المزايا التي تمنحها البنوك الإسلامية لعملاء الحساب الجاري والحسابات الأخرى (*)
سماحة المفتي العام الدكتور محمد الخلايلة
المقدمة
الحسابات الجارية هي محور عمل المصارف الإسلامية وهي كذلك محور البحث الفقهي المتعلق بالصيرفة الإسلامية، لما تشكله من سيولة تمكن المصارف من القيام بنشاطاتها المصرفية المختلفة، وكلما زادت نسبة هذه الودائع زادت قوة المصرف المالية لذا فإن المصارف الإسلامية تسعى إلى زيادة الحسابات بمختلف أنواعها، والحسابات الجارية بشكل خاص، نظراً لقلة تكلفتها على المصرف.
ومحور البحث الشرعي في الصيرفة الإسلامية ينصب على أنواع الحسابات في المصارف الإسلامية وأحكامها الشرعية سواء فيما يتعلق بالبنك أو المودعين، ولذا جاء هذا البحث بتكليف من مجمع الفقه الإسلامي الدولي ليتناول موضوع المزايا التي تقدمها المصارف الإسلامية لأصحاب الحسابات الجارية والحسابات الأخرى.
وتناولت في هذا البحث المزايا المقدمة لأصحاب الحسابات الجارية وحسابات الاستثمار ورجعت إلى ما كتبه العلماء المحدثون واجتهدوا في إطار نقل نصوص الفقهاء الأقدمين، وإنزالها على وقائع الحسابات المصرفية ونوازلها وخرجوا بأحكام شرعية، وإنني أجزم أن كثيراً من النصوص التي نقلت عن علمائنا الأقدمين التي وضعوها لزمانهم، تغيرت لو أن هؤلاء العلماء أدركوا مدى التقدم العالمي في الصناعة والصيرفة العالمية، والمصارف الإسلامية جزء منها لا يتجزأ، ولا تستطيع أن تنأى بنفسها لا سيما في ظل المنافسة العالمية في عالم التجارة والاستثمار.
إن الصيرفة الإسلامية المعاصرة تحتاج إلى اجتهاد، في إطار الالتزام بالأصول والقواعد العامة للشريعة الإسلامية لتطويرها ووضعها في مكانها اللائق التي تستطيع من خلالها أن تفرض واقعها في عالم الاقتصاد المعاصر، وأرجوا أن أكون قدمت في هذا البحث نموذجاً لهذه المنهجية الفقهية، وقد جاء هذا البحث في مبحثين على النحو التالي:
المبحث الأول: تعريف الحسابات في المصارف الإسلامية، ويشتمل على مطلبين:
المطلب الأول: الحساب الجاري وتكييفه الشرعي.
المطلب الثاني: حساب الاستثمار وتكييفه الشرعي.
المبحث الثاني: المزايا التي تمنحها المصارف الإسلامية لعملاء الحسابات لديها وحكمها الشرعي، وفيه ستة مطالب:
المطلب الأول: الجوائز والهدايا التي تقدمها البنوك الإسلامية لأصحاب الحسابات البنكية.
المطلب الثاني: حكم خدمة بطاقة الصراف الآلي وخدمة الإنترنت المصرفية أو الهاتف المصرفي التي تقدمها البنوك الإسلامية لعملائها.
المطلب الثالث: حكم خدمة دفتر الشيكات التي يعطيها البنك للعميل.
المطلب الرابع: حكم خدمة تحصيل شيكات العميل المسحوبة على بنوك أخرى ووضعها في حساب العميل.
المطلب الخامس: حكم خدمة كشف الحساب التي يمنحها البنك لعملائه.
المطلب السادس: حكم الخدمات المعنوية التي يقدمها البنك لكبار عملائه.
المبحث الأول
تعريف الحسابات في المصارف الإسلامية وأنواعها
تنقسم الحسابات في المصارف الإسلامية إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول: الحساب الجاري (حسابات الائتمان).
النوع الثاني: حسابات الاستثمار.
المطلب الأول: الحساب الجاري وتكيفيه الشرعي
أولاً: تعريف الحساب الجاري اصطلاحاً:
تعرف الحسابات الجارية بأنها المبالغ النقدية التي يودعها أصحابها في المصرف الإسلامي دون أن يتقاضوا عليها أية أرباح، فيكتسب المصرف ملكيتها ويكون ضامناً لها وله حق التصرف بها، ويجوز لأصحابها سحبها متى شاؤوا.
ويتم التعامل مع هذه الحسابات بجميع الوسائل التي يوفرها البنك كبطاقات الصراف الآلي والشيكات والتحويلات المصرفية، إلى غير ذلك من الخدمات التي يوفرها المصرف لأصحاب هذه الحسابات.
ويسمى هذا الحساب بالحساب تحت الطلب أو الوديعة تحت الطلب، ويقصد أصحاب هذه الحسابات من فتحها حفظ أموالهم وصيانتها من السرقة والهلاك إضافة إلى تسهيل التعامل التجاري وإجراء التحويلات النقدية والمعاملات المصرفية التي يقدمها البنك لأصحاب هذه الحسابات، وليس لهذه الحسابات أية علاقة بالمشاركة أو المضاربة ولا يتقاضى أصحابها أية أرباح، بل قد يتقاضى البنك أجراً أو عمولة من أصحاب هذه الحسابات مقابل ما يقدمه لهم من خدمات.
ويسمى الحساب الجاري بهذا الاسم، لأن طبيعته تجعله في حركة مستمرة، من الزيادة والنقصان بسبب ما يطرأ عليه من عمليات السحب والإيداع والتمويل.
ثانياً: التكييف الشرعي للحساب الجاري في المصارف الإسلامية:
لكي نتعرف على الأحكام الشرعية المتعلقة بالحساب الجاري، لا بد أن نتعرف على التكييف الشرعي للحساب الجاري، وطبيعته في الفقه الإسلامي بحيث نتصوره تصوراً كاملاً، ونبين الأصل الفقهي الذي ينتمي إليه من العقود المسماة عند الفقهاء، إذ إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
وقد اختلفت اتجاهات العلماء وآراؤهم في التكييف الشرعي للحساب الجاري على عدة أقوال، وهذه أبرزها:
القول الأول: أن الحساب الجاري عقد قرض بين المودع (العميل) والمصرف الإسلامي ويأخذ أحكام عقد القرض في الفقه الإسلامي.
