الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
القول في تفسير نصوص القرآن الكريم أو الحديث النبوي الشريف هو نوع من أنواع الاجتهاد في فهم النصوص الشرعية والاستنباط منها، ولذلك يشترط له كلّ ما يشترط في المجتهدين من الصفات العلمية والعملية، من المعرفة التامّة بالعلوم الشرعية واللغوية والعقلية، والاتصاف الكامل بالتقوى والورع، مع طلب التوفيق والعون من الله تعالى، قال الإمام السبكي الشافعي: "واعلم أنّ كمال رتبة الاجتهاد تتوقف على ثلاثة أشياء، أحدها: التأليف في العلوم التي يتهذب بها الذهن كالعربية وأصول الفقه وما يحتاج إليه من العلوم العقلية، بحيث تصير هذه العلوم ملكة للشخص، والثاني: الإحاطة بمعظم قواعد الشريعة حتى يعرف أنّ الدليل الذي ينظر فيه مخالف لها أو موافق، والثالث: الممارسة والتتبع لمقاصد الشريعة ما يكسبه قوة يفهم منها مراد الشرع من ذلك" انتهى بتصرف واختصار يسير من [الإبهاج في شرح المنهاج 1/ 8].
ولذلك فإنه يحرم شرعاً على من لم يستكمل شرائط الاجتهاد أن يتعرّض لتفسير القرآن الكريم وشرح الحديث النبوي الشريف، والدليل على ذلك قول الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلً} [النساء: 83].
وقد كان أكابر الصحابة وأعلمهم بالقرآن الكريم وسنة النبيّ صلى الله عليه وسلم يبتعدون عن الجزم في تفسير كتاب الله تعالى، وكان أبو بكر رضي الله عنه يقول: «أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ» أورده ابن أبي شيبة في [المصنف].
وقد حذّر علماء التفسير من اتباع التفاسير الباطنية التي لا تدلّ عليها اللغة العربية ولا تشهد لها الأصول الدينية في فهم النصوص، لأن هذه التفاسير الباطنية ذريعة إلى التغرير بالناس وإفساد عقائدهم، قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في التحذير من التفسير بالهوى والتشهي: "... وقد تستعمله الباطنية في المقاصد الفاسدة لتغرير الناس ودعوتهم إلى مذاهبهم الباطلة، فينزلون القرآن على وفق رأيهم ومذهبهم على أمور يعلمون قطعاً أنها غير مرادة" [تفسير القرطبي 1/ 34].
وعليه؛ فلا يجوز لأحد من الناس اعتماد مثل هذه الأقوال الباطلة في التفسير، أو تنزيلها على ما قد يحصل من أمراض وابتلاءات، ولا يجوز ترويجها على وسائل التواصل الاجتماعي، بل ينبغي التحذير منها، وبيان بطلانها، وما قد تؤدي إليه من التغرير بالناس والفتنة في الدين والعقل. والله تعالى أعلم.