السؤال:
هل يجوز شرعاً خصم مبلغ معين عن أحد المتعاملين قام بشراء سيارة مرابحة من صندوق ادخار مقابل سداد المبالغ المترتبة عليه مبكراً؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
خصم جزء من الدين مقابل السداد المبكر في عقود المداينات -هو ما يسمى عند الفقهاء بمسألة ضع وتعجل- لا يخلو من خمسة أحوال:
أولاً: أن يكون الاتفاق على الحطيطة مشروطاً في أصل العقد، فهذا يعتبر رباً محرم شرعاً وهو من قبيل بيعتين في بيعة، وقد ورد النهي عنه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا) رواه أبو داود.
ثانياً: الاتفاق على حط جزء من الدين مقابل تعجيل الباقي اتفاقاً طارئاً بعد انعقاد العقد، فقد منعه جمهور الفقهاء في المعتمد من المذاهب الأربعة، وفيما يأتي نصوص مذاهبهم:
قال الإمام الزيلعي الحنفي: "لو صالحه عن ألف درهم على دنانير مؤجلة أو عن ألف مؤجل على خمسمائة حالة أو عن ألف سود على خمسمائة بيض لا يجوز؛ لأن من له الدراهم لا يستحق الدنانير فكان معاوضة وهو صرف فلا يجوز تأجيله ومن له دين مؤجل لا يستحق الحال [تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق].
وقال الإمام مالك: " لو أخذ -أي المدين- بعض حقه منه على أن ترك له ما بقي قبل الأجل لم يجز هذا؛ لأنه وضع وتعجل، فإذا حل الأجل فلا بأس به" [المدونة].
وقال الإمام النووي الشافعي: "ولو صالح من ألف مؤجل على خمسمائة حالة فباطل. ولو صالح من ألف حال على خمسمائة مؤجلة، فهذا ليس من المعاوضة في شيء، بل هو مسامحة من وجهين: أحدهما: حط خمسمائة. والثاني: إلحاق أجل بالباقي. والأول شائع، فيبرأ عن خمسمائة. والثاني: وعد لا يلزم، فله المطالبة بالباقي في الحال" [روضة الطالبين].
وقال الإمام ابن مفلح الحنبلي: "ولو صالح عن المؤجل ببعضه حالاً لم يصح" [الفروع].
واستدلوا بحديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: أَسْلَفْتُ رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ، ثُمَّ خَرَجَ سَهْمِي فِي بَعَثٍ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: عَجِّلْ لِي تِسْعِينَ دِينَارًا وَأَحُطُّ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (أَكَلْتَ رِبًا يَا مِقْدَادُ، وَأَطْعَمْتَهُ) رواه البيهقي؛ ولأن الخصم مقابل الزمن يشبه الزيادة مقابل الزمن بجامع أن كلا منهما جعل للزمن وحده قيمة مالية؛ يقول الإمام الجصاص: "إن ربا الجاهلية إنما كان قرضاً مؤجلاً بزيادة مشروطة فكانت الزيادة بدلاً من الأجل فأبطله الله تعالى وحرمه، وقال: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ } [البقرة: 279] وقال تعالى: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا } [البقرة: 278] حظر أن يؤخذ للأجل عوض فإذا كانت عليه ألف درهم مؤجلة فوضع عنه على أن يعجله فإنما جعل الحط بحذاء الأجل فكان هذا هو معنى الربا الذي نص الله تعالى على تحريمه" [أحكام القرآن للجصاص].
وذهب ابن عباس رضي الله عنهما والنخعي وابن سيرين وزفر إلى جواز حط جزء من الدين مقابل تعجيل الباقي؛ واستدلوا على ذلك بحديث ابن عباس: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج بني النضير قالوا: يا رسول الله، إنك أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل، قال: (ضعوا وتعجلوا) أخرجه الحاكم، وضعفه البيهقي، ولأن الربا زيادة في أحد العوضين مقابل زيادة الأجل، فهو إضرار محض بالغريم ويختلف عن الحط عن الذمة مقابل سقوط الأجل فينتفع كلا الطرفين بذلك، وهو ما تبناه مجمع الفقه الإسلامي الدولي، حيث جاء في القرار رقم (66): "الحطيطة من الدين المؤجل، لأجل تعجيله، سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين، (ضع وتعجل) جائزة شرعًا، لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناء على اتفاق مسبق".
ثالثاً: أن يكون الخصم في الديون الحالة التي تخلف المدين عن سدادها فيصح فيها الحطيطة مقابل التعجيل لأن هذا من باب الإبراء؛ جاء في [مغني المحتاج] :"ولو صالح من عشرة حالة على خمسة مؤجلة برئ من خمسة وبقيت خمسة حالة"
رابعاً: ألا يكون الحسم مشروطاً بين العاقدين، ولكن كان تبرعاً من الدائن بعد تعجيل المدين سداد الدين أو أقساط مؤجلة منه، فيعتبر ذلك من قبيل المسامحة والتبرع؛ ويدخل في هذه الحالة ما ذكره الماوردي موضحاً رأي الإمام الشافعي " ولو ابتدأ المكاتب فعجل من الألف خمسمائة، وأبرأه السيد من غير شرط من باقيها، وهو خمسمائة كان هذا جائزاً كما لو أقرضه خمسمائة فرد عليه ألفاً من غير شرط جاز، بخلاف ما لو كان عن شرط" [الحاوي الكبير].
وجاء في هامش قرار مجلس الإفتاء رقم (56) ما نصه: "إذا تطوعت المؤسسة بالحسم من ديون من يتعجل بالسداد فهذا جائز باتفاق المسلمين".
كما جاء في قرار مجلس الإفتاء رقم (61) ما نصه: "يجوز للبنك إعفاء السائل مقدار ما يراه مناسبا من قيمة المرابحة مراعاة للظرف الخاص به، شريطة أن لا يكون هذا الإعفاء عادة متبعة لدى البنك، أو مشروطاً في العقد ابتداء ...".
خامساً: يجوز أن يدفع المدين للدائن عرضاً مقابل دينه وإن كانت قيمة العرض أقل من دينه، "فأجاز مالك وجمهور من ينكر: ضع وتعجل، أن يتعجل الرجل في دينه المؤجل عرضاً يأخذه، وإن كانت قيمته أقل من دينه" [بداية المجتهد لابن رشد، والقوانين الفقهية لابن جزي].
وعليه، فإن إسقاط جزء من الدين المؤجل مقابل تعجيل الباقي جائز شرعاً سواء أكان بطلب من الدائن أو المدين ولا يدخل هذا في الربا المحرم شرعاً على أن لا يكون ذلك مشروطاً في العقد. والله تعالى أعلم.