وذهب إلى هذا القول أكثر الباحثين في الاقتصاد الإسلامي وهيئات الرقابة الشرعية، وهو رأي مجمع الفقه الإسلامي الدولي([1]) وهو ما ذهبت إليه هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية([2])، وهو ما جاء في قرارات ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي([3])، والهيئة الشرعية لبنك البلاد([4]).
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 90/3/د9 ما نصه: "أولا: الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) سواء أكانت لدى البنوك الإسلامية أو البنوك الربوية هي قروض بالمنظور الفقهي، حيث إن المصرف المستلم لهذه الودائع يده يد ضمان، وهو ملزم شرعاً بالرد عند الطلب ولا يؤثر على حكم القرض كون البنك المقترض مليئاً"([5]).
وجاء في المعيار الشرعي الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية رقم (19) المتعلق بالقرض حيث نصت الفقرة (10/1/1) على أن: "حقيقة الحسابات الجارية أنها قرض فتملكها المؤسسة ويثبت مثلها في الذمة"([6]).
وجاء في فتوى الهيئة الشرعية لبنك البلاد: "يكيف الحساب الجاري على أنه قرض مستحق السداد في أي وقت يطلبه العميل، ويترتب على ذلك أن للبنك استخدام الأموال المودعة، وعليه ضمانها لأصحابها"([7]).
ويقول الدكتور محمد أحمد سراج: "وتمثل المصارف الإسلامية هذا النوع من الودائع (الودائع الجارية) باعتبارها قروضاً يتعين دفع قيمتها كلها أو بعضها عند طلب صاحبها، وتخضع هذه الودائع بهذا الاعتبار لأحكام القرض في الفقه الإسلامي، من حيث الضمان في الذمة، ومن حيث وجوب الوفاء عند الطلب، وحق المدين في التصرف في القرض والتعامل فيه بحكم كونه جزءاً من ماله"([8]).
القول الثاني: أن الحساب الجاري وديعة ويأخذ أحكام الوديعة ويترتب على ذلك أن البنك ليس له أن يستخدم هذه الأموال في نشاطه التجاري وإنما هو حافظ لها فقط([9])، وذهب إلى هذا القول مجموعة من العلماء المعاصرين، ومن أبرزهم الدكتور حسن الأمين([10])، والدكتور توفيق خطاب([11])، والدكتور حسين فهمي كامل([12])، والدكتور عبد الرزاق الهيتي([13]).
القول الثالث: أن الحساب الجاري وديعة ابتداءً وقرض انتهاءً وممن ذهب إلى هذا القول هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني([14])، والدكتور عمر مصطفى إسماعيل([15]).
القول الرابع: أن الحساب الجاري عقد مستقل ذو طبيعة خاصة، وله أحكام خاصة ولا يدخل تحت أحد من العقود المسماة، فهو منظومة عقدية ليس لها أصل تقاس عليه، وهذا هو سبب التردد في إلحاقه بعقد الوديعة أو بعقد القرض، فالعميل يودع النقود بهدف الحفظ والحماية أو تسهيل معاملاته، والمصرف يقبل هذه الوديعة بهدف استعمالها والاستفادة منها([16]).
الأدلة ومناقشتها:
استدل أصحاب القول الأول القائلين بأن الحساب الجاري قرض، بما يأتي:
أولاً: بواقع الحال في البنوك الإسلامية والتجارية، حيث أن الواقع يقضي بأن الحساب الجاري في البنوك الإسلامية أو التجارية هو قرض، فالبنك ضامن لمال الحساب الجاري، وعليه أن يرده وقت الطلب وهذا هو القرض بعينه.
ثانياً: بأن القانون ينظم العلاقة بين المودع والبنك والقانون يعتبر الحساب الجاري قرض، ويرتب عليه أحكام القرض وليس لأحد من المتعاقدين مخالفة أحكام القانون، ولذلك اعتبروا الحساب الجاري قرضاً بالمنظور الفقهي"([17]).
وهذا ما جاء في القانون المدني الأردني المادة 889، حيث جاء فيها: "إذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود، أو شيئاً يهلك بالاستعمال، وأذن المودع للمودع لديه في استعماله اعتبر العقد قرضاً"([18]).
ويُناقش هذا الدليل بأن طبيعة العلاقة بين العميل والبنك تختلف عن طبيعة العلاقة بين المقرض والمقترض، كما أن هذه العلاقة قد لا ينتج عنها فائدة، وأنه ليس هناك ما يمنع من الناحية القانونية أن يكون القرض غير مقترن بأجل فيكون للدائن أن يطالب المدين بقرضه متى شاء([19]).
ثالثاً: قالوا بأن عقد القرض يعتمد على أمرين:
أ- أن يعطي المال إلى أحد، ويؤذن له بصرفه بشرط رد مثله متى طلب منه ذلك.
ب- ضمان المال المقترض من المستقرض، وهذان العنصران متوفران في الودائع المصرفية([20]).
رابعاً: واستدلوا بما ورد عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال عن دين أبيه: "وإنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه فيقول الزبير لا، ولكنه سلف، فإني أخشى عليه الضيعة"([21]).
خامساً: استدلوا بالقاعدة الفقهية "المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً" .
وقد جرى العرف بأن ودائع المصارف هي قروض من المودع للمصرف ويلتزم المصرف بردها عند الطلب.
أدلة أصحاب القول الثاني القائلين بأن الحساب الجاري وديعة ومناقشتها:
استدل أصحاب هذا القول بالأدلة الآتية:
أولاً: أن مفهوم الوديعة الفقهية ينطبق بشكل تام على الحساب الجاري من حيث أن وضعه في البنك هو بهدف الحفظ لهذه الأموال، ولسحبها من قبل المودع متى شاء، وفي أي وقت شاء([22]).
ويرد على هذا الدليل: بأن البنك لا يقبل هذه الودائع لأجل حفظها فقط، بل يستفيد منها في أعماله التجارية، فهو يقبلها على أساس القرض وليس الوديعة.
ثانياً: أن إرادة المودع في الحساب الجاري تتجه نحو الحفظ والإيداع ولم يقصد القرض([23]).
ويُناقش هذا الدليل بأنه وإن كانت نية المودع تتجه نحو الإيداع والحفظ وليس القرض، إلا أن نية البنك تتجه نحو الإقراض وليس مجرد الإيداع والحفظ، وعملية الإيداع هي عقد بين طرفين ولا يستقل به أحدهما دون الآخر.
ثالثاً: إن تصرف البنك في المال المودع وخلطه مع باقي الأموال الأخرى، أو استخدامه لصالح البنك، لا يخرج هذا أنه تصرف بإذن المالك عرفاً، فلا يخرج من كونه وديعة([24]).
ويُرد على هذا: بأن الكثير من المودعين لا يعلم أن البنك يتصرف بأمواله.
رابعاً: إن القول باعتبار الحساب الجاري قرضاً، يعني أن بعض المنافع التي يجنيها العميل من هذا الحساب من قبيل الربا، مثل الاستفادة من خدمة السحب على الكشوف وسداد الالتزامات وغيرها، لأنه بهذا التكييف يصبح قرضاً جر منفعة، وهو ممنوع بنص القاعدة الفقهية التي تنص على أن كل قرض جر منفعة فهو ربا([25]).
ويرد على هذا الدليل: بأن ما ذكر ليس مسوغاً لاعتبار الحساب الجاري وديعة، لأن هذه المنافع ليست من صلب عملية الإيداع وإنما خارجة عنها، والتكييف إنما يكون على صلب العقد وآلية انعقاده، ثم إن القول باعتبار الحساب الجاري وديعة لتفادي الوقوع في الربا نتيجة هذه الخدمات التي يقدمها البنك، يقابله منع البنك من التصرف بهذه الأموال وعدم الاستفادة منها، أو وقوع البنك في الإثم عندما يستثمرها، والبنك طرف في العقد، ولا يقبل هذه الأموال إلا ليستفيد منها.
ومن ناحية أخرى فإن هذه المنافع محل بحث لدى العلماء، فهي ليست مقصودة لذاتها، وإنما جاءت تبعاً ومن لوازم تصرف البنك بمال القرض.
خامساً: إن المقرض عندما يودع ماله في البنك لا يضعه بقصد إقراض المصرف، ولم تتجه نيته لذلك ولا أن يشاركه في الأرباح، وإنما بقصد حفظ ماله وطلبه عند الحاجة، وهذا مقتضى عقد الوديعة([26]).
ويناقش هذا الدليل: بأن أغلب المودعين لا يفرقون بين القرض والوديعة، بل هم يضعون أموالهم في البنك لأنهم يعتقدون أن البنك يضمنها لهم، وهذا حقيقة في القرض لا في الوديعة([27]).
ويجاب عن هذا: بأن المودعين أيضاً لم يقصدوا القرض، ولم يتجهوا إليه.
أدلة أصحاب القول الثالث القائلين بأن الحساب الجاري وديعة ابتداءً وقرض انتهاءً:
واستدل هؤلاء بأن معنى الوديعة والقرض كلاهما متحقق في الحساب الجاري، فعملية فتح الحساب الجاري يمكن أن تكون وديعة ابتداءً ولكن لا يمكن أن تبقى كذلك، لأن البنك لا يُمكن أن يُلزم بحفظ المال في الحساب الجاري وردّ عينه، كما هو حكم الوديعة فقهاً، بل يخلطه بماله وينتفع به، ومن المقرر فقهاً أن المودع إذا انتفع بالوديعة بإذن صاحبها تكون عارية إذا أمكن رد عينها، وتكون قرضاً إذا لم يمكن الانتفاع بها إلا باستهلاكها، كما في النقود التي يودعها أصحابها في الحساب الجاري، وتسميتها لا تغير من هذه الحقيقة، لأن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني([28]).
وهذا القول يجعل الحساب الجاري وديعة وقرض في نفس الوقت فهو وديعة ابتداءً وقرض انتهاءً، فهو يدور بين الوديعة والقرض، فالبنك ضامن لهذا المال وعليه أن يرده عند الطلب وهذا يجعله أقرب إلى القرض، في حين أن المودع يذهب إلى البنك لحفظ ماله من أي ضرر وحمايته، وهذا يجعله أقرب إلى الوديعة.
الأدلة التي استدل بها أصحاب القول الرابع القائلين بأن الحساب الجاري عقد مستقل ذو طبيعة خاصة:
أولاً: قالوا إن الحساب الجاري من العقود المستحدثة التي اقتضتها الصناعة المصرفية الحديثة وهذه الصناعة متطورة ومستمرة، لأنها انعكاس للواقع والأعراف المصرفية والمالية والاقتصادية([29])، ولذلك لا يمكن الجمود على أحد العقود المسماة، لذا فإن الحساب الجاري عقد مستحدث له طبيعته الخاصة.
ويُناقش هذا الدليل من وجهين:
أ- أن التطور المستمر لا يمنع إلحاق الحساب الجاري بأحد العقود المسماة في الفقه الإسلامي، وهو ما تيسر لكثير من الفقهاء المعاصرين.
ب- إن إلحاقه بأحد العقود المسماة لا يعني الجمود وعدم التطور، بل إن كثيراً من الفقهاء اجتهدوا وطوروا في إطار العقود المسماة، والفقه الإسلامي فيه الكثير من شواهد التطور ومواكبة العصر في إطار الضوابط الشرعية.
ثانياً: قالوا إن الحساب الجاري له ذاتية خاصة به تميزه عن باقي العقود المعهودة والمتعارف عليها، كعقد الوديعة والقرض والوكالة والمضاربة وغيرها من العقود، لأن فيه جانباً معيناً من كل هذه العقود([30]).
ويُناقش هذا الدليل بأن الفقه الإسلامي لا يمنع وجود عقد مركب بمسمى خاص إن ثبت ذلك، وذلك أن الحساب الجاري ثبت أنه أقرب إلى القرض لدى الكثير من الفقهاء المعاصرين.
الترجيح:
بعد استعراض آراء الفقهاء وأدلتهم في التكييف الشرعي للحسابات الجارية في المصارف الإسلامية، أرى أن القول الراجح هو القول الأول القائل بأن الحساب الجاري قرض من العميل للبنك، إلا أن هذا التكييف يرد عليه مجموعة من الإشكالات التي أوردها أصحاب الأقوال الأخرى، ويبدو أن أصحاب هذه الأقوال ذهبوا إلى ما ذهبوا إليه تحت ضغط الواقع المصرفي واعتبار النيات المسميات، مما حدا بالبعض أن يجعله عقداً خارجاً عن جميع العقود المسماة فجعله عقداً ذا طبيعة خاصة، وهذا التكييف يواجه اعتراضات كثيرة إبان التطبيق وفيما يترتب عليه.
ولذا فإنني مع الترجيح بأن التكييف الشرعي لعقد الحسابات الجارية بأنه قرض، إلا أنه لا يتمحض قرضاً بحيث تجري عليه جميع أحكام القرض بذلك التشدد الذي ذكره بعض العلماء، ويعضد هذا القول الأدلة الآتية:
أولاً: أن المودع في الحساب الجاري لم يقصد القرض بمعناه الفقهي وإنما قصد حفظ ماله وصيانته، وتيسير معاملاته المصرفية وهذه النية يجب أن تعتبر في التكييف الشرعي طبقاً للقاعدة الشرعية، والعبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني.
ثانياً: أنه ورد في الشريعة الإسلامية نظائر لهذا الحكم وهو ما يسميه العلماء (حكماً بين حكمين) بحيث يعطى الحكم ولا يأخذ كل أحكامه، واستدلوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة»([31]).
فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم الحكم من وجه دون وجه، قال ابن القيم: "فثبت الحكم من وجه دون وجه، وهو الذي يسميه بعض الفقهاء (حكماً بين حكمين)" ([32]).
المطلب الثاني: حساب الاستثمار وتكييفه الشرعي
حسابات الاستثمار: هي المبالغ النقدية التي يتسلمها المصرف الإسلامي من المتعاملين معه بأي وسيلة كانت؛ لمشاركته فيما يقوم به من استثمارات بموجب ترخيصه، مقابل حصوله على نسبة مما يتحقق من أرباح صافية ووفقاً للشروط المتفق عليها.
فحسابات الاستثمار هي المبالغ النقدية التي تدفع للبنك الإسلامي بغرض تنميتها واستثمارها، على أن يقتسم المصرف الإسلامي ومالك المال الأرباح بينهما بنسبة شائعة متفق عليها مسبقاً، وإذا خسرت هذه الأموال فإن مالك المال يتحمل بقية الخسارة, وهذا هو عقد المضاربة في الفقه الإسلامي، ومن هنا فإن حسابات الاستثمار في المصارف الإسلامية تخضع لشروط وضوابط عقد المضاربة في الفقه الإسلامي، فالمصرف هو المضارب، وأصحاب دوافع الاستثمار هم أرباب الأموال، وطبقا لعقد المضاربة فإن يد المصرف الإسلامي على الودائع الاستثمارية يد أمانه لا يضمن إلا بالتعدي أو التقصير في حفظ المال ورعايته، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء.
يقول ابن قدامه: "إذا اتفق رب المال والمضارب على أن الربح بينهما، والوضيعة عليهما، كان الربح بينهما والوضيعة على المال وجملته أنه متى شرط على المضارب ضمان المال، أو سهما من الوضيعة، فالشرط باطل، لا نعلم فيه خلافا والعقد صحيح نص عليه أحمد وهو قول أبي حنيفة، ومالك"([33]).
وجاء في الموطأ: "قال مالك في الرجل يدفع إلى رجل مالا قراضا ويشترط على الذي دفع إليه المال الضمان، قال: لا يجوز لصاحب المال أن يشترط في ماله غير ما وضع القراض عليه، وما مضى من سنة المسلمين فيه، فإنما المال على شرط الضمان كان قد ازداد في حقه من الربح من أجل موضع الضمان، وإنما يقتسمان الربح على ما لو أعطاه إياه على غير ضمان، وإن تلف المال لم أر على الذي أخذه ضماناً، لأن شرط الضمان في القراض باطل"([34]).
وعليه؛ فإن حسابات الاستثمار في المصارف الإسلامية يحكمها عقد المضاربة الشرعي بشروطه وأحكامه وهذا ما يكاد يتفق عليه الفقهاء المعاصرون والمجامع الفقهية([35]).
المبحث الثاني
المزايا التي تمنحها المصارف الإسلامية لعملاء الحسابات لديها وحكمها الشرعي
تقدم البنوك الإسلامية لعملائها الكثير من الخدمات المجانية والتي يمكن إجمالها على النحو الآتي:
1- الجوائز والهدايا التي يقدمها البنك لعملائه.
2- ما يمكّن العميل من استيفاء رصيده أو السحب منه، أو إجراء تحويل من رصيده إلى رصيد آخر خاص به أو بغيره وهذا يشمل خدمة بطاقة الصراف الآلي وخدمة الإنترنت المصرفية أو الهاتف المصرفي.
3- خدمة دفتر الشيكات التي يعطيها البنك للعميل وهي وسيلة لتمكين العميل من حوالة شخص آخر إلى حسابه ليستوفي منه مبلغاً معيناً.
4- خدمة تحصيل شيكات العميل المسحوبة على بنوك أخرى ووضعها في حساب العميل.
5- خدمة كشف الحساب التي يمنحها البنك لعملائه وفيها إثبات مفصل لحركة حساب العميل.
6- الخدمات التي يقدمها البنك لكبار عملائه مجاناً كإعفائهم من الرسوم المالية للخدمات المصرفية أو صناديق حفظ الأمانات، أو إعفاء التجار من رسوم تأسيس واستخدام أجهزة نقاط البيع في متاجرهم.
وسوف نقوم ببحث كل واحدة من هذه المزايا بمطلب مستقل إن شاء الله.
المطلب الأول: الجوائز والهدايا التي تقدمها البنوك الإسلامية لأصحاب الحسابات البنكية
جرت عادة البنوك بشكل عام على تقديم الهدايا والجوائز للمودعين لديها وهذه الهدايا والجوائز تتخذ أشكالاً متعددة فقد تكون هدايا قيمة لكبار العملاء، كسيارة مثلاً، أو أجهزة، أو رحلات حج، أو عمرة، أو ما شابه ذلك، وقد تكون الجوائز عبارة عن سحب عن طريق إجراء القرعة على الحسابات المودعة لديها، والحساب الفائز يحصل على جائزة نقدية أو عينية، والجوائز النقدية قد تصل إلى مبالغ مالية كبيرة.
ويمكن تعريف هذه الجوائز بأنها: "ما تمنحه المؤسسات المالية لعملائها من سلع وخدمات دون عوض، مكافأة أو تشجيعا، أو تذكارياً"([36]).
وتهدف البنوك الإسلامية من إعطاء هذه الهدايا أو الجوائز إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي([37]):
1- توطيد العلاقة الودية مع العميل وخصوصاً إذا كان من كبار العملاء.
2- جذب المزيد من العملاء ممن ليس لهم حسابات في البنك، من أجل فتح حسابات في البنك، وأصحاب الحسابات للاستفادة من الجوائز والهدايا.
3- ترغيب العملاء في زيادة ودائعهم واستمرار تعاملاتهم مع البنك.
هذه هي الأهداف التي تجعل البنوك تقدم الجوائز والهدايا لعملائها وأصحاب الحسابات.
ويمكن بحث حكم هذه الهدايا والجوائز حسب نوع الحساب التي تقدم له.
أولاً: حكم الجوائز والهدايا التي تقدمها البنوك الإسلامية للحسابات الجارية:
تحرير محل النزاع في المسألة:
تكاد تتفق كلمة الفقهاء على حرمة الجوائز والهدايا على الحسابات الجارية إذا كانت مشروطة عند التعاقد، لأن هذا من قبيل الربا واستدلوا بالقاعدة الشرعية القائلة بأن كل قرض جر نفعاً فهو ربا.
وتكاد تتفق كلمتهم كذلك على أن الهدايا التي تقدمها البنوك من قبيل الدعايات كالأقلام والدفاتر والمفكرات وبعض الهدايا البسيطة لجميع العملاء، دون تمييز بينهم جائزة شرعاً، لأنها من باب الدعاية والترويج للبنك ونشر سمعته.
وهذا ما نصت عليه الهيئة الشرعية لبنك البلاد في قرارها رقم (17) بشأن الجوائز والحوافز على الحسابات الجارية حيث جاء فيه: "يجوز للبنك أن يقدم ما لا يختص بأصحاب الحسابات الجارية، وإنما يكون لهم ولغيرهم كالمواد الدعائية والإعلانية"([38]).
واختلفوا في حكم الجوائز والهدايا غير المشروطة عند التعاقد التي تقدمها البنوك الإسلامية لأصحاب الحسابات الجارية على قولين:
القول الأول: يحرم على البنوك تقديم الجوائز والهدايا على الحسابات الجارية، ويحرم على المودع قبولها، وإلى هذا القول ذهب مجلس الإفتاء الأردني([39])، والدكتور رفيق المصري([40])، والدكتور علي محي الدين القرة داغي([41])، وهو ما جاء في فتاوى ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي([42])، وهو ما ذهبت إليه هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية
الإسلامية([43])، وهيئة الرقابة الشرعية لبنك البلاد([44])،([45])، وقد توقفت فيها هيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي الأردني للتحرج من الانتفاع بالجائزة([46]).
جاء في قرار ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي فتوى رقم 32/2 بشأن الجوائز على أنواع الحسابات المصرفية، جاء فيها: "وعليه فإن الجوائز بجميع صورها التي يمنحها البنك لأصحاب هذه الحسابات محرمة شرعاً، لأنها زيادة على مبلغ القرض إذا كانت مشروطة في طلب فتح الحساب أو أعلنها البنك في أثناء وجود الحساب، أو جرت عادة البنك بمنح هذه الجوائز"([47]).
وجاء في قرار مجلس الإفتاء الأردني" ولا يجوز توزيع جوائز على أصحاب الحسابات الائتمانية (جارية وتحت الطلب، وذلك لوجود شبهة الربا قياساً على القرض، لأن كل قرض جرّ نفعاً فهو حرام"([48]).
وجاء في المعيار الشرعي رقم (19) الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، أنه لا يجوز للمؤسسة أن تقدم لأصحاب الحسابات الجارية بسبب تلك الحسابات وحدها هدايا عينية أو ميزات مالية أو خدمات ومنافع لا تتعلق بالإيداع والسحب"([49]).
ويقول الدكتور القرة داغي: "فأنا في اعتقادي فيه شيء يحتاج إلى إعادة نظر في هذه المسألة وأن الجوائز كما أشار إلى ذلك فضيلة الشيخ العثماني هي أيضاً فوائد مادية تمنح لهؤلاء المقرضين في مجموعهم وكل واحد يطمع في ذلك، ففيها نوع من المقامرة، وفيها أيضاً الفائدة المرجوة لبعضهم، كنا نحن منعنا أي شيء وأبقينا القاعدة العامة التي تلقتها الأمة بالقبول، فكيف نجيز هذه الجوائز وهي تقترب مما يسمى الآن بالجوائز فئة (ج) التي تصدر في بعض البنوك الربوية، بجانب فئة (أ)، وفئة (ب)، وفئة (ج) تعتبر من أصحاب الجوائز"([50]).
ويقول الدكتور رفيق المصري: "هذه الحوافز قمار ولا ينفع فيها أن نقول أن الأصل في الأشياء الإباحة، بل الأصل هنا المنع، لأن الأمر متعلق بالجوائز ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل»، العبارة «لا»، «إلا»، فالأصل في السبق كما تعلمون المقصود فيه والراجح عند العلماء أن المقصود هنا السبق بعوض، فالأصل في الجوائز المنع، فعلى من أجازها أن يبين لنا الدليل المقنع ويرد على الشبهات"([51]).
وجاء في قرار الهيئة الشرعية لبنك البلاد:
"لا يجوز للبنك أن يقدم خدمات أو مزايا لعملاء الحسابات الجارية أو بعضهم بما يترتب عليه بذل مادي للعميل، او خدمة ليس لها علاقة بفتح الحساب أو الوفاء للعميل.
لا يجوز منح هدايا خاصة لأصحاب الحسابات الجارية أو بعضهم، ويتأكد المنع فيما لو اشترط ذلك عند فتح الحساب، ومن ذلك إعطاء العميل تذاكر سفر أو إسكانه في فندق مجاناً، أو القيام بالحجوزات وتقديم الاستشارات ونحوها، ويجوز ذلك في الحسابات الاستثمارية"([52]).
القول الثاني: يجوز تقديم الجوائز والهدايا من قبل البنوك الإسلامية لأصحاب الحسابات الجارية، ويجوز قبولها من قبل أصحاب هذه الحسابات بشرط أن لا تكون مشروطة عند التعاقد.
وإلى هذا القول ذهب مركز الفتوى (إسلام ويب) التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر([53])، والشيخ محمد علي التسخيري([54]).
ويقول الشيخ محمد علي التسخيري: "نعم أنا لا أمانع في أن نضع جوائز غير محددة لمن يفتحون هذه الحسابات، وهذه الجوائز غير مضمونة في أن تصيب أحداً ولا تصيبه"([55]).
الأدلة التي استدل بها كل من الفريقين:
أولاً: الأدلة التي استدل بها أصحاب القول الأول القائلين بالتحريم ومناقشتها:
1- ما رواه أبو بردة عن ابيه قال: أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فقال: «ألا تجيء فأطعمك سويقا وتمرا، وتدخل في بيت»، ثم قال: «إنك بأرض الربا بها فاش، إذا كان لك على رجل حق، فأهدى إليك حمل تبن، أو حمل شعير، أو حمل قت، فلا تأخذه فإنه ربا»([56]).
ووجه الدلالة: في الحديث أن الزيادة أو الهدية على القرض من الربا وهو حرام شرعاً.
يقول الدكتور السالوس: "من باب أولى يجب الحيطة والحذر في زماننا، حيث قامت نظم اقتصادية على أساس الربا، وأصبح التعامل بالربا أسوأ مما كان عليه الحال في الجاهلية"([57]).
ويجاب عن ذلك بأن هذا كان في أرض انتشر فيها الربا حتى صار كالعرف، والقاعدة الشرعية تقول: المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً"، فصار ذلك محرماً، لأنه كشرط الزيادة في القرض، ولا خلاف أن ذلك حرام.
2- ما ورد عن الإمام مالك؛ أنه بلغه، أن رجلا أتى عبد الله بن عمر. فقال: «يا أبا عبد الرحمن، إني أسلفت رجلا سلفا. واشترطت عليه أفضل مما أسلفته، فقال عبد الله بن عمر: فذلك الربا، قال: فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن؟، فقال عبد الله بن عمر: السلف على ثلاثة وجوه: سلف تسلفه تريد به وجه الله، فلك وجه الله، وسلف تسلفه تريد به وجه صاحبك، فلك وجه صاحبك، وسلف تسلفه لتأخذ خبيثا بطيب، فذلك الربا، قال: فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن؟، قال: أرى أن تشق الصحيفة. فإن أعطاك مثل الذي أسلفته قبلته، وإن أعطاك دون الذي أسلفته، فأخذته أجرت. وإن أعطاك أفضل مما أسلفته طيبة به نفسه، فذلك شكر، شكره لك، ولك أجر ما أنظرته»([58]).
3- ما ورد عن أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقرض أحدكم قرضا، فأهدى له، أو حمله على الدابة، فلا يركبها ولا يقبله، إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك»([59]).
4- ما ورد عن ابن عباس قال: «إذا أسلفت رجلا سلفا، فلا تقبل منه هدية كراع، ولا عارية ركوب دابة»([60]).
وجه الدلالة في الآثار السابقة: أن الزيادة على القرض ربا محرم شرعاً، والزيادة هي ما كانت مشروطة عند التعاقد أو كانت على شكل هدية للمقرض، أما إن كانت الزيادة عند الوفاء فهذا من باب البر وحسن القضاء، دل على ذلك قول عبد الله بن عمر في الرواية السابقة: "وإن أعطاك أفضل مما أسلفته طيبة به نفسه، فذلك شكر شكره لك".
5- استدلوا بالأثر الوارد عن فضالة بين عبيد: «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا»([61])، وفي رواية أخرى: «كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا»([62])، وهو أثر جاء بروايات متعددة فعن ابن سيرين قال: «كل قرض جر منفعة فهو مكروه»([63])، وورد بلفظ : «كل قرض جر منفعة فلا خير فيه»([64]).
كما ورد عن عطاء قال: «كانوا يكرهون كل قرض جر منفعة»([65]).
وجه الدلالة في الروايات السابقة: أن كل قرض جر منفعة فهو ربا، وجوائز البنوك على الحسابات الجارية هي من هذا القبيل، فهذه الجوائز تعتبر منفعة على قرض وهي ربا محرم شرعاً.
ويرد على هذا الاستدلال من جهتين:
أولاً: إن هذا الأثر لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر العسقلاني في كتابه بلوغ المرام من أدلة الأحكام أن إسناد هذا الحديث ساقط([66])، كما قال عنه البيهقي بأنه موقوف([67]).
وبعض الروايات السابقة ذكرها عن ابن سيرين وبين أنه مكروه، وذكر الزيلعي هذا الحديث فقال: إن عبد الحق، قد ذكر هذا الحديث في أحكامه في البيوع، وأعلّه بسوار بن مصعب، وقال: إنه متروك([68]).
ثانياً: إن هذا الحديث لو صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن المقصود بالمنفعة المحرمة ما كانت مشروطة عند التعاقد، أما ما لم يكن مشروطاً عند التعاقد فليس من الربا، وإنما هو من باب البر والإحسان.
6- واستدلوا بما جاء عن محمد بن سيرين: "ان أبي بن كعب استسلف من عمر رضي الله عنه عشرة آلاف، فأهدى له من ثمرة أرضه فردها، فأتاه أُبي، وقال: أترد علي ثمري، فقد علمت أني أطيب أهل المدينة ثمرة، لا حاجة لنا فيما رددت علينا هديتنا، فأعطاه العشرة آلاف، ثم إن عمر رضي الله عنه لما رد عليه أبيّ المال قبل هديته"([69]).
وجه الاستدلال: أن الصحابة رضي الله عنهم لم يقبلوا هدية المقترض ونهوا عنها.
يقول ابن القيم: فنهي النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه المقرض عن قبول هدية المقترض قبل الوفاء، فإن المقصود بالهدية أن يؤخر الاقتضاء، وإن كان لم يشترط ذلك، سداً لذريعة الربا"([70]).
ويرد على هذا الاستدلال من ثلاثة وجوه:
الأول: أن امتناع عمر رضي الله عنه عن قبول هدية أبيّ إنما كان تورعاً، بدليل أنه قبلها بعد ذلك، ولو كانت حكماً شرعياً لازماً لما قبلها بعد ذلك.
الثاني: أن العرف جرى على أن هدية المقرض للمقترض تكون لأجل تأخير الاقتضاء وهذا هو عين الربا، وهو ما بينه ابن القيم رحمه الله في قوله: "فإن المقصود بالهدية أن يؤخر الاقتضاء".
ثالثاً: أن النهي عن قبول هدية المقترض للمقرض إنما كان سداً لذريعة الربا.
وجميع هذه الأمور امتنعت في جوائز حسابات البنوك لأنها ليست هدية لمعين وإنما هي جائزة تمنح بطريق القرعة.
7- واستدلوا بأن أكثر الفقهاء نصوا على حرمة كل قرض جر نفعاً.
قال ابن عبد البر: "وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلف فهي ربا، ولو كانت قبضة من علف، وذلك حرام إن كان بشرط"([71]).
بل إن ابن المنذر نقل الإجماع على ذلك فقال، وأجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا"([72]).
وقال ابن قدامة: "وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس، وابن مسعود، أنهم نهوا عن قرض جر منفعة"([73]).
ويرد على هذا الاستدلال: بأن القرض المحرم ما كان مشروطاً عند التعاقد وهو ما ورد في النصوص السابقة، وأما ما لم يكن كذلك فليس من الربا، وجوائز البنوك ليست مشروطة عند الإيداع.
ويُجاب عن ذلك: بأن هذا التأويل بعيد لأمرين([74]):
الأول: أن منهم من صرّح بالحكم في أخذها وأنه ربا، فيحمل نهي الآخرين منهم عنها على هذا السبب.
الثاني: أن فتوى ابن عباس للمقرض الذي قبل هدية المقترض بأن يحسبها من دينه هي من البيان في الحقوق، ولا يمكن أن يفتي صاحب الحق بترك بعض حقه تورعاً دون أن يبين له ذلك، لأن التورع غير لازم له.
8- قالوا إن عقد القرض عقد إرفاق وقربة، فإن شرط المقرض فيه الزيادة لنفسه خرج عن موضوعه([75]).
ويُرد على هذا الدليل: بأنه خارج محل النزاع والجميع يتفق على أن شرط الزيادة في القرض ربا.
9- قالوا بأن الفقهاء نصوا على حرمة قبول هدية المقرض للمقترض وهو قول المالكية([76])، والحنابلة([77])، وهو مذهب ابن عمر، وابن عباس، وعبد الله بن سلام رضي الله عنهم جميعاً، وهدايا البنوك هي من قبيل هدية المقترض للمقرض، وهي حرام.
ويُرد على ذلك: بأن هذه المسألة خلافية بين الفقهاء وفيها اختلاف كبير، وقد خالف هذا القول الحنفية([78])، والشافعية([79])، فقالوا بجواز قبول هدية المقترض للمقرض إن لم تكن مشروطة عند الاقتراض.
10- قالوا إن جوائز البنوك على الحسابات الجارية هي من باب القمار والميسر وهذا محرم، وهي تقترب من جوائز البنوك الربوية، فئة(ج) و(أ) و(ب) ([80])، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ([81])،
ويُجاب عن هذا الاستدلال: بأن عملية القمار منتفية هنا، حيث أن المقرض لم يخسر شيئاً إذا لم يأخذ الجائزة أو الهدية، ولم يدخل في مقامرة بل أن ماله محفوظ ومضمون بتمامه من قبل المقترض، فأين هي عملية القمار؟
ثانياً: الأدلة التي استدل بها أصحاب القول الثاني القائلين بالجواز ومناقشتها
استدل أصحاب القول الثاني بالأدلة الآتية:
1- ما رواه البخاري ومسلم عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ، فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا خِيَارًا رَبَاعِيًا، فَقَالَ: «أَعْطِهِ إِيَّاهُ، إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً"([82]).
قال الخطابي معلقاً على الحديث: "وفيه دليل على أن من استقرض شيئاً، فرده أحسن أو أكثر من غير شرط، كان محسناً، ويحل ذلك للمقرض...، فأما إذا شرط في القرض أن يرد أكثر، أو أفضل، أو في بلد آخر، فهو حرام"([83]).
وقال ابن حجر: "وفيه جواز وفاء ما هو أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد فيحرم اتفاقاً وبه قال الجمهور"([84]).
ووجه الدلالة في هذا الحديث أن الزيادة على القرض جائزة شرعاً، بل هي من الإحسان إن كان بغير شرط وجوائز البنوك هي من هذا القبيل.
2- ما جاء في المصنف لابن أبي شيبة: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي أَسْلَفْتُ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي طَعَامٍ، فَأَخَذْتُ مِنْهُ نِصْفَ سَلَفِي طَعَامًا، فَبِعْتُهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَتَانِي فَقَالَ: خُذْ بَقِيَّةَ رَأْسِ مَالِكَ: خَمْسَمِائَةٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «ذَلِكَ الْمَعْرُوفُ، وَلَهُ أَجْرَانِ»([85]).
وجه الاستدلال بهذا الحديث أن الرجل أخذ زيادة على قرضه، ولما كانت غير مشروطة في أصل العقد جازت، قال ابن عباس معقباً على ذلك: "فذلك المعروف"، مما يدل على جوازها، وجوائز البنوك من هذا الباب، فهي من باب المعروف.
3- ما أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار من رواية طارق المحاربي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من وفد قدم إلى المدينة جملاً بآصع من تمر، ثم بعث إليهم في العشي تمراً كثيراً، وأمر أن يأكلوا حتى يشبعوا، ويكتالوا حتى يستوفوا"([86]).
وجه الاستدلال بالحديث أن النبي اقترض وأعطى المقرض شيئاً زائداً على قرضه معروفاً منه، وهذا يدل على جواز الزيادة على القرض ما لم تكن مشروطة.
يقول ابن عبد البر معلقاً على الحديث السابق: "ففي هذا الحديث إباحة أكل طعام من له عليه دين، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُطعم ما لا يحل"([87])، ثم يقول: وذلك كله يدل على أنه جائز لمن له دين على رجل، من دين أقرضه، أو بيع باعه، أن يقبل منه ما زاد به بطيب نفس شكراً لها، وأن يأكل طعامه، ويقبل هديته، وما كان مثل ذلك كله ومثله فليس بربا"([88]).
4- قالوا بأن إعطاء الجوائز على الحسابات الجارية من باب حسن القضاء الذي أمر به الإسلام، فإنه يجوز للمقترض أن يرجع القرض للمقرض وأن يزيده على مبلغ القرض من غير شرط([89]).
5- إن الفقهاء نصّوا كما ذكرنا سابقاً على جواز أخذ المقرض هدية من المقترض وهو مذهب الحنفية([90])، والشافعية([91])، وابن حزم من الظاهرية([92]).
قال ابن حزم: "وهدية الذي عليه الدين إلى الذي له عليه الدين حلال ، وكذا ضيافته إياه ما لم يكن شيء من ذلك على شرط"([93]).
وهذا يدل على أن جوائز البنوك المحرمة ما كانت على شرط، وأما ما كانت بغير شرط فجائز شرعاً.
وقال ابن قدامة: فإن أقرضه مطلقاً من غير شرط، فقضاه خيراً منه في القدر أو الصفة، أو دونه برضاهما جاز، وكذلك إن كتب له في سفتجة، أو قضاه في بلد آخر، جاز، ورخص في ذلك ابن عمر، وسعيد بن المسيب، والحسن، والنخعي، والشعبي، والزهري، ومكحول، وقتادة، ومالك، والشافعي، وإسحاق"([94]).
ثم قال ابن قدامة: ولأنه لم يجعل تلك الزيادة عوضاً في القرض، ولا وسيلة إليه، ولا إلى استيفاء دينه، فحلت كما لو لم يكن قرضاً"([95]).
وهذا يدل على جواز الجوائز والهدايا في البنوك الإسلامية لأصحاب الحسابات الجارية.
6- إن بعض الفقهاء نصوا على جواز إقراض من كان معروفاً بحسن القضاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس قضاءً ولم يقل أحد أن إقراضه مكروه أو غير جائز([96]).
ووجه الدلالة: أن البنوك الإسلامية أولى بأن تكون معروفة بحسن القضاء لبعض المودعين عن طريق الجوائز بضوابطها.
قال الرملي: "فلو رد من اقترض لنفسه من ماله هكذا، أي زائداً قدراً أو صفة بلا شرط فحسن، ومن ثم ندب ذلك، ولم يكره للمقرض الأخذ كقبول هديته ولو في الربوي"([97]).
قال السرخسي: "وعن عطاء رحمه الله أن ابن الزبير رضي الله عنه، كان يأخذ بمكة الورق من التجار فيكتب لهم إلى البصرة وإلى الكوفة، فيأخذون أجود من ورقهم.
قال عطاء: فسألت ابن عباس رضي الله عنه عن أخذهم أجود من ورقهم، فقال: لا بأس بذلك ما لم يكن شرطاً، وبه نأخذ فنقول: المنهي عنه هي المنفعة المشروطة، أما إذا لم تكن مشروطة فذلك جائز، لأنه مقابلة الإحسان بالإحسان، إنما جزاء الإحسان الإحسان، وكذلك قبول هديته وإجابة دعوته، لا بأس به إذا لم يكن مشروطاً"([98]).
الترجيح:
بعد استعراض آراء الفقهاء وأدلتهم في حكم الجوائز والهدايا التي تقدمها البنوك الإسلامية لأصحاب الحسابات الجارية، أرى أن القول بجواز هذه الجوائز هو الأولى بالصواب، للاعتبارات الآتية:
أولاً: أن الأدلة التي استدل بها المانعين تحمل على اشتراط الزيادة عند الاقتراض، وهذا ما دلت عليه نصوص الفقهاء.
يقول ابن عبد البر: "ونص الإجماع أن من اشترط شيئاً من ذلك _أي الزيادة على القرض _ فهو ربا، فكان الوجه الأول من الحلال البين، والوجه الآخر من الحرام البين"([99]).
ثانياً: إن الذين قالوا بالتحريم بنوا حكمهم على اعتبار تكييف الحسابات الجارية بأنها قروض بالمنظور الفقهي وأجروا عليها أحكام القرض المحض، وهذا التكييف للحساب الجاري غير مُسلّم، فقد خالفه كما بينا الكثير من العلماء، وقد سبق وبينا أنها وإن كانت قرضاً إلا أنها لا تتمحض قرضاً، بحيث ينطبق عليها كل أحكام القرض التي قررها الفقهاء، ولذا فإن هذه الجوائز ليست زيادة على القرض وإنما هي من باب البرّ والإحسان، فالحساب الجاري لا يتمحض قرضاً وإن كان أقرب إلى القرض.