الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
حدّد الله تعالى في كتابه العزيز مصارف الزكاة، فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60].
قال الإمام البيضاوي الشافعي رحمه الله في تفسير هذه الآية: "(إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَاء والمساكين) أي الزكوات لهؤلاء المعدودين دون غيرهم... والفقير من لا مال له ولا كسب يقع موقعًا من حاجته... والمسكين من له مال أو كسب لا يكفيه" [تفسير البيضاوي 2/ 455].
فالواجب أن تُعطى الزكاة لمستحقيها من الأصناف المذكورة في الآية الكريمة، ولا يجوز إعطاؤها لغيرهم، والطلاب الفقراء يجوز إعطاؤهم منها بوصفهم فقراء، لا لكونهم طلاباً.
وشروط صرف الزكاة للفقير إن كان طالب علم:
الأول: أن يمنعه طلبه للعلم من التكسب بحيث يكون تفرغه لطلب العلم سبباً في فقره وترك العمل.
الثاني: أن يكون مجتهداً في دراسته، أما إن كان متكاسلاً في دراسته فلا يعطى من الزكاة، قال الخطيب الشربيني رحمه الله: "ولو اشتغل بعلم شرعي يتأتى منه تحصيله، والكسب يمنعه من اشتغاله بذلك ففقير، فيشتغل به، ويأخذ من الزكاة؛ لأن تحصيله فرض كفاية، أما من لا يتأتى منه التحصيل فلا يعطى إن قدر على الكسب" [مغني المحتاج 4/ 175] بتصرف يسير.
الثالث: أن يكون العلم الذي يطلبه مما يحقق فروض الكفاية للأمة في العلوم الدينية كما نص عليه فقهاؤنا، والذي نراه أن العلوم الدنيوية الضرورية اليوم؛ كالطب، والهندسة، والفيزياء، وغيرها مما يعود نفعه العام على الأمة كالعلوم الشرعية في جواز إعطاءه من الزكاة.
الرابع: أن يكون الفقير ممن لا يجب على المزكي نفقته؛ إذ كل من وجب نفقته على المزكي لم يجز صرف الزكاة إليه، قال الخطيب الشربيني رحمه الله: "من شروط آخذ الزكاة أن لا يكون ممن تلزمه نفقته" [مغني المحتاج 4/ 183].
ويجوز لمن وجبت عليه الزكاة أن يوكّل شخصًا معينًا أميناً، أو جهةً معينةً في تسليم زكاة ماله إلى المستحقين، ومنهم الطلاب الفقراء، ويتحرى الأصلح في اختيار مستحقي الزكاة من الطلاب.
وعندئذٍ فيجوز أن يوكَّل مخرج الزكاة الصندوق بتوزيع زكاته على الطلاب الفقراء، ليسلمهم المال، كي يدفعوا رسومهم الجامعية، أو نفقاتهم الدراسية أو يستأذنهم في دفع أقساطهم المستحقة إلى الجامعة مباشرة، ولا شك أن دفع الزكاة لهذه الفئة المستحقة من الناس فيه أجر كبير، لما له من أثر في نشر العلم النافع للبلاد والعباد.
وعليه؛ فيجوز للمزكي دفع زكاته للصناديق إن كانت مؤتمنة، ولا تأخذ من الزكاة أجرة لها، بل تكون متبرعة بإيصالها للمستحقين، وتوكيله بإعطائها للطلبة الفقراء إن كانوا من المجتهدين في دراستهم. والله تعالى أعلم.