دراسات وبحوث

أضيف بتاريخ : 08-04-2025


التجارة المعاصرة بالذهب في ميزان الفقه الإسلامي(*)

الأستاذ الدكتور محمد نعيم ياسين/ جامعة العلوم الإسلامية العالمية- الأردن

الملخص

تجارة الذهب في هذا الزمان صارت من أكثر أنواع التجارات رواجاً واتساعاً، وهي أكبر مظنةٍ للوقوع في خطر المخالفات الشرعية والإضرار بالاقتصاد المجتمعي إذا كان التبادل بين الذهب وبين الذهب أو الفضة أو أية عملة من العملات؛ وسيكشف هذا البحث عن جانبٍ من تلك المخالفات والأضرار بإذن الله تعالى.

وذلك أن فيه تذكيراً لمن تنفعه الذكرى أنّ تجارة الذهب يجب أن يلتزم فيها التجار بشرطين شدّد عليهما رسول الله صلى عليه وسلم، وهما التساوي الكمّي والتقابض الفوري، حتى تنقطع كل علاقة بين طرفي عقد الصرف. وسيرى القارئ أنّ كثيراً من عقود هذه التجارة يغيب عنها الشرطان أو أحدهما اعتماداً على أمرين هما: تخيّل القبض فيما أسموه بالقبض الحكمي، وهو محض افتراض أُعطي من الرخص والامتيازات ما يزيد عن القبض الحقيقي من غير ضرورة أو حاجة ماسة. والثاني اعتبار الذهب المصوغ سلعة غير ربوية لا يشترط فيها التماثل؛ اعتماداً على قول بعض الفقهاء في عصور غابرة كانت فيها حاجة ماسة لمن أرادت من النساء شراء حلي لها، وليس معها سوى ذهب غير مصوغ.

وقد خلص البحث إلى اعتبار هذه العقود بصورها المختلفة مما يدخل في الربا أو شبهته، واختتم بطائفة من صور التعامل بالذهب في المصارف، وبيان حكمها الشرعي في ظلّ ما تقدم.

الكلمات المفتاحية: القبض، الحكمي، الذهب، الربا

التجارة المعاصرة بالذهب في ميزان الفقه الإسلامي

ينطلق كثير من العلماء الملتزمين حول التعامل بالذهب من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي فُصِّلتْ فيها الكيفيات الشرعيّة لمبادلة الذهب بجنسه أو بغير جنسه من الأثمان الأخرى. ولا خلاف أنها تقوم على قيدين يُعدّان من ثوابت الشريعة في التعامل بالذهب وغيره من الأثمان، وهما: وجوب التماثل الكميّ والتقابض الفوري عند اتحاد الجنس؛ تحاشياً لنوعي الربا، وهما ربا الفضل وربا النسيئة. ووجوب التقابض فقط عند اختلاف الجنس تحاشياً لربا النسيئة.

وهذا المنطلق لا يختلف فيه علماء الإسلام الأقدمون والمعاصرون، وإنما كان اختلافهم في مواقع شرط التماثل من أشكال الذهب وأحواله، وفيما يصدق عليه اسم التقابض الفوري من الممارسات المعاصرة للتعامل بالذهب في المصارف وخارجها. وهذان الأمران هما اللذان سأتخذهما موضوعاً لهذا البحث. وقد أغتنم الفرصة لإبداء الرأي في بعض الأمور الأخرى مما له علاقة بالتعامل بالذهب في المصارف الإسلامية وغيرها.

وقد قسمتُ بحثي إلى ثلاثة أقسام كل منها في مبحث خاصّ:

الأول: ما يتعلق بشرط التقابض، وبخاصّة ما جرى حوله النقاش كالقبض الحكمي، وما يكفي لتحقق هذا الشرط، ويدخل في ذلك الشيك بأنواعه، والقيد المصرفي، وأساليب أخرى قد تستعمل في الوفاء والاستيفاء.

والثاني: موقع شرط التماثل من أشكال الذهب التي يتعامل بها الناس، ويدخل فيه قضية الذهب المصوغ.

والثالث: بعض تعاملات المصارف في الذهب.

المبحث الأول

شرط التقابض في بيع الذهب

قضية البحث في هذا القسم هو مدى صلاحيّة ما يُسمّى بالقبض الحكمي؛ وصوره المستحدثة لتحقيق التقابض المشترط في المبادلات التي تقع بين الذهب وسائر الأثمان.

ويرى طائفة من العلماء أن معظم هذه الصور المستحدثة من القبض الحكمي تصلح لذلك، كالشيك والقيد المصرفي وغيرهما. وهذا الرأي يتبناه كثير من العلماء المعاصرين، خلافاً لطائفة أخرى ذهبت إلى عدم صلاحيّة القبض الحكمي فيما يشترط فيه التقابض في المجلس، وقد فصّلتْ كثيرٌ من الأبحاث أدلة كل فريق[1]. وأما رأيي فسيعرف بتأمّل المطالب التالية:

المطلب الأول: إساءة استعمال عقد الصرف والانحراف به عن مقصده الشرعي وكيفية ضبط هذا الأمر

الصرف أداة من الأدوات الماليّة، والأدوات في طبائعها تقبل الاستعمال في المصالح، ويمكن استعمالها بطرق موصلة إلى المفاسد؛ وبيان ذلك أنّ الصرف عقد ماليّ يصلح أن يكون وسيلة لتفعيل النقد في وجهة الوظيفة الأساسيّة الفطرية التي اهتدى الناس إليها قبل حدوث التطورات المعاصرة في التعاملات الماليّة، وهي استعماله وسيطاً للتبادل، ومعياراً للقيم الماليّة المختزنة في الأشياء التي خلقها الله للناس إعانة لهم على إعمار الأرض. وهذا الاستخدام للصرف يجعل منه أداة ماليّة خادمة لمقصد مهم، وهو تبادل السلع والخدمات ومنائح الربّ جل وعلا من الأشياء، وهذا الاستعمال يؤدي إلى زيادة الإنتاج والخيرات والمنافع؛ فعقد الصرف شرع في الإسلام، وهو كذلك في الحكمة العمليّة الماليّة ليكون عقد خدمة يقدمها الناس بعضُهم لبعض[2].

والإسلام لما كان من مقاصده إعمار الأرض على المنهج الرباني؛ فقد شرع الطرق الكثيرة لتداول الأموال، بحيث لا تتجمع في برك خاصّة، فتُحجبُ بذلك عن التوليد والإنتاج والتطوير، لكن شياطين الإنس قد يستعملون الأدوات المشروعة بأساليب غير مشروعة تحقق لهم أهواءَهم ومصالحهم الخاصّة على حساب مصالح الأمّة، فتلقفوا عقد الصرف، وبنوا عليه أنواعاً من التجارات التي تُدر عليهم الأموال، وتُحجب فيها النقود عن ذلك المقصد الكبير الذي ذكرناه؛ حيث جعلوها أداة خاصّة تدور في حركة ذاتية حول نفسها، واستحدثوا أسواق العملات والمتاجرة بها، ولا يُقصد منها سوى تحقيق أرباح شخصيّة لا أثر لها في الإنتاج والاستثمار، وإنما مدارها على زيادة أسعار العملات ونقصها، وقصر وظائفها على مبادلة بعضها ببعض بناء على مجازفات ومخاطرات محسوبة بطرق لا كفاية فيها، ولا جهد للإنسان فيها غير ذلك، وليس لها من ثمرة زراعيّةٍ أو صناعيّة أو تجاريّة إلا أن تكون هامشيّة.

وإنما ذكرنا تلك المقدمة وأطلنا فيها لاكتشاف أحسن الآراء الفقهيّة في أحكام عقد الصرف بعامّة، وأحكام التقابض والتماثل فيه بخاصّة. وأغلب ظني أن الإسلام شرع الصرف لتحقيق مقصده في تداول المال، وليخلطوه بجهودهم وما رزقوا من النّعم الكثيرة، فيزيد إنتاج الخيرات بمتواليات هندسية أو حسابية، وتكون بذلك نعم الله عز وجل التي يستثمرها عباده ويولدون منها ما خلق الله في أحشائها من الثمرات، ثم أحاطها بقيود تمنع من التوسع في استغلال هذا العقد لتحقيق أهواء أناس وشهواتهم؛ فاشترط التقابض الحقيقي والتماثل الحسابي، ولم يسمح بقبض أو تماثل يتعارف عليه الناس، فإن الأعراف ليستْ كلها تولد من رحمٍ طاهرة، بل قد يكونها أناس وقوانين وعادات استحدثت لتحقيق مصالح دول ولتكون أمةٌ هي أربى من أمّة، أو مصالح أشخاص يريدون علواً في الأرض وفساداً.

ومقاصد الشرع تقتضي منع التجارة بالعملات أو التضييق عليها، ولو حصل ذلك لاتّقى العالم شرّاً مستطيراً، ومفاسد عظيمة أهمها سيطرة الدول الطاغيّة ذوات العملات الدولية، وإكراه أهل الأرض على التعامل بأوراق تطبعها تلك الدول المستكبرة والتحكم في أسواق المال، ومن بعد ذلك في سياسات الدول الصغيرة، بل في نفوس أهلها، وجعلهم يلهثون في كل ساعة من ليل أو نهار وراءَ أهداف رخيصة، وغايات تافهة في ميزان الشرع والعقل. ولو فُعِّلَ الشرط النبوي الشريف في التعامل بالأموال الربويّة، وهو التقابض الحقيقي لهزلت تجارة العملات، وكفانا الله تعالى شرورها. وأما القبض الحكمي فيمكن أن يُفعَّل في غير تلك الأموال من سلع وخدمات وأعمال منتجة؛ فتزدهر وسائل الإعمار، وتنكفئ وسائلُ التثبيط وأهلُها، ويضطر الكسالى من أرباب الأموال أن يخرجوا من بيوتهم ومكاتبهم، ويفكروا في إنشاء المشاريع والمصانع وإنتاج السلع وتقديم الخدمات، فيفيدوا ويستفيدوا.

ولتنظر يا أخي لترى أن هؤلاء الذين يشترون الذهب وسائر العملات بالأوامر المباشرة الإلكترونية وغيرها، ويقيّد لهم المبلغ الذي وضعوه أو أضافوه أو حوّل لهم، إنما يبتغون من هذه العمليات ربحاً فائق السرعة يرضي بعض شهواتهم الجامحة في جمع المال وتكثيره، ولا يعود بالنفع على الأمّة من قريب أو بعيد؛ لأنهم إذا جمعوا المال من طريق سهل لا جهد فيه ولا تفكير إلا القليل، أدمنوا على هذا الطريق، ولم تقبل نفوسهم بذل أي جهدٍ في صناعة أو تجارة أو زراعة ونحو ذلك؛ لأن تجارة الذهب والعملات إنما هي مبايعات على الورق للكسب عن طريق فروق الأسعار بين تلك الأثمان، وليس لأطرافها أية رغبة في قبض ما يبيعون ويشترون، وهي مراهنات على أسعار معايير القيم الماليّة، حتى صار العالم كازينو رحباً يُراهن فيه على العملات والأسهم، وهي مراهنات تدور كالدولاب لا تتوقف، ويشترك فيها ملايين اللاعبين، وتعويلها على تقلب الأسعار التي يحركها في كثير من الأحيان تلاعب كبار اللاعبين عن طريق صفقات وهميّة وإشاعات ونشر معلومات مضللة. وهي عند كثير من علماء الاقتصاد لا تختلف عن القمار، وينتج عنها ثراء فاحش لطائفة قليلة جدّاً، وخسارات مخيفة لكثير من الناس، وتعطيل للنقد عن القيام بوظيفته، بل تلاعب بها، حتى صار النقد مؤشراً مجنوناً لقيم الأشياء. وثمرة ذلك كله ضمورُ الإنتاج، وقلّةُ التوليد للسلع والمنافع والخدمات، وبالتالي زيادة تكاليف المعيشة على عامّة الناس إلا شراذم قليلة[3].

وخلاصة القول: أن فتح الباب على مصراعيه لتجار العملات والمضاربة بها، أو التيسير عليهم في هذا المجال يؤدي إلى مفاسد عامّة، وأنّ المصلحة العامة هي في التضييق على هذا النوع من التجارة، وأنّ أحكم وسيلة لتحقيق ذلك هو الالتزام بظاهر التوجيه النبوي في التعامل بالذهب والفضة والأثمان، وهو التقابض الفعلي قبل التفرق، وعدم منحهم رخصة القبض الحكمي بما يشتمل عليه من الشيكات والقيد المصرفي وبطاقات الائتمان.

ولكن هذا الباب إذا فتح في السلع والخدمات، واستيراد الحاجيات والضروريات والكماليات مما لم يشترط ديننا الحنيف فيه التقابض قبل التفرق، يمكن أن يكون سبباً للازدهار؛ ولا يظهر فيه شيء من المفاسد السابقة.

المطلب الثاني: قاعدة التقديرات الشرعية وضوابطها

وهو يكمل المطلب السابق ويقوّيه؛ ذلك أنّ فقهاءنا الأوائل بحثوا في مسألة الأمور الاعتبارية أو الحكميّة، وأسموها (قاعدة التقديرات الشرعيّة)، وعنوا بها تقدير المعدوم موجوداً والعكس[4]. ولكنهم اشترطوا في هذه الصناعة الفقهية أن توجد ضرورة أو حاجة ماسّة للتقدير، سواء أكان في جهة الإيجاب أو جهة السلب، وأن يكون ذلك التقدير كافياً في إشباع الحاجة التي اقتضته، وإزالة الضرر، وأن لا يترتب عليه ضرر أكبر من عدمه[5]، والذي قدمناه من البيان يؤكد أن القبض الحكمي كالذي يكون بقبض الشيك أو بالقيد المصرفي أو الحوالة منفردة أو مجتمعة مع الوكالة والكفالة أو غير ذلك مما لا ينطبق عليه اسم القبض في اللغة ولا في الاصطلاح، وأن ضرره في مبادلة الأموال الربويّة بعضها ببعض أكبر من نفعه، وأن نفعه إنما يظهر في الأموال الأخرى.

وبخصوص الشيك مضمونُهُ حوالة من المدين للدائن على البنك المسحوب عليه، وتعتبر ورقته قبولاً من البنك لهذه الحوالة، ومع أنها تعتبر وسيلة مقبولة لاستيفاء الديون، لكن من الصعب فقهاً اعتبارهاً قبضاً، وإنما هي تحويل دين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فهو دين مقابل العين المقبوضة (الذهب)، فهذا التحليل يشير إلى قبضٍ يقابله نقلُ دين، وهما غير متساويين.

ومن جهة أخرى؛ فإنّ الدين الذي تدل عليه ورقة الشيك معرّض قبل قبض محتواه، لعوارض تحول دون صرفه، كما في الحجز على أموال مصدِّره، أو إفلاس، وهذا يجعل الدائن (البائع للذهب) واحداً من الديانة يتقاسم معهم موجودات المدين بالنسبة، وقد يتأخر دين الشيك في ذلك عن بعض الديون القوية.

المطلب الثالث: انتفاء مقتضى عقد الصرف في القبض الحكمي

عقد الصرف يعني انتفاء المديونية أو كما قال ابن قدامة وغيره: "انتفاء العُلْقةِ بين المتعاقدين"[6]؛ فهل تنتفي المديونية بمجرد الشيك أو القيد المصرفي؟

لا شك أن المصرف يظل ضامناً لمحتوى الشيك أو المبلغ المقيد للمستحق، وللمستفيد في حالة الشيك وحالة القيد المصرفي، يظلّ ضامناً حتى يقبض كل منهما نقوده قبضاً حقيقياً أو يُحصّل من المصرف وثيقة تفيد أن له في ذمة البنك مقدار المبلغ المقيد. ومع ذلك فإنّ هناك ملحظاً آخر، وهو أنّ الحسابات المصرفيّة حُدِّدت طبيعُتها بأنها قروض من أصحابها للمصارف[7]، وعندما يُقيّدُ مبلغ في حساب المستفيد فكأن المستفيد أُعطيّ مقابل حقه ديناً على المصرف المقترض، ولا ينبغي أن يُظنَّ بأن هذا يعتبر قبضاً، فإن قيل: العرف اعتبره قبضاً كان الجواب بأن موارد النصوص الواضحة ليست من الميادين التي تعمل فيها الأعراف[8]، على أن العرف لم ينعقد على سقوط أيّة مسؤوليّة عن مصدّر الشيك أو الآمر بالقيد المصرفي، وإنما على اعتبار ذلك وسيلةً من وسائل استيفاء الحقوق، وليس جميع أساليب استيفاء الحقوق تصلح أن تكون قبضاً فيما يُشترط فيه التقابض، وحتى هذا الأخير يمكن أن يقال فيه: العرف على أن الاستيفاء في حالة الشيك والقيد المصرفي موقوف على القبض الحقيقي، وقبل ذلك فإن العرف يقف في جانب المستفيد لو حدث مانع من تمام الاستيفاء.

فإن قيل: هذا تضييقٌ على التجار والمصارف والعملاء، كان الجواب أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم أراد هذا التضييق لمنع مفاسد عامّة مدمرة سبق بيان جانب منها في الملاحظة الأولى.

ولا يصح –في رأيي- الاعتماد في حصول التقابض في التعامل بالذهب على مجرّد الثقة والاطمئنان الحاصلين لأطراف العقد في المصرف بالوصول إلى عَوضِه؛ فلو أن مشتريَ الذهب أعطى لبائعه رهناً كبيت أو سيارة، لم يصحّ عقد الصرف هذا بالرغم من ثقة البائع بأنّ حقه محفوظ وضمانه بين يديه. وليست الطمأنينة الحاصلة لبائع الذهب في هذه الصورة بأقلّ من شيك يعطى له مصدقاً كان أو غير مصدق، ويبقى مع ذلك بعيداً عن تحقق شرط التقابض. ولو كانت الثقة بين الأطراف كافية في تحقق شرط التقابض لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بنقض العقود التي أبرموها بينهم ولم يحصل فيها التقابض لما يعلمه عليه الصلاة والسلام من توفر الثقة بين أـصحابه[9] وليست على الأقل بأدنى من ثقة الناس بالمصارف، ولاكتفى بقوله تعالى: ﴿فليؤدّ الذي اؤتمن أمانته﴾[ البقرة: 283].

المطلب الرابع: القبض الحكمي لا يحقق شرط التقابض في الأموال الربوية

تطبيق المسلمات الفقهيّة والعقلية واللغويّة يوصل إلى نتيجة لا شكّ فيها؛ وهي أن تلك الأساليب التحويليّة للديون وإحلال دائن محلّ دائن لا تكون قبضاً حقيقياً، وأنّ جميع من اعتبروها قبضاَ قالوا: هي قبض اعتباري، وإنه في قوة القبض الحقيقي، ويقوم مقامه.

وقد قدمنا في المطلب الثاني أنّ تقدير وجود المعدوم وانعدام الموجود معروف في الشريعة وعند الفقهاء، ولكن أحداً منهم لم يُسوّ بين الحقيقي والحكمي في بناء الأحكام؛ إذ صرحوا بأنّ الحكمي يخضع في تقديره للحاجة، وأنه يقدر بقدرها، بخلاف الحقيقي، والأحكام التي تبنى على الحكمي هي أحكام استثنائية، ونرى أنه لا يجوز اختراع الاعتباري أو الحكمي بحرّية مطلقة، وأرى أنّ أجناس الأموال الربويّة، وهي محلّ اشتراط التقابض الفوريّ، وذكرت في السنة الصحيحة بالنصّ عليها بأسمائها المعروفة في كلّ مكان وزمان لا ينفع في التعامل بها إلا بالقبض الحقيقي، ولا يكفي فيها القبض الاعتباري لسببين:

الأول: أنّ ذلك اجتهاد في مورد النصّ الذي يُفيد بصورة قطعيّة وجوب التقابض الحقيقيّ الفوريّ في مبادلات الذهب؛ لما ورد في الأحاديث الصحيحة هذا الوجوب بمفردات يصعب تأويلها بالقبض الحكميّ، مثل قوله عليه الصلاة والسلام "يداً بيد"، وجعل مقابله (النَّساء)، فقال: "إن كان يداً بيد فلا بأس، وإن كان نَساءً فلا يصح"[10]، فكل قبض لا يقع في مجلس العقد كان البيع نَساءً.

ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "هاءً وهاء"، قال ابن بطال وغيره: "يعني خذ وأعط"[11]، وقال الخليل بن أحمد: "وهاء: حرف يستعمل في المناولة" [12]، ولا أدري كيف يمكن حشر القبض الحكمي بأشكاله تحت مظلّة هذا التعبير النبوي، وبخاصّة أنه ورد في حقّ أصناف الأموال الربويّة كلها من: ورق بذهب، وبر ببر، وشعير بشعير وتمر بتمر[13].

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا منها غائباً بناجز"؛ ولا يشك أنه في القبض الحكميّ يكون الذهب ناجزاً، وعوضه غائباً[14].

ومن الألفاظ النبويّة المستعملة بصورة حَدّية وقطعيّة في التقابض الفوري المطلوب في بيع الذهب بالفضة قوله عليه الصلاة والسلام: "لا بأس إذا أخذتهما بسعر يومهما فافترقتما وليس بينكما شيء"؛ وقد تقدم أنّ المديونية بين بائع الذهب ومشتريه لا تنقطع حتى يقبض المشتري حقه قبضاً حقيقاً من المصرف.

السبب الثاني: أنّ الشخصيّة الاعتباريّة، وبخاصّة التي يوجدها الإنسان دون الشرع لا يمكن أن يكون لها من الرخص والاستثناءات أكثر مما يكون للشخصيّة الحقيقية[15]؛ واعتبار القيد المصرفي بخاصّة والقبض الحكمي بعامّة هو تفضيل واضح على الحقيقي؛ وبيانه أن شخصاً لو أراد أن يبيع ذهبه لتاجر أو غيره، فاتفقا على أن يعطيه الذهب ويقيد الثمن ديناً في ذمة التاجر باعتباره قرضاً، ثم يفترقا على هذا النحو، فإن أحداً من الفقهاء لم يُجز مثل هذا الصرف حتى لو رضي صاحب الذهب وكان له من الثقة في ذلك التاجر أكثر من الثقة بالمصارف، أو أعطاه التاجر رهناً جعله بين يديه، وكانت قيمة الرهن أكبر من الثمن أضعافاً مضاعفة، وكان مما يمكن بيعه بيسر وسهولة، كحليّ أو أسهم ونحو ذلك.

المطلب الخامس: أركان القبض وآثاره لا وجود لها في القبض الحكمي في الأموال الربوية

القبض له ركنان، وآثار تترتب عليه، أهمها: نقل الضمان.

أما الركنان فهما: الأول: تعيين المقبوض أو تمييزه. الثاني: الاستيلاء على ما جرى تعيينه أو تمييزه. وهذان الركنان أشار إليهما الشيخ عبد الله بن منيع في كتابه (بحوث في الاقتصاد الإسلامي)[16]، كما نقلهما عن بعض الفقهاء القدامى كالإمام أبي حامد الغزالي.

لكن فسّر الشيخ الفاضل الركن الأول بأنه يمكن تحّققه بالتعيين الوصفي، بأن يذكر قدره وجنسه، ولا يشترط تحديد الذات الذي يمكن أن يقع بالقبض الحقيقيّ أو بالإشارة الحسيّة إليه أو بذكر اسمٍ عَلمٍ عليه خاص به، ولا يطلق على شيء آخر، وإن كان مشتركاً معه بالقدر والجنس[17]، ومن البدهي أن التحديد بالذات في الذهب لا يقع إلا بالقبض الحقيقي، ولا يقع بالأساليب الأخرى. وأيّ تحديد بالوصف في عقود المعاوضة لا يكون قبضاً، ويظل الموصوف شيئاً في ذمة الملتزم.

أما الركن الثاني، وهو أن يكون الشيء المحدّد بالذات تحت سلطان المستحق، وقد فسّره بعض المعاصرين بتمكّن المستحقّ من الوصول إلى حقّه في أيّ وقت[18]، والحقيقة أنّ التمكّن من الفعل ليس هو الفعلَ نفسه، ومن يتمكّن قد يفعل وقد لا يفعل لسببٍ يعود إليه كأن يمزق الشيك، أو يعود لغيره، كأن تحجز الدولة على محتواه أو على القيد المصرفي أو على المصرف كله. ومن يتمكن من المشي لا يكون ماشياً حتى يمشي بالفعل، وكل فعل إذا تمكن الشخص منه لا يعدّ فاعلاً له حتى يباشره وينتهي منه.

وأما الأثر المترتّب على القبض فهو نقل الضمان إلى القابض، بحيث إذا هلك هلك عليه؛ وهو معنى ما ذكرناه من وجوب انتفاء المديونيّة بحصول القبض. وما عبّر عنه ابن قدامة بقوله: "أن لا يبقى عُلقةٌ بين المتعاقدين". وقد تقدّم أن القبض الحكمي بجميع صوره لا يترتب عليه انتقال الضمان، سواء أكان شيكاً أو قيداً مصرفياً أو بطاقة ائتمان. وهكذا فإنّ القبض الحكمي الذي طغى على معاملات التجار والمصارف لا يستوفي أركان القبض، ولا تترتب عليه آثار القبض؛ فليس فيه تحديد لذات محددة يستولي القابض عليها، وتصبح تحت ضمانه إن هلكت هلكت عليه ولم يشاركه في الضمان أحد.

سيقال وقد قيل: تلك مقومات وآثار القبض الحقيقي، وأمّا القبض الحكميّ فلا يلزم أن يكون له تلك الأركان، ولا أن ينقل الضمان، وإنما يأخذ شرعيته من العرف والحاجة[19]، لكن قدمنا فرضاً أن الأمور الافتراضيّة التي تُسمى حكميّة أو اعتباريّة لا يصحّ افتراضها إلا إذا اجتمع فيها مع الحاجة عدم مصادمتها للنصوص، ولا تربو مفاسدها على مصالحها، ولا تعطى في بناء الأحكام عليها مثل ما يقابلها من الأمور الحقيقية، فضلاً عن أن تزيد عليها.

وإني أرى أن مسلك الافتراض وبناء الأحكام على مقتضاه إذا أسرفنا في التوسع فيه فإنه طريق من الطرق غير المباشرة إلى تحريف الدين ومصادرة بعض ثوابته؛ فما أعجبك منه أخذته، وما لم يعجبك افترضتَ له افتراضاً، وبنيت عليه ما تريد، فوصلت إلى مرادك من طريق كان مسدوداً، ففتحته بالافتراض؛ فهذا الأمر يحتاج إلى حذر شديد.

ومن جهة أخرى؛ فإن الأعراف ينبغي الاحتياط في اعتبارها وبناء الأحكام عليها؛ فإن كثيراً منها، وبخاصة الأعراف الحقوقية كانت غير معروفة عند أمتنا، ثم جعلت في قوانين ملزمة، ومع مرور الزمن تعوّد الناس عليها، وهكذا شأن الإنسان يمكنك أن تطبّعه بالإلزام، ثمّ يصبح ما فرض بالإلزام عرفاً، ومن المعلوم أنّ هذا المصدر الذي نشأت منه كثير من الأعراف لم يكن بريئاً من مخالفة بعض الثوابت الشرعية، كالربا صار عرفاً عند كثير من البشر.

نعم ذكر القبض الحكمي على لسان بعض الفقهاء[20]، ولكنها أمثلة ذكروها لقبض لا يكون باستعمال البراجم التي يتناول بها الإنسانُ الأشياء، ولا بملامسة الشيء المقبوض، ولكن بجعله في وضع يكون معيناً بذاته وتحت سلطان القابض لا يشترك معه في سلطانه أحد، ولا يحتاج إلى عمل شخص آخر للوصول إلى شيئه، كما لو وضع الشيء في وعاء يملكه، أو كان في بيته فوضعه على كنبته أو على طاولته أو بساطه وهو يراه، فيسكت ويقبل، ونحو ذلك.

ومن غرائب الأدلة والاستدلال أن يقيس بعض من قالوا بالقبض الحكمي من المعاصرين القيد المصرفي والشيك وبطاقة الائتمان على الوضع في وعاء القابض، يريدون القول: إن حساب الشخص في البنك كوعائه في بيته، فإن هذا تكلفٌ في القياس، والفرق فيه واضح؛ لأنّ القبض الحكمي الذي ذكره الفقهاء واعتبروه كالقبض الحقيقي تتحقق فيه الأركان التي ذكرناها؛ حيث يحدد المقبوض بذاته لا بوصفه، وجعلت تلك الذات تحت سلطان القابض، وتصبح في ضمانه، وليس شيء من ذلك كالذي ادعاه أولئك المعاصرون.

المبحث الثاني

التعامل بالذهب المصوغ

اعتبر بعض العلماء القدامى والمعاصرين الذهب المصوغ سلعة، وليس ثمناً من الأثمان.[21] وهو مذهب شيخ الإسلام ابن تيميّة وتلميذه الإمام ابن القيم، ولكنهم أخذوا ببعض الأحكام التي رتبها الإمامان على توصيف الذهب المصوغ، وتركوا بعضها؛ ذلك أن ابن تيميّة وابن القيّم أجازا بناء على ذلك التوصيف بيع الذهب المصوغ بالذهب وغيره من الأثمان تفاضلاً ونسيئةً؛[22] لكن هذا الفريق أجازوا فيه التفاضل بشرط أن لا يكون الذهب المصوغ أكثر من عوضه الذهبيّ، وبشرط أن يكون يداً بيد[23]. وهنا نقدّم عدة ملاحظات حول هذا الرأي، وذلك بعد أن نذكر أدلة الإمامين ابن تيميّة وابن القيم على قولهما:

1. استدلاّ أولاً بأنّ المصوغ من الذهب هو من جنس السلع لا الأثمان، وقالوا: المصوغ خارج عن معنى الذهب الذي ورد النهي عن بيعه متفاضلاً؛ حيث جاء ذكر الذهب والفضة في روايات، وجاء ذكر الدراهم والدنانير في روايات أخرى، فيحمل المطلق على المقيّد، كما حمله الفقهاء في باب زكاة الحلِيّ.

2. استدل ابن القيم بأنّ ربا الفضل حُرّم سدّاً للذريعة، وما حُرّم سدّاً للذريعة يباح للحاجة، وبيع المصوغ بالذهب متفاضلاً يسدّ حاجة الناس (سنفصلها فيما بعد)، بخلاف ربا النسيئة؛ فإنه محرم تحريم مقاصد[24]، ولنا على هذا القول وأدلته عدة ملاحظات نجعلها في المطالب التالية:

المطلب الأول: النصوص الواردة في بيع الذهب لا تحتمل التأويل بالقبض الحكمي

تحريم الربا في الذهب والفضة جاء في النصّ الشرعي عامّاً بلفظ الذهب والفضة، ووردت نصوص صحيحة وصريحة تؤكد هذا العموم، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "وزناً بوزن تبره وعينه"[25]؛ فالمدار على وزن الذهب في أي وضع كان فيه. والتبر هو الذهب قبل تصفيته من شوائبه، والعين مادة الذهب الخالص، وقد تطلق على المضروب، والراجح أنها عنصر الذهب الخالص.

وعلى أية حال، فالمضروب وهو الدينار كان من الذهب الخالص، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تبره وعينه" يشبه أن يقال: "عيار 14 وعيار 24 من الذهب"، والفرق بينهما قد يزيد على الفرق بين العيارين المذكورين. وما جاء في بعض الروايات: "الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم" إنما أريد به المعيار الوزني؛ فقد كان الدينار والدرهم يمثلان وزناً معروفاً متفقاً عليه عند الناس، فذكره في الحديث من هذه الحيثية، ولم يكن المقصود شكله وسكته، بدليل ما ورد في الأحاديث الأخرى "وزناً بوزن" بعد قوله: "الذهب بالذهب"، وقد كانوا يقولون: "في هذا الإناء مائة دينار ذهباً، وهذا الحِلْيِ فيه مائة درهم وَرِقاً"؛ فيكون قوله صلى الله عليه وسلم: "الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم" في كلّ ذهب وورق مصوغين كانا أو غير مصوغين[26].

وقد وردت أحاديث وأخبار صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدلّ على أنّ التحريم يَعُمُّ المصوغَ وغيرَ المصوغ؛ من ذلك:

- جاء في الموطأ: حدثني يحيى عن مالك بن يحيى بن سعيد أنه قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السّعدَين أن يبيعا آنية من الغنائم من ذهب أو فضّة، فباعا كل ثلاثة بأربعة عيناً، وكل أربعة بثلاثة عيناً، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربيتما فرُدّا"[27]، ولفظ آنية يقتضي صحتها وبقاء صياغتها -كما يقول الباجي- فهي نوع من المصوغات، وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجريان ربا الفضل فيها[28].

- وفي الموطأ أيضاً: عن مالك عن حميد بن قيس المكي عن مجاهد أنه قال: كنت مع عبد الله ابن عمر، فجاءه صائغ فقال له: "يا أبا عبد الرحمن: إني أصوغ الذهب، ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه فأستفضل من ذلك قدر عمل يدي"، فنهاه عبد الله عن ذلك، فجعل الصائغ يردّدُ عليه المسألة، وعبد الله ينهاه، حتى انتهى إلى باب المسجد، ثم قال عبد الله ابن عمر: "الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما؛ هذا عهد نبينا إلينا"[29]؛ فهذا فهْمُ ابن عمر رضي الله عنهما لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدينار بالدينار..."، وأنه ليس إلا وزناً معيناً من الذهب وأن وجوده في المصوغ كوجوده في المسكوك وغيره، وقد أكد ابن عمر هذا الفهم بالتكرار والسائل يلحّ عليه، ثم سمّى ما فهمه عهداً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصحابة رضوان الله عليهم؛ وإطلاق العهد على تفسير كلام الرسول يفيد القطع عند ابن عمر رضي الله عنه، وهو من أهل اللغة، وأهل الصحبة الطويلة مع الرسول عليه الصلاة والسلام.

- وروى مسلم في كتاب المساقاة عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب الذهب وزناً بوزن"[30].

المطلب الثاني: دلالة النصوص على ضرورة التضييق في مبادلات الأموال الربوية

تلك الأخبار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه رضوان الله عليهم واضحة في دلالتها على أن الشارع الحكيم أراد أن يكون التعامل بالذهب، وكذلك الأثمان الأخرى بيعاً وشراء في نطاق ضيق جدّاً، إذا كان مبادلة بعضها ببعض؛ فجعل له مسرباً واحداً هو مسرب التماثل والتقابض، وجعل ذلك حقّاً لله تعالى لا يصح الاتفاق على ما يخالفه، وأن المقصود هو جنس الذهب بعمومه وشموله، وكيفما كان وضعه.

ولكن ذلك الوضوح لم يصل إلى درجة القطع؛ لأنّ إمامين من أئمة الإسلام توصّلا بنظرهما في الأدلة والواقع إلى أنّ الشرع يسمح بالتفاضل والنسيئة في بيع الذهب بمثله أو بنقد آخر في حالة واحدة هي الحالة التي يكون الذهب فيها مصوغاً، وقد تقدم ذكر أدلة هذا القول، فلا بد من مناقشة تلك الأدلة ومعرفة مدى قوتها في الدلالة على استثناء المصوغ من شرطي التماثل والتقابض:

أ- فأما قولهم: المصوغ من الذهب هو من جنس السلع، لا الأثمان، ولا يدخل في النهي عن بيعه متفاضلاً حاضراً أو نسيئة، وأنّ الذي تناوله النصّ هو الدينار (الذهب المسكوك) فقط، حيث حملوا النصّ المطلق على المقيد، فحملوا الذهب على الدينار كما تقدم.

فإن هذا الحمل يتعارض مع الأخبار الصحيحة التي ورد فيها النصّ على شمول شرطي التماثل والتقابض لكل نوع من أنواع الذهب وفي أي شكل شكّله الإنسان، وورد في ذلك النصّ على الآنية المصوغة من الذهب، وعلى الحليّ. وقد تقدّم ذكر هذه النصوص.

والقياس على إخراج الحلي من حكم زكاة الذهب قياس مع الفارق؛ وهو أنّ النصوص الأخرى قيدت وجوب الزكاة في الذهب وغيره بأنْ لا يكون من الحاجات الأصليّة، فاعتبر فريق من الفقهاء التزين حاجة أصلية للمرأة، فأدخلوها في الخاصّ وأخرجوها من عموم الذهب، وأما المصوغ فلم يرد فيه ما يدلّ على إخراجه من الأموال الربويّة، وأنّ حكمها قاصر على الدينار والدرهم، بل وضحت النصوص أنهما لفظان لم يُرَد خصوص الاسم فيها، وإنما خصوص الوزن الذي يمثلانه، كما لو قيل: الأربعة غرامات ذهباً بأربعة مثلها، وذلك مهما كان اسم ذلك الوزن؛ فالدينار الذي ورد في مجموع النصوص يراد فيه المعيار حتى أجاز جماعة من الفقهاء استئجاره للوزن به لا لشيء آخر، وهو كذلك كما لو قال: (الصاع بالصاع): فإن قيل: هما مختلفان؛ لأنّ الدينار مسكوك وليس كذلك الصاع، كان هذا القول حجّة على المخالفين وليس لهم؛ لأنه يعني أنّ ما وردت عليه الصّنعة، وهي السكة في الدينار يظل مالاً ربويّاً يراعى في مبادلته مع الأثمان شرطا التماثل والتقابض، وكأن النصوص الواردة في بيع الذهب وشرائه جاءت في مراتب ثلاث من حيث العموم والخصوص لتأكيد العموم، بحيث لا يستثنى منه شيء؛ فجاء قوله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب..." عامّاً يعمّ جميع أنواع الذهب وأشكاله، ثم جاء قوله "الدينار بالدينار" وهذا أخصّ، أُريد به تأكيد العموم، حتى لا يُظنّ أن ما دخلته صنعة بسيطة يستثنى من العموم، ثم جاءت الأحاديث والأخبار تبيّن أن المصوغ أيضاً داخل في حكم ذلك العموم؛ فلا يبقى بعد ذلك شكل من أشكال الذهب إلا وهو داخل في ذلك العموم، ويجب فيه الابتعاد عن التفاضل والنساء.

ب- إنّ الاستدلال بحمل المقصود من قول الرسول صلى الله عليه وسلم "الذهب بالذهب" على قوله عليه الصلاة والسلام "الدينار بالدينار"؛ يعني الذهب إذا كان مسكوكاً على شكل دنانير، وأنّ شرط التماثل والتقابض يختصّ بالصورة الثانية. وأنّ الذهب في أوضاعه وأشكاله الأخرى هو سلعة كبقية السلع من ثياب ودواب وبيوت، لا يُشترط في مبادلتها مع نفسها ولا مع غيرها تماثل ولا تقابض.

إنّ هذا الاستدلال يلزم منه القول بأحكام لا يقول بها أحدٌ من الأقدمين والمعاصرين؛ ذلك أنّ جميع أشكال الذهب غير وضع المسكوك يجوز فيها التفاضل والتأجيل؛ فلا التبر ولا النقرة ولا العين ولا الحليّ يشترط فيها تماثل وتقابض، وأنه يصحّ أن يباع الكيلو غرام من التبر باثنين منه أو حتى من الذهب غير المسكوك معجلاً ومؤجلاً؛ لأنّ محلّ شرطي الربا بحسب الاستدلال المذكور هو المسكوك فقط.

بل إنّ الأخذ بهذا الاستدلال يلزم العلماء المعاصرين القول بأن الذهب، وكذلك الفضة لا تشملهما أحكام الربا بحال من الأحوال، لأنّ الذهب لم يبق منه شيء مسكوك؛ فلا دنانير ولا دراهم ولا غيرها؛ فينبغي أن يجوز التعامل بالذهب بناء على هذا الاستدلال كالسلع غير الربويّة؛ فيجوز أن يباع ما يسمى بالأونصة الذهبية بخمسين غراماً من الذهب، والسبائك كذلك، والليرات الذهبية، والذهب في شوائبه، والذهب نقيّاً من شوائبه؛ لأنّ شيئاً من الذهب لم يعد مسكوكاً، وهذا لعمري فيه مخالفة واضحة لما تقتضيه النصوص الصحيحة الصريحة من الأحاديث الشريفة وأخبار الصحابة رضوان الله عليهم، والتي ذكرنا طائفة منها فيما سبق.

ولعل الخلل هو في كيفيّة الاستدلال، وعلى التحديد: (متى يُحمل المطلق على المقيد؟) أو يحمل العام على الخاص؛ فإن مما تعلمناه عن علماء الأصول الأقدمين والمعاصرين أن إِفْرادَ فردٍ من أفراد العام بحكمه- أي بحكم العام- لا يكون تخصيصاً؛ حيث لا منافاة بين الحكم على العام وبين الحكم على أفراده بنفس الحكم، وشرط التخصيص المنافاة، بل قالوا: إنّ إفراد فردٍ من أفراد العام بحكم العامّ فيه تأكيد دخوله في العموم، وفيه نفي لاحتمال تخصيصه في المستقبل، وضربوا لهذا مثلاً أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أيما أهاب دبغ فقد طَهُر"؛ فهو عام لجلد الشاة والبقرة والإبل وغيرهما من مأكول اللحم وغير مأكول، ويدخل فيه أيضاً جلد المذبوحة وجلد الميتة. وكما في المثال أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم مرّ بشاة ميتة، فقال: "هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به"، فقالوا: إنها ميتة. فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما حُرّم أكلها"[31]؛ وفيه إفرادٌ لبعض أفراد العام وهو الشاة بحكمه، وهو الطهارة بالدبغ، فلا يكون فيه تخصيص، وكذلك قالوا في المطلق والمقيّد، وأنه كالعام والخاص في هذه المسألة، وأنّ ذكر بعض جزئيات المطلق بعده بحكمه لا تقيده[32].

وظني أنّ الاستدلال بحديث "الدينار بالدينار" على قصر النهي عن التفاضل والنسيئة على الدينار بحجة حمل المطلق على المقيد ليس في محله، وإنما هو مؤكد لحكم المطلق في المقيد، وإلا فإن هذا الاستدلال لو صحّ لوجب اعتبار الذهب بجميع أشكاله في هذه الأيام كأي سلعة لا يجري فيه ربا فضلٍ ولا ربا نسيئة.

غير أن أمر هذه القضية لا ينتهي عند هذا الحدّ؛ لأن طائفة أخرى من الأخبار والآثار الصريحة جاءت خاصّة في تحريم مبادلة الذهب والفضة إلا بالتماثل والتقابض عند اتحاد الجنس، والتقابض إذا اختلف، وكان موضعها آنية من الذهب ومصوغ من الذهب أيضاً، فأعطيت حكم العام "الذهب بالذهب". وقد أوردها مالك في الموطأ وأورد بعضها مسلم في صحيحه؛ فهذا مؤشر يشير إلى صحة رأينا في الاستدلال المعتمد عليه في بيع المصوغ وإخراجه من حكم العام أو المطلق.

المطلب الثالث: غياب الدافع لقول ابن تيمية وابن القيم في هذه الأيام

وهي أننا نسلّم بأن ما حرّم سدّاً للذريعة يُباح سدّاً للحاجة الماسّة، وأرى أن هذا هو الدافع الأساس لاجتهاد الإمامين، وأرادا جعل الجواز حكماً أصلياً وليس استثنائياً، فقالا: إنه صار بالصنعة سلعة.

ولكنّ القول بالحاجة مسوغاً لما حُرّمَ سدّاً للذريعة إذا أمكن تصورها في عهد الإمامين، فإنها لا تكاد تكون موجودة في عصرنا؛ ولتقريب المعنى وصورة المسألة، فلنفترض أن شخصاً عنده من المال ذهب، وأراد أن يشتري حليّاً لزوجته، فذهب إلى تاجر الحليّ، فعرض عليه أن يدفع ذهباً مقابل ما يريد من الحلي، فرفض التاجر أن يبيعه الحلي الذهبية بذهب خالص التزاماً بظاهر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب..."، فقال للزبون: اشتر بالذهب الذي معك فضّة، وتعال أعطيك الحليّ بما تساويه من الفضة، ولم يكن عند التاجر فضّة، وطلبه من كل مكان فلم يجده، فماذا يصنع حتى يشتري حلياً لزوجته؟ فهذه حاجة يمكن تصورها في عصر الإمامين: ابن تيميّة وابن القيم، حيث لا يجد الزبون أية طريقة للحصول على حليّ إلا بما جوّزاه للحاجة. ويكون الحكم استثناءً من الأصل، فإذا ذهبت الحاجة عاد الحكم إلى أصله وهو تحريم التفاضل بين الذهب والذهب مهما كان وضعه أو شكله، ويلاحظ أنّ الحاجة هنا شخصيّة ولا ينبغي تعميمها على المحتاج وغير المحتاج.

وفي عصرنا؛ فإنّ تلك الحاجة قد اختفت ولم يعد لها وجود؛ ذلك أنّ أيّ شخصٍ عنده ذهب يستطيع أن يبيعه ويحصلَ على مالٍ من غير جنس الذهب كالليرات والريالات والدنانير والدراهم والدولارات، ويحصل على ثمنه من هذه العملات في رمشة عين، ويشتري به حليّاً في رمشةٍ أخرى؛ فصارت الحاجة منعدمة في هذا الزمان، فرجع الحكم إلى التحريم.

والذي يتأمّل كلام ابن القيم في أعلام الموقعين الذي استدلّ به على جواز بيع مصوغ الذهب بالذهب تفاضلاً ونساءً، يدرك أنه افترض عدم وجود أي باب لسدِّ حاجة مالك الذهب إذا أراد شراء حلية، حيث يقول: "أما إن كانت الصياغة مباحة كخاتم الفضة وحلية النِّساء، وما أبيح من حلية السلاح وغيرها؛ فالعاقل لا يبيع هذه بوزنها من جنسها؛ فإنه سفه وإضاعة للصنعة، والشارع أحكم من أنْ يلزم الأمّة بذلك، فالشريعة لا تأتي به، ولا تأتي بالمنع من بيع ذلك وشرائه، لحاجة الناس إليه، فلم يبق إلا أن يُقال: لا يجوز بيعها بجنسها البتة، بل يبيعها بجنس آخر، وفي هذا من الحرج والعسر والمشقة ما تنفيه الشريعة؛ فإن أكثر الناس عندهم ذهب يشترون به ما يحتاجون إليه من ذلك، والبائع لا يسمح ببيعه ببر أو شعير أو ثياب، وتكليف الاستصناع لكلّ من احتاج إليه إمّا متعذر أو متعسّر، والحيل باطلة في الشرع..."[33].

فانظر إلى الصورة الواقعية التي كانت في عهد ابن القيم وأوصلها إلينا؛ فإنها صورة جَسَّدَ فيها حاجة الناس من ملاّك الذهب إلى الشراء به من الحلي ونحوها، ولو أن ابن القيم كان موجوداً في زماننا، ورأى أنّ مالك الذهب يمكنه بسهولة وبدون حرج أن يحصلَ على أية عملة يشتري بها ما يشاء من الحليّ، بل إن التاجر نفسه يمكن أن يشتريَ منه الذهب بنقد البلد، وبيعه في اللحظة نفسها ما يريد من الحليّ، لو رأى هذا اليسر في بيع الذهب بالنقود وشراء الحليّ بها لما أفتى بفتح باب التفاضل بين الحلي والذهب.

المطلب الرابع: حكمة شرط التماثل للأموال الربوية في حالة تجانسها

وهي ملاحظة شديدة الأهميّة، وموضوعها هو اشتراط التماثل في المتجانسيْن من الأموال الربوية بغض النظر عن القيمة الحقيقيّة لكل عوض؛ كيف نفسّر إباحة الشارع مبادلة كيلو غرام من تبر الذهب بمثله من نُقْرةِ الذهب أو عينه، مع أن الثاني قد يساوي في السوق ضعف قيمة الأول؟ وقل مثل ذلك مبادلة الذهب من عيار 24 أو عيار 21 أو عيار 14: كيف يشترط التماثل في هذه القيم المتفاوتة، فيُقبل المتماثل في الوزن أو الكيل مع أنه متفاوت في القيمة تفاوتاً قد يكون كبيراً، ويُبطّل غير المتماثل في الوزن أو الكيل مع أنه قد يكون متماثلاً في القيمة: انظر مثلاً مبادلة الأصناف الربويّة الأخرى عند اتحاد الجنس؛ حيث أمرنا الشرع بعدم النظر إلى الجودة والرداءة؛ حتى منع بيع كيلو من التمر الجيد إلا بمثله في الكيل أو الوزن مهما كان عوضه رديئاً، وقد يكون الفرق بين العوضين كبيراً جداً، وأباح بيع المثل بالمثل، وإن كان أحد المثلين أعظم قيمة في السوق من الآخر. إن هذا المسلك التشريعي الإسلامي يستدعي كثيراً من التفكير العميق لمعرفة مقصد الشرع فيه.

وأغلب الظن عندي أن الشرع أراد بفرض شرطي التماثل القَدْريّ والتقابض الفوري بالمعنى الحرفي، وسدّ منافذ التأويل التوسعي، مما يؤدي إلى تضييق شديد في تحقيق المشروط له، وهو بيع كل جنس من الأموال الربويّة بجنسها. وكأنّ المقصد هو إبعاد الناس عن هذا التّعامل، وهو مبادلة تلك الأموال الربويّة بجنسها، وأن يتجهوا إلى مبادلتها بغير أجناسها، فإن كانت من الأموال الربويّة المتشابهة في طريقة تقديرها لم يؤدَّ التفاضل فيها إلى أي مآل سيّئ. وإنما يستفيد الناس من تداولها، وتنقضي أنواع من الحاجات من جملتها تبديل العملات (الأثمان)، فتحصل على نوع من العملة التي تقضي بها حاجاتها، لكن الخطورة في تبادل هذه الأموال أن يُجعَلَ العوضان أو أحدهما مؤجلاً؛ لأنّ ذلك يفتح الباب لزيادة العوض المؤجل مقابل الأجل، وهي أنواع استراتيجيّة من الأموال لا يسمح الإسلام بفتح أي باب للاستغلال في تبادلها؛ لاعتماد الناس عليها في أقواتهم أو في قياس القيم التي تنطوي عليها السلع التي بين أيديهم. 

والذي يظهر لي أن المشرع الإسلامي يهدف إلى دفع الناس إلى تداول السلع الأخرى من غير الأموال الربويّة، وعدم الإكثار من تداول تلك الأموال بأجناسها؛ وذلك أنه لا فائدة تُرجى للأمّة من هذا النوع من التبادل إذا كانت من تلك الأصناف المنصوص عليها. ولم يشأ المشرّع أن يحرّم ذلك، وإنما اعتمد على تلك الشروط لإبعاد الناس عن ذلك الأسلوب من التعامل في الذهب وسائر الأموال الربويّة. وهي شروط تخاطب فطرة الإنسان، وهي الابتعاد عن تعاقد لا ينفعه ولا ينفع غيره، أو لا ينفعه وإن انتفع به شخص آخر. فهذه الفطرة تحقق مقصود الشرع من مسلكه في هذه القضيّة، إلا أن يريد الشخص الإحسان إلى غيره فيقبل بإعطائه الجيد بقدر مساوٍ من الرديء، وهذا أمر لا يرفضه الشرع.

وقد لخص أحد الباحثين الشباب من طلابنا في رسالته الموسومة بـ (الثمنية ومناسبتها لأحكام الذهب والفضة في الشريعة الإٍسلامية)، فقال: "إنّ الشارع بنهيه عن التفاضل في هذه الأجناس إذا بيعت بجنسها لم يقصد بها -والله أعلم- مجرّد هذه الصورة -يعني مصوغ الذهب بذهب أكثر- وأمثالها؛ فلا يُعقل أن يأتي النهيُ بمثل هذه الكثرة والشدّة على بيع لا يقع عادة، ولا يرضى به العقلاء؛ فإن من باع شيئاً مع تساوي الجودة والصياغة فإنه لا يرضى فيه إلا بالتفاضل؛ إذ لا يقع فيه أي نفع؛ فلا يكون نهي الشارع بهذه القوّة عن أمر تأباه العقول والطباع، وإنما يجب حمله على ممارسات مرغوبة"[34].

وهذا الذي ذكره يعني أنّ القول بإبطال الصياغة في الذهب لشرط التماثل يؤدّي إلى مصادرة الشرط في المآل بصورة مطلقة؛ لأن الناس لا تسمح لهم فطرتُهم بمخالفة ذلك الشرط، فهي تصدّهم عمّا أراد الرسول صلى الله عليه وسلم صدهم عنه.

المطلب الخامس: ضعف الاستدلال بالتحول الذي يطرأ على الذهب المصوغ

وهناك مسارٌ في النظر الفقهي يمكن أن يؤدي إلى النتيجة نفسها؛ أعني بطلان اعتبار الصياغة في الذهب سبباً لتحويله من مال ربوي إلى سلعة غير ربويّة يمكن التفاضل في مبادلتها بالذهب، ويمكن تأخير تسليمها أو تسليم ثمنها، كما في بقيّة السلع.

وننطلق في بيان هذا المسار من السؤال عن المعنى الذي يمكن أن يبنى عليه ذلك التحوّل في حكم الذهب؟ الظاهر من أقوال أصحاب هذا الرأي أن المعنى المؤثر في هذا الأمر هو دخول عناصر لها قيمة ماديّة على مادة الذهب؛ فحولته إلى سلعة غير ربويّة.

ويرد على هذا التأويل أن الذهب في الواقع له أشكالٌ كثيرة، وليس من شكل إلا دَخَلَهُ نوع من الصناعة والجهد المبذول، على تفاوت في قدر الجهود والأشياء المضافة إلى عنصر الذهب؛ فأول ما يستخرج هذا العنصر من مناجمه يُبذلُ فيه جهدٌ مقدر مادياً، ثم يبذل جهد إضافي تستعمل فيه الأيدي والأجهزة لتنقيته من الشوائب، فيتحول التبر إلى النّقرة (العين) بجهود إنسانية لها قيمة مادية بلا شكّ، ثم يُضرب الذهب العين ليصير نقداً مسكوكاً، وهذا يحتاج إلى جهد ونفقات وأدوات، ثم يصنع من الذهب وحدات مختلفة من حيث نقاؤها، اصطلح على تسميتها بأرقام تدلّ على درجة نظافتها من الشوائب، مثل: 24، 22، 21،  18،  14 ... الخ. وكل واحدة من هذه الوحدات المتفاوتة في نقائها لها درجات من حيث الكمال فما دونه، وكل درجة يُبذلُ فيها أنواع من الجهود المقدرة بالمال، وتختلف في مقاديرها بلا شك، وكل منها يمر في مستوى خاص من الصناعة والصياغة. ثم يُصنع من هذه الدرجات أو من عين الذهب أشكال من الكتل الذهبيّة، كالسبائك والأونصات والليرات وغيرها. وكل له نصيبه من الصناعة والصياغة، ثم يصنع من هذا العنصر الحلي والآنية بأشكالها المختلفة، وتتفاوت فيها كمية الذهب، والإضافات المضافة عليها من أشياء أخرى غير الذهب، ويجمعها أن الذهب فيها يمزج مع غيره ويجتمع معه اجتماع اقتران، كما هو في كل مخلوط أو مزيج، وليس اجتماع تفاعل كيماوي يتشكل منه مركب جديد يستحيل إلى شيء جديد ينزع عنه اسمه (الذهب)، بل يظل للذهب اسمه وخصائصه، ولا يختلف في هذه الصور إلا في الشكل والصاحب المصاحب.

والمقصود من هذا التصوير أنّ مشهد التداول الإنساني للذهب يشير إلى أنه في معظم أوضاعه لا يكون خالياً من شكل من أشكال الصناعة والتحويل والإضافة، وأن القول بأن الصياغة تحوله من ثمن إلى سلعة غير ربويّة، يمكن أن ينطوي على إعطاء هذا الوصف للذهب بجميع أشكاله، وقد وُجد من قال بهذا في هذا الزمان؛ وربما استدلّوا أيضاً بأن الناس قد تخلّتْ عن استعمال الذهب معياراً لقيم الأشياء ووسيطاً للتبادل[35]، وصار في وضعه الجديد كالبلاتين وسائر المعادن الثمينة. وهو رأيٌ يصادر النصوص الصحيحة الواضحة في دلالتها، ويعارض إجماع الفقهاء في موقفهم من تلك النصوص، ويؤدي إلى فوضى بالذهب رفعاً وخفضاً واستعماله مروّجاً وسمساراً لسلع تافهة تلصق به، بالإضافة إلى أنّ اعتباره مجرد سلعة يخرجه من وعاء الزكاة إن لم يستعمل في التجارة؛ لأنه سيكون مجرد سلعة من عروض القِنية. وهناك آثار أخرى تصادر أحكاماً أخرى ربطت في الفقه بالذهب باعتباره ثمناً. وإذا أضفت إلى هذا ما نبهنا إليه في مسألة اعتبار القيد المصرفي قبضاً مقبولاً في التعامل بالذهب كَمُلت الفوضى وتعكرت المياه وصارت مجالاً واسعاً لاصطياد المكاسب المحرمة، وإفساد عالم التجارة على وجه هذه الأرض.

وهذه صورة لا يقبلها الشرع وتتعارض مع النصوص الشرعيّة، والتزام الشرع في نظري يقتضي عدم تكلّف تأويلات لها؛ لأنها نصوص، ولا اجتهاد فيما وردت فيه؛ فما ورد من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "الذهب بالذهب...." ينبغي أنْ يطبق بعمومه وشموله لكلّ أشكال الذهب، سواء من حيث اشتراط التماثل والتقابض عند اتحاد العوضين في الجنس، ومن حيث اشتراط التقابض الحقيقي عند اتحاد الجنس أو اختلافه إذا كان العوض المقابل من الأموال الربويّة المشابهة للذهب في العلة.

المطلب السادس: ردود على اعتراضات المخالفين

حاول بعض العلماء الأفاضل توهين الاستدلال ببعض الأحاديث التي كانت دلالتها صريحة على تحريم بيع مصوغ الذهب بذهب، ومن ذلك:

أ- قولهم: إنّ ذهب القلادة التي أبطل الرسول صلى الله عليه وسلم بيعها بذهب كان أكثر من الثمن، وأنه يرى بطلان بيع المصوغ بذهب أقلّ مما يحتويه[36].

ويمكن الجواب عن هذه الشبهة من جهتين:

الأولى: أن التعليل المنصوص عليه في الرواية ذاتها هو في قوله عليه الصلاة والسلام: "الذهب بالذهب وزناً بوزن"، ولم يعللْها بزيادة الذهب الذي في القلادة، وتعليله صلى الله عليه وسلم يعني أنّ الذهب الذي في القلادة لو كان أقلّ من الثمن لظلّ العقد باطلاً؛ فإنّ قوله "وزناً بوزن" تأكيد لوجوب التماثل في الوزن وإن كان المبيع مصوغاً ذهباً.

والثانية: أنّ ربط الحكم بعلّة معينة يقتضي وجوب الحكم بتحقيق العلّة، والعلّة التي اعتمدها ابن القيم هي صيرورة الذهب المصوغ سلعة غير ربويّة، والسلع لا تعتمد صحّتها على مثل هذا القيد (أعني أن يكون أحد العوضين أكثر)؛ ثمّ قد يكون بعض الناس بحاجة للحصول على الذهب الخالص وليس عنده إلا القلادة، فيبيعها بذهب أقلّ من ذهبها الملتصق بغيره، ولكنه يقضي حاجته بما حصل عليه من الذّهب الخالص، وحمل الجواز على صورة دون صورة وكلاهما تحملُ علة الحكم تحكُّم.

ب- وأمّا قولهم: إنّ حديث القلادة مضطرب، فيُردّ عليه أن الاضطراب الذي يُشار إليه كان في مبلغ الثمن، ولا يؤثر على أصل الحكم المعبَّر عنه في الحديث بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذا البيع: "الذهب بالذهب وزناً بوزن"، على أنّ هذا الحديث قد تأكد بأخبار أخرى موقوفة في حكم المرفوعة، كخبر ابن عمر مع الصائغ، وحديث يحيى بن سعد، وما كان يفعله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة في بيع الآنية.

جـ- وقالوا أيضاً: فيه حرج عظيم من حيث إنه أمر فيه بفصل الذهب عن الخرز، وأنّ ذلك إتلاف لا يأتي به الشرع؛ وهذا ظنٌّ لا ينبغي أن يردّ به الحديث الشريف؛ فقد لا يكون حرج في فصل الخرز عن الذهب؛ إذ قد يكون فصلها ميسوراً، بأنْ تكون حبات الخرز وقطع الذهب متمايزة وليست متصلة إلا بالتلامس؛ وقد وردت بعض الروايات أنّ القلادة كان يعلق فيها خرز مع الذهب، وكذلك فإنّ بيع القلادة بالذهب غير متعين لرفع الحرج؛ إذ يمكن رفعه ببيع القلادة بالفضة وشراء الذهب بالفضة، وحتى لو وُجد حرج في عملية الفصل، وصحّ الأمر به، فالواضح أنّ المراد هو التشديد في المنع؛ وكأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك البيع، وأنه لا عذر لأحد في مخالفة هذا النهي.

المبحث الثالث

تطبيقات مصرفية في التعامل بالذهب

أولاً: هناك نوع من التعامل المصرفي بالذهب لا يكاد أحدٌ من العلماء يقول بجوازه شرعاً، إلا إذا وجد في هذا الزمان من يقول بصيرورة الذهب بجميع أشكاله سلعة غير ربويّة، وهو ما يُسمّى بمعاملات الذهب غير معين المكان[37].

وقد تباينت التعليلات لهذا الحكم بين العلماء والباحثين؛ فنظر بعضهم إلى غرض المتعاملين بهذا النوع؛ حيث لا يبتغون الحصول على الذهب الذي يُقيّد لهم في المصرف، وإنما يريدون الاستفادة من تقلبات أسعاره، والحصول على الربح من فروق أسعاره[38].

وقد كان مقتضى القول باعتبار القيد المصرفيّ قبضاً حكمياً، كالقبض الحقيقي أنْ يعتبر هذا النوع من التعامل صحيحاً، ولكن بعضهم علل عدم الجواز فيها بضعف الثقة بوجود الذهب في مكان القيد، ولكن هذا التعليل قد لا يكون كافياً؛ لأنّ عدم الثقة معنى لا يؤثر في الأوصاف التي تعتبر عللاً شرعيّة، وقد تختلف من شخص لآخر، ومؤسسة لمؤسسة، ودولة ودولة، وغير ذلك. وربما توجد حاجة للتعليل بعلة أخرى، وقد يتقوّى هذا التعليل بأنّ ثقة الناس لها أثر في اعتبار التصرّف؛ لأنها معبّرة عن العرف، والناس يعلمون أنّ هذا الذهب غير موجود وقت التعاقد، ولو ذهبوا إلى المصرف لما وجدوا ذهباً، وإنما وجدوا قيداً مصرفياً بثمن الذهب من النقود، وكأن صاحب هذا القول يرى أنّ القيد المصرفي لا يُعتبر قبضاً حكمياً في حقّ الذهب، ويعتبره كذلك في حقّ النقود، وهذه خطوة فقهيّة مؤثرة في التخفيف من المضاربات بالذهب وما يترتب على ذلك من مفاسد أشرنا إلى بعضها فيما سبق.

وقد رأى بعض العلماء أنّ السبب في التفريق السابق بين الذهب والنقود من حيث اعتبار القيد المصرفي قبضاً حكمياً "أن الذهب والفضة أعيانهما مقصودة لذاتها، ولا تحصل آثار القبض إلا بقبض أعيانها، بخلاف النقود الورقية؛ فإن قيمتها اعتباريّة، والمعول عليه هو القيمة الاسميّة لها، وهي تختلف باختلاف ذواتها إذا كانت من عملة واحدة"[39]، ولكن مثل هذا يمكن أن يقال بخصوص الذهب أيضاً، وتعيينه بالوصف أو الوزن ونسبة النقاوة وطريق السبك وسائر المحددات التي تشترك فيها أعدادٌ غير محصورة.

لكن صاحب هذا القول أضاف فرقاً آخر أراه أكثر تأثيراً من الأول وأكثر ظهوراً؛ وهو أنّ آثار القبض الحكمي تظهر في النقد الورقي بصورة أكبر مما تظهر في الذهب؛ حيث يتمكّن من قُيّدت بحسابه من التصرف بما قيد له بأكثر مما يتمكن في الذهب المقيد له، وقد يُعقب على هذا بأنّ القبض الحقيقيّ يتيح للقابض من التصرف بما قبض أكثر من القبض الحكميّ؛ فوجب أنْ يترتب على هذا الفرق فرق في اعتبار القبض الحكمي وعدم اعتباره في مجالات دون أخرى.

ويمكن أن يُردّ على اعتبار القيد المصرفي قبضاً في سائر العملات بأنه يفتح باباً واسعاً للمضاربة بها، ومصلحة الناس في نظري هي في إغلاق أحد مصراعي الباب وترك الآخر مفتوحاً، أعني عدم اعتبار القبض الحكمي محققاً لشرط التقابض، واعتباره كذلك في الأموال الأخرى أو حيث لا يشترط الشرط المذكور، ويتأيد هذا بأن القبض يعني ما ذكره الشيخ عبد الله المنيع في كتابه (بحوث في الاقتصاد الإسلامي)، وهو تمييز الشيء المقبوض والاستيلاء عليه، أي على ذاته المتميزة، ولا يكفي التمييز بالوصف الذي يقتصر عليه القبض الحكمي.

ومع أن هذا يعني عدم اعتبار القبض الحكمي في حقّ الجميع، لكن يمكن اعتبار الحاجة ماسّة لقبوله في غير الأموال الربويّة عند مبادلة بعضها ببعض؛ حيث لا يُشترط فيها التقابض الفوري، ولا يؤثّر في عقودها التأخر في التسليم إلا في بعض الحالات المحدودة، واعتبار القيد المصرفي بشروط تضمن حقوق الملكيّة كاملة للمستفيد يحقّق من المصالح ما يربو على المفاسد، بعكس اعتباره في الثمنيات ذهباً كانت أو عملات.

ومن أنواع معاملات الذهب غير معيّن المكان شهادات الذهب وشهادة الإيداع بالذهب، والحساب الادخاري بالذهب، وغيرها، ويجمعها جميعاً أن العميل عندما يشتري ذهباً يُقيّد له ذلك من غير وجود ذهب معيّن بذاته، يشتري ويبيع، ولا يقبض ذهباً، وإذا رغب في الحصول على ذهب بقدر ما قُيّد له اشترى له المصرف من تجار الذهب بسعر السوق، ويأخذ البنك أرباحاً تحت أسماء مختلفة. وعلى أية حال؛ فإنّ العميل يشتري ذهباً موصوفاً ولا يقبضه ولا يراه، وكذلك يبيع مثل ذلك، وإذا أراد الحصول على الذهب لم يجد ذهباً محدّداً له، وإنما يشتريه البنك للعميل.

فهذا النوع من التعامل بالذهب ينبغي أن تبتعد عنه المصارف الإسلاميّة، ولا أرى أن يقبل التعديل والإضافة ما دام سبب التحريم السابق موجوداً فيه، وقد أحسن الشيخ عبد الله المنيع في تحريم هذا النوع من التعامل بالذهب، وعلل ذلك بضعف ثقة الناس في وجود الذهب الذي يشترونه، والحقيقة أنهم لا يسألون عن وجوده في أكثر الأحيان، ولا يقصدون الحصول عليه وقبضه، وإنما تحصيل الأرباح بالتصرف في تلك الأنواع من الصكوك أو الشهادات، ويمكن أن يقال إن هذا هو العرف السائد في هذا النوع من حسابات الذهب، فهل يؤخذ بهذا العرف؟! ولذلك فإن الأولى هو في التعليل المذكور، وهي شراء ذهب موصوف غير مقبوض.

ثانياً: معاملات الذهب المعيّن المكان في المصارف[40]:

1. لا شكّ في تحريم بيع الذهب أو أي عملة من العملات بطريقة العمليات الآجلة، ويكون العقد فيها باطلاً، ولا يُعتدّ به شرعاً، ولا تترتب عليه آثاره، وذلك بإجماع العلماء في الماضي والحاضر، وهذا سواء كان التأجيل للعوضين أم كان لأحدهما؛ لفقدان شرط التقابض في هذا الأسلوب من التعامل بالذهب.

ويدخل في هذا الأسلوب أن يُباع الذهب بطريقة المرابحة المصرفية، وبأسلوب الإجارة المنتهية بالتمليك؛ لعدم جواز إجارة الذهب عند الفقهاء إلا لاستعماله في الوزن أو في التزّين، وهذان يستبعدان في هذا العقد.

والسبب الآخر هو تأجيل تسليم الذهب إلى مدة، مع أن هذه الإجارة إن لم تكن بيعاً فهي في حكم البيع، ومما ترجح عند الفقهاء أن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني.

وعلى أية حال؛ فإن ما تقدم يقتضي بطلان هذا النوع من التعامل بالذهب، وأن تبتعد المصارف الإسلامية عن تمليك الذهب بهذا الأسلوب، ومما يدخل في هذا النوع أيضاً بطلان أي نوع من صيغ التمويل التي تكون السلعة فيها ذهباً مؤجل التسليم، فيضاف إلى ما تقدم شراء الذهب عن طريق البطاقة الائتمانية؛ لأنّ المشتري فيها يقبض ذهبه، ويدفع مقابله مالاً غير حاضر، ولا يتفرق العاقدان وليس بينهما شيء كما طلب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ذلك أنّ المبلغ سيجري تحصيلُه من المصرف المصدر للبطاقة بعد فترة من الزمن لا تقل عن أسبوع أو تزيد، وهذا تفويت لشرط التقابض الفوري بتأخير قبض الثمن.

ومن هذا القبيل: بيع الذهب بالكمبيالة والسند الإذني، لأنهما عبارة عن وثائق مثبتة للحقوق والديون، وَقبضُها لا يعتبر قبضاً كما تثبته لا حقيقة ولا حكماً.

2. إذا كان الذهب موجوداً بالفعل في المصرف، ويتعامل ببيعه وشرائه، فإن كان يبيعه بنقد، فالصحيح من ذلك أن يقع التقابض بين المصرف والعميل، وتعيين المبيع وهو الذهب يكون بتمييزه عن غيره بتحديد القطعة برقم أو ختم خاص بها، وتحديد وزنها، أو أي شيء آخر يميزها عن غيرها ويراه المشتري أو وكيله، ويسجل ذلك في عقد البيع. فإذا تعيّن المبيع كان قبض الثمن إما بدفعه إلى المصرف، أو بتحويل قدره إلى حساب البنك، وبالحصول على إقرار من البنك بأنه تسلم ثمن ذلك الذهب المبيع المعيّن، ويذكر قدر الثمن. وبهذا يحصل بيع الذهب بالنقد، ثم لمشتري الذهب بعد ذلك خياراته: فإما أن يأخذ ذهبه ويضعه حيث يشاء، وإما أن يودعه في خزائن البنك على النحو المعروف في الفقه الإسلامي، وإما أن يجعله في حساب جارٍ بحيث يعتبر قرضاً للبنك. ويلاحظ هنا أنّ أيّ مسار يختاره مشتري الذهب يجب أن يكون منفصلاً عن أول عقد وهو عقد شراء الذهب المعين، وأن يكون بعد تمام ذلك العقد. ثمّ لصاحب الذهب إذا وضعه في حساب في البنك أن يسحبَ منه ما يشاء من الذهب المماثل لما أودعه، وله أن يضيف عليه أو يسحب بعضه؛ حيث هو قرض يدخل في ملكية المقترض ويخرج من ملكية المقرض، وله أن لا يقرضه للبنك، ولكن يجعله في وديعة استثماريّة يكون المصرف فيها مضارباً والمودع صاحب رأس مال هو الذهب. وهنا يظل الذهب مملوكاً لصاحبه، فإن اشترى به المصرف شيئاً بحكم الوكالة المتضمنة في المضاربة كان هذا الشيء ملكاً لصاحب الذهب، ثم في نهاية المضاربة توزع الأرباح بحسب الاتفاق.

3. إذا كان الذهب موجوداً في المصرف، ولكنه إذا اشترى منه العميل يتم تقييده في حسابه من غير تعيين للقطع الذهبيّة المشتراة بما يميز ذاتها، ولا يراها المشتري، وإنما تقيّد في حسابه باسمه؛ فبناء على اعتبار القيد المصرفي قبضاً ينبغي أن يجوز ذلك، ويعتبر المشتري كأنه قبض الذهب، وإن لم يره ولا عرف القطعة التي دخلت في ملكه (لو دخلت)، والحقيقة أن بيع الأثمان بل المثليات جميعاً بالاقتصار على ذكر أوصاف المبيع دون تحديد ذاته يكون بيعاً موصوف في الذمة، وهو لا يتحقق به القبض الذي ورد ذكره في الأحاديث الصحيحة: "يداً بيد" "هاء وهاء" "وزناً بوزن".

وأغلب ظني أن الأعراف لا ترد على الألفاظ الشرعية الخاصّة الصريحة التي لا تحتمل التأويل، فلا يتصور بيع المحدّد بوصفه يداً بيد في مجلس العقد، ويمكن أن يقبل ذلك فيما لم يشترط الشرع فيه أن يكون يداً بيد.

ومن صور معاملات الذهب المعين المكان في المصارف: الصورة المسماة (الذهب برسم البيع)، حيث يحصل تاجر الذهب من المصرف على كمية محددة من الذهب يحفظها في محله التجاري، وتبقى ملكاً للمصرف، وتكون أمانة في يد ذلك التاجر، ولكنها أمانة مضمونة عليه، ويُلزمه المصرف بإيداع مبلغ نقدي يزيد على ثمن ذلك الذهب في حساب محجوز لا يجوز السحب منه وما في حكمه، ويظل كذلك إلى أن تجرى تصفية هذه الصفقة، والسؤال هو: هل يجوز للمصارف الإسلامية وعملائهم من تجار الذهب أن يتعاملوا بهذه الصيغة؟ وجواب هذا السؤال يقتضي النظر في جزئيات هذه الصيغة:

- غرض التاجر من هذه العملية هو بيع الذهب الذي جعله المصرف وديعة عنده، وإنما أراده وديعةً لا شراء حتى لا يتحمّل نتائج تقلّب سعر الذهب والعملات، فإذا جاءه مشتر للذهب، فإنّ ذلك التاجر يتصل بالمصرف، ويطلب منه أنْ يسجل عليه الكمية التي يريد بيعها لزبونه، فيقع بيع أوّل للذهب، يكون البائع فيه هو المصرف والمشتري هو التاجر، وقبضه للذهب حاصل، إذ هو كان قد قبضه مسبقاً، وقد جعل مضموناً، فهو قبض ضمان لا قبض أمانة، وأما قبض المصرف للثمن فحقيقته إسقاط جزء من القرض بسداده، وهو دين في ذمة البنك، ثم يجري بيع ثانٍ للذهب الذي تملكه التاجر من المصرف.

- وغرض المصرف هو الاستفادة من المبلغ الذي أودعه التاجر عنده وديعة محجوزة عن صاحبيها، التصرف بها متاح للبنك. ومن أجل معرفة حكم الشرع في هذه الصيغة لا بد من الإجابة عن الأسئلة التالية:

أ- هل يجوز اشتراط الضمان في الوديعة؟ والجواب أنه لا خلاف بين الفقهاء في بطلان هذا الشرط؛ وعللوا ذلك بأنّ هذا الشرط منافٍ لمقتضى العقد فلا يعتبر، ولأن الوديع يحفظها لمالكها فتكون يده كيده، ولأن قبض العين بإذن مالكها لا على وجه التمليك ولا الوثيقة أي الرهن؛ فلا يضمنها لعدم وجود سبب من أسباب الضمان، لكن الحنفية قالوا: إذا كانت الوديعة بأجر، فإنها تكون مضمونة على الوديع[41]، وفي هذه الصورة هل تعتبر الوديعة مأجورة؟ وهل يُعتبر أجرها تمكين الوديع من التربح بسببها؟ ولكن إذا كان هذا هو الأجر، فإن القياس العام يقتضي فساد هذا العقد؛ لأنّ الأجرة غير معلومة، ولأنها قد تحدث وقد لا تحدث.

لكن الفقهاء لم يروا بطلان الوديعة إذا اشترط فيها الضمان على الوديع، وإنما يبقى الوديع غير ضامن، ويبطل الشرط. ومع ذلك فإنه يمكن القول بأن المصرف لا يقبل إيداع ذهبه إلا إذا كان مضموناً؛ فلا يكون توافق بين الإرادتين، ويكون العقد باطلاً.

ب- هل يصلح في صرف الذهب إسقاط دين لمشتريه على المصرف، والدين هو القرض الذي يودعه العميل في البنك؟ والجواب أنّ ذلك جائز عند الحنفيّة والمالكية، ويسمونه "صرفاً في الذمة"، ولا يوجد في هذا الأمر مشكلة.

جـ- لكن هناك تساؤل آخر قد يثير إشكالاً، وهو شرط المصرف على تاجر الذهب فتح حساب، هو في حقيقته قرض إلزامي للمصرف من التاجر، وهو بقيود مشددة عليه تُضيّع حقوق المقرض الأساسيّة، ولكنه يقبل به لما يجلب له من نفع مأمول، وهو ما يحققه من ربح بشراء الذهب وبيعه للزبون، وفي البنوك التجارية تكون له فوائد. وعلى فرض عدم وجود الفائدة الربويةِ، فإنه يبقى قرضاً سيئاً جرّ نفعاً، وفيه شبهة الربا. وهذا النظر التحليلي يشير إلى رجحان تحريم هذه الصيغة من التعامل، ولا يظهر أنّ مصرفاً يقبل بتطهير هذه المعاملة من المخالفة الأولى والثالثة.

4. في الصورة السابقة إذا لم يكن مع التاجر المبلغ المطلوب إيداعه، يعطيه المصرف قرضاً يكمل به المبلغ الذي يشترطه البنك؛ فالبنك يقرضه ليقرض هو البنك ويحقق شرطه، وهذا الحالة أكثر بعداً عن الأصول الشرعيّة، إذ فيها من المخالفات ما في الصورة السابقة، ويضاف إليها اشتراط المقرض، -وهو البنك- أن يقرضه المقترض ما أخذه من البنك، ولا شك في أن هذين قرضان كلٌّ منهما يجر نفعاً للمقترض.

5. ومن المعاملات المصرفية التي تجري في الذهب ما يسمى بالقروض الذهبيّة؛ وهي إقراض المصرف لتاجر الذهب كميّة محددة من الذهب إلى مدة معلومة، ويردّ التاجر مثل الذهب الذي أخذه، ولكن يشترط عليه المصرف أن يضع مبلغاً لا يقلُّ عن قيمة الذهب الذي أقرضه للتاجر، إما في حساب جارٍ أو حساب وديعة، ويكون هذا المبلغ محجوباً عن صاحبه في أي تصرف، فإن لم يتمكن من دفع المبلغ وفتح الحساب لم يقبل المصرف إقراضه إلا إذا ضمنته شركة تأمين لصالح المصرف، وتكون أقساط التأمين على التاجر.

وبالنظر في جزئيات هذه العملية نجد ما يأتي:

أ- إقراض المصرف للتاجر بدون فائدة في أصله عمل مشروع بشرط أن لا يجر منفعة.

ب- وكذلك فتح حساب جار أو وديعة.

جـ- الحكم السابق وهو الجواز يكون إذا كانت هذه العقود منفصلة، ولم يكن أحدها شرطاً للآخر. والحال هنا أن هذه قروض متبادلة، ولكل طرف منفعة في قرضه؛ فهي قروض تجر منفعة للمقرض، فليست قروضاً حسنة. فإن كان المبلغ المشروط وضع في حساب جار كان قرضاً مقابل قرض؛ لأنّ الحساب الجاري يعتبر قرضاً يتصرف البنك فيه تصرف المالك. وأما إن وضع في حساب وديعة، فهو كذلك قرض ذهب بمنفعة للبنك، وحتى الجزء الذي لا يستثمر من الوديعة بالشرط يعتبر قرضاً.

وحاصل ما تقدم مخالفة هذا النوع من التعامل لأصل شرعي، وهو خلوه من الربا أو شبهة الربا، فهو حرام لا يصحّ التعامل به إلا أن يصفى من أسباب التحريم التي أشرنا إليها، بأن يقرضه الذهب مثلاً ويأخذ عليه رهناً من التاجر المقترض كأرض أو منزل أو نحو ذلك؛ ولا يقال: فتح الحساب الذي يشترطه البنك هو رهن؛ لأنه في حقيقته قرض، ولو كان رهناً لما صحّ للبنك أن يتصرف به. وأما ضمان شركة التأمين للتاجر، ففيه مخالفة ما ترجح من حرمة التأمين التجاري. وحتى لو كانت الشراكة من شركات التأمين الإسلامي فإنّ تحريم هذا التعامل يأتي من جهة أخرى؛ وهي أنّ الكفالة لا يؤخذ عليها أجر، وبخاصة وإذا كان موضوع الكفالة مبلغاً مالياً.

النتائج

خلص هذا البحث بعد مناقشة المسألة من جوانبها، وعرض أدلتها، ونقد الاعتراضات إلى ما يأتي:

- تجارة الذهب يجب أن يلتزم فيها التجار بشرطين شدّد عليهما رسول الله صلى عليه وسلم، وهما التماثل الكمّي والتقابض الفوري.

- ما يسمى بالقبض الحكمي هو قبض غير حقيقي، وهو محض افتراض أُعطي من الرخص والامتيازات ما يزيد عن القبض الحقيقي من غير ضرورة أو حاجة ماسة.

- التزام التقابض الفعلي قبل التفرق في التعامل بالذهب والفضة والأثمان، وعدم الترخص بالقبض الحكمي بما يشتمل عليه من الشيكات والقيد المصرفي وبطاقات الائتمان.

- يمكن الاعتماد على القبض الحكمي في السلع والخدمات، واستيراد الحاجيات والضروريات والكماليات مما لم يشترط ديننا الحنيف فيه التقابض قبل التفرق.

- اعتبار الذهب المصوغ سلعة غير ربوية لا يشترط فيها التماثل غير صحيح، وهو اعتماد على قول بعض الفقهاء في عصور غابرة كانت فيها حاجة ماسة لمن أرادت من النساء شراء حلي لها، وليس معها سوى ذهب غير مصوغ، ولا يجوز القياس على مثل هذه الجزئية.

- تجارة الذهب بصورها المختلفة مما يدخل في الربا أو شبهته، سواء في صيغة ما يُسمّى بمعاملات الذهب غير معيّن المكان، وصيغة معاملات الذهب المعيّن المكان في المصارف.

 

(*) مجلة الفتوى والدراسات الإسلامية، دائرة الإفتاء العام، المجلد الأول، العدد الخامس، 1443هـ/ 2021م.

الهوامش


[1]  انظر: الشحي، يوسف بن عمر، قواعد التقديرات الشرعية وتطبيقاتها في المعاملات المالية، رسالة دكتوراة، ص 224 و223 و235 و236، الشنقيطي، دراسة شرعية لأهم العقود المالية المستحدثة، ج1 ص402 و403. القره داغي، علي، بحث القبض: صوره وبخاصة المستجدة منها، ص589 وما بعدها. الزحيلي، المعاملات المالية المعاصرة، ص 168.

[2]  انظر: الربعي، عبد الله، التخريج الفقهي للقيد المصرفي، مكتبة الرشد، السلسلة: دراسات فقهية في معاملات مالية معاصرة، 2005. الإيجابيات والسلبيات للأسواق المالية في جريدة السبيل، 1/3/2020م.

 [3] انظر: موقع إسلام ويب، فتوى رقم 126193، تاريخ النشر 17/9/2009. موقع الإسلام سؤال وجواب، المشرف العام محمد صالح المنجد، تاريخ النشر 3/1/2009 و12/4/2019، كتاب فشل الأسواق المالية (البورصة)، ص 7،30 نشر دار المكتبي. نادي خبراء المال، سلبيات أسواق المال، 23/8/2015.

[4]  انظر: ابن عبد السلام، العز، القواعد الكبرى، ج2 ص205. القرافي، الفروق، ج1 ص164، 294 وج2 ص441 و648. المقّري، القواعد، ج2 ص501. الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، ج1 ص127 و311. ابن القيم، بدائع الفوائد، ج3 ص217. ابن السبكي، الأشباه والنظائر، ج1 ص110.

[5]  القرافي، الذخيرة، ج3 ص23 و648. الندوي، جمهرة القواعد والضوابط الفقهية، ج2 ص459. ابن السبكي، الأشباه والنظائر، ج1 ص97. الحصني، القواعد، ج1 ص200. الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، ج1 ص311، الشاطبي، الموافقات، ج1 ص508، وما بعدها. وفي هذا المعنى قال الفقهاء في شروط إعمال الضرورة "أن لا تندفع الضرورة بوسيلة أخرى سوى المخالفة الشرعية": الباحسين، رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ص 603. قاسم، نظرية الضرورة، ص165.

[6]  هذا تفسير لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود عن ابن عمر في صرف ما في الذمة: "لا بأس إن لم تفترقا وليس بينكما شيء" الخطابي، معالم السنن، ج3 ص73 و74. وانظر: المغني والشرح الكبير، ج 4 ص173.

[7]  السالوس، علي، بحوث في المعاملات المصرفية، ص52 و55. المصري، رفيق، موقف الشريعة الإسلامية من المصارف المعاصرة، ص203. السراج، محمد، مجلة المجمع الفقهي، ص730. قرار المجمع الفقهي بجدة، رقم 86/9/3 في دورته التاسعة في أبو ظبي، 1415هـ 1955م.

[8]  ابن الهمام، الكمال، شرح فتح القدير، ج5 ص282. التقرير والتحبير، ص282. القرافي، الفروق، ج1 ص171 و173 و174 . العطار، حاشية العطار على جمع الجوامع، ج2 ص70 و71 و84.

[9]  روى الإمام البخاري أكثر من حديث يدل على ما ذكرناه من أمر الرسول أصحابه بمراعاة شرط التقابض العيني، وأمر زيد بن عازل وزيد بن أرقم بإبطال العقود التي كانوا يجرونها ولا يراعون شرط التقابض في أجناس الأموال الربوية في أحاديث رواه البخاري ومسلم. انظر: ابن الملقن، التوضيح لشرح الجامع الصحيح، ج14 ص79،82 وج16 ص91.

[10]  رواه البخاري في كتاب البيوع باب التجارة بالبُرّ.

[11]  شرح صحيح البخاري.

[12]  العين.

 [13] رواه مسلم، صحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب الصرف.

[14]  رواه البخاري ومسلم، ونصه في البخاري من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تُشفّوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الوَرق بالوَرق إلا مثلا بمثلا ولا تُشفّوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائبا بناجز" انظر: عبد الباقي، محمد فؤاد، اللؤلؤ والمرجان، رقم الحديث 1021 ص386.

[15]  القرافي، الفروق، ج1 ص340. السرخسي، المبسوط، ج26 ص136. الزركشي، المنثور في القواعد، ج1 ص236. الشربيني، مغني المحتاج، ج2 ص324. ابن نجيم، الأشباه والنظائر، ص135. ابن قدامة، المغني، ج5 ص221 وج6 ص604.

[16]  المنيع، عبد الله بن سليمان، بحوث في الاقتصاد الإسلامي، الموقع الرسمي للشيخ عبد الله بن سليمان المنيع.

[17]  المرجع ذاته.

[18]  البوطي، البيوع الشائعة وأثر ضوابط المبيع في شرعيتها، ص80. حماد، نزيه، قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد.

[19]  مجمع الفقه الإسلامي، قرار رقم 55/4/6، مجلة المجمع، العدد السادس، 1990م.

[20]  العز بن عبد السلام، القواعد الكبرى، ج2 ص153. القرافي، شرح تنقيح الفصول، ص456. علي حيدر، درر الحكام، ج2 ص216 وما بعدها.

[21] انظر بحث أحكام بيع وشراء الذهب والفضة على موقع : https://iei.kau.edu.sa/Files/121/Files/153891_IEI،VOL،12،06،BinMani.pdf  .

وقد نقل جواز بيع الذهب والفضة دون تماثل ولا تقابض عن ابن تيمية وابن القيم في كتاب الاختيارات الفقهية، وكتاب إعلام الموقعين، وكتاب المقنع، وكتاب الفروع، وكتاب الإنصاف، وكشاف القناع وغيرها.

[22]  المرجع ذاته.

[23]  الأشقر، محمد سليمان، تعليق على بحث رفيق يونس المصري، عام 2000م. المنيع، عبد الله سليمان، تعليق على بحث (أحكام بيع وشراء حلي الذهب والفضة) المنشور في مجلة الاقتصاد الإسلامي، مجلد 9/1997، ص37،68.

[24]  ابن القيم، إعلام الموقعين، جـ2 ص159، ص163.

[25]  رواه أبو داود في كتاب البيوع، باب الصرف.

[26]   الباجي، المنتقى، ج4 ص260.

[27]  رواه مالك في الموطأ، انظر هامش المنتقى شرح الموطأ، ج 4 ص260.

[28]  المرجع ذاته.

[29]  المرجع ذاته.

[30]  الراوي فضالة بن عبيد، الألباني، المصدر إرواء الغليل، رقم 1356. أخرجه أبو داود، 3354، وأحمد، 23984. انظر الدرر السنية، الموسوعة الحديثية https://www.dorar.net/hadith، ورواه الترمذي: انظر ابن العربي، عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي، وقال عنه: هذا حديث حسن صحيح: ج5 ص260.

[31] رواه الشيخان، انظر: ابن الملقن، التوضيح لشرح الجامع الصحيح، ج26 ص520.

 [32]انظر: هيتو، محمد حسن، الوجيز في أصول التشريع الإسلامي، ص200 وص206.

[33] انظر: الهامش رقم 22.

[34] قنديل، مجاهد هشام، الثمنية ومناسبتها لأحكام الذهب والفضة في الشريعة الإسلامية، ص46.

[35] المصري، رفيق يونس، بحث أحكام بيع وشراء حلي الذهب والفضة https://iei.kau.edu.sa/Files/121/Files/153891_IEI،VOL،12،09،Rehawi.pdf

[36] انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، ج11، ص18.

[37] انظر: القري، محمد، تقرير علمي عن صور التعامل بالذهب في البنوك منشور على شبكة الإنترنت، موقع مركز أبحاث فقه المعاملات الإسلاميّة، 10 شوال 1434هـ.

[38] المرجع ذاته.

[39] المرجع ذاته.

[40] انظر: صور هذه المعاملات في المرجع ذاته.

[41] انظر: الموسوعة الفقهية، مصطلح وديعة.

رقم البحث [ السابق ]

اقرأ للكاتب




التعليقات


Captcha


تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا