بيان في الانتخابات النيابية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فالانتخابات وسيلة شرعية لاختيار النواب الذين يمثلون الأمة، والانتخاب والترشح من حقوق المواطن السياسية، والتي يجب على الدولة أن تضع النظام اللازم لإجرائها وضمان سلامتها ونزاهتها؛ ليصل الكفء إلى المكان المناسب.
ولا بد من رفع المستوى الوطني والأخلاقي بين أبناء المجتمع، كي تؤسس العملية الانتخابية على أسس أخلاقية ونزيهة وشفافة، إن تشجيع الناس على الانتخاب والتصويت أمر مشروع، ويجب أن يقترن ذلك بتوعية الناس ولا يخالف دستور الدولة، والالتزام بالعمل لصالح الأمة وينهض بها نحو الفضائل والكمالات، ويراقب أيضا التزام الحكومة بما فيه فائدة الوطن والأمة، ولا يكون غرضه من الترشح هو المناصب الدنيوية الزائلة، وبهذا نضمن أن يصل إلى مجلس النواب الصالحون القادرون على حمل الأمانة، ونقطع الطريق على العاجزين والمفسدين وعلى من يرشح نفسه:
1- أن يلاحظ قدرته على تمحيص القوانين، وتمييز الألفاظ القانونية وما تحتمله من معانٍ، ويعرف مدى تحقيقها لمصالح البلاد والعباد، وبهذا يتمكن من أداء دوره التشريعي، كما عليه أن يلاحظ قدرته على مراقبة السلطة التنفيذية، وأن يمتلك الجرأة والموضوعية وقوة الشخصية التي تؤهله لأداء دوره الرقابي.
2- أن يجتنب التأثير على إرادة الناخبين بالمطامع الدنيوية والعصبيات المقيتة، كما يحرم تقديم الأموال والرشاوى، فعن عبد الله بن عمرو قال: (لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي) رواه أبو داود. فذلك من المحرمات التي لا تخفى على جميع الناس. والناخب الذي يدلي بصوته يتحمل مسؤولية عظيمة عليه أن يؤديها بإخلاص وأمانة.
ولكي يُبرئ الناخبُ ذمتَه أمام الله تعالى، ويقوم بهذا الواجب الكبير على أكمل وجه عليه أمران:
الأول: اختيار الأصلح والأفضل للقيام بهذه المهمة العظيمة. وهذا يتطلب أن يختار المرشح: القوي بعلمه وتخصصه، والأمين على مصالح البلاد والعباد، قال تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) القصص/26. ولهذا اعتذر النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه عندما سأله الولاية بقوله: (يا أبا ذر، إنك رجل ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يومَ القيامة خزيٌ وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه) رواه مسلم.
الثاني: أن يُشارك الناخب بصوته بحرية، وبما يمليه عليه دينه وضميره، دون أن يتأثر بأعطيات أو هبات؛ لأن الإدلاءَ بالصوت إدلاءٌ بشهادة، وهذه لا تصلح أن تكون محلاًّ للبيع أو المساومة، وأيُّ مالٍ يتقاضاه نتيجة ذلك مالٌ حرام، سيُسأل عنه أمام الله تعالى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) النساء/٢٩.
وفي هذا أيضًا تضييع للأمانة، وفساد في الأرض كبير، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (... إذا ضُيِّعَت الأمانة فانتظر الساعة. قال: كيف إضاعتها، قال: إذا وُسِّد الأمرُ إلى غير أهله فانتظر الساعة) رواه البخاري.
أما تحليف الناس لإجبارهم على انتخاب شخص معين؛ فلا يجوز شرعًا لا للحالف ولا للمُحلِّف، وليس لأحد أن يُحَلِّف أحدًا على ذلك، ولم تُشرع الأيمان لهذا الأمر، قال تعالى: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة /٢٢٤.
ويجب على من حلف يمينًا أن يتحلَّل منه بالتكفير عن يمينه، وانتخاب الأصلح لدينه ودنياه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ على يمين فرأى غيرها خيرًا منها؛ فليأت الذي هو خير، وليُكَفِّر عن يمينه) رواه مسلم.
إن بلدنا بلد الشرفاء بكل مواقفهم الخاصة والعامة، وتاريخنا يشهد لنا، فكم وقفنا إلى جانب الحق رغم الإمكانات المتواضعة، ولهذا فأملنا لهذا البلد أن يمنحه الله مجلسًا نيابيًّا على قدر المسؤولية يحقق العدالة والمساواة ويحارب الفساد ويسعى في الإصلاح وحقوق الإنسان، لتكون فترة عمله مميزة بين كل الفترات، ومثالاً تقتدي به المجالس النيابية فيما بعد، قال تعالى: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) هود /88. والله الموفق.