جوزة الطيب اسمها العلمي اللاتيني هو ( Myristica fragrans)، تتبع الفصيلة البسباسة، وتعتبر من نباتات المناطق الحارة، موطنها الأصلي ماليزيا.
وقد اتفق العلماء والأطباء على أنها من المخدرات التي تؤثر في العقل، لكنه تأثير تخديري وليس مسكرا، ولا يؤثر القليل منها. كما يقول الدكتور محمد علي البار في كتابه "المخدرات" (ص/61): "يحتوي الزيت الطيار الموجود في البذرة على مادة; الميريستسين myristicin ، وهي مادة منومة إذا أخذت بكميات كبيرة، ومفترة بكميات أقل من ذلك، وإذا أكثر الشخص من استعمالها أثرت على الكبد تأثيرا سميا قد يكون قاتلا، وتسبب الاعتماد النفسي عليها إذا تكرر استخدامه"
لذلك اتفق الفقهاء على أن الكثير من جوزة الطيب مخدر محرم، إلا أنهم اختلفوا في حكم القليل منها:
فذهب الحنفية وبعض الشافعية وبعض المالكية إلى حرمته، دون التفريق بين القليل والكثير، مستدلين بحديث: (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ) رواه أبوداود، وحديث أم سلمة رضي الله عنه قالت: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَن كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ) رواه أبو داود وحسنه الحافظ ابن حجر وغيره. والمُفَتِّر كل شراب يورث الفتور والخدر.
وذهب الشافعية والمالكية إلى تقسيم المسكرات إلى صنفين:
الأول: مائع كالخمر والنبيد، فحكموا بنجاسته واستقذاره، وحرموا قليله وكثيره.
والثاني: جامد كجوزة الطيب والزعفران والبنج، حكموا بطهارته وعدم استقذاره، وعدم مضرة القليل منه، فأباحوا ذلك القليل المستخدم في إصلاح الطعام، والذي لا يصل إلى حد الإسكار، وحرموا استخدامها بكمية تضر بالإنسان، أو بالكمية التي تسكر، بل ذهب بعض المالكية إلى جواز أكل القليل من جوزة الطيب منفردة، فهم لا يحرمونها من جهة العين، وإنما من جهة المضرة عند استخدام الكثير منها.
جاء في حاشية الشرواني: "ما حرم من الجمادات لا حد فيها وإن حرمت وأسكرت، بل التعزير؛ لانتفاء الشدة المطربة عنها، كالجوزة...فهذا كما ترى دال على حل القليل الذي لم يصل إلى حد الإسكار كما صرح به غيره . ومما يدل على حله عبارة الشارح: أما الجامد فطاهر، ومنه جوزة الطيب، فيحرم تناول القدر المسكر من كل ما ذكر كما صرحوا به. وعبارة الكردي: أما القدر الذي لا يسكر فلا يحرم؛ لأنه طاهر غير مضر ولا مستقذر " انتهى.
ولما سئل الإمام الرملي فقيه الشافعية كما في "الفتاوى": عن أكل جوز الطيب هل يجوز أو لا؟ أجاب رحمه الله بقوله: "نعم يجوز إن كان قليلا، ويحرم إن كان كثيرا ".
وجاء في "مواهب الجليل" من كتب المالكية: "الجوزة من المفسدات، قليلها جائز، وحكمها الطهارة، وقال البرزلي أجاز بعض أئمتنا أكل القليل من جوزة الطيب لتسخين الدماغ واشترط بعضهم أن تختلط مع الأدوية، والصواب العموم"
وعليه يظهر أن المالكية والشافعية قد فرقوا بين الخمر وجوزة الطيب من عدة وجوه:
أولا: النجاسة، فهم لا يرونها نجسة مستقذرة كالخمر.
ثانيا: العقوبة: فمن استخدم الجوزة بمقدار يضر بنفسه لا يقام عليه حد شارب الخمر، بل يعزر.
ثالثا: حكم بيعها، فبيعها حلال، ويحل ما يرتبط بها من زراعة وصناعة، ولا يشملها لعن الخمر.
رابعا: التأثير، فجوزة الطيب مفترة (يخدر الكثير منها) وليست مسكرة، ومن أطلق عليها أنها (مسكرة) إنما أراد به المعنى العام لهذه الكلمة، وهو التخدير والتفتير، وليس الإسكار الذي تصاحبه النشوة واللذة والطرب، وهذا فرق مهم جدا بين الخمر وجوزة الطيب؛ لذلك لم تنطبق القاعدة الشرعية (ما أسكر كثيره فقليله حرام)؛ لأن المقصود بها الخمر والأشربة المسكرة، وليس الأطعمة التي تسبب شيئا من التخدير والتفتير لمن أكثر منها.
ويقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "الإسكار يطلق ويراد به: مطلق تغطية العقل، وهذا إطلاق أعم. ويطلق ويراد به: تغطية العقل مع نشوة وطرب. وهذا إطلاق أخص، وهو المراد من الإسكار حيث أطلق.
فعلى الإطلاق الأول: بين المسكر والمخدر عموم مطلق، إذ كل مخدر مسكر، وليس كل مسكر مخدرا، فإطلاق الإسكار على الجوزة ونحوها المراد منه التخدير، ومن نفاه عن ذلك أراد به معناه الأخص.
وتحقيقه أن مِن شأن السكر بنحو الخمر أنه يتولد عنه النشوة والطرب والعربدة والغضب والحمية، ومن شأن السكر بنحو الجوزة أنه يتولد عنه أضداد ذلك من تخدير البدن وفتوره، ومن طول السكوت والنوم وعدم الحمية". ينظر "الفتاوى الفقهية الكبرى".
وبناء عليه فلا حرج في تناول القليل من جوزة الطيب لإصلاح الطعام، فهي ليست من المسكرات (بالاصطلاح الخاص)، ولهذا لا تدخل في الحديث الشريف: (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ) رواه أبوداود. والله أعلم