فتاوى بحثية

الموضوع : حكم العاجز عن الصيام في كفارة القتل
رقم الفتوى: 3935
التاريخ : 30-12-2024
التصنيف: العقوبات
نوع الفتوى: بحثية
المفتي : لجنة الإفتاء



السؤال:

ما حكم من تسبب بقتل نفس بغير قصد، وكان عاجزاً عن الصيام بسبب العمل الشاق، فماذا عليه؟


الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله 

المعتمد في مذهبنا الشافعي -وهو مذهب جمهور العلماء- أن العاجز عن الصوم في كفارة القتل لا ينتقل إلى إطعام المساكين، بل يبقى الصوم في ذمته، حتى إذا مات تخيَّر أولياؤه بين الصوم عنه، أو إطعام ستين مسكيناً، وذلك وقوفاً عند ظاهر نصّ الآية الكريمة: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92].

يقول الإمام الشربيني رحمه الله: "كفارة القتل كظهار -أي كصفة كفارته- في الترتيب، فيعتق أولاً، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين للآية، لكن لا إطعام فيها عند العجز عن الصوم في الأظهر، اقتصاراً على الوارد فيها، إذ المتبع في الكفارات النص لا القياس، ولم يذكر الله تعالى في كفارة القتل غير العتق والصيام، وعلى هذا: لو مات قبل الصوم أطعم من تركته كفائت صوم رمضان" [مغني المحتاج 5/ 377].

وأما في حال المشقة من الصيام، أو طروء الحالة المرضية التي يصبح الصيام معها بالغ المشقة؛ فإن ذلك يجيز التراخي في الصيام إلى أن يجد المُكّفر من القوة ما يؤدي به هذه الكفارة، قال شيخ الإسلام الإمام النووي رحمه الله: "وأما الكفارة؛ فإن كانت بغير عدوان ككفارة القتل الخطأ وكفارة اليمين في بعض الصور؛ فهي على التراخي بلا خلاف؛ لأنه معذور، وإن كان متعدياً فهل هي على الفور أم على التراخي؟ فيه وجهان حكاهما القفال والأصحاب: أصحهما على الفور" [المجموع شرح المهذب 3 /70].

وذهب الشافعية في مقابل المعتمد والحنابلة في القول الآخر عندهم، إلى أنه يجزئه في حالة العجز عن الصيام إطعام ستين مسكينًا؛ لكل مسكين مدٌّ من الطعام كحد أدنى؛ معللين هذا القول بأنه لا سبيل له حينئذٍ لفعل الكفارة إلا بالإطعام؛ وكذلك قياسًا لها على كفارة الظهار، وكفارة إفساد الصيام بالجماع في نهار رمضان، جاء في [المهذب للشيرازي 19/ 185]: "أحدهما: يلزمه إطعام ستين مسكينًا، كل مسكين مداً من الطعام؛ لأنه كفارة يجب فيها العتق أو صيام شهرين، فوجب فيها إطعام ستين مسكينًا؛ قياسًا على كفارة الظهار والجماع في رمضان. والثاني: لا يلزمه الإطعام".

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي رحمه الله: "والثاني -أي من القولين-: يجب إطعام ستين مسكينًا؛ لأنها كفارة فيها عتق وصيام شهرين متتابعين، فكان فيها إطعام ستين مسكينًا عند عدمها ككفارة الظهار والفطر في رمضان، وإن لم يكن مذكورًا في نص القرآن فقد ذُكِرَ ذلك في نظيره؛ فيقاس عليه" [المغني 8/ 517].

هذا؛ والقول بالانتقال إلى إطعام ستين مسكينًا لمن لم يستطع الصوم، يمكن اختياره للفتوى؛ لما فيه من تحقيق المقصود من تشريع الكفارة؛ وهو رجاء ستر العيب والذنب، وجبر التقصير الواقع من المكلف قِبَلَ ربه عز وجل، وبالقياس على كفارة الظهار وكفارة إفساد الصيام بالجماع في نهار رمضان.

وعليه؛ فلا حرج على العاجز عن الصوم في كفارة القتل، أن يطعم ستين مسكينًا، لكل مسكين مد من الطعام؛ رجاء ستر تقصيره، وذلك تقليدًا للقول المقابل للمعتمد عند السادة الشافعية، وللقول الآخر في مذهب السادة الحنابلة. والله تعالى أعلم.



للاطلاع على منهج الفتوى في دار الإفتاء يرجى زيارة (هذه الصفحة)

حسب التصنيف السابق
رقم الفتوى السابق



التعليقات


Captcha


تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا