الرّفق قاعدة التعامل مع الخلق
يظنّ فريق من الناس أنّ الغلظة والشدّة والغضب والعنف تعبّر عن القوّة أو الرّجولة وأنها تمنح صاحبها السيطرة على المواقف المختلفة، وهذا ظنٌّ غير صحيح. فالأصل في المعاملة هو الرّفق ولين الجانب واللطف، مما يألف القلوب والعقول، قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} فاللطف واللين والرفق تورث المحبة، والمحبة تثمر الطاعة، وهذا هو المفتاح الذهبي لقلوب الناس جميعا.
لذلك نجد نبيّنا وسيّدنا محمدا صلى الله عليه وسلم، يحثّ على الرفق ولين الجانب بأحاديث كثيرة، وذلك لينضبط سلوك الإنسان، ويستطيع أن يكون نموذجا ناجحا في علاقته بالآخرين من أهل وزوجة وولد وجارٍ وزميل، ومن ذلك:
حث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على اللين والرّفق بقوله: (إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ) رواه مسلم. (زانه) أي زيّنه، (في شيء) فيه مبالغة أي لو قدر أن يكون العنف أو الرفق في جماد لزانه أو شانه فكيف بالإنسان.
ونصح سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم أمّنا عائشة رضي الله عنها بقوله: (يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ) رواه مسلم. ومعنى (يعطي على الرفق) أي يثيب عليه مالا يثيب على غيره، أو يتأتى به من الأغراض ويسهل من المطالب مالا يتأتى بغيره.
ثمّ بيّن نبينا صلى الله عليه وسلم فضل الرّفق بقوله: (مَنْ حُرِمَ الرِّفْقَ، حُرِمَ الْخَيْرَ أَوْ مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ) رواه مسلم. يعني أنّ الرفق سبب كلّ خير وبركة.
ولأنّ العنف يتولّد من الغضب غالبًا نهى سيّدنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم عنه، وأمر بضدّه، ومن ذلك:
وصيته عليه الصلاة والسلام بالبعد عن الغضب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، قَالَ: (لاَ تَغْضَبْ) فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: (لاَ تَغْضَبْ) رواه البخاري.
دعوته عليه الصلاة والسلام إلى امتلاك النفس عند الغضب، فقال: (لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ) رواه البخاري. (الشديد) القوي الحقيقي. (بالصّرعة) الذي يغلب الرجال ويصرعهم. (يملك نفسه) يكظم غيظه ويتحلم ولا يعمل بمقتضى غضبه.
فمن خلال اللين والرفق واللطف، والبعد عن الغضب والشّدة والغلظة، تبنى العلاقات الإنسانية السليمة، وعلى كلّ إنسان أن يقيّم علاقاته المختلفة على وفق هذا الميزان، والله سبحانه هو الموفّق لكلّ خير.