معيار صفة اليد في الضّمان
"دراسة فقهيّة مقارنة"(*)
د. أنس مصطفى أبو عطا/ أستاذ مشارك، قسم الفقه وأصوله، كلية الشريعة، جامعة آل البيت.
أ. محمّــــد باحمـــد دودو/ باحث- دراسات عليا.
ملخص
تهدف هذه الدّراسة إلى استجلاء الرّأي الرّاجح في مسألة معيار التّفرّقة بين يد الأمانة ويد الضّمان في الفقه الإسلاميّ. وبغية تحقيق هذا الهدف، وُظّف المنهجُ الاستقرائيّ لتتبّع آراء أهل العلم في موضوع البحث، والمنهجُ المقارن للوقوف على أوجه الائتلاف والاختلاف بين أنظارهم في مسائل الدّراسة.
وقد تضمّن البحث ثلاثة مطالب، حاول من خلالها الباحثان حصر أقوال الفقهاء في معيار صفة اليد في الضّمان وتحريرها، والموازنة بينها، واختيار ما يعضده الدّليل ويقوّيه النّظر، وعلى أساس المعايير المختارة، ثمّ وضع تعريف لكلّ من اليد الأمينة واليد الضّامنة. وقد خلصت الدّراسة إلى أنّ اليد إنّما تكون ضامنة إذا أخذت مال الغير على وجه العوض والبدل، أو قبضته على وجه الاستيفاء والوثيقة، أو استولت عليه بغير إذن من الشّرع ولا من المالك، صراحة أو ضمنا أو عرفا.
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وحجّةً على النّاس أجمعين، وعلى آله وصحبه...، وبعد فيكتسي موضوع الضّمان أهميّة بالغة بين مباحث الفقه ومسائله، لكونه وثيق العلوق بواقع النّاس ومعاشهم، فقد شُرع فضّا للنّزاعات، وصونا للحقوق، وإرساء لقواعد المجتمع الفاضل، المحكوم بالعدالة، المفعم بالفاعليّة؛ يضع فيه الأفرادُ-مطمئنين- أموالهم في أيدي الغير حسب ما تقتضيه المصلحةُ الاقتصاديّة والاجتماعيّة، ممّا يُسهِم في توظيف قدرات المجتمع التّوظيف الأمثل، وإبعادها من خطر الاكتناز والإهدار...
إذا كان للضّمان هذا الشّأنُ، فقد أولاه فقهاء المسلمين- منذ القديم- فائق عنايتهم، فبيّنوا مسائله وفصّلوا أحكامه في غاية الدّقة والضّبط، في مختلف أبواب الفقه، دون أن يفردوه بباب أو كتاب مستقلّ إلّا نادرا. ولمّا أدرك المسلمون في العصر الحديث ضرورة جمع مسائله وإفرادها بالتّأليف، لتيسير الاطّلاع عليها- هبّ عدد من الباحثين لتحقيق هذا المقصد، فألّف بعضهم كتبا جامعة لأغلب مسائله، وأفرد آخرون بعضها بالتّصنيف، كضمان المتلفات، وضمان العدوان، وضمان المنافع، وضمان العقد.
ومن قضايا الضمان التي لم تستوف بعدُ حقّها من البحث في كتب المحدَثين- الضمانُ بسبب وضع اليد، لذلك جاءت هذه الدّراسة لتفرد إحدى مسائله بالبحث، وهي مسألة معيار صفة اليد في الضّمان لدى المذاهب المختلفة. ويمكن صياغة مشكلة البحث صياغة أخرى في صورة سؤال كما يأتي: ما معيار كلّ من يد الأمانة ويد الضّمان لدى مختلف المذاهب؟ وما الرّاجح في ذلك؟
وفيما يخصّ الدّراسات السّابقة، فقد قامت طائفة من الباحثين في العصر الحديث بدراسة الضّمان، وصنّفت فيه كتبا، منها ما تناول أغلب مسائله، ومنها ما تخصّص في معالجة مسألة واحدة دون غيرها. بيد أنّ قضية الضّمان بوضع اليد، لا زالت بحاجة إلى مزيد من البحث والدّراسة، كما يتبيّن من استعراض هذه الدّراسات:
1- علي الخفيف، الضّمان في الفقه الإسلاميّ، معهد البحوث والدّراسات العربيّة بجامعة الدّول العربيّة، 1978م (د ط).
وفي تقديرنا أنّ هذا الكتاب يعتبر من أهمّ الدّراسات المعاصرة التي تعرّضت لموضوع الضّمان. وفيما يتعلّق بيد الأمانة والضّمان فقد تعرّض لهما أثناء حديثه عن أسباب الضّمان، فعُنِي ببيان مواضعهما، مشيرا إلى معيار كلّ منهما، لكن دون أن يستوعب المذاهب الأربعة، فضلا عن المذاهب الأخرى، وقد سوّغ الشّيخ علي خفيف نفسُه ذلك بقولهً- عند نهاية حديثه عن مواضع يد الأمانة- (.. ويكفي في هذا بيان يد الأمانة إذ إِنّه خارج عن موضوع دراستنا)([1]).
2- وهبة الزّحيليّ، نظرية الضّمان أو أحكام المسؤوليّة المدنيّة والجنائيّة في الفقه الإسلاميّ-دراسة مقارنة، الإعادة السّابعة، دار الفكر، دمشق، 1427ﻫ/ 2006م.
تناول المؤلّف في هذا الكتاب نظرية ضمان الأنفس والأموال بسبب الاعتداء عليها عمدا أو خطأ. وفيما يتعلق بصفة اليد في الضّمان تعرّض لتعداد الأيدي الضّامنة، والأمينة، والمختلف فيها، أثناء كلامه عن أسباب الضّمان، لكن دون أن يحدّد ضابطا للتّفرقة بين يد الأمانة ويد الضّمان، كما أنّه لم يضع تعريفا يبيّن حقيقتهما.
3- محمّد فوزي فيض الله، نظرية الضّمان في الفقه الإسلاميّ العام، مكتبة دار التّراث، الكويت، 1403ﻫ/ 1983م (ط1).
الكتاب في أصله رسالة دكتوراة، وهو مقرّر دراسيّ لطلبة كلّية الحقوق والشّريعة في جامعة الكويت، وقد تعرّض لضمان اليد وعرّف به، ذاكراً أضربَ اليد دون أن يضع لها تعريفا، كما أنّه لم يبحث معيار التّفرقة بينهما.
4- علي السّيّد عبد الحكيم الصّافي، الضّمان في الفقه الإسلاميّ: أسبابه ومجالاته في العقود -دراسة مقارنة-، مطبعة الآداب، النّجف الأشرف، د.ت.
أصل الكتاب رسالة أشرف على إعدادها: السّيّد محمّد تقي الحكيم، تناول فيها الباحث بالدّراسة أسباب الضّمان وأنواعه، ومجالاته في العقود، وقد تطرّق لضمان اليد عند حديثه عن اليد كسبب من أسباب الضّمان، وأفاض الكلام حول القاعدة الفقهيّة التي تنصّ على أنّه: "على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه"، فتناول دليلها، ومعناها... وأشار إلى أقسام اليد: (مؤتمنة، وغير مؤتمنة) وذكر تفريعات كلّ من النّوعين، غير أنّه لم يذكر ضابطا دقيقا للتّمييز بين يد الضمان ويد الأمانة، علاوة على اقتصاره على رأي الإمامية في القضيّة.
5- عبد الجليل ضمرة، "اليد بين صفة الأمانة والضّمان في الفقه الإسلاميّ"، أبحاث اليرموك، سلسلة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، المجلّد 18، العدد 4 ب، إربد، 2002م، ص1485-1519.
الحقّ إنّ هذا البحث قد تطرّق لكثير من القضايا المتعلّقة باليد الأمينة والضّامنة، بيد أنه منحصر في المذاهب الاربعة.
وبغية تحقيق أهداف الدّراسة، يرى الباحثان توظيف ما يأتي:
- المنهج الاستقرائيّ: للوقوف على آراء علماء المذاهب الثّمانيّة، في المسائل المدروسة.
- المنهج المقارن: للتّمكّن من معرفة أوجه الاختلاف والاتّفاق بين آراء العلماء في موضوع الدّراسة.
وللإجابـة عن الإشكالية المطروحة كانت الخطّـة على ثلاثة مطالب وخاتمة:
المطلب الأوّل: أقوال الفقهاء في معيار صفة اليد في الضّمان.
المطلب الثّاني: مناقشة واختيار.
المطلب الثّالث: تعريف اليد الضامنة واليد الامينة.
خاتمة: تتضمّن أهمّ نتائج الدّراسة.
المطلب الأوّل
أقوال الفقهاء في معيار([2]) صفة اليد([3]) في الضّمان
رغم أنّ المتقدمين القدامى لم يقدّموا تعريفا لكلّ من يد الأمانة ويد الضّمان([4])، إلّا أنّهم أشاروا إلى الأسس أو المعايير التي يمكن على ضوئها تحديد طبيعة اليد.
وقد اختلفوا في تحديد هذه المعايير على أقوال عديدة هي:
القول الأوّل: اليد إنّما تكون يد ضمان: إذا استولت على مال الغير بغير إذن، أو قصدت تملّكه بعوض، أو أخذته لمصلحتها منفردة بنفعه من غير استحقاق. وإليه ذهب الشّافعيّة والحنابلة.
فاليد تكون ضامنة-لدى أصحاب هذا القول- في الأحوال الآتية:
1- إذا كان القبض بغير إذن من الشّرع ولا من المالك، ومثال ذلك يد الغاصب، والقابض مال غيره بدون إذنه؛ معتقدا أنّه له، وآخذ المبيع بعقد فاسد([5]).
لذلك اعتبرت يد الملتقط بقصد الحفظ والرّدّ للمالك يد أمانة، وكذلك يد من طيّرت إليه الرّيح ثوبا فوقع في حجره أو داره، لوجود إذن الشّرع في الصّورتين([6])، ويقاس عليه من طيرت الريح إلى داره عملة ورقية نقدية، مع انتفاء موجبات الضّمان الأخرى (التّملّك بعوض، والانفراد بالمنفعة من غير استحقاق).
وكذلك تُعدّ يدَ أمانة يدُ منقذ مال الغير من التّلف ونحوه، لوجود الإذن العرفيّ في ذلك([7]).
2- إذا وجد من اليد قصدُ تملّك الشيء الواقع تحتها على وجه العوض والبدل، ومثال ذلك: ما يقبضه المشتري زيادة على حقّه غلطا([8])، والمبيع في يد المشتري بعد الإقالة، والمأخوذ سوما([9]) أو قرضا، والمقبوض بالبيع الفاسد([10]).
أمّا إذا قبضت شيئا لتملّكه بإذن صاحبه، ولكن بدون عوض، كقبض الموهوب مثلا، فإنّ اليد في هذه الحال يد أمانة.
3- إذا أخذ صاحب اليد مال الغير لمصلحة نفسه منفردا بمنفعته؛ من غير استحقاق.
فثمّة نصوص عديدة في مصنّفات الشّافعيّة والحنابلة؛ يفهم منها تحكيم هذا المعيار في تضمين اليد وتأمينها، وعلّه من المفيد سوق بعضها هنا؛ زيادة في الإيضاح والبيان.
من هذه النّصوص قول الشّيخ شهاب الدّين الرّمليّ: "قَالَ الْأَصحَابُ كُلُّ مَنْ أَخَذَ الْعَيْنَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ"([11]).
ويُفهم اعتماد هذا المعيار- أيضا- من قول ابن قدامة- في سياق الاحتجاج لضمان العارية-:"وَلِأَنَّهُ أَخَذَ مِلْكَ غَيْرِهِ لِنَفْعِ نَفْسِهِ، مُنْفَرِدًا بِنَفْعِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ..."([12]).
ويرى الأستاذ الخفيف أنّ مستند تضمين القابض لمصلحة نفسه بدون استحقاق؛ هو قاعدة: "الغرم بالغنم"؛ ذلك لأنّ القبض على هذا الوجه يعتبر غنما، يقتضي مقابلته بالغرم وهو ضمان المال حين التّلف([13]).
وعلى أساس هذا المعيار تعتبر العارية مضمونة؛ لأنّ المستعير يقبضها لمنفعة نفسه، دون أن يكون مستحقّا لتلك المنفعة؛ بدفع مقابل لها([14]).
القول الثّاني: اليد تكون ضامنة إذا قبضت المال بدون إذن، أو أخذته على وجه البدل، أو الوثيقة، وإليه ذهب الحنفيّة([15]).
وبناء على هذا القول تكون اليد متّصفة بصفة الضّمان في الأحوال الآتية:
1- إذا قُبِـض المال بدون إذن الشّرع وصاحب المال صراحة ودلالة([16]). فعلى هذا إذَا وَجَدَ شَخصٌ شَيئًا فِي الطَّرِيقِ أَو فِي مَحِلٍّ آخَرَ، وَأَخَذَهُ - بدون إذن- عَلَى أَنَّهُ مَالٌ لَهُ تكون يده يد ضمان([17]).
ومن الصّور التي تكون فيها اليد ضامنة لعدم وجود الإذن-أيضا-: يد المشتري من الفضوليّ؛ إذا لم يجز المالك البيع([18])، كما أنّه إذَا أَخَذَ رَجُلٌ شَاةً فَرَّتْ مِنْ قَطِيعِ غَيْرِهِ وَالْتَحَقَتْ بِقَطِيعِهِ ظَانًّا أَنَّهَا مِن غَنَمِهِ تكون يده ضامنة أيضا([19]).
بيد أنّ الذي ينبغي التّنبُّهُ له والتّنبيه عليه في هذا المقام-هو أنّه ليس كلّ قبض بدون إذن يكون مضمونا على الإطلاق عند الحنفيّة، بل يشترط بالإضافة إلى ذلك ما يأتي:
أ- تحقّقُ إثبات اليد المبطلة وإزالة اليد المحقّة أو قصرها([20])؛ ذلك لأنّ الحنفيّة يرون أنّ تحقّق الغصب إنّما يكون بإزَالَة الْيَدِ الْمُحَقَّةِ مَعَ إثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطَلَةِ([21])، خلافا للأئمة الثلاثة الذين-كما سياتي تفصيله وتوثيقه- يشترطون لتحقّقه إثبات اليد المبطلة فقط([22]).
ومن المواضع التي تظهر فيها ثمرة الاختلاف: زَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ سواء كانت منفصلة أومتّصلة([23])، فهي على رأي الحنفيّة أمانة في يد الغاصب، لعدم تحقّق إزالة اليد المحقّة منها، فإذا هلكت قضاء-أي بدون تعدّ أو تقصير- فإنّها لا تضمن.
وعلى هذا فإنّ وَلَدَ الدَّابَّةِ المَغصُوبَةِ وَهِيَ فِي يَدِ الغَاصِبِ، وَغلّة البُسْتَانِ المَغصُوبِ الَّتِي تَحصُلُ وَهُوَ فِي يَدِ الْغاصِبِ لَيسَت بِمَغصُوبَةٍ عندهم، لِأَنَّ المالِكَ لَمْ تثبت يده عَلَى هَذِهِ الأَشيَاءِ حتّى يزيلها الغَاصِبُ عَنهَا. أَمَّا عِندَ الأَئِمَّة الثَّلَاثَةِ فَتَكُونُ مَضمُونَةً وَلَوْ تَلِفَت بِلَا تَعَدٍّ، لِأَنَّ الغَاصِبَ قَد أَثبَت عَلَيهَا يَدًا مُبطَلَةً([24]).
ب- أن يكون المقبوض بدون إذن صاحبه منقولا، فإذا كان عقارا فإنّه لا يضمن إذا تلف قضاء عند الإمامين أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ بِحَقِيقَتِهِ لا يتحقّق فيه، خلافا للإمام محمّد الذي يرى ضمانه([25]).
2- إذا كان القبض على وجه البدل، كما في المقبوض على وجه سوم([26]) الشّراء([27])، إذ إنّه مقبوض لأجل دفع الثّمن([28]).
3-إذا كان المال مقبوضا على سبيل الوثيقة والاستيفاء، كما هو الحال في الرهن، فهو مقبوض من أجل التّوثّق بالدّين([29]).
وفي حال كون القبض مأذونا، لا على وجه البدل والوثيقة، تكون اليد أمينة كما في الوديعة في يد المودَع، ورأس المال في يد المضارب، والعارية في يد المستعير، واللّقطة إذا أخذت لحفظها وردّها على صاحبها، وغيرها من الأمثلة التي يُخطِئها الحصر([30]).
القول الثّالث: الضّابط المميّز بين اليدين- يد الأمانة ويد الضّمان-هو المنفعة، فإذا كان القبض لمنفعة القابض؛ فعليه الضّمان، أمّا إذا كان لمنفعة الدّافع فلا ضمان على الآخذ، وإن كان لمنفعتهما معا؛ فالضّمان على أقواهم وأكثرهم انتفاعا. وإليه ذهب المالكيّة.
وقد عبّر ابن جُزَيّ عن هذا بقوله: (ومن أخذ مال غيره فهل يضمنه أم لا؟، يختلف ذلك باختلاف وجوه القبض، فإنّه على وجوه، وذلك إن كان لمنفعة القابض فالضّمان عليه، وإن كان لمنفعة الدّافع فلا ضمان منه، وإن كان لمنفعتهما معا؛ فينظـر من أقوى منفعـة فيضمن)([31]).
وعلى هذا الأساس اعتبرت يد المستعير -مثلا- يد ضمان؛ ذلك لأنّ في قبض العارية منفعةً للمستعير دون المعير، واعتبرت-أيضا- يد المشتري على المبيع في العقد الفاسد ضامنة، لأنّه لم يقبضه إلّا لحقّ نفسه([32]).
ممّا سبق يتبيّن لنا أنّ معيار التّفرقة بين اليدين-يد الأمانة ويد الضّمان- لدى المالكيّة هو المنفعة، بيد أنّ المتأمّل في مصنّفاتهم الفقهيّة، يجد أنّ ثمّة مسائل حكموا فيها بتضمين اليد، لا لأنّها قبضت مال الغير لمنفعتها؛ بل لأنّها قبضته بدون إذن صاحبها، ممّا ينمّ على أنّ "عدم الإذن" -أيضا- يوجب التّضمين باليد لديهم.
ومن النّصوص التي يفهم منها علّية "عدم الإذن" في إيجاب ضمان اليد- قول الشّيخ ميّارة: (... يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَخَذَ آنِيَةَ فَخَّارٍ، أَوْ زُجَاجًا لِيُقَلِّبَهَا وَيَتَأَمَّلَهَا فَسَقَطَت مِنْ يَدِهِ مِن غَيرِ تَفْرِيطٍ وَلَا عَمدٍ فَانكَسَرَت، فَإِنَّهُ إن أَذِنَ لَهُ صَاحِبُهَا فِي التَّقلِيبِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِن أَخَذَهَا مِن غَيْرِ إذنِ صَاحِبِهَا ضَمِنَهَا)([33]).
وهذا ما أكّده الإمام القرافيّ عندما أشار إلى معيار التفرقة بين كلّ من يد الأمانة ويد الضّمان، ولكن على نحوٍ يخالف بعض الشّيء ما أشار إليه الإمام ابن جُزَي سابقا، فقال: (...المقبوضات منها: ما هو أمانة محضة، وضابطه ما كان المنفعة فيه للمالك كالوديعة؛ أو جلّ النّفع له كالقراض، ومنها ما هو مضمون لا أمانة فيه، وضابطه ما كان النّفع فيه للقابض كالقرض والمبيع أو تعدّيا كالغصب، ومنها ما هو متردد بين القسمين كالرّهن...)([34]).
فما قاله عن القسمين الأوّل والثّاني واضح، أمّا ما قاله عن القسم الثّالث- وهو ما كان متردّدا بين الأمانة المحضة والمضمون المحض- فيحتاج للتّمثيل حتّى يتّضح جيّدا، وبخاصة أنَّ التّعبير عن هذا القسم بهذه الصّورة ممّا انفرد به الإمام القرافيّ فيما اطّلعت عليه.
فالقسم الثّالث هو ما اجتمعت فيه شائبة الضّمان وشائبة الأمانة، لذلك حصل التّردّد والاختلاف في إلحاقه بأحد القسمين الأوّلين: فما كانت فيه شائبة الأمانة أقوى أُلحق بالقسم الأوّل، وما كانت فيه شائبة الضّمان أقوى أُلحق بالقسم الثّاني.
ومن أمثلة هذا القسم المتردَّد فيه: "العارية"، فهي تشبه الأمانة من جهة الإذن، وعدم العوض، وتشبه المضمون من جهة أنّ القبض فيها لمصلحة صاحب اليد، لذلك احتجنا إلى أمر يرجّح إحدى الشّائبتين على الأخرى.
فلمّا جئنا إلى طبيعة العارية وجدنا أنّ منها ما يغاب عليه -كالحليّ والمتاع- فيخفى هلاكه، ومستعيرها قد يدّعي التّلف وهو كاذب، لذلك ضمّناه من أجل وجود التّهمة.
ومن العارية ما لا يغاب عليه- كالدّور والحيوانات- فيظهر هلاكه، لذلك انتفت التّهمة في حقّ مستعيرها، فاعتبرناها أمانة في يده([35]).
فالذي رجّح إحدى الشّائبتين على الأخرى هنا في العارية هو: ظهورها وخفاؤها([36]).
القول الرّابع: تعتبر اليد ضامنة إذا قبضت مال الغير وثيقة، أو على وجه التّملّك، أو أخذت عنه أجرة، أو استولت عليه بغير إذن. وهو ما يفهم من رأي الإباضيّة في موارد اليد المختلفة.
فاليد تضمن لدى الإباضيّة في الأحوال الآتية:
1- إذا كان القبض بغير إذن، وقد نصّ على ذلك ضياء الدّين الثّمينيّ بقوله: (وما دخل يد أحد من أموال الناّس بلا إذنهم، فإنّه يضمنه، ما لم يصل إلى أهله)([37]).
لذلك تعتبر يد الرّاكب دابةَ غيره يدا ضامنة؛ إذا كان ذلك من غير إذن صاحبها([38])، ويقاس عليها من ركب سيارة غيره بغير إذنه، وتعتبر ضامنة -أيضا- يدُ من رعى غنما؛ مع علمه بأنّها حرام، بأن دخلت يد المؤجِّر بوجه غير جائز شرعا كالغصب مثلا، وفي هذا قال الثّمينيّ: (...وإن علم بأنّها حرام، فاسترعى لها، ضمن بلا خلاف)([39]).
2- إذا كان القبض على وجه الوثيقة والاستيفاء، كما في الرّهن. ومن صور ذلك أيضا إذا امتنع الوكيل بالشّراء عن تسليم المبيع إلى الآمر؛ حتى يستوفي منه الثّمن، فإنّ هذا الامتناع حقٌّ للوكيل، غير أنّ المبيع يكون مضمونا بيده كالرّهن؛ لأنّه قبضه على وجه الثّقة والاستيفاء([40]).
3- إذا كان القبض على وجه التّملّك([41]).
ومثال ذلك المقبوض بالبيع الفاسد، والمأخوذ على وجه سوم الشّراء([42]).
4- أضاف بعض الإباضيّة ضابطا رابعا لليد الضّامنة وهو الأجـرة، فقد جاء في شرح النّيل: (... وفي الدّيوان([43]): "كلّ من أخذ الأجرة على شيء ممّا في يده فهو له ضامن..")([44]).
هذا وقد اشترط الشّيخ الثّمينيّ لتضمين من يتقاضى أجرة على ما في يده- أن يكون التّلف بغير أمر غالب، فقال : (وكلّ من أخذ أجرة على ما بيده فإنّه يضمن التّلف فيه، إن كان بغير أمر غالب)([45]).
واستُدلّ على هذا القيد بما رُوي عن الرّسول صلى الله عليه وسلم أنّه قال:"من أخذ الأجرة على الشّيء لزمه ضمانه"([46]).
فعلى هذا الضّابط كلّ من عمل تطوّعا لا يضمن ما بيده؛ إلّا إذا تعدّى، أمّا العامل بأجرة فيضمن ولو لم يضيّع. ومن الأمثلة التي أوردها بعضهم على ذلك: أنّه لو بعث شخصٌ آخرَ ليحضر له شيئا بأجر، فإذا حمل هذا الأخير ما أمر بحمله؛ ثمّ ضاع منه في الطّريق؛ فعليه الضّمان لأنّه عمل بأجر([47]).
القول الخامس: اليد الضّامنة هي اليد غير المأذونة، وبه قال الإماميّة. فمعيار التّفرقة بين اليدين -يد الأمانة ويد الضّمان- هو وجودُ الإذن وعدمُه([48]).
فتكون اليد أمينة عند وجود الإذن من المالك أو من الشّرع. فإذا صدر الإذن من المالك أو من يكون إذنه معتبرا كإذن المالك- كأن يكون وكيلا عنه أو وليّاً عليه- اعتبرت اليد يدَ أمانة، والأمانة في هذه الحال تدعى: "أمانة مالكيّة"، ومن أمثلتها الوديعة، والعارية، ومال المضاربة.
أمّا إذا كانت اليد مأذونة من قبل الشّارع، ولو بدون التفات من قبل المالك إلى أنّ ماله بيد فلان، فالأمانة في هذه الحال "أمانة شرعية"، ومن أمثلتها اللّقطة([49]).
وتعتبر اليد ضامنة إذا وقعت على مال من غير إذن من المالك ولا من قبل الشّارع، سواء كان صاحب اليد متعمّدا وضع يده على مال ذلك الغير؛ كما في الغاصب والسّارق، أو لم يتعمّد؛ كمن اشتبهت عليه محفظته بمحفظة غيره فأخذها خطأ([50]).
غير أنّ الذي يستشكل على هذا القول هو اعتبار اليد ضامنـة - لدى الإماميّة أنفسهم - في المقبوض سـوما([51])، والمقبوض بالعقد الفاسد ، مع وجود الإذن من المالك في كلتا الحالين.
وقد ردّ على هذا الاستشكال بما يأتي:
بالنّسبة للمقبوض بالسّوم أجيب:
أ- بأنّ المسألة خلافيّة، فقد ذهب البعض إلى عدم الضّمان؛ معلّلا بأنّه أمانة مالكيّة.
ب- وعلى تقدير القول بالضّمان، فإنّه يمكن أن يقال بأنّ القبض في هذه الصّورة لم يحصل بعنوان الأمانة، بل وقع بعنوان الضّمان؛ وذلك لأنّه وقع على أساس كونه مقدّمة للشّراء وبذل العوض المسمّى([52]).
2- أمّا بالنّسبة للمقبوض بالعقد الفاسد، فقد أجيب بأنّ المتعاقد في العقد الفاسد لمّا أَذن بالقبض- وهو جاهل بالفساد- أذن باعتبار أنّ المقبوض مِلكٌ للمتعاقد الآخر، ولكن في الحقيقة لا زال ذلك المقبوض باق على ملكه- أي ملك الآذن-؛ ذلك لأنّ العقد الفاسد لا ينقل الملكيّة، فبان بذلك أنّ القابض قد وضع يده على مال الآذن من غير إذن منه حقيقةً([53]).
وممّا يؤيّد هذا أنّ الشّخص لو قدّم شيئا لآخر باعتقاد أنّه ماله-أي مال القابض- فأتلفه القابض يكون ضامنا، لإتلافه مال الغير -أي المعطي-، ولا يكون مثل هذا الإذن مانعا عن تحقّق الضّمان.
وأيضا لو قال عمرو لزيد: يا صديقي خذ هذا المال؛ فهو لك حلال، أو قال: يا صديقي ادخل داري، كلّ ذلك باعتقاد أنّه صديقه، وفي الواقع هو عدوّه، فليس له أن يأخذ ذلك المال أو يدخل داره باعتبار ذلك الإذن؛ الذي منشؤه الالتباس وظنّه أنّه صديقه([54]).
ويرى الباحثان أنّه حتى لو سلّم بأنّ المقبوض بالعقد الفاسد مضمون؛ لأنّ الإذن فيه قد اعتراه الجهلُ بفساد العقد، فكان- أي الإذن- غير معتبر، يبقى السّؤال المطروح: هل اليد على المقبوض بالعقد الفاسد -بناء على الجواب المتقدّم- لا تكون ضامنة إذا كان المتعاقد الآذن عالما بالفساد؟.
فإذا قلنا بأنّ اليد ضامنة؛ من دون تفريق بين أن يكون الآخذ والدّافع عالمين بالفساد أو جاهلين- وهو ما ذهب إليه بعض فقهاء الإماميّة([55])- فإنّ ذلك يعتبر نقضا لما علّل به ضمان المقبوض بالعقد الفاسد على الرّغم من وجود الإذن.
والذي يبدو أنّ تعليل الضمان في المقبوض بالعقد الفاسد بعدم الاعتداد بالإذن- للجهل بفساد العقد- غير كاف ولا مسلّم به على الإطلاق، ويعزّز هذا ما يأتي:
أ- اختلاف فقهاء الإمامية فيما بينهم في ضمان العين المستأجرة في الإجارة الفاسدة، بعد اتّفاقهم على عدم ضمانها في الإجارة الصحيحة. والقائلون بالضّمان في الفاسدة احتجوا بأنّ يد المستأجر ليست يدا مأذونة، لأنّ إذن المؤجّر بأخذ العين شابَهُ الجهل بفساد العقد، فغدا غيرَ معتدٍّ به. وبهذا الرّأي ناقضوا إحدى القواعد الفقهيّة المشهورة في باب الضّمان، وهي: "كلّ ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده"([56]).
ب- تقرير الإمامية بأنّ يد الموهوب له في الهبة غير المعوّضة يد أمانة، لوجود الإذن علاوة على إقدام المالك على البذل مجانا.
أمّا في الهبة المعوّضة، وفي حال كون العوض لقاء الموهوب، فإنّ يدَ الموهوب له ضامنةٌٌ -على الرّغم من وجود الإذن - لأنّ المالك لم يُقدِم على الإعطاء مجّانا([57]).
ج- إذا كان المقبوض بالعقد الفاسد يضمن مع توفّر الإذن؛ بدعوى أنّ هذا الإذن غير معتبر لما اعتراه من الجهل بفساد العقد، فلماذا لا يقال -أيضا- بضمان المقبوض بالهبة الفاسدة([58]) لتحقّق العلّة ذاتها؟. أم إنَّ ثمّة أمرا آخر ميّز الهبة الفاسدة عن غيرها من عقود المعاوضات الفاسدة، فكان المقبوض بهذه الأخيرة مضمونا، وما قبض بالهبة الفاسدة غير مضمون؟.
وما تقدّم من الكلام يؤكّد أنّ القول: "بأنّ سبب ضمان اليد هو عدم وجود الإذن فقط" غير سليم، وأنّ لبذل العوض لقاء قبض المال دخلا في ضمان اليد أيضا.
القول السّادس: اليد الضّامنة هي التي استولت على مال الغير عدوانا، أو قبضته عن عوض، أو أخذت عنه أجرة، أو دلّ الدّليل على ضمانها. وهو ما ذهب إليه الزّيديّة حسب ما يستفاد من آرائهم في موارد اليد المختلفة.
فاليد تكون ضامنة لدى أصحاب هذا القول في الأحوال الآتية:
1- إذا كان الاستيلاء على مال الغير عدوانا([59])، ويدلّ على ذلك قول الإمام ابن المرتضى: (وَأَسْبَابُ الضَّمَانِ، إمَّا مُبَاشَرَةٌ كَالْقَتْلِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ بِوَاسِطَةٍ، كَوَضْعِ صَبِيٍّ فِي نار... أَوْ إثْبَاتِ يَدٍ عَادِيَةٍ...)([60])، ومثال اليد العادية: يد الغاصب، والسّارق([61]).
أمّا إذا وجد الإذن من المالك أو الشّرع أو العرف فإنّ اليد أمينة، كما في اللّقطة والضّالة؛ ذلك لأنّ الشّرع أذن بأخذها بقصد حفظها للمالك.
كما تعتبر يد الضّيف أمينة -أيضا- إذا أخذ كوزا من المنزل موضوعا أمامه، أو نظر في كتاب، إذا كانت العادة جارية بذلك([62]).
2- إذا قبض صاحب اليد لمصلحته بأخذ الأجرة عن المال.
ومن النّصوص التي يفهم منها هذا المعيار قول ابن المرتضى- في سياق تعليل ضمان يد الأجير المشترك إلّا من الأمر الغالب؛ وأنّه لا يمكن القول بأمانتها قياسا على الوديع-: (قلنا: هذا أخذٌ لغرض نفسه، وهو الأجرة فافترقا)([63]).
فعلى هذا إذا قبضت اليد لمصلحتها؛ فأخذت الأجرة على ذلك كانت ضامنة، ضمان الأجير المشترك([64]).
وعلى أساس هذا المعيار-أيضا- تغدو يد كلّ من المودَع، والوكيل، والوصيّ، ومتولّي الوقف، والعدل الذي يوضع عنده الرّهن باتّفاق الرّاهن والمرتهن- يداً ضامنة إذا عمل هؤلاء المذكورون بأجرة([65]).
والذي يستشكل على هذا المعيار أنّ يد الأجير الخاص يد أمينة، على الرّغم من أنّه يعمل بأجرة، وقد كان المفترض أن تكون ضامنة -كما في الأجير المشترك- إذا قلنا بمعيار الأجرة!
وقد أجيب عن هذا الإشكال بأنّ الأجير الخاص لا يأخذ الأجرة عن العين -كما في الأجير المشترك-، وإنّما يأخذها ويستحقّها لتسليم نفسه مدّة محدّدة معيّنة في العقد([66]).
هذا... وإنّ الذي يمكن فهمه -والله أعلم- من كلام ابن المرتضى السّابق- أنّ السّبب الرّئيس لضمان اليد في هذه الحال هو: قبضها مال الغير لمصلحة نفسها، وأنّ أخذ الأجرة ما هو إلّا دليل على أنّ القبض تمّ على هذه الصّورة (أي أنّ القبض كان لمصلحة اليد)([67]).
وإذا كان هذا الفهم سليما، فإنّ هذا المعيار منقوض؛ باعتبار يد المستعير يد أمانة لدى الزّيديّة أنفسهم([68])، وقد كان المفترض أن تكون ضامنة؛ إذا كان المعيار هو القبض لمصلحة الآخذ.
3- إذا قبضت مال الغير على وجه العوض والبدل.
والحقّ أنّ الزّيديّة لم ينصّوا على هذا المعيار صراحة. لكنّ الذي يدلّ على أنّ هذا المعيار موجود لدى الزّيديّة عبارات مشايخهم في بعض المواضع، منها قول الشّيخ العنسيّ: "وَلِلْبَائِعِ حَبْسُ الْفَوَائِدِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ كَالْوَلَدِ وَنَحْوِهِ مَعَ حَبْسِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ وَذَلِكَ تَبَعًا لِلْأَصْلِ وَهُوَ الْمَبِيعُ، فَلَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَتْلَفْ الْمَبِيعُ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَمْ تُشَارِكْ الْمَبِيعَ فِي جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَان"([69]).
فقد اعتبر الفوائد الحادثة في المبيع بعد العقد أمانة في يد البائع، فإذا تلفت وحدها دون أن يتلف معها المبيع، لم يكن على البائع ضمان؛ لأنّ تلك الفوائد ليس لها مقابل في الثّمن.
كما أنّ ابن المرتضى بعد ما أورد قول من يرى أنّ المقبوض بالعقد الباطل أمانة في يد المشتري؛ إذا كان القبض عن إذن البائع الرّاشد. بعد ما أورد هذا الرّأي تعقّبه بقوله: "قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ، إذْ هُوَ مُبَاحٌ بِعِوَضٍ"([70]). وفي هذا الكلام دلالة على أنّ للعوض دخلاً في الحكم بضمان اليد.
4- إذا دلّ النّص على ضمانها، كما في يد المرتهن والأجير المشترك.
ففي تعليل ضمان يد الأجيـر المشترك قال ابن المرتضى: "وَالْمُشْتَرَكُ يَضْمَنُ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ الْغَالِبِ، وَهُوَ مَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ مَعَ الْمُعَايَنَةِ، لِقَضَاءِ عَلِيٍّ عليه السلام، وَقَوْلِهِ: لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا ذَلِكَ. وَهُوَ تَوْقِيفٌ"([71]).
أمّا يد مرتهن فقد استُند في تضمينها إلى النّص([72])، وهو قوله صلى الله عليه وسلم للذي ارتهن فرسا فنفق: "ذهب حقّك"([73]).
والتزاما بهذا النّص-فيما يبدو- اعتبر الرّهن الفاسد أمانة في يد المرتهن([74]).
ومتى لم يتحقّق أيّ موجب من موجبات الضّمان المذكورة فإنّ اليد تكون أمينة كما في مال المضاربة في يد العامل، والعارية في يد المستعير، والوديعة في يد المودَع بغير أجرة، والعين المؤجّرة في يد المستأجر([75]).
أمّا المذهب الظّاهريّ فلم ينصّ- فيما اطّلعنا عليه- على معيار للتّفرقة بين اليدين، غير أنّه بتتبّع رأيه- بالحكم بالضّمان وعدمه- في موارد اليد المختلفة؛ يمكن أن يقال: إنّ ضابط التّفريق هو وجود إذن المالك والشّرع وعدمهما.
فإذا وقعت اليد على مال الغير مفتقرة إلى إذن المالك أو الشّرع- اعتبرت يدا ضامنة، كما في الغصب، والمقبوض عن خيار بغير إذن بائعه.
ولا يشترط انعدام الإذنين معا، فقد يحكم بالضّمان على الرّغم من وجود إذن المالك، كالمقبوض بإذن صاحبه في العقد الفاسد؛ ذلك لأنّ الإذن في هذه الحال غير معتبر من قبل الشّرع([76])، فكان بمنزلة المعدوم حقيقة وواقعا([77]).
وتكون اليد أمينة إذا كانت اليد مأذونة من المالك دون أن يعترض الشّرع -كما في المستعير، والمرتهن، والمودَع، والمضارب، والأجير بضربيه الخاص والعام- أو كانت مأذونة من قبل الشّرع دون افتقار إلى إذن المالك كما في اللّقطة([78]).
المطلب الثّاني
مناقشة واختيار
من المفيد- بعد استعراض آراء المذاهب الثّمانية في المعايير التي يتمّ تحكيمها في تضمين اليد وتأمينها- أن نقوم بحصر تلك الضّوابط هنا- بصرف النّظر عن القائلين بها- حتى نتمكّن من المقارنة بينها، واختيار أرجحها.
فممّا سبق يتبيّن لنا أن تضمين اليد يتمّ بإحدى الأسباب الآتية:
1- قبض المال على وجه العوض والبدل.
2- وضع اليد على مال الغير عدوانا.
3- أخذ مال الغير بغير إذن من الشّرع ولا من المالك، صراحة أو ضمنا أو عرفا.
4- الأخذ للمنفعة: فإذا كان القبض لمنفعة القابض؛ فعليه الضّمان، أمّا إذا كان لمنفعة الدّافع فلا ضمان على الآخذ، وإن كان لمنفعتهما معا؛ فالضّمان على أقواهم وأكثرهم انتفاعا.
5- إذا أخذت اليد مال الغير بإذنه لكن دلّ الدّليل الشّرعيّ على ضمانها.
6- أخذ صاحب اليد مال الغير لمصلحة نفسه خاصة؛ من غير استحقاق.
7- قبض المال على وجه الوثيقة والاستيفاء.
8- إذا قبض صاحب اليد لمصلحته بأخذ الأجرة عن المال. أو "كل يد أخذت الأجرة عما في يدها من مال الغير فهي ضامنة".
وفيما يأتي محاولة لمعالجة هذه المعايير والتّعليق عليها:
1- إذا تأمّلنا ما تقدّم معنا من الآراء تبيّن لنا أنّ أغلب المذاهب قد اعتبرت المعيار الأوّل- وهو: "أخذ مال الغير على وجه العوض والبدل"- في حكمها على اليد بالضّمان، فالأخذ به أمر يقتضيه النّظر ومصلحة حفظ الأموال، ثمّ إنّ الدّافع ما رضي ببذل ماله إلّا بعوض، والآخذ ما أقدم على القبض في هذه الحال إلّا وهو عازم على دفع البدل، وما الضّمان في حقيقته إلّا مقابلة مال بمال.
2و3-أمّا المعياران الثّاني والثّالث-وهما "أخذ مال الغير عدوانا" و"الأخذ بغير إذن"- فبينهما عموم وخصوص مطلـق([79])، فكلّ ما يُضمَّن بمعيار "العدوان" ؛ يضمّن بمعيار "عدم الإذن" أيضا، والعكس غير صحيح.
فمثلا من أخذ مال غيره معتقدا أنّه له، تعتبر يده يد ضمان بمقتضى معيار "عدم الإذن"، وليس كذلك حسب ضابط "العدوان". فما الرّاجح منهما؟.
فمعيار "العدوان" لا اختلاف بين الفقهاء في اعتباره والاعتداد به. أمّا معيار "عدم الإذن" فقد صرّح بالتّعبير به جمهور الفقهاء من الحنفيّة، والشّافعيّة، والحنابلة، والإباضيّة، والإماميّة، وبعض فقهاء المالكيّة.
والذي يميل الباحثان إلى اختياره -والله أعلم- هو ما ذهب إليه الجمهور من أنّ أخذ مال الغير بدون إذن من الشّارع ولا من المالك، صراحة أو دلالة- موجب للتّضمين. فالذي يقبض مال الغير بدون إذن؛ ظانّا أنّ ذلك المال ملكه، لا يغيّر من الواقع شيئا، فالظّنّ لا يُثبت لصاحب اليد ملكا، ولا يَخرج به المال عن ملك صاحبه، وإن كان يرفع الإثم والمؤاخذة([80]).
وهذا يتناسب مع ما رأيناه من أنّ قوله صلى الله عليه وسلم: "على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه"([81])، بعمومه مفيد لتضمين جميع الأيدي؛ إلّا ما دلّ الدليل على تخصيصه، وهنا لم يوجد دليل يفيد تخصيص ما أخذ بغير إذن صاحبه خطأً، فوجب اعتباره مضمونا والله أعلم وأحكم.
4- وفيما يخصّ معيار المنفعة الذي قال به المالكيّة، وهو أنّ القبض إن كان لمنفعة القابض فالضّمان عليه، وإن كان لمنفعة الدّافع فلا ضمان عليه، وإن كان لمنفعتهما معا؛ فينظر من أقوى منفعة فيضمن- فإنّ هذا المعيار يمكن أن يقال عنه أنّه ليس وجيها، لعدم انضباطه، وأنّ تحكيمه يفضي إلى الاختلاف والاضطراب.
فالأمر قد يكون مقبولا وواضحا؛ ولا يؤدّي إلى الاختلاف، عندما نقول بتضمين اليد إن كان القبض لمنفعتها خاصة، وعدم تضمينها إن كان لمنفعة المالك خاصة.
لكن القول بتضمين من هو أقوى انتفاعا؛ حينما تكون المنفعة مشتركة بين القابض والدّافع، قد يفضي في كثير من الأحيـان إلى الاختلاف في أيّ الطّرفيـن أوفر حظّا من الانتفاع.
ولعلّ عدم انضباط هذا المعيار؛ هي التي جعلت المالكيّة يقولون بضمان اليد في كثير من مواردها.
5- أمّا معيار الدّليل الشّرعيّ- وهو أنّ اليد على مال الغير تكون ضامنة؛ ولو قبضت بإذنه إذا دلّ الدّليل الشّرعيّ على تضمين صاحبها- فهو معيار مهمّ جدّا، ولكنّ القول به لا يحلّ الإشكال من أساسه؛ لأنّ السّؤال المنطقيّ الذي يتبادر إلى الذّهن هو: ما الأيدي التي دلّ الدليل الشّرعيّ على تضمين أصحابها، ولو قبضت بإذن؟.
والذي يبدو أنّ الأيدي المراد تضمينها بهذا المعيار([82]) هي: يد المرتهن على الرّهن -وما شابهها- عند الحنفيّة ومن ذهب مذهبهم، ويد المستعير على العارية عند الشّافعية والحنابلة، ويد الأجير المشترك- وما في معناها- لدى الزّيديّة ومن نحا منحاهم.
فتضمين هذه الأيدي يقتضيه أمران: الدّليل، وطبيعة العقد. وكلّ معيار من المعايير المتبقية يشير إلى يد من هذه الأيدي.
فمعيار "أخذ مال الغير لمصلحة القابض خاصة؛ من غير استحقاق" يراد به يد المستعير.
ومعيار "الأخذ على وجه الوثيقة والاستيفاء" يقصد به تضمين يد المرتهن وما في معناها.
أمّا معيار "أخذ الأجرة عن مال الواقع تحت اليد" فيراد به يد الأجير المشترك، وما ألحق بها من الأيدي.
6- معيار "أخذ صاحب اليد مال الغير لمصلحة نفسه خاصة؛ من غير استحقاق".
يراد بهذا المعيار الإشارة إلى ضمان يد المستعير على العارية، وبيان ذلك أن:
للفقهاء في هذه القضية أقوالاً عديدة، فمنهم من يرى أنّ هذه اليد ضامنة مطلقا، ومنهم من يرى أنّها يد أمانة إلّا إذا طرأ عليها ما يقتضي تضمينها؛ كالتّعدّي والتّفريط، ومنهم من رأى أنّها يد أمانة ولكن تقبل الضّمان بالاشتراط، وأخيرا منهم من يرى أنّ الضّمان يتوقّف على طبيعة العارية([83]).
ونظرا لعدم كون هذه المسألة من صلب الموضوع، فإننا سنقتصر على ما تدعو إليه الحاجة؛ بإيراد القولين الأوّلين، مع بيان أهمّ حججهما.
القول الأوّل: يد المستعير ضامنة مطلقا، إلّا ما تلف باستعمال مأذون فيه كاللّبس والرّكوب المعتاد.
وبهذا الرّأي قال الشّافعيّة([84]) والحنابلة([85])، وأشهب من المالكيّة([86])، وهو مرويّ عن ابن عبّاس وأبي هريرة، وإليه ذهب عطاء وإسحاق([87]). وأهمّ ما استندوا إليه في ذلك ما يأتي:
أ- ما رواه أُمَيَّةَ بْنِ صَفوَانَ بنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَارَ مِنْهُ يَوْمَ خَيْبَرَ أَدرَاعًا فَقَالَ: أَغَصبًا يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ: "بَل عَارِيَةٌ مَضمُونَةٌ"([88]).
وردّ على هذا الدليل بما يأتي:
- إنّه لَا حُجَّةَ فِي هذا الحديث على ضمان العارية([89])؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ قَد اختَلَفَت، فَقَد رُوِيَ أَنَّ صفوان هَرَبَ مِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَرسَلَ إلَيهِ فَأَمَّنَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ حُنَينًا، فَقَالَ: "هَل عِندَك شَيءٌ مِن السِّلَاحِ؟". فَقَالَ: عَارِيَّةً أَو غَصبًا فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "عَارِيَّةً"([90])، فَأَعَارَهُ. وَلَم يَذكُر الضَّمَانَ في هذه الرّواية، وَالْحَادِثَةُ حَادِثَةٌ وَاحِدَةٌ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَلَا يَكُونُ الثَّابِتُ إلَّا إحدَاهُمَا، فَتَعَارَضَت الرِّوَايَتَانِ فَسقطَ الِاحتِجَاجُ.
- إذا سلّم بثبوته فَيَحتَمِل أن يُراد به ضَمَان الرَّدِّ، فَلَا يُحملُ عَلَى ضَمَانِ الغيرِ مَعَ الِاحتِمَالِ، ويُؤَيِّدُ هذا مَا رُوِيَ عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ.."([91]).
- وتحتمل تلك الرواية -على فرض صحّتها- أن تكون التزاما بالضّمان، لا إخبارا عنه فلا يتعدّى لغيره([92]).
وللاختلاف الكبيـر في سنـد حديـث صفوان وألفاظه([93])- قال ابن عبد البر: "والاضطراب فيه كثير ولا يجب عندي بحديث صفوان هذا حجة في تضمين العارية والله أعلم"([94]).
ب- ما رواه الحسن عن سمرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه"([95]). ووجه الاستدلال بهذا الحديث أنّ يد المستعير أخذت العارية، لذلك وجب عليها -بمقتضى هذا الحديث- الردّ عند بقائها، والضّمان عند التّلف.
وأجيب بأنّ هذا الحديث لا تقوم به حجّة، لأنّ الحَسَن لَم يَسمَع مِن سَمُرَةَ، ثُمَّ لَو صَحَّ فلا يفيد إلَّا وجوبَ الأَدَاء، وَالأَدَاءُ غَيرُ الضَّمَانِ فِي اللُّغَةِ وَالحُكم([96]).
وعلى فرض صحّته يناقش الاستدلالُ بهذا الحديث من وجهين:
أوّلهما: أنّ قوله: (على اليد) يحتمل ضمانَ التّلف وضمانَ الرّدّ، والثّاني متّفق عليه فيحمل عليه، لأنّ حمل كلام الشّرع على المجمع عليه أولى([97]).
ثانيهما: لو كان هذا الحديث مفيدا للضّمان، للزم أن تكون الرّهونُ والودائع مضمونةً أيضا، لأنّها ممّا قبضت اليد، وهو ما لا يقول به أصحاب هذا الرّأي([98]).
ج- أنّ المستعير أَخَذَ مِلكَ غَيرِهِ لِنَفعِ نَفسِهِ خاصة مِن غَيرِ استِحقَاقٍ، وَلَا إذنٍ فِي الإِتلَافِ، فَكَانَ مَضمُونًا كَالمغصوب، وَالمَأخوذِ عَلَى وَجهِ السَّومِ([99]).
د- أنّ مَا قَبَضَهُ آخِذُهُ لِمَصلَحَةِ نَفسِهِ كَالعَارِيَّةِ فَهُوَ مَضمُونٌ، لِأَنَّ الإِذنَ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِالِانتِفَاعِ وَقَبضُ الْعَينِ وَقَعَ مِن حَيثُ اللُّزُومِ فَهُوَ كَقَبضِ الْمُضطَرِّ مَالَ غَيرِهِ لِإِحياءِ نَفسِهِ لَا يَسقُطُ عنْهُ الضَّمَانُ لِأَنَّ إذنَ الشَّرعِ تَعَلَّقَ بِإِحيَاءِ نَفسِهِ([100]).
وردّ على هذا بأنّه لو سَلَّمنَا أَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَكُنْ إلَّا لِضَرُورَةِ الِانتِفَاعِ، فالْقَبضَ أَيضًا لَم يَكُن إلَّا لِلِانتِفَاع،ِ فَلَم يَكُن ثَمَّة تَعَدٍّ، وَلَا ضَمَانَ بِدُونِه -أي بدون التّعدّي-([101]).
القول الثّاني: يد المستعير يد أمانة، وبه قالت الحنفيّة([102])، والظّاهرية([103]) وهو مرويّ عن الحسن والنّخعيّ، والشّعبيّ، وعمر بن عبد العزيز، والثّوريّ، والأوزاعيّ، وابن شبرمة([104]).
واحتجّ أصحاب هذا القول بما يأتي:
أ- مَا رَوَاه عَمرُو بْنُ شُعَيبٍ، عَن أَبِيهِ، عَن جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لَيسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ..."([105]).
وأجيب بأنّ هذا الحديث رواه عُمَرُ بنُ عَبدِ الْجَبَّارِ، عَن عُبَيدِ بنِ حَسَّانٍ، عَن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، وَعُمَرُ وَعُبَيدٌ ضَعِيفَانِ. ثمّ إنّه يحتمل أن يراد به ضَمَان الْمَنَافِعِ وَالْأَجْزَاءِ([106]).
ب- قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ"([107]) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا أَمَانَةٌ([108])، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:)إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا([58: النّساء].
ج- عقد العارية لَا يُنْبِئ عَن التِزَامِ الضَّمَانِ، لِأَنَّهُ لِتَملِيكِ المَنَافِعِ بِغَيرِ عِوَضٍ أَو لِإِبَاحَتِهَا، -على الاختلاف الحاصل بين الفقهاء في ذلك-، وَالْقَبضُ لَم يَقَع تَعَدِّيًا لِكَونهِ مَأذُونًا فِيهِ، فلم يكن ثمّة أيّ سبب يفيد التّضمين([109]).
الرّأي المختار:
بعد استعراض أدلّة الفريقين يتبيّن لنا أنّ المختار -والله أعلم- هو أنّ العارية أمانة في يد المستعير، لعدم ثبوت نصّ يفيد ضمانها، ولم يوجد في عقدها ما يقتضي الضّمان، فكلُّ ما يفيده إباحةُ المنفعة أو تمليكُها مجّانا -على الاختلاف الواقع بين الفقهاء-، وهذا لا يناسب التّضمين، فضلا عن اقتضائه له.
كما أنّ تضمين العارية قياسا على المغصوب والمقبوض على وجه السّوم- قياسٌ مع فارق، وذلك لتحقّق الاعتداء في الاستيلاء على المغصوب، ووجود القبض على وجه البدل والعوض في المقبوض سوما، وكلّ من الاعتداء والقبض على وجه البدل موجب للضمان بالاتّفاق، وهما غير موجودين في قبض العارية لكي نحكم بضمانها.
وواضح أنّ هذا الاختيار يستلزم عدم القول بالمعيار الذي يقتضي تضمين اليد الآخذة لمنفعة نفسها خاصة من غير استحقاق.
7-معيار "قبض المال على وجه الوثيقة والاستيفاء".
تقدّم معنا سابقا أنّ هذا المعيار يراد به تضمينُ يد المرتهن؛ وما في معناها من الأيدي قياسا عليها، لذلك سنحاول التّعرّض لأقوال الفقهاء وحججهم في هذه المسألة، بالاقتضاب الذي تقتضيه هذه الدّراسة.
اختلف الفقهاء في صفة يد المرتهن من حيث الضّمان إلى أقوال عديدة([110])، وسأقتصر فيما يأتي على إيراد قولين منها فقط، وهما قول من رأى أنّها يد أمانة، وقول من ذهب إلى أنّها ضامنة من غير تفصيل بين ما يغاب عليه وما لا يغاب.
القول الأوّل: يد المرتهن على الرّهن أمينة، وبه قالت الشّافعيّة([111])، والحنابلة([112])، والظّاهريّة([113])، والإماميّة([114])، واختاره الإمام السّالميّ من علماء الإباضيّة([115]).
وأهمّ ما استندوا إليه في ذلك هو:
أ- قوله تعالى: )فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ([283: البقرة]. ووجه الاستدلال: أنّ الله تعالى سمّى الرّهن أمانة؛ فأمر المرتهن بردّه عند استيفاء الدّين، فهذا هو ظاهر معنى الآية، وبيان ذلك أنّ قوله تعالى: )فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ( [283: البقرة] مصرّح بأخذ الرّهن، وقوله عزّ شأنه: )فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً( مرتّب عليه؛ أي فإن أمن بعضُكم (وهو من عليه الدّين) بعضا (وهو من له الدّين)؛ فدفع إليه ماله رهنا بحقّه؛ وصار الرّهن أمانة في يد من له الدّين فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ وهو المرتهن "أَمَانَتَهُ" التي هي الرّهن بعد أداء الحقّ إلى من رهنه، "وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ" فلا يخنه في أمانته، فهذا السّياق يفيد أن المراد بالأمانة هو الرّهن؛ لا الدّين؛ وحملها على الدّين خلاف الظّاهر فيحتاج إلى دليل.
ثمّ إنّ إطلاق اسم "الأمانة" على الدّين لا يحتمل إلّا المجاز الصّرف، أمّا إطلاقها على الرّهن فيحتمل الحقيقة والمجاز، وكون "الأمانة" حقيقة في الرّهن أظهر، وعند إمكان الحقيقة لا يصار إلى المجاز إلّا بمرجّح([116]).
وأجيب بأنّ الآية لا تدلّ على أنّ الرّهن أمانة أصلا؛ فإنّ معنى قوله تعالى: )فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً( أنّه: إن أمن بعضُ الدّائنين بعضَ المديونين؛ فلم يتوثّقوا بالكتابة والشّهود والرّهن؛ "فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ" وهو المديون؛ "أَمَانَتَهُ" وهي الدّين، وسمّي الدّين "أمانة" لائتمان المديون عليه؛ بترك الارتهان به([117]).
ب- ما روي عن الرّسول صلى الله عليه وسلم أنّه قال:"لا يَغلَقُ الرَّهنُ، الرَّهنُ مِن صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنمُهُ وَعَلَيه غُرمُهُ"([118]).
ووجه الاستدلال به مِن ثلاث جهات هي:
- قَوله: (لَا يَغلَقُ الرَّهنُ) يعني أنّ الرّهن لا يَكُون غَلْقا فَيَتلَفَ الحَقُّ بِتَلَفِهِ.
- قَوله: (الرَّهنُ مِن صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ) يفيد أنّ ضمان الرّهن على صاحبه وهو الرّاهن.
- قولُه: (لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ) يعني أنّ زيادة الرّهن ونماءَه لصاحبه- وهو الرّاهن- كما أنّ عليه تلفه ونقصه([119]).
وأجيب بأنّه لا يجوز في كلام العرب أن يقال للرّهن إذا ضاع: "قد غلق". إنّما يقال: قد غلق، إذا استحقّه المرتهن فذهب به، وهذا كان من فِعل أهل الجاهليّة فأبطله النّبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا يغلق الرهن)، فمعنى الحديث هو: أنّ المرتهن لَا يَستَحِقُّ الرّهن وَلَا يَملِكُهُ عِندَ امتِنَاعِ الرَّاهِنِ عَن قَضَاءِ الدَّينِ.
أمّا قوله: (وعليه غرمه) فمعناه: أنّ على الرّاهن نفقةَ الرّهن([120]).
ج- الرّهن وَثِيقَةٌ بِالدَّينِ، فَلَا يسقط بتلفه شيء من الدّين، قياسا على موت الكفيل بجامع التّوثّق([121]).
وأجيب بأنّ سقوط الدّين بتلف الرّهن كان باعتبار ثبوت يد الاستيفاء به، وهذا لا يوجد في الكفيل فافترقا([122]).
القـول الثّاني: يد المرتهن على الرّهن ضامنة، وبه قال الحنفيّة([123])، والإباضيّة([124])، والزّيديّة([125]).
وأهمّ ما استدلّ به أصحاب هذا القول ما يأتي:
أ- قول الله عزّ وجلّ: )... فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ([283: البقرة]. ووجه الاستدلال: أنّ الله تعالى عطف ذكر الأمانة على الرّهن، وفي هذا دليل على أنّ الرّهن ليس بأمانة، وإذا لم يكن أمانةً فهو مضمون، إذ لو كان الرّهن أمانة لما عطف عليه الأمانةَ؛ لأنّ الشّيء لا يُعطف على نفسه؛ وإنّما يعطف على غيره([126]).
ب- ما روي عن عطاء من أنّ رجلا رهن رجلا فرسا فنفق في يده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرتهن: "ذهب حقُّك"([127]).
فهذا الحديث الشّريف يدلّ على سقوط الدّين بضياع الرّهن وتلفه([128]).
ونوقش هذا الحديث من جهة سنده ومتنه:
- أمّا من جهة سنده فإنّ فيه مصعب بن ثابت وهو ضعيف، ثمّ إنّه مرسل لأنّه عن عطاء، والمراسيل لا يجب العمل بها.
- أمّا من جهة متنه، فقد قيل بأنّها قضية عين، فيمكن أن تكون على وجه التّعدّي فلزم فيها الضّمان.
ثمّ إنّه لو خلا الحديث عن هذه الأمور المانعة من وجوب العمل به لكان لقوله: (ذهب حقّك) جوابان:
أحدهما: أنّ المراد به سقوط حقّ الوثيقة، بدليل أنّه لم يسأل عن قدر الدّين وقيمة الفرس، وليس في سقوط هذا الحقّ إسقاطُ حقّه من الدّين.
ثانيهما: أَنَّ قَولَه: (ذَهَبَ حَقُّكَ) مَحمُول عَلَى ذَهَابِ حَقِّهِ مِن فَسخِ الْبَيعِ، لِأَنَّهُ لَو تَلِفَ قَبلَ الْقَبضِ لَكَانَ مستحقّا فَسخَ الْبَيعِ، فَإِذَا تَلِفَ بَعدَ الْقَبضِ كَانَ من الممكن أيضا أَن يَستَحِقَّ فَسخَ الْبَيعِ، فَأَذهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَقَّهُ فِي الْفَسخِ بَعدَ الْقَبض([129]).
ج- مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ: "الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ"([130]). قال الكاسانيّ: (وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ)([131]).
وأجيب بأنّ هذا الحديث إن صحّ؛ فهو محمول على أنّ الرّهن وثيقة بما فيه، فلا يجوز حمله على أنّه مضمون؛ لأنّ في ذلك زيادةّ لضمان لا يقتضيه اللّفظ([132]).
د- أجمع الصَّحَابَة وَالتَّابِعِون رضي الله عنهم عَلَى أَنَّ الرَّهنَ مَضْمُونٌ؛ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي كَيْفِيَّتِهِ([133])، وَالْقَوْلُ بأنّه أَمَانَة خَرقٌ لَهذا الإجماع([134]).
ﻫ- الرّهن في حقيقته وثيقة محبوسة لقصد الاستيفاء، فإذا هلك صار الدّين مستوفى من وجه، فلو استوفيناه ثانيا أدّى ذلك إلى الرّبا، بخلاف حالة القيام، فإنّ هذا الاستيفاء ينقض بالرّدّ على الرّاهن فلا يتكرّر([135]).
الرّأي المختار:
بعد استعراض أدلّة الفريقين يميل الباحثان إلى اختيار القول بأنّ الرّهن مضمون بما يقابله من الدّين لما يأتي:
أ- أنّ الظّاهر من معنى "الأمانة" في قوله تعالى: )فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ([283: البقرة] هو الدّين وليس الرّهن، ذلك لأنّ هذه الآية والتي قبلها تدلّان-كما ذهب إليه جمهور المفسّرين- على أنّ البيوع ثلاثة أقسام: بيع بكتاب وشهود، وبيع برهان مقبوضة، وبيع الأمانة؛ وهو ما لا يكون فيه كتابة ولا شهود ولا يكون فيه رهن. فإذا ائتمن الدّائنُ المدين؛ ولم يطالبه بالوثائق من الكتابة والإشهاد والرّهن، فينبغي على هذا المدين أن يتّقي الله ولا ينكر الدّينَ؛ وأن يؤدّيه إلى دائنه عند حلول الأجل([136]).
وإذا سلّمنا أنّ لفظ "الأمانة" في الآية يمكن أن يُراد به الرّهن؛ صار لفظاً محتملا لمعنيين هما: الرّهن والدّين، ومع هذا الاحتمال لا يمكن أن تقوم بهذه الآية حجّةٌ على أنّ الرّهن أمانة أو مضمون؛ إذ الدّليل إذا تطرّق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
ب- عدم قيام الحجيّة بالأحاديث التي استدلّ بها الفريقان، لضعف بعضها من حيث السّند، واحتمال الثّابت منها لمعان عديدة.
ج- قوّة دليل القائلين بالضّمان من جهة المعقول، فالمرتهن عندما يقبض الرّهن إنّما يحبسه من أجل استيفاء حقّه منه عند امتناع الرّاهن أو عجزه عن أداء الدّين، فكان في حكم المستوفي حقيقةً، ذلك لأنّ القبض على جهة الشّيء كالقبض على حقيقته في باب الضّمان، لذلك اعتبر المقبوض على سوم الشّراء بعد قطع الثّمن مضمونا كالمبيع.
د- يؤيّد هذا اتّفاق الصّحابة والتّابعين على مضمونيّة الرّهن، وإن اختلفوا في كيفيته.
ولا يخفى أنّ اختيار رأي القائلين بضمان الرّهن، يترتّب عنه اختيار صحة التّضمين بالمعيار الثّامن، الذي يقتضي تضمين اليد الآخذة على وجه الوثيقة والاستيفاء.
8- معيار: "أخذ الأجرة عن المال الواقع تحت اليد". يراد بهذا المعيار تضمين يد الأجير المشترك؛ ويد كلّ من أخذ الأجرة على ما في يده، كالمودَع والوكيل والوصيّ إن عملوا بأجرة.
والمختار -والله أعلم- أنّ هذا المعيار مرجوح للأسباب الآتية:
أ- إنّ الاستدلال على هذا المعيار بما رُوي عن الرّسول صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "من أخذ الأجرة على الشّيء لزمه ضمانه"([137]). استدلال مردود، لأنّ الظّاهر عدم ثبوت هذا الحديث، فلم نقف على من رواه فيما بحثنا.
ب- أنّه لا توجد مناسبة ظاهرة بين أخذ الأجرة وتضمين اليد.
ج- هذا المعيار منقوض بعدم ضمان يد الأجير الخاص، مع أنّه يأخذ الأجرة.
د- هذا المعيار مخروم -أيضا- باعتبار يد المستعير يد أمانة عند القائلين بهذا المعيار، وهم الزّيديّة وبعض الإباضيّة، مع أنّ القبض في العارية من أجلى صور القبض لمصلحة اليد، بل لمصلحة اليد خاصة.
المطلب الثّالث
تعريف اليد الضامنة واليد الأمينة
وفقا للمعايير التي تمّ اختيارها يمكن إعطاء تعريف لليدين: الضامنة والأمينة كما يأتي:
تعريف اليد الضّامنة:
اليد الضّامنة هي: كل يد استولت على مال الغير من غير إذن، أو أخذته على وجه العوض والبدل، أو على وجه الوثيقة والاستيفاء.
وتوضيحا للتّعريف يمكن التّمثيل للأيدي التي تضمن بكلّ معيار من المعايير الواردة في التّعريف:
- من الأيدي الضّامنة بسبب استيلائها على مال الغير من دون إذن من المالك ولا من الشّارع: يد كلّ من الغاصب، والسّارق، والملتقط بقصد التّملّك، والآخذ مال الغير على ظنّ أنّها ملكه.
- ومن أمثلة اليد الضّامنة بمعيار "الأخذ على وجه العوض والبدل": يد كلّ من المشتري شراء فاسدا، والقابض على سوم الشّراء.
- ومن الأيدي الضّامنة لوقوعها على مال الغير على وجه الوثيقة والاستيفاء: يد المرتهن، والبائع الذي يرفض تسليم المبيع قبل استيفاء الثّمن، والوكيل بالشّراء إذا دفع الثّمن من ماله؛ ورفض تسليم العين المشتراة لموكّله قبل قبض الثّمن منه.
تعريف اليد الأمينة:
اليد الأمينة هي: كلّ يد مأذونة، لم تقبض على وجه العوض والبدل، ولا على وجه الوثيقة والاستيفاء.
ومن أمثلة يد الأمانة: يد كلّ من الوديع، والمستعير، والمضارب، والمستأجر، والوكيل، والرّسول، والشّريك..
ويُستثنى من هذه الأيدي يد الأجير المشترك، فهي يد أمينة في الأصل، لكنّها صارت ضامنة عند الجمهور للمصلحة.
الخاتمة
في ختام هذه الدّراسة يمكن تلخيص نتائجها كما يأتي:
- أنّ أنظار الفقهاء في تحديد معيار صفة اليد في الضّمان اختلفت، وقد مال الباحثان بعد مناقشة آراء أهل العلم في القضيـة إلى أنّ معاييـر اليد الضّامنة ثلاثة وهي:
أ- أخذ مال الغير بغير إذن من الشّرع ولا من المالك، صراحة أو ضمنا أو عرفا.
ب- قبض المال على وجه العوض والبدل.
ج- قبض المال على وجه الاستيفاء والوثيقة.
- على أساس هذا الاختيار عرّفت اليد الضّامنة بأنّها هي: كل يد استولت على مال من غير إذن، أو أخذته على وجه العوض والبدل، أو على وجه الوثيقة والاستيفاء. أمّا اليد الأمينة فهي: كلّ يد مأذونة، لم تقبض على وجه العوض والبدل، ولا على وجه الوثيقة والاستيفاء.
- قد تختلف بعض المذاهب في الحكم على بعض الأيدي بالضّمان وعدمه رغم اتّفاقها في المعيار، ومردّ ذلك أمور أخرى كاختلافهم في وجود إذن الشّرع وعدمه، وتحقّق معيار التّملّك وعدمه.
(*) المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، جامعة آل البيت، المجلد السابع، العدد (1/ب)، 1432ه/ 2011م.
الهوامش
([1]) علي الخفيف (ت 1398ﻫ/1978م)، الضّمان في الفقه الإسلاميّ، القاهرة، معهد البحوث والدراسات العربية، 1971م، ص104.
([2]) المعيار لغة: العيار، وهو ما يقاس به غيرُه ويسوّى. الخليل بن أحمد الفراهيديّ (175ﻫ/786م)، العين، تحقيق مهدي المخزوميّ وإبرهيم السّمرائيّ، د ط، وزارة الثّقافة والإعلام، العراق، د ت، ج2، ص239 مادة (عور، عير). ناصر الدّين المطرّزيّ (610ﻫ/ 1213م)، المُغرب في ترتيب المعرب، حقّقه محمود فاخوريّ وعبد الحميد مختار، مكتبة أسامة بن زيد، حلب، 1399ﻫ/1979م (ط1)، ج2، ص92 مادة (عير). محمّد بن أبي بكر الرّازيّ، مختار الصّحاح، طبعة منقّحة، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1988م، ص465.
أمّا اصطلاحا فيراد به معنيان:
1- (الظّرف المساوي للمظروف، كالصّاع، وكالوقت للصّوم).
2- (نموذج معيّن يجري تقدير الأشياء به، كمعيار الوزن، ومعيار الكيل، ومعيار الصّحّة والخطأ، ومعيار الجمال وغير ذلك). محمّد رواس قلعة جيّ وحامد صادق قنيبيّ، معجم لغة الفقهاء، الطّبعة الأولى، دار النّفائس، بيروت، 1405ﻫ/1985م، ص443. أحمد فتح الله، معجم ألفاظ الفقه الجعفريّ، الدّمام، 1415ﻫ/ 1995م (ط1)، ص398.
والمعنى المقصود في هذا البحث هو الثّاني، فيراد بمعيار صفة اليد في الضّمان: الضّابط الذي نفرّق به بين يد الأمانة ويد الضّمان.
([3]) اليد في الاصطلاح ضربان: حِسِّيَّة وَمَعنَوِيَّة، فَأمّا الْحِسِّيَّةُ: فهي الجارحة المعروفة من جسم الإنسان، وترد اليد على ألسنة الفقهاء بهذا المعنى في مواضع متعدّدة، منها: الوضوء، والغسل، والديات. أَمَّا المَعنَوِيَّةُ فيراد بِها: (الِاستِيلَاءُ عَلَى الشَّيءِ بِالحِيَازَةِ، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَمَّا قَبلَهَا)؛ لِأَنَّه بِاليَدِ يَكُونُ الاستيلاء والتَّصَرُّفُ، ومن الواضح أنّ اليد المقصودة في هذا البحث هي المعنويّة، لا الحسيّة. انظر: محمّد بن بهادر الزّركشيّ (794ﻫ/1392م)، المنثور في القواعد، حقّقه الدّكتور تيسير فائق أحمد محمود، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة، الكويت، 1405ﻫ/ 1985م (ط2)، ج3، ص369-370.
([4]) حكم اليد الضّامنة هو: الضّمان، أي الالتزام بتعويض ما يتلف لديها من أموال مطلقا، أيّا كان سبب هلاكها أو ضياعها؛ بشريّا كان أو سماويّا، وسواء كان ذلك عن تعدّ وتقصير منها أو لا. أمّا اليد الأمينة فحكمها عدم الضّمان، فهي لا تتحمّل تبعة ما يهلك تحتها من أموال، ما لم يحصل ما يرفع عنها هذا الحكم-كالتّعدي-، ويلزمها بحكم الضّمان. انظر: عبد الله ابن أحمد بن محمّد بن قدامة (620ﻫ/ 1223ﻫ)، المغني، تحقيق: الدّكتور عبد الله بن عبد المحسن التّركيّ والدّكتور عبد الفتّاح محمّد الحلو، هجر، القاهرة، 1412ﻫ/1992م (ط2)، ج13، ص388. عبد الرّحمن بن رجب (795ﻫ/ 1393م)، القواعد في الفقه الإسلاميّ، راجعه وقدّم له وعلّق عليه طه عبدالرّؤوف سعد، مكتبة الكلّيات الأزهريّة، القاهرة، 1392ﻫ/1972م(ط1)، ص333. الخفيف، الضّمان في الفقه الإسلاميّ، ص107.
([5]) انظر: عبد العزيز بن عبد السّلام السّلميّ (660ﻫ/ 1262م)، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، راجعه وعلّق عليه طه عبد الرّؤوف سعد، مكتبة الكلّيات الأزهريّة، القاهرة، 1388ﻫ/1968م (د ط)، ج1، ص84. زكريا الأنصاريّ (926ﻫ/1520م)، أسنى المطالب شرح رّوض الطّالب، ضبط نصّه وخرّج أحاديثه وعلّق عليه الدّكتور محمّد محمّد تامر، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1422ﻫ/2001م (ط1)، ج5، ص67، 576-577. ابن قدامة، المغني، ج7، ص418، 433.
([6]) انظر: العز بن عبد السّلام، قواعد الأحكام، ج1، ص83-84، 106.
([7]) انظر: ابن رجب، القواعد، ص56.
([8]) ابن رجب، القواعد، ص60-61. وانظر: ابن قدامة، المغني، ج8، ص71.
([9]) من معاني السّوم لغة: سام البائعُ السّلعة وبها: عرضَها وذكر ثمنه. وسامها المشتري وبها: طلب ابتياعها. المطرّزيّ، المغرب، ج1، ص423 مادة (سوم). سعدي أبو جيب، القاموس الفقهيّ، دار الفكر، دمشق، 1993م (ط2)، ص187 مادة(سام).
اختلف الحنابلة في الحال التي يكون فيها المقبوض على وجه السّوم مضمونا، فهم متّفقون على ضمانه في حال تقدير الثّمن ومختلفون فيما عداه. لمعرفة تفصيل خلافهم في ذلك، انظر: ابن رجب، القواعد، ص60-61. منصور بن يونس بن إدريس البهوتيّ (1051ﻫ/1641م)، كشّاف القناع عن متن الإقناع، راجعه وعلّق عليه الشّيخ هلال مصيلحي مصطفى هلال، دار الفكر، بيروت، 1402ﻫ/1982م (د ط)، ج3، ص370.
([10]) انظر: علي بن محمّد الماورديّ(450ﻫ/1058م)، الحاوي الكبير، تحقيق وتعليق علي محمّد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1414ﻫ/1994م (ط1)، ج6، ص 501. الأنصاريّ، أسنى المطالب، ج4، ص187، 196-197. البهوتيّ، كشّاف القناع، ج3، ص370.
([11]) الرّمليّ، حاشية الرّمليّ، ج5، ص194 (مطبوعة مع أسنى المطالب). وانظر: الزّركشيّ، المنثور في القواعد، ج3، ص111.
([12]) ابن قدامة، المغني، ج7، ص342.
([13]) علي الخفيف (1398ﻫ/1978م)، الضّمان في الفقه الإسلاميّ، معهد البحوث والدّراسات العربيّة، القاهرة، 1971م (د ط)، ص167.
([14]) انظر: ابن قدامة، المغني، ج7، ص342. ابن رجب، القواعد، ص225. الأنصاريّ، أسنى المطالب، ج5، ص63، 189.
([15]) انظر: أبو بكر بن مسعود الكاسانيّ (587ﻫ/1191م)، بدائع الصّنائع في ترتيب الشّرائع، د ط، دار الكتب العلميّة، بيروت، د ت، ج6، ص87. علي بن أبي بكر المرغينانيّ (593ﻫ/1197م)، الهداية شرح بداية المبتدئ، ج6، ص185. وأيضا: ج8، ص446 (مطبوع مع: فتح القدير لابن الهمام). محمّد بن عبد الواحد السّيواسيّ المعروف بابن الهمام (861ﻫ/ 1457م)، فتح القدير للعاجز الفقير، دار الفكر، بيروت، 1990م (ط2)، ج6، ص185. لمحمّد بن محمود البابرتيّ (786ﻫ/ 1384م)، العناية، ج6، ص185. وأيضا: ج8، ص446 (مطبوع مع فتح القدير لابن الهمام). علي حيدر، درر الحكّام شرح مجلّة الأحكام، تعريب المحامي فهمي الحسينيّ، الطّبعة 1، دار الجيل، بيروت، 1411ﻫ/1991م (ط1)، ج2، ص348. وأيضا: ج3، ص438.
([16]) إذنُ صاحب المال قد يكون دلالة؛ كما يمكن أن يكون صراحة، ومثال الإذن دلالة: إذا دخل رجل بيت آخر فهو مأذون دلالة بشرب الماء بالإناء المخصوص له، فإذا سقط منه وانكسر قضاء-أي بلا تعد ولا تقصير- لايضمن، لأنّ يده يد أمانة. انظر: حيدر، درر الحكّام، ج2، ص254.
([17]) حيدر، درر الحكّام، ج2، ص237-238.
([18]) الكاساني، بدائع الصّنائع، ج5، ص151.
([19]) حيدر، درر الحكّام، ج2، ص238. لمعرفة مزيد من الأمثلة لهذا السّبب، انظر: المرجع نفسه، ج2، ص494 وما بعدها.
([20]) ومثـال إزالـة اليد المحقّـة أخذ المغصوب من يد صاحبه، ومثال قصرها: أخذ المغصوب من مستأجر صاحبه، ومودَعه، ومرتهنه. انظر: حيدر، درر الحكّام، ج2، ص500-501.
([21]) الغصب عند الحنفيّة هو: (إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَ الْمَالِكِ). المرغينانيّ، الهداية، ج9، ص348.
([22]) حيدر، درر الحكّام، ج2، ص501.
([23]) مثال الزّوائد المنفصلة: الولد واللّبن والثّمرة، ومثال المتّصلة: السّمن. انظر: الكاساني، بدائع الصّنائع، ج7، ص143.
([24]) الكاساني، بدائع الصّنائع، ج7، ص143. المرغينانيّ، الهداية، ج9، ص348-349. حيدر، درر الحكّام، ج2، ص503.
([25]) المرغينانيّ، الهداية، ج9، ص323 وما بعدها.
([26]) المقبوض على وجه سوم الشّراء: هو ما يأخذه المشتري من البائع بقصد الشّراء. أمّا المقبوض على سوم النّظر فهو: ما يقبضه المشتري لينظر إليه، أو يريه لآخر، لا بقصد الشّراء. انظر: حيدر، درر الحكّام، ج1، ص283.
([27]) المقبوض على سوم النّظر أمانة عند الحنفيّة، أمّا المقبوض على سوم الشّراء فيكون مضمونا عندهم إذا كان القبض بعد تسمية الثّمن، أمّا إذا لم يسمَّ الثّمنُ فلا ضمان على الصّحيح. انظر: ابن الهمام، فتح القدير، ج6، ص306. أحمد بن محمّد الحمويّ (1098ﻫ/ 1687م)، غمز عيون البصائر، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1405ﻫ/1985م (ط1)، ج2، ص98، 272.
([28]) ابن الهمام، فتح القدير، ج6، ص185. البابرتيّ، العناية، ج6، ص185. حيدر، درر الحكّام، ج2، ص250 وما بعدها، 348.
([29]) ابن الهمام، فتح القدير، ج6، ص185. البابرتيّ، العناية، ج6، ص185. وأيضا: ج8، ص446. حيدر، درر الحكّام، ج2، ص348.
([30]) انظر: الكاساني، بدائع الصّنائع، ج4، ص210. ج5، ص261. ج6، ص34، 87. المرغيناني، الهداية، ج6، ص118-119، 185. حيدر، درر الحكّام، ج2، ص348.
([31]) محمّد بن أحمد بن جُزَيّ (741ﻫ/1340م)، القوانين الفقهيّة، د.ط، دار االقلم، بيروت، د.ت، ص220.
([32]) أحمد بن محمّد الصّاويّ (1241ﻫ/1825م)، حاشية الصّاويّ، ج3، ص109(مطبوع مع الشّرح الصّغير للدّردير).
([33]) محمّد بن أحمد ميّارة (1072ﻫ/1662م)، الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام، دار المعرفة، ج1، ص293. وانظر: الدّردير، الشّرح الصّغير، ج2، ص465.
([34]) أحمد بن إدريس القرافيّ(684ﻫ/ 1285م)، الذّخيرة، تحقيق الدّكتور محمّد حجّي، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت، 1994م (ط1)، ج8، ص112.
([35]) لمزيد من البيان انظر: القرافيّ، الذّخيرة، ج6، ص202. المرجع نفسه، ج5، ص 43. ج9، ص105.
([36]) وقد انتقد البعض إيجابَ الضّمان فيما يخفى هلاكه من العارية والرّهن، وإسقاطَه عمّا يظهر هلاكه منهما، وذلك لأنّ القول باعتبار هذا المعنى -أي ظهور العين وخفاؤها- يوجب الضّمان أيضا فيما خفي هلاكه من الوديعة، ومال المضاربة، والشّركة، وغيرها من الأمانات، كما أنّ هذا القول يوجب-أيضا- إسقاطَ الضّمان عمّا يظهر هلاكه من المغصوب. فلمّا كانت الوديعة وسائر الأمانات لا تُضمن سواء ظهر هلاكها أو خفي، وكان المغصوبُ مضمونا بإطلاق خفي هلاكه أو ظهر- وجب أن يلحق الرّهن والعارية بأحد القسمين: الأمانات أو المضمونات، إذ لا ثالث لهما. انظر: الماورديّ، الحاوي، ج6، ص259.
([37]) عبد العزيز بن الحاج إبراهيم الثّمينيّ (1223ﻫ/ 1808م)، الورد البسّام في رياض الأحكام، تحقيق محمّد بن صالح الثّمينيّ، وزارة التّراث القوميّ والثّقافة، مسقط، 1405ﻫ/1985م (د ط)، ص361. وانظر: خميس بن سعيد الشّقصيّ الرّستاقيّ (ق 11ﻫ/ 17م)، منهج الطّالبين وبلاغ الرّاغبين، تحقيق سالم ابن حمد الحارثيّ، وزارة التّراث القوميّ والثّقافة، مسقط، 1983م (د ط)، ج13، ص206.
([38]) محمّد بن إبراهيـم الكنـديّ، بيان الشّـرع، وزارة التّراث القوميّ والثّقافة، مسقط، 1414ﻫ/1993م (د.ط)، ج64، ص338.
([39]) الثّمينيّ، الورد البسّام، ص361. وانظر: المرجع نفسه، ص396. عبد الله بن محمّد بن بركة (362ﻫ)، الجامع، حقّقه وعلّق عليه: عيسى يحيى البارونيّ، د.ط، وزارة التّراث القوميّ والثّقافة، مسقط، د.ت، ص238-239.
([40]) انظر: ابن بركة، الجامع، ج2، ص293. حاشية محمّد ابن عمر أبي ستّة، ج3، ص615.(مطبوعة مع: الإيضاح للشّمّاخيّ). محمّد بن يوسف أطفيّش (1332ﻫ/ 1914م)، شرح النّيل وشفاء العليل، مكتبة الإرشاد، جدّة، 1405ﻫ/1985م (ط3)، ج9، ص126.
([41]) انظر: عبد الله بن حميد السّالميّ (1332ﻫ/1914م)، جوابات الإمام السّالميّ، تنسيق ومراجعة عبد السّتار أبو غدّة، د.ن، د.م، 1419ﻫ/1999م (ط2)، ج4، ص345.
([42]) انظر: عامر بن علي الشّماخيّ (792ﻫ/1389م)، الإيضاح، وزارة التّراث القوميّ والثّقافة، مسقط، 1420ﻫ/ 1999م، (ط4)، ج3، ص139-140. الكنديّ، بيان الشّرع، ج43، ص217. ولمزيد من الأمثلة، انظر: أحمد بن محمّد بن بكر أبو العبّاس (504ﻫ)، كتاب أبي مسألة، حقّقه محمّد صدقي والسبع إبراهيم، دار البعث، قسنطينة، 1404ﻫ/ 1984م (د.ط)، ج2، ص108. أطفيش، شرح النّيل، ج9، ص279.
([43]) "الدّيوان" كتاب فقه صنّفه جماعة من علماء الإباضية، حيث كانوا يجتمعون لتأليفه بغار يسمّى غار(مجماج) بجزيرة جربة بتونس، واشتهر هذا الكتاب فيما بعد بـ: (ديوان المشائخ) نسبة إلى الشّيوخ الذين اشتركوا في تصنيفه، وهم سبعة من علماء "جربة" بتونس، و"جبل نفوسة" بليبيا. انظر: (مقدّمة المحقق) الثّمينيّ، الورد البسّام، ص5-6.
([44]) أطفيش، شرح النّيل، ج10، ص250. وانظر: الشّمّاخيّ، الإيضاح، ج3، ص613. الثّمينيّ، الورد البسّام، ص 336. علي بن محمّد البسيويّ، جامع أبي الحسن البسيويّ، وزارة التّراث القوميّ والثّقافة، مسقط، 1404ﻫ/1984م (د.ط)، ج4، ص32-33.
([45]) الثّمينيّ، الورد البسّام، ص336.
([46]) انظر: أطفيّش، شرح النّيل، ج10، ص246. ولم نقف على من خرّجه فيما بحثنا.
([47]) انظر: الشّقصيّ، منهج الطّالبين، ج12، ص239.
([48]) ميرزا حسن الموسوي البجنورديّ (1396ﻫ)، القواعد الفقهيّة، تحقيق محمّد حسين الدّرايتيّ ومهدي المهريزيّ، مطبعة الهادي، قم، 1419ﻫ (ط1)، ج2، ص10.
([49]) البجنورديّ، القواعد الفقهيّة، ج2، ص15-17. محمّد جواد مغنية (1979م)، أصول الإثبات في الفقه الجعفريّ، دار العلم للملايين، بيروت، 1964م (ط1)، ص143.
([50]) البجنورديّ، القواعد الفقهيّة، ج1، ص177. المرجع نفسه، ج2، ص13. محمّد جواد مغنية (1979م)، فقه الإمام جعفر الصّادق، دار الجواد ودار التّيار الجديد، بيروت، 1404ﻫ/1984م (ط5)، ج5، ص13-14.
([51]) لم نجد لدى الإماميّة- فيما اطّلعنا عليه- ما يبيّن المقصود بما يضمن بالقبض سوما، هل هو المقبوض على سوم النّظر أم المقبوض على سوم الشّراء، أم كلاهما معا؟. وكلام مغنية يوحي أنّ المقبوض على السّوم يضمن إذا كان على جهة الشّراء، فقد قال: (ومثال المقبوض بالسّوم أن ترى قطعة تعرض للبيع، فتتناولها بيدك تتفحّص خصوصياتها بقصد الشّراء، كما لو ذهبت إلى بائع الزّجاج، وأخذت قطعة لتنظر: هل تتّفق مع رغبتك، فتسقط من يدك بدون اختيار...فعليك ضمانه، ودفع ثمنها). أصول الإثبات في الفقه الجعفريّ، ص145.
([52]) البجنورديّ، القواعد الفقهيّة، ج2، ص17. وانظر: محمّد الحجّة الكوه كمري (1374ﻫ)، البيع، مؤسّسة النّشر الإسلاميّ، قم، 1409ﻫ (ط2)، ص141. مغنية، فقه الإمام جعفر الصّادق، ج3، ص47.
([53]) انظر: البجنورديّ، القواعد الفقهيّة، ج2، ص18.
([54]) البجنورديّ، القواعد الفقهيّة، ج2، ص18.
([55]) انظر: مغنية، فقه الإمام جعفر الصّادق، ج3، ص48. ج6، ص270-271.
([56]) انظر: البجنورديّ، القواعد الفقهيّة، ج2، ص117 وما بعدها. مغنية، أصول الإثبات في الفقه الجعفريّ، ص157-158.
([57]) انظر: البجنورديّ، القواعد الفقهيّة، ج2، ص120-121.
([58]) المقبوض بالهبة الفاسدة غير مضمون لدى الإماميّة، وعُلِّل ذلك بكون الواهب قد سلّط الموهوب له على ماله مجّانا، وهذا ينمّ على أنّ لوجود العوض وعدمه أثرا في الحكم بالضّمان والأمانة. انظر: مغنية، فقه الإمام جعفر الصّادق، ج3، ص49.
([59]) عرّف العنسيّ العدوان بقوله: (والعدوان إثبات اليد لا بإذن الشّرع). أحمد بن قاسم العنسيّ (1390ﻫ/ 1970م)، التّاج المذهب لأحكام المذهب، مكتبة اليمن الكبرى، صنعاء1380ﻫ/1961م (د.ط)، ج3، ص343.
([60]) أحمد بن يحيى بن المرتضى (840ﻫ/1437م)، البحر الزّخّار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، دار الحكمة اليمانيّة، صنعاء، 1409ﻫ/1988م (ط1)، ج4، ص173-174.
([61]) انظر: العنسيّ، التّاج المذهب، ج3، ص133. ج4، ص250.
([62]) انظر: العنسيّ، التّاج المذهب، ج3، ص346-347، ص361.
([63]) انظر: ابن المرتضى، البحر الزّخار، ج4، ص45.
([64]) بمعنى أنّها تضمن غير الغالب فقط، فلا تضمن إن حصل الهلاك بحريق غالب مثلا، وتضمن بغيره كالسّرقة. انظر: ابن المرتضى، البحر الزّخار، ج4، ص45.
([65]) انظر: ابن المرتضى، البحر الزّخار، ج4، ص166. المرجع نفسه، ج5، ص60. العنسيّ، التّاج المذهب، ج3، ص75-76، 134، 240. ج4، ص400.
([66]) انظر: ابن المرتضى، البحر الزّخار، ج4، ص150.
([67]) ولعلّ ما يؤيّد هذا الفهمَ هو قول ابن رشد (595ﻫ)- في سياق بيان دليل من قال بضمان الأجير إن كان بأجر-: (وأما من فرق بين أن يعملوا بأجر أو لا يعملوا بأجر، فلأن العامل بغير أجر إنما قبض المعمول لمنفعة صاحبه فقط فأشبه المودع، وإذا قبضها بأجر فالمنفعة لكليهما، فغلبت منفعة القابض..). محمّد بن أحمد بن رشد (595ﻫ/1198م)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، د.ط، ج2، مكتبة الكلّيات الأزهريّة، القاهرة، 1406ﻫ/ 1986م (د ط)، ج2، ص348.
([68]) يد المستعير يد أمانة لدى الزّيديّة، وتقبل التّضمين بالشّرط والعرف. انظر: ابن المرتضى، البحر الزّخار، ج4، ص63. العنسيّ، التّاج المذهب، ج3، ص133.
([69]) العنسيّ، التّاج المذهب، ج2، ص444.
([70]) ابن المرتضى، البحر الزّخار، ج3، ص384. وانظر: العنسيّ، التّاج المذهب، ج2، ص430. المرجع نفسه، ج3، ص46-47.
([71]) ابن المرتضى، المرجع السّابق، ج4، ص45.
([72]) انظر: ابن المرتضى، المرجع السّابق، ج4، ص113.
([73]) والحديث عن مصعب بن ثابت قال: سمعت عطاء يحدث أن رجلا رهن رجلا فرسا فنفق في يده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرتهن: )ذهب حقّك(. رواه البيهقيّ في السّنن الكبرى، كتاب: الرّهن، باب: من قال الرّهن مضمون، الحديث رقم: 11225، وقال: (قد كفانا الشّافعيّ رحمه الله بيان وهن هذا الحديث)، ج6، ص68. رواه ابن أبي شيبة، في المصنّف، كتاب: البيوع والأقضية، باب: في الرّجل يرهن الرّجل فيهلك، ج4، ص525.
([74]) انظر: ابن المرتضى، البحر الزّخار، ج4، ص116.
([75]) انظر: العنسيّ، التّاج المذهب، ج3، ص133-134.
([76]) ويدلّ على ذلك قول ابن حزم: (لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُسَلِّطَ غَيْرَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ). علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (456ﻫ/ 1064م)، المحلّى بالآثار، تحقيق الدّكتورعبد الغفار سليمان البنداريّ، د.ط، دار الفكر، بيروت، د.ت، ج6، ص332.
([77]) انظر: ابن حزم، المحلّى، ج6، ص430. المرجع نفسه، ج7، ص260، 351، 359.
([78]) انظر: ابن حزم، المحلّى، ج6، ص379. ج7، ص27، 98، 110، 137. ج8، ص138.
([79]) العموم والخصوص المطلق: (هي النّسبة بين معنى ومعنى آخر مخالف له في المفهوم، وأحدهما ينطبق على كلّ ما ينطبق عليه الآخر من أفراد دون العكس). عبد الرّحمن حسن حبنكة الميدانيّ، ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة، دار القلم، دمشق، 1414ﻫ/1993م (ط4)، ص57.
([80]) انظر: الخفيف، الضّمان في الفقه الإسلاميّ، ص173.
([81]) رواه التّرمذيّ في سننه، كتاب: البيوع عن رسول الله، باب: ما جاء في أنّ العارية مؤدّاة، الحديث رقم: 1266، وقال: حديث حسن صحيح، ص301. وأبو داود في سننه، كتاب: البيوع والإجارات، باب: في تضمين العارية، الحديث رقم: 3561، ج3، ص526. وأحمد في المسند، من حديث سمرة بن جندب، الحديث رقم: 20009، ج15، ص133. وابن ماجه في سننه، كتاب: الصّدقات، باب: العارية، الحديث رقم: 2400، ص409. وأحمد في المسند، من حديث سمرة بن جندب، الحديث رقم: 19969، ج15، ص121. والحاكم في المستدرك، كتاب البيوع، الحديث رقم: 2357، وقال: (هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاريّ، ولم يخرّجاه)، ج2، ص60. والبيهقيّ في السّنن الكبرى، كتاب: العارية، باب: من قال لا يغرم، الحديث رقم: 11482، ج6، ص149. ابن أبي شيبة في المصنّف، كتاب: البيوع والأقضية، باب: في العارية من كان لا يضمنها ومن كان يفعل، الحديث رقم: 20556، ج4، ص322.
([82]) أمّا بالنّسبة ليد المشتري على المبيع عند اشتراط الخيار، فإنّ الاختلاف في حكمها من حيث والضّمان وعدمه مردّه في أساسه -والله أعلم- إلى الاختلاف في نقل الملكيّة بمجرّد وقوع العقد، أو بانقضاء الخيار، أو بقائه موقوفا. انظر: علي السّيّد عبد الحكيم الصّافي، الضّمان في الفقه الإسلاميّ: أسبابه ومجالاته في العقود، مطبعة الآداب، النّجف، 1977م (د ط)، ص195.
([83]) انظر: ابن حزم، المحلى، ج8، ص138. محمّد محي الدّين إبراهيم سليم، أحكام ضمان العارية، دار المطبوعات الجامعيّة، الاسكندريّة، 2007م (د ط)، ص112 وما بعدها.
([84]) الأنصاريّ، أسنى المطالب، ج5، ص194.
([85]) ابن قدامة، المغني، ج7، ص340. ابن رجب، القواعد، ص59.
([86]) انظر: يوسف بن عبدالله بن يحي بن عبد البر (463ﻫ/1071م)، التّمهيد لما في الموطّأ من المعاني والأسانيد، حقّقه جماعة من الأساتذة، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة، المغرب، 1403ﻫ/ 1983م (د ط)، ج12، ص38. ابن جُزَي، القوانين الفقهيّة، ص245.
([87]) انظر: ابن قدامة، المغني، ج7، ص341.
([88]) رواه أحمد، في مسند المكيّين، مسند صفوان بن أمية، الحديث رقم: 15238، ج12، ص125.
([89]) انظر: الكاساني، بدائع الصّنائع، ج6، ص218.
([90]) لم نقف على تخريجه فيما بحثنا.
([91]) رواه التّرمذيّ في سننه، وحسّنه، كتاب: البيوع عن رسول الله، باب: ما جاء في أنّ العارية مؤدّاة، الحديث رقم: 1265، ص301. ابن ماجه في سننه، كتاب: الصّدقات، باب: العارية، الحديث رقم: 2398، ص409. أحمد في المسند، من حديث أبي أمامة الباهليّ، الحديث رقم: 22195، ج16، ص263. والدّار قطنيّ في سننه، كتاب: البيوع، الحديث رقم: 165، ج3، ص40.
([92]) القرافيّ، الذّخيرة، ج6، ص201.
([93]) تعرّض ابن حزم لحديث صفوان بمختلف رواياته المفيدة للضّمان، وبيّن ضعفها.انظر: المحلى، ج8، ص140 وما بعدها.
([94]) ابن عبد البر، التّمهيد، ج12، ص41.
([95]) سبق تخريجه هامش81.
([96]) انظر: ابن حزم، المحلّى، ج8، ص144. ابن عبدالبر، التّمهيد، ج12، ص43. الصّنعانيّ، سبل السّلام، ج3، ص88.
([97]) انظر: القرافيّ، الذّخيرة، ج6، ص201.
([98]) انظر: علاء الدّين بن علي الماردينيّ "الشّهير بابن التّركمانيّ" (745ﻫ)، الجوهر النّقيّ، دار المعرفة، بيروت، 1413ﻫ/1992م (د.ط)، ج6، ص90 (بذيل السّنن الكبرى للبيهقيّ).
([99]) ابن قدامة، المغني، ج7، ص341.
([100]) ابن رجب، القواعد، ص59.
([101]) انظر: ابن الهمام، فتح القدير، ج9، ص9.
([102]) الكاساني، بدائع الصّنائع، ج6، ص217. المرغينانيّ، الهداية، ج9، ص7. حيدر، درر الحكّام، ج2، ص347.
([103]) ابن حزم، المحلّى، ج8، ص138.
([104]) انظر: ابن قدامة، المغني، ج7، ص341.
([105]) رواه الدّار قطني في سننه، كتاب: البيوع، الحديث رقم: 168، وضَعَّفَه وَصَحَّحَ وَقفَهُ عَلَى شُرَيحٍ القاضي، ج3، ص41.
([106]) ابن قدامة، المغني، ج7، ص342.
([107]) سبق تخريجه هامش 88.
([108]) ابن قدامة، المغني، ج7، ص342.
([109]) انظر: الكاساني، بدائع الصّنائع، ج6، ص217. المرغينانيّ، الهداية، ج9، ص7.
([110]) لمعرفة هذه الأقوال، انظر: الماورديّ، الحاوي الكبير، ج6، ص254 وما بعدها.
([111]) الماورديّ، الحاوي، ج6، ص254.الأنصاريّ، أسنى المطالب، ج4، ص422.
([112]) ابن قدامة، المغني، ج6، ص522.
([113]) ابن حزم، المحلّى، ج6، ص379.
([114]) جعفر بن الحسن المعروف بالمحقّق الحليّ (676ﻫ/ 1277م)، شرائع الإسلام، حقّقه عبد الحسين محمّد علي بقّال، مؤسّسة مطبوعاتي إسماعيليان، قم، 1408ﻫ (ط2)، ج2، ص73. البجنوردي، القواعد الفقهية، ج2، ص 122. مغنية، فـقه الإمام جعـفر
الصّادق، ج4، ص33-34.
([115]) انظر: السّالميّ، جوابات الإمام السّالميّ، ج4، ص445.
([116]) السّالميّ، جوابات الإمام السّالميّ، ج4، ص247-249.
([117]) انظر: السّالميّ، جوابات الإمام السّالميّ، ج4، ص248. محمود بن عبد الله الألوسيّ (1270ﻫ/ 1854م)، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسّبع المثاني، د.ط، ج2، دار الفكر، بيروت، د.ت، ص62.
([118]) رواه البيهقيّ في السّنن الكبرى، كتاب: الرّهن، باب: الرّهن غير مضمون، الحديث رقم: 11218، وقال عن إسناده إنّه حسن متّصل، ج6، ص66.
([119]) الماورديّ، الحاوي، ج6، ص254-257. ابن حزم، المحلّى، ج6، ص379. ابن قدامة، المغني، ج6، ص523.
([120]) انظر: ابن عبد البر، التّمهيد، ج6، ص433-435. محمّد بن أبي سهل السّرخسيّ (483ﻫ/ 1090م)، المبسوط، دار المعرفة، بيروت، 1414ﻫ/ 1993م (د ط)، ج21، ص66. الكاسانيّ، بدائع الصّنائع، ج6، ص155.
([121]) الماورديّ، الحاوي، ج6، ص257. ابن قدامة، المغني، ج6، ص523. الأنصاريّ، أسنى المطالب، ج4، ص422.
([122]) انظر: السّرخسيّ، المبسوط، ج21، ص67.
([123]) الكاساني، بدائع الصّنائع، ج6، ص154. المرغينانيّ، الهداية، ج10، ص140. حيدر، درر الحكّام، ج2، ص169.
([124]) الكندي، بيان الشّرع، ج45، ص191.
([125]) ابن المرتضى، البحر الزّخار، ج4، ص113. العنسيّ، التّاج المذهب، ج3، ص235.
([126]) أحمد بن عليّ الرّازيّ الجصّاص (370ﻫ/980م)، أحكام القرآن، ضبط نصّه وخرّج آياته عبد السّلام محمّد علي شاهين، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1424ﻫ/ 2003م (ط2)، ج1، ص638.
([127]) سبق تخريجه هامش 73.
([128]) انظر: المرغينانيّ، الهداية، ج10، ص141. حيدر، درر الحكّام، ج2، ص170.
([129]) الماورديّ، الحاوي، ج6، ص258. ابن حزم، المحلّى، ج6، ص378. ابن قدامة، المغني، ج6، ص523.
([130]) رواه البيهقيّ في السّنن الكبرى، كتاب: الرّهن، باب: من قال الرّهن مضمون، الحديث رقم: 11224، وحكم عليه بالضّعف، ج6، ص68.
([131]) الكاساني، بدائع الصّنائع، ج6، ص154.
([132]) انظر: الماورديّ، الحاوي، ج6، ص258.
([133]) وحاصل أقوالهم ثلاثة: الأوّل: الرّهن مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وهو ما قالت به الحنفيّة. الثّاني: هُوَ مَضمُونٌ بِالدَّينِ قَلّت قِيمَتُهُ أَو كَثُرَت، وبه قال شريح. الثّالث: يترادّان الفضل، وهو إحدى الرّوايتين عن عليّ كرّم الله وجهه.انظر: السّرخسيّ، المبسوط، ج21، ص64-65.
([134]) انظر: المرغينانيّ، الهداية، ج10، ص141. حيدر، درر الحكّام، ج2، ص170.
([135])انظر: المرغينانيّ، الهداية، ج10، ص142-143.
([136]) انظر: محمّد بن عمر الرّازيّ (606ﻫ/1210م)، التّفسير الكبير أو مفاتيح الغيب، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1411ﻫ/1990م (ط1)، ج7، ص106. محمّد بن أحمد الأنصاريّ القرطبيّ (671ﻫ/1273م)، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق الدّكتور محمّد إبراهيم الحفناويّ، دار الحديث، القاهرة، 1414ﻫ/ 1994م (ط1)، ج3، ص410-411. عبدالله بن عمر الشّيرازيّ البيضاويّ (685ﻫ/ 1286م)، أنوار التّنزيل وأسرار التّأويل، د.ط، دار الفكر، بيروت، د.ت، ج1، ص271. الألوسيّ، روح المعاني، ج2، ص62-63.
([137]) انظر: أطفيّش، شرح النّيل، ج10، ص246. ولم نقف على من خرّجه فيما بحثنا.