مقالات

نصائح مهمة في الصيام

الكاتب : المفتي الدكتور لؤي الصميعات

أضيف بتاريخ : 01-07-2015

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي دائرة الإفتاء العام


نصائح مهمة في الصيام لعامة الأمة

المفتي الدكتور لؤي صميعات
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد؛
فإنني أقدم لإخواني الصائمين – في شهر رمضان المبارك خاصة- نصائح من يأخذ بها ينال الأجر العظيم، والثواب الجزيل إن شاء الله تعالى، وهي:
أولاً: الحرص على استعمال الأدب مع الله تعالى ومع خلقه
فالإسلام أراد للمسلم أن يكون متميزاً عن غيره بخلقه وأدبه، لأن الأدب هو اجتماع خصال الخير في العبد، وحقيقته استعمال الخلق الجميل، ولهذا كان الأدب: استخراج ما في الطبيعة من الكمال من القوة إلى الفعل.
والأدب ثلاثة أنواع: أدب مع الله سبحانه، وأدب مع رسوله صلى الله عليه وسلم وشرعه، وأدب مع خلقه.
فالأدب مع الله ثلاثة أنواع: أحدها: صيانة معاملته أن يشوبها بنقيصة، والثاني: صيانة قلبه أن يلتفت إلى غيره، والثالث: صيانة إرادته أن تتعلق بما يمقتك عليه.
وأكبر آداب أهل الدين يكون في طهارة القلوب، ومراعاة الأسرار، والوفاء بالعهود، وحفظ الوقت، وقلة الالتفات إلى الخواطر، وحسن الأدب في مواقف الطلب، وأوقات الحضور، ومقامات القرب، ومن تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن، ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض، ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة؛ لذا ينبغي على العاقل أن يتأدب بأدب الدين الحق الذي يقربه إلى الله تعالى. [بتصرف من كتاب مدارج السالكين لابن القيم].
ثانياً: المحافظة على أداء ما أمرنا الله تعالى به، والابتعاد عما نهانا عنه
فيحرص الصائم على القيام بجميع ما أوجبه الله تعالى عليه من عبادات، وفي مقدمتها:
1.     التوبة الصادقة مع الله تعالى، حيث نجد الكثير من أبناء المسلمين لا يصومون تاركين فرضاً عظيماً، وركناً ركيناً من أركان الإسلام متهاونين أو متكاسلين عنه لجهلهم بالله تعالى وبدينهم الحنيف، ولهذا نذكرهم بوجوب التوبة إلى الله تعالى قبل فوات الأوان استجابة لأمر الله تعالى القائل: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) التحريم/8.
2.     المحافظة على الصلاة؛ لما فيها من خير عظيم للمسلم في الدنيا والآخرة، ومما يؤسفنا أن نرى اليوم كثيراً من المسلمين لا يصومون ولا يصلون، أو يصومون ولا يصلون! وكثير ممن يصلي يؤدي صلاته في بيته ولا يؤديها جماعة في بيت من بيوت الله تعالى زهداً في ثوابها، وهذا شيء عظيم عند الله تعالى، ألا تعلم أيها المسلم أن الصلاة واجبة عليك؛ لأنها تصلك بالله خالقك الذي يريد لك السعادة في الدنيا والآخرة، فكيف تتركها مع عظيم أهميتها وفضلها؟ ثم ألم تسمع الوعيد الشديد على تركها؟! يقول الله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) مريم/59-60، فبادر بالتوبة أيها المسلم وحافظ على صلاتك؛ لأن من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين، ولأن أول ما تسأل عنه يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عملك، وإن فسدت فسد سائر عملك.
كما يحرص الصائم على ترك جميع ما حرم الله تعالى عليه، من فعل شائن، أو قول سيئ بذيء، أو خلق قبيح، حيث ينبغي علينا:
1-   أن نحفظ أبصارنا من النظر إلى ما حرم الله تعالى في الخارج كالشوارع، أو في الداخل في البيوت على التلفاز أو النت أو الخلويات أو ما شابه.
2-   أن نحرص على الاستماع للقرآن الكريم ودروس العلم، ونحفظ آذاننا من الاستماع إلى الكلام الحرام كالأغاني والموسيقى وغيرها، وفي الحديث: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم - يعني الفقير- لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة) [رواه البخاري].
3-   أن نحفظ أيدينا ولا نمدها إلى حرام أبداً؛ لأن (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) [متفق عليه].
4-   أن نستعمل أرجلنا في المشي إلى ما يرضي الله تعالى كالمساجد، ولا نمشي إلى ما حرم الله تعالى.
5-   أن نستعمل ألسنتا بما فيه مصلحة لنا في الدنيا والآخرة، ولا نتكلم بما لا يرضاه الله تعالى، حيث ينبغي على المسلم أن يجتنب أموراً قد تبطل صيامه ومن أهمها:
أ‌-       الكذب: فالأصل في المسلم أن يكون صادقاً مع نفسه ومع الآخرين، بعيداً عن الكذب وأعظمه الكذب على الله تعالى أو على رسوله صلى الله عليه وسلم والكذب على الناس، ومن الكذب على الله تعالى وعلى رسوله ما يتجرأ به البعض من إصدار فتاوى خاصة بالصيام بغير علم، والله تعالى يقول: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) النحل/116. والنبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالصدق ويحذر أشد التحذير من الكذب بقوله: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا) [رواه مسلم].
ب‌-   ومما يلحق بالكذب قول الزور حيث لا ينفع صيام معه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) [رواه البخاري].
ج‌-    الغيبة : هي ذكر معايب الناس وقد حرمها الشارع الرحيم بقوله: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) الحجرات/12. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) [رواه المنذري].
د‌-      النميمة: وهي نقل الكلام بين الناس على سبيل الإفساد بينهم، وقد حرمها الشارع الكريم بقوله: (لا يدخل الجنة نمام) [رواه مسلم]، ويعذب قبل ذلك في قبره فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) [رواه البخاري].
ه‌-   سبّ الناس وشتمهم، بل إن سبه أحد أو شاتمه أو قاتله يقول: إني صائم، وفي الحديث: (إذا أصبح أحدكم يوماً صائماً، فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم) [رواه مسلم]. وعند البخاري: (الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين).
6-   أن نكون صادقين في معاملاتنا، فالتاجر المسلم صادق وأمين لا يخون ولا يغش إخوانه في البيع ولا غيره؛ لأنه يعلم أن (من غشنا فليس منا) [رواه مسلم].
ثالثاً: القيام بالآداب المستحبة في الصيام
كثيرة هي الآداب التي يستحب للمسلم أن يأتي بها في صيامه منها:
1.     السحور: حيث يستحب للمسلم أن يحافظ عليه، وأن يتسحر على أي شيء، ولو كان قليلاً ولو جرعة ماء؛ لأن السحور هو الفرق بين صيامنا وصيام من قبلنا، وفيه بركة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإنّ في السحور بركة) [متفق عليه]، واليوم كثير من الصائمين تاركون لهذه السنة، ومنهم من يقدم السحور أول الليل مع أن السنة فيه تأخيره إلى آخر الليل، فتسحر أخي الصائم آخر الليل وانو به امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم والتقوي به على الصيام.
2.     تعجيل الفطر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) [متفق عليه]، وليس المقصود من هذا الكلام أن يفطر الصائم قبل الأذان كما يفهم ويفعل بعض الجهلة اليوم، ولكن يفطر بمجرد دخول الوقت الذي يعرف بالأذان الموثوق به، وبمجرد سماع كلمة الله أكبر لا كما يفعل بعضهم ينتظر حتى يتشهد، والسنة في الإفطار ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكن رطبات، فتمرات، فإن لم يكن تمرات حسا حسوات من ماء) [رواه الترمذي].
3.     الإكثار من ذكر الله تعالى، وأفضل الذكر قول: (لا إله إلا الله)، وأفضل الذكر قراءة القرآن؛ لأنه كلام الله تعالى وشهر رمضان هو شهر القرآن خاصة.
4.     الإكثار من الدعاء، شهر رمضان شهر استجابة الدعاء بلا ريب، وأعظم دليل على هذا أن آية الدعاء جاءت تتوسط آيات الصيام، وهي قول الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/186، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين) [رواه الترمذي]. يستجاب له خاصة عند الإفطار لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد) وكان راوي الحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه إذا أفطر يقول: (اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي ذنوبي) [رواه ابن الملقن].
5.     الإكثار من فعل الخيرات، كالصدقة والصلة والمعروف، وأكتفي بذكر الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئ، إلا دخل الجنة) [رواه مسلم].
وفي الختام؛ أيها المسلم الصائم يروي لنا ابن المبارك عن سليمان بن موسى أنه قال: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، ودع عنك أذى الخادم، وليكن عليك سكينة ووقار، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء" [الزهد والرقائق].
والحمد لله رب العالمين.

رقم المقال [ السابق | التالي ]

اقرأ للكاتب



اقرأ أيضا

المقالات

   نظرة الإسلام إلى عادة الإسراف في رمضان

   شهر الخير والرحمة

   رمضان والقرآن

   حوار مع سماحة المفتي العام

   ليس رمضان كغيره

الفتاوى

   ما السفر المُبيح للفطر في رمضان؟

   لا حرج في صلاة ركعتي الطواف في حجر إسماعيل

   حكم قطع الطواف من أجل الصلاة

   حكم صيام الزوجة دون إذن الزوج يختلف بحسب نوع الصوم

   صلاة الجمعة لا تسقط إذا وافقت يوم العيد


التعليقات



تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا


Captcha