السؤال:
ما الحكم الشرعي في العقود التي تتعامل بها جمعية صندوق حياة للتعليم الخيرية؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
طلب العلم، وتعليمه، ومساعدة الناس على تحصيله من أعمال البرّ، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) المائدة/2، وإنّ من أفضل أنواع التعاون دعم العلم والعلماء في مختلف التخصصات التي تحتاجها الأمة.
وبعد الاطلاع على العقود التي تقدمها جمعية صندوق حياة للتعليم الواردة من الصندوق (عقد منحة، عقد قرض، عقد تبرع بمنحة) ودراسة بنودها، تبيّن أنها صحيحة شرعاً، مع وجوب الأخذ ببعض الملاحظات الشرعية الآتية:
أولاً: إنّ إلزام الطالب المقترض بساعات خدمة مجتمعية لدى جهات معينة جائز بشرط أن لا يستفيد الصندوق من هذه الساعات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؛ لأن استفادة المُقرِض من القرض من الرِّبا المحرَّم، وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كلُّ قرض جرَّ منفعة فهو وجه من وجوه الربا) [سنن البيهقي]، ومع حكمنا بجواز الاشتراط على الطالب الشرط المذكور، فإننا نقترح أن يتم الاتفاق مع الطالب باتفاقية منفصلة عن اتفاقية القرض خروجاً من شبهة الربا.
قال الشيخ الجمل رحمه الله تعالى: "وفسد -أي الإقراض- بشرط جرّ نفعاً، ومعلوم أن محل الفساد إذا وقع الشرط في صلب العقد، أما لو توافقا على ذلك ولم يقع شرط في العقد فلا فساد" "حاشية الجمل" (12/ 140)
ثانياً: النسبة المستوفاة من المتبرع بمنحة (10%) إذا كانت من أموال الزكاة فلا تجوز؛ لأن الزكاة تملك للفقراء تمليكاً كاملاً من غير أي خصم، سواء كان ذلك لنفقات إدارية أو غيرها.
ثالثاً: الأموال التي يقبضها الصندوق من الزكوات باعتباره وكيلاً عن أصحابها في إيصال زكواتهم إلى مستحقيها؛ فإنه لا يجوز تأخير تمليكها لمن يستحقها من الطلبة غير المقتدرين، بقصد استثمارها في مشاريع إنتاجية؛ لأن حاجة هؤلاء متحققة، ولو أخّر القائمون على الصندوق إخراجها أثموا بذلك، فإن تلفت أو ضاعت ضمنوها للمستحقين.
قال الشربيني رحمه الله تعالى: "تجب الزكاة -أي أداؤها- على الفور؛ لأن حاجة المستحقين إليها ناجزة إذا تمكن من الأداء كسائر الواجبات... فإن أخّر أثم وضمن إن تلف" "مغني المحتاج" (5/ 129).
وكذلك لا يجوز أن تقدم لهم الزكوات قروضاً يطلب منهم تسديدها؛ لأن الزكاة حقهم، وإلزامهم بالتسديد إلزام لهم بالتنازل عن حقهم، وهذا لا يجوز، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) المعارج/24،25، وخروجاً من الحرمة، فإننا نقترح أن يتم توزيع الزكاة على الطلبة المستحقين على صورة منح، والمسارعة في ذلك قدر المستطاع.
وأما بالنسبة لمال التبرعات والصدقات الأخرى (غير الزكاة)، فيجوز للصندوق أن يتصرف بها بما يحقق مصلحة الطلاب الفقراء، بشرط أن يعلم المتبرع والمتصدق أنه يتبرع للصندوق، وللصندوق أن يتصرف بما يراه مناسباً للغاية المقصودة من تنمية لهذا المال، وتقديمه للطلاب قروضاً أو منحاً. والله تعالى أعلم.