماية المرأة وصيانتها والدفاع عنها؟ إنه بلا شك قلب للموازين، واستغلال للقوة في غير موضعها الصحيح، والثمرة من ذلك أننا ننتج امرأة مهانة عاجزة ضعيفة، فهل تستطيع هذه المرأة بصفاتها تلك أن تربي جيلاً أو أن تكون مدرسة؟
ثانياً: العنف اللفظي
لا تخلو معاناة المرأة من العنف اللفظي الممارس ضدها، ويتمثل بالشتيمة والإهانة واستعمال الألفاظ التي تحط من الكرامة الإنسانية، وفي استبيان نشر في إحدى الدول الشقيقة المجاورة تبين أن 52% من النساء يتعرضن للعنف اللفظي، وفي دراسة لباحثة بأحد الدول العربية الأفريقية تبين أن 34% امرأة تعرضن للعنف اللفظي من شريحة تضمنت 2850 منزلاً.
وهذه مؤشرات تنذر بأهمية المسألة، وأن العنف اللفظي الذي تعاني منه المرأة يشكل ظاهرة ينبغي الحد منها والقضاء عليها.
حيث يشير العنف اللفظي إلى قلة الاحترام والتقدير، مما يضعف شخصية الطرف المعنف، ويهز ثقته بنفسه، ويجعله يشعر بالخوف وعدم الأمان، مما يدخله بعد شعور الخوف والإهانة وانعدام الثقة بالنفس إلى بحر الاكتئاب الذي ما إن يدخله المعنف حتى يغرق فيه، وتصعب عليه النجاة منه.
وربما يخفى على البعض أن العنف اللفظي قد يكون أكثر قسوة من العنف الجسدي، أما قال الشاعر يعقوب الحمدوني:
جراحات السِّنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان
ثالثاً: العنف النفسي
ويظهر العنف النفسي نتيجة الممارسات القمعية التي تتعرض لها المرأة، كمنعها من الدراسة، أو الزواج، أو حرمانها من المناصب القيادية العليا على الرغم من كفاءتها، أو تفضيل الذكور عليها في المأكل والملبس والمعاملة، مما يعرض المرأة لضرر نفسي بالغ، وشعور بالاضطهاد والتمييز ضدها، وأنها مستهدفة لا لشيء إلا لأنها أنثى، فتعاني من أمراض نفسية مختلفة، تدخلها في الاكتئاب وتذيقها مرارته.
وربما صارت تكره نفسها وأنوثتها، وتتمنى لو أنها لم تخلق أنثى، فتفقد ثقتها بنفسها، وتقع في القلق وعدم التوازن والاضطراب، ولا تستطيع أن تؤدي دورها المنوط بها، ولا تقدر بحال على تربية الأجيال، وسيخسر المجتمع إبداعها ومساهماتها؛ لأنه خسر عضواً فاعلاً في المجتمع، وأخفى جهود مكون كبير منه.
رابعاً: العنف الاقتصادي
وللعنف الاقتصادي أشكال وألوان متعددة منها على سبيل المثال: حرمان الأنثى من ميراثها، أو تعويضها عنه بشيء يسير لا يذكر، أو الاستيلاء على راتبها، أو حرمانها من النفقة المستحقة كأم أو زوجة.
ولا شك أن هذه الصور تشكل تمييزاً واضحاً ضد المرأة لا لشيء إلا لأنها امرأة، وهذا عنف وتمييز ترفضه الشرائع والعقول السليمة.
فإذا كان الشرع قد أعطى الأنثى حقها في الميراث، وجعل لها ذمة مستقلة عن زوجها؛ لتستمتع بأملاكها وأموالها، فلم يجور البعض عليها ليسلب حقها في ملكيتها، ويلغي ذمتها المستقلة، فينزل بها من رتبة الإنسان الحر الذي يملك ويتملك إلى رتبة العبد الذي لا يملك؟ لا شك أن الشعور بعقدة الاضطهاد والنقص ستصيبها بعد هذا العنف غير المبرر، والنتيجة التي ترافق هذا السلوك هي إضعاف المرأة اقتصادياً ونفسياً، ونحن نعيش في زمن يتكلم فيه العالم عن التمكين الاقتصادي للمرأة، وعن قدرتها على المشاركة والمساهمة في النمو الاقتصادي، وتحسين وزيادة الناتج المحلي.
وبعد هذا الاستعراض السريع والمقتضب عن بعض أشكال العنف ضد المرأة فلا بد أن ننظر للمعاني الآتية:
أولاً: من الناحية الدينية، العنف مدان ولا سبيل لتبريره، وتحميله على شماعة الدين افتراء على الأديان، وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً، والنصوص الشرعية الإسلامية لا يمكن حصرها في حثها على رعاية المرأة والإحسان إليها كأم أو أخت أو بنت أو زوجة.
ثانياً: يجب مراعاة المرأة على أنها إنسان كامل الأهلية، لا على أنها شخص ناقص، أو عبد أو متاع، ففي هذا إهانة لكرامتها الإنسانية التي خلقها الله تعالى عليها، ولا أصعب على الإنسان من امتهان كرامته والحط من قدره.
ثالثاً: لا بد من الإيمان بقدرات المرأة، فهي إنسان له عقل وأحاسيس ومشاعر، وعندها من الإبداع ما لا يقل عن الرجل، فينبغي إتاحة الفرصة لها لإظهار إبداعاتها العقلية والفكرية، خدمة للمجتمع، وإسهاماً منها في نموه وتطوره.
رابعاً: إن احترام المرأة، ومراعاة أحاسيسها ومشاعرها، تسهمان في تحسين حالتها النفسية، وبالتالي تعينها على القيام بالمهمة الأصعب التي تقوم بها، وهي تربية الأجيال، وإعداد قادة المستقبل، وإن الأم القوية المتوازنة ستخرج أجيالاً قوية وصحية، أما الأم المضطربة والمقهورة ستخرج أبناء مضربين وعاجزين.
وكل ما سبق ذكره ليس منحة من الرجل للمرأة بل هو حقها الطبيعي، وواجبنا الإنساني تجاهها، فهي الأم المربية، والأخت الصديقة، والبنت الحنونة، والزوجة الرفيقة، وهي نصف المجتمع.