الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الاختلاط بين الرجال والنساء من غير المحارم، إذا كان المقصود منه اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد دون الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية وضوابطها؛ كأن تكون هناك مماسة بين الجنسين، أو عدم احتشام باللباس أو الكلام، أو عدم ستر للعورات، أو وجود خلوة محرَّمة، أو عدم التزام بغض البصر، أو مع وجود المزاح، والكلام بلا داعٍ؛ فهو حرام.
وأما الاجتماع لحاجة معتبرة شرعًا مع التزام الضوابط الشرعية؛ فلا حرج فيه، ومما يجب على الطرفين -الرجال والنساء- أن يراعياه الأمور الآتية:
1. ألا تكون هناك خلوة محرَّمة بين الرجل وأجنبية عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) رواه الترمذي.
2. أن يلتزم كل طرف بغض البصر عن الآخر، قال الله تعالى: {قُل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30]، وقال سبحانه: {وَقُل لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31].
3. أن يلتزم الطرفان بستر العورة والاحتشام في الملبس؛ لقول الله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}، وقوله سبحانه: {إِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53].
4. البعد عن المزاح والملاطفة بالكلام وتجاوز المتعارف في ذلك؛ لقول الله تعالى: {فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْل فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32].
فمن حيث الجملة؛ فقد أجازت الشريعة للمرأة أن تخرج لصلاة الجماعة والعيدين، كما أجازت لها أن تطوف وتسعى بالعمرة والحج، وأجازت لها أن تعامل الرجال بالبيع والشراء والإجارة وغيرها من المعاملات، وأجازت لها أن تشهد على العقود، كما أجازت لها أن تخرج مع الجيش للتمريض، فكل ما سبق يتيح الاختلاط بين الرجال والنساء، فلا تمنع العبادة أو ممارسة الحياة لوقوعه، قال شيخ الإسلام الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "ومَن أطلق المنع من الزيارة خوف ذلك الاختلاط؛ يلزمه إطلاق منع نحو الطواف والرَّمَل بل والوقوف بعرفة أو مزدلفة والرمي إذا خشي الاختلاط أو نحوه، فلما لم يمنع الأئمة شيئاً من ذلك مع أن فيه اختلاطاً أيّ اختلاط، وإنما منعوا نفس الاختلاط لا غير فكذلك هنا، ولا تغترَّ بخلاف من أنكر الزيارة خشية الاختلاط؛ فإنه يتعيَّن حمل كلامه على ما فصلناه وقررناه، وإلا لم يكن له وجه" [الفتاوى الفقهية الكبرى 2/ 24].
وعليه؛ فإذا تم الالتزام بالضوابط والشروط الشرعية الآنفة الذكر؛ فلا حرج شرعًا في ذلك، ولا يُعدُّ هذا الاختلاط محرمًا. والله تعالى أعلم.