الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
تقديم الطعام لأهل الميت سنة سنَّها النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عَبدِ اللهِ بنِ جَعفَرٍ، قالَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ حِينَ قُتِلَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَقَدْ أَتَاهُمْ أمْرٌ يَشْغَلُهُمْ-أَوْ أتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ) رواه الإمام أحمد وغيره، والمراد بأهل الميت أهل بيته، قال الإمام المناوي رحمه الله: "أراد اطبخوا واخبزوا لهم. فيندب لجيران الميت وأقاربه الأباعد صنع ذلك، ويحلفون عليهم في الأكل" "فيض القدير" (1/534)
ومما ينبغي التنبيه عليه أن صنع الطعام لأهل الميت إنما شرع مواساة لهم، لانشغالهم بمصيبتهم، وهو ما نبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور، ولكن الناس في الأزمان المـتأخرة اتخذوا من إقامة ولائم العزاء وسيلة للتفاخر والتباهي، فأصبحت تقام الولائم الكبيرة التي تكلف أموالاً كثيرة، مما فوت المقصود الشرعي من سنة صنع الطعام لآل الميت، وقد نقل الإمام الدهلوي عن الإمام السيوطي رحمه الله في "إنجاح الحاجة" قال: "الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعروف في السنة والمفاد من هذا الحديث (اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا...) والله أعلم أن هذا الأمر كان في الابتداء على الطريقة المسنونة، ثم صار حدثاً في الإسلام، حيث صار مفاخرة ومباهاة كما هو المعهود في زماننا؛ لأن الناس يجتمعون عند أهل الميت فيبعث أقاربهم أطعمة لا تخلو عن التكلف؛ فيدخل بهذا السبب البدعة الشنيعة فيهم".
ونتيجة لمثل هذه التصرفات جرت عادة الناس في هذه الأيام بإنشاء صناديق تكافل وتعاون تابعة لديوان العشيرة، تقدم الطعام لأهل الميت، وهي من عمل الخير بإذن الله تعالى، لكن يجب توجيه نفقاتها الوجهة الصحيحة، فيصنع الطعام للقرابة القريبة من أهل الميت، وليس لجميع العشيرة، أو أهل الديوان، فليس من السنة التوسع في الولائم بمناسبة العزاء.
وننصح أن يكون هذا باتفاق العشيرة، بحيث لا يحضر الطعام إلا خاصة الميت، وهذا من شأنه أن يضع الأموال في مكانها الصحيح، ويجنب صندوق العشيرة التكاليف الباهظة والمفاخرة. والله تعالى أعلم