الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
المقصود بالأوابين أي: المصلحون أو المسبحون أو المحسنون، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "هم المسبحون، وقال أيضاً: هم المطيعون المحسنون" [تفسير ابن عطية 3/ 449].
ويُطلَق هذا الاسم على صلاتين مسنونتين:
الأولى: صلاة الضحى؛ فإنها تُسمى صلاة الأوابين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صَلاةُ الأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ) رواه مسلم. والمقصود عند اشتداد الحر في الهاجرة قبل الظهر.
وصلاة الضحى سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي ركعتان إلى ثمان ركعات، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "صلاة الضحى سنة مؤكدة، وأقلها ركعتان وأكثرها ثمان ركعات... وأدنى الكمال أربع وأفضل منه ست، قال أصحابنا: ويسلم من كل ركعتين، وينوي ركعتين من الضحى، ووقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال، قال صاحب الحاوي: وقتها المختار إذا مضى ربع النهار لحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صَلاةُ اْلأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ) رواه مسلم، ترمض بفتح التاء والميم، والرمضاء الرمل الذي اشتدت حرارته من الشمس" [المجموع شرح المهذب 4/ 36]. ومعنى (ترمض الفصال): أي تتأذّى صغار الإبل من حرّ الرمال.
والصلاة الثانية التي ذكرها فقهاء الشافعية باسم صلاة الأوابين: هي الصلاة بين المغرب والعشاء، لحديث الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، لَمْ يَتَكَلَّمْ بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ، عُدِلَن لَهُ عِبَادَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً)، وما روته عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ صَلَّى بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ عِشْرِينَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) رواه ابن ماجه.
وتسمى هذه الصلاة بصلاة الغفلة؛ لغفلة الناس عنها واشتغالهم بأمورهم الحياتية، كالعشاء والنوم والسمر، كما جاء في [حاشية البجيرمي على الخطيب 1/ 427] من كتب الشافعية: "وصلاة الأوابين وتسمى صلاة الغفلة لغفلة الناس عنها بسبب عشاء أو نوم أو نحو ذلك".
والأحاديث الواردة في هذه الصلاة وإن كانت ضعيفة لكن يُعمل بها في فضائل الأعمال لكثرتها؛ ولأنها تندرج تحت الأمر العام بصلاة النفل، ولفعل الصحابة والتابعين من بعدهم لها، فقد ذكر ابن المبارك رحمه الله تعالى في كتاب [الزهد والرقائق 1/ 445]: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "من أدمن على أربع ركعات بعد المغرب كان كالمعقب غزوة بعد غزوة".
وما رواه ابن شيبه رحمه الله تعالى في [مصنفه] عن ثابت البناني قال: "كان أنس يصلي ما بين المغرب والعشاء، ويقول: هذه ناشئة الليل"، وهي عشرون ركعة، وأقلها ركعتان، وتندرج في غيرها من الصلوات التي تؤدى في هذا الوقت كما جاء في [بشرى الكريم 1/ 320] من كتب الشافعية: "وصلاة الأوابين، وأكملها: عشرون ركعة بين المغرب والعشاء، وتندرج في غيرها عند (الرملي)، وأقلها: ركعتان".
ولا تسن الجماعة في صلاة الأوابين سواء في صلاة الضحى ولا الصلاة بين المغرب والعشاء كما جاء [إعانة الطالبين 1/ 299] من كتب الشافعية: "ومنه صلاة الأوابين أي ومن القسم الأول الذي لا تسن فيه الجماعة صلاة الأوابين، أي الراجعين إلى الله في أوقات الغفلة". ولكن لو صلاها جماعة فالصلاة صحيحة.
ومن السنة الإسرار في الصلاة النهارية، والجهر في الصلاة الليلة؛ لأن ذلك من مكروهات الصلاة، فلا يجهر في صلاة الضحى لأنها صلاة نهارية، ويتوسط بالجهر في صلاة الأوابين بين المغرب والعشاء؛ وقد نص الفقهاء على أن الجهر في موطن الإسرار وعكسه من مكروهات الصلاة.
جاء في [المجموع شرح المهذب 3/ 391] للإمام النووي رحمه الله تعالى: "وأما نوافل النهار فيسن فيها الإسرار بلا خلاف، وأما نوافل الليل غير التراويح فقال صاحب التتمة يجهر فيها، وقال القاضي حسين وصاحب التهذيب يتوسط بين الجهر والإسرار".
وعليه؛ فالمحافظة على صلاة الأوابين سواء أكانت صلاة الضحى أم صلاة الغفلة ما بين المغرب والعشاء، من الأعمال الصالحة التي ينال بها العبد الثواب العظيم سواء داوم على فعلها أم لا. والله تعالى أعلم.