فتاوى بحثية

الموضوع : لا يدخل في مفهوم الطاعة القضايا الخاصة بالولد
رقم الفتوى: 3979
التاريخ : 23-06-2025
التصنيف: المنجيات والبر والصلة
نوع الفتوى: بحثية
المفتي : لجنة الإفتاء



السؤال:

ما الحكم الشرعي في تدخل الوالدين في قرارات الأبناء الحياتية كاختيار التخصص في الدراسة والزواج والمسكن والعمل، وغير ذلك من القرارات المصيرية في حياة الأبناء، فهل يعتبر طاعتهم في ذلك من البر حتى لو كانت لبعض تلك القرارات أثر سيء على الحياة؟


الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله 

برّ الوالدين هو مفهوم عام، يشمل الإحسان إليهما، وفعل الجميل معهما، وفعل ما يسرّهما، قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23- 24].

ومن الإحسان إليهما طاعتهما، ولكن مفهوم الطاعة ليس عاماً، فلا يجب طاعتهما في كل ما أمرا باتفاق العلماء، ولذلك ضبط العلماء مفهوم عقوق الوالدين وما يجب طاعتهما فيه، بما كانا يتأذيا بمخالفته، فلا يعدُّ من العقوق مخالفتهما فيما لا أذى عليهما في مخالفته، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في تعريف عقوق الوالدين: "صدور ما يتأذى به الوالد من ولده من قول، أو فعل، إلا في شرك أو معصية، ما لم يتعنت الوالد" [فتح الباري 10/ 406]، ويقول الإمام البهوتي الحنبلي رحمه الله: "ليس لأبويه إلزامه بنكاح من لا يريد نكاحها له، لعدم حصول الغرض بها، فلا يكون عاقاً بمخالفتهما في ذلك، كأكل ما لا يريد أكله" [كشاف القناع 5/ 8].

فعلى ذلك يكون مفهوم الطاعة مقيداً بالإحسان إليهما وإعانتهما، وعدم توجيه الأذى الحسي أو المعنوي لهما، فلا يدخل في مفهوم الطاعة -الواجبة- القضايا الخاصة بحياة الولد كاختيار التخصص الدراسي، والعمل، واختيار الزوجة، وإدارة حياته الزوجية ونحوها، والنصيحة للوالدين أن يتركا لابنهما رسم الحياة التي يرغب بها، إن خلت عن المعصية، ومخالفة الشرع.

وفي كل ذلك يجب على الولد أن يحسن الاعتذار إليهما، ويتلطف في التخلص من أمرهما، وليحترز من مخالفتهما، فلا يقدم عليها ابتداءً، بل عليه التحري التام في ذلك، والرجوع لمن يثق بدينهم وكمال عقلهم، فإن رأوا للوالد عذراً صحيحاً في الأمر أو النهي؛ وجبت عليه طاعته، وإن لم يروا له عذراً صحيحاً؛ لم يلزمه طاعته، يقول الإمام ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله: "فليحترز الولد من مخالفة والده، فلا يقدم عليها اغتراراً بظواهر ما ذكرنا، بل عليه التحري التام في ذلك، والرجوع لمن يثق بدينهم وكمال عقلهم، فإن رأوا للوالد عذراً صحيحاً في الأمر أو النهي؛ وجبت عليه طاعته، وإن لم يروا له عذراً صحيحاً؛ لم يلزمه طاعته، لكنها تتأكد عليه حيث لم يترتب عليها نقص دين الولد وعلمه أو تعلمه.

والحاصل أن مخالفة الوالد خطيرة جداً، فلا يقدم عليها إلا بعد إيضاح السبب المجوز لها عند ذوي الكمال" [الفتاوى الفقهية الكبرى 2/ 128-129].

وعليه؛ فطاعة الوالدين واجبة على الأبناء فيما كانا يتأذيان في مخالفته، وأما ما ليس لهما فيه أذىً، كاختيار زوجة الابن، ومسكنه، وعمله، وتخصصه الدراسي، فمخالفتهما فيه لا تعد عقوقًا، ويجب على الأبناء حسن الاعتذار إليهما، والتلطف في التخلص من أمرهما، والاحتراز من مخالفتهما، مع الاستمرار في البر والإحسان إليهما، ونذكر الأهل بأن يكون تدخلهم مبنيًا على المصلحة والمشورة، وليس على الإلزام القسري، خصوصًا في الأمور المصيرية التي تخص الأبناء. والله تعالى أعلم.



للاطلاع على منهج الفتوى في دار الإفتاء يرجى زيارة (هذه الصفحة)

حسب التصنيف السابق | التالي
رقم الفتوى السابق

فتاوى أخرى



التعليقات


Captcha


تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا