الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
حضَّ الإسلام على برِّ الوالدين والإحسان إليهما، ومساعدتهما بالجهد والمال خاصة عند الكبر، فالأبوان يلزم رعايتهما أكثر من غيرهما رداً بشيء من الجميل الذي بذلوه للأبناء في الصغر، قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23- 24].
وأخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: (أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أَبُوكَ)، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ البَابَ أَوْ احْفَظْهُ) رواه الترمذي، ويكون ذلك بخدمتهما، ورعايتهما والقيام على شؤونهما، قال شيخ الإسلام الإمام النووي رحمه الله: "برُّ الوالدين بالقيام بمصالحهما من قضاء دين، وخدمة، ونفقة، وحج عنهما، وغير ذلك" [شرح النووي على مسلم 9/ 98].
وخدمة الوالدين واجبة شرعاً على كلّ الأولاد ذكوراً وإناثاً، ولا تختص بواحد دون الآخر، وذلك لِحَقّ الوالدين على جميع أولادهما ذكوراً وإناثاً، فيتقاسمون أيام الخدمة بينهم بالسوية، وحسب ظروف وسنّ وقدرة كل واحد منهم، ومَن اجتهد في الخدمة أكثر كان أجره أعظم من غيره.
وأما زوجات الأبناء فغير مكلفات شرعاً برعاية أهل زوجها، إلا إذا تطوَّعْنَ بذلك، فيكون لهنَّ الأجر والثواب عند الله تعالى، وليعلمْنَ أن من حسن العشرة مع الزوج الإحسان إلى أمه وخدمتها ورعايتها، فإن ذلك أدعى لتأليف قلب الزوج وزيادة محبته لها، إضافة إلى مزيد الفضل والثواب عند الله تعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) رواه مسلم.
وعليه؛ فخدمة الوالدة واجبة على الأولاد جميعًا، ويجب عليهم ذكوراً وإناثاً أن يتعاونوا في برّ والدتهم والقيام على شؤونها وخدمتها والإنفاق عليها، ولا يجب ذلك على زوجة الابن، فإن تطوَّعتْ بذلك كان لها الأجر العظيم. والله تعالى أعلم.