الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الشريعة الإسلامية السمحة تحضّ على حسن معاملة الناس عموماً واحترام خصوصياتهم، وأهل الكتاب خاصة إذا كانوا مسالمين لنا، ولا يبارزون المسلمين العداء والحرب، بيّنت الشريعة أنّ معاملتهم إنما تكون بالعدل معهم، والإحسان إليهم، وعدم الإساءة لهم، فقد قال الله عز وجل: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَم يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} الممتحنة/8، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أبو داود.
ومن صور هذه المعاملة جواز زيارتهم ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، وقد ورد في الصحيح أن النبيّ صلى الله عليه وسلم عاد غلاماً يهودياً في مرضه.
وديننا الحنيف يدعو إلى الألفة والمودة والصلة بغض النظر عن اللون أو العرق أو الدين، فأحكام الشريعة جاءت موائمة للمستجدات ومراعية للعادات، فالمسيحيون من زمن بعيد وعلى مرّ العصور من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا الحالي يعيشون في بلاد المسلمين بأمن وأمان، فلا حرج في تحيتهم بأيّ تحية وبأي لفظ، ومن ذلك تحيتهم بلفظ السلام.
واستدلّ العلماء بما ورد عن بعض الصحابة كابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم بجواز ذلك، قال ابن حجر رحمه الله: "وعن الأوزاعي إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد تركوا" [فتح الباري 11/ 45].
وروى الإمام ابن أبي شيبة في [مصنفه] عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قالَ: "مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فَرُدُّوا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا".
وروى أيضا عَنْ علقَمةَ، قالَ: "أَقْبَلْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ مِنَ السَّيْلَحِينِ فَصَحِبَهُ دَهَّاقِينُ مِنْ أَهْلِ الحِيرَةِ، فَلَمَّا دَخَلُوا الكُوفَةَ أَخَذُوا فِي طَرِيقٍ غَيرِ طَرِيقِهِم، فَالتَفَتَ إِلَيهِم فَرَآهُم قَد عَدَلُوا، فَأَتبَعَهُمُ السَّلامَ، فَقُلتُ: أَتُسَلِّمُ عَلَى هَؤُلاءِ الكُفَّارِ؟ فَقَالَ: نَعَم صَحِبُونِي، وَلِلصُّحبَةِ حَقٌّ".
أما حديث النهي عن السلام، فيحمل على حادثة خاصة، وذلك عندما سار المسلمون بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة لمعاقبتهم على غدرهم ونقضهم لعهدهم مع المسلمين، فعن أبي الخير قال: سمعت أبا بصرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّا غَادُونَ عَلَى يَهُودَ فَلا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلامِ، فَإِذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ) رواه الإمام أحمد في [مسنده].
وعليه؛ فلا مانع شرعاً من ابتداء غير المسلم بالسلام؛ لأنّ المسألة هذه من المسائل الخلافية، والذين حرموا ذلك أدلتهم في المسألة موضع اجتهاد. والله تعالى أعلم.