جرت العادة في بلادنا من زمن بعيد أن يلقن الميت بعد دفنه في القبر، وهذا التلقين موعظة عظيمة يجدر بالناس أن يتدبروها قبل أن تتلى عليهم وهم في التراب ومما يقوله الملقن بعد الدفن وتسوية التراب فوق القبر والجلوس عند رأس الميت:
بسم الله الرحمن الرحيم، كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون، كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى، منها خلقناكم للأجر والثواب، وفيها نعيدكم للدود والتراب، ومنها نخرجكم للعرض والحساب، بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون، إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميعا لدينا محضرون.
يا عبد الله، يا ابن أمة الله، يرحمك الله، ذهبت عنك الدنيا وزينتها، وصرت الآن في برزخ من برازخ الآخرة، فلا تنس العهد الذي فارقتنا عليه في دار الدنيا وقدمت به إلى دار الآخرة، وهو شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإذا جاءك الملكان الموكلان بك وأمثالك من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يزعجاك ولا يرعباك، واعلم أنهم خلق من خلق الله تعالى، كما أنك أنت من خلقه، فإذا أتياك وأجلساك وسألاك وقالا لك: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وما اعتقادك؟ وما الذي متَّ عليه؟ فقل لهما: الله ربي، فإذا سألاك الثانية: فقل لهم الله ربي، فإذا سألاك الثالثة وهي خاتمة الحسنى، فقل لهما بلسان طلق بلا خوف ولا فزع: الله ربي، والإسلام ديني، ومحمد نبيي، والقرآن الكريم إمامي، والكعبة قبلتي، والصلوات فريضتي، والمسلمون إخواني، وإبراهيم الخليل أبي، وأنا عشت ومت على قول لا إله إلا الله محمد رسول الله. تمسك يا عبد الله بهذه الحجة، واعلم أنك مقيم بهذا البرزخ إلى يوم يبعثون، فإذا قيل لك: ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم وفي الخلق أجمعين؟ فقل: هو محمد صلى الله عليه وسلم، جاءنا بالبينات من ربه، فاتبعناه وآمنا به وصدقنا برسالته، فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم. واعلم يا عبد الله أن الموت حق، وأن نزول القبر حق، وإن سؤال منكر ونكير حق، وأن البعث حق، وأن الحساب حق، وأن الميزان حق، وأن الصراط حق، وأن النار حق، وأن الجنة حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. ونستودعك الله. اللهم يا أنيس كل وحيد، ويا حاضراً ليس يغيب، آنس وحدتنا ووحدته، وارحم غربتنا وغربته، ولقنه حجته، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله يا رب العالمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
هذا ما يقوله الملقِّن عادة، وقد ذكره الفقهاء في كتبهم، ولا يُشترط أن يقرأه كلَّه، بل لو قرأ شيئًا مختصرًا يتضمَّن التذكير بقواعد الإسلام يكفي، كالذي ورد في الحديث الذي ذكرناه.
"فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى الجنائز / فتوى رقم/14)