الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الماء الموقوف للشرب أو الوضوء داخل المساجد؛ لا يجوز نقله خارج المسجد -سواء كان في كؤوس أو في أجهزة التبريد، أو من خلال تعبئته في أواني يملكها الآخذ-؛ إذ الأصل في منافع الوقف أن تصرف على الجهة الموقوف عليها، ومَن تعدى؛ فقد أخذ ما ليس له فيه حق.
فما كان في داخل المسجد ينتفع به من هو داخله فقط، ولا يجوز لغير المصلي في المسجد الانتفاع به، ولا الاستفادة منه، إلا إن سمح بذلك مُسَّبل الماء، أو اطرد عرف بذلك وعلم به مُسّبل (المتبرع) بالماء، فقد سُئِل الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "عن الماء المتصدق به للطهور في المساجد عندنا، هل يجوز لأحد نقله إلى خلوته وادخاره فيها للطهر به مع منع الناس منه والحاجة إليه في المسجد، وهل يجوز مع عدم ذلك أو لا؟
فأجاب: بأن مَن تصدق بماء، أو وَقَفَ ما يحصل منه الطهور بمسجد كذا؛ لم يَجزْ نقله منه لطهارة ولا لغيرها، مَنع الناس منه أو لا؛ لأن الماء المسَّبل يحرم نقله عنه إلى محل آخر لا ينسب إليه، كالخلوة المذكورة في السؤال، نعم من دخل المسجد وتوضأ منه لا يلزمه الصلاة فيه، وإنْ احتمل أن الواقف أراد ذلك تكثيراً لثوابه؛ لأن لفظه يقصر عمّا يفهم ذلك، هذا كله إن لم يطرد عرف في زمن الواقف ويعلمه، وإلا نزل وقفه عليه؛ لأنه منزل منزلة شرطه" [الفتاوى الفقهية الكبرى 3/ 266].
وقال الإمام محمد الجاوي الشافعي رحمه الله: "ولا يجوز نقل الماء المُسّبل للشرب من محله إلى محل آخر؛ كأن يأخذه للشرب في بيته مثلاً، إلا إذا علم أو قامت قرينة على أن مسبله يسمح بذلك، ومثل ذلك ما إذا أباح له غيره طعاماً ليأكله لا يجوز أن يحمل منه شيئاً، ولا أن يطعم غيره، إلا إذا علم أن مبيح الطعام يسمح بذلك، فإن شك؛ حكَّم العرف والقرينة" [نهاية الزين 1/ 36].
هذا؛ والماء الموضوع في المساجد إنما وضع على وجه الإباحة، وليس التمليك، فيقتضي ذلك جواز الانتفاع به على قدر الحاجة، فلا يجوز الزيادة عليها، يقول الإمام الخطيب الشربيني رحمه الله: "وأن الضيف لا يأكل جميع ما قدم له، وبه صرَّح ابن الصباغ، قال ابن شهبة: وفيه نظر إذا كان قليلاً يقتضي العرف أكل جميعه، وهذا ظاهر إذا علم رضا مالكه بذلك، وصرَّح الماوردي بتحريم الزيادة على الشبع أي إذا لم يعلم رضا مالكه، وأنه لو زاد لم يضمن، قال الأذرعي: وفيه وقفة.
وحدُّ الشبع أن لا يُعدُّ جائعاً، وأما الزيادة على الشبع من مال نفسه الحلال؛ فمكروه، وكذا من مال غيره إذا علم رضا مالكه، قال ابن عبد السلام: ولو كان الضيف يأكل كعشرة مثلاً، ومضيفه جاهلاً بحاله؛ لم يَجزْ له أن يأكل فوق ما يقتضيه العرف في المقدار، قال: ولو كان الطعام قليلاً فأكل لقماً كباراً مسرعاً حتى يأكل أكثر الطعام ويحرم أصحابه؛ لم يَجُزْ له ذلك" [مغني المحتاج 4 /410].
وعليه؛ فلا يجوز إخراج الماء الموجود في المساجد إلى خارجها، إلا إذا سمح المتصدق بذلك، أو جرى عرف في زمنه بذلك وعلمه، وأما في حال عدم العلم بإذن المتصدق، وعدم جريان العرف، فالأصل منع إخراج الماء. والله تعالى أعلم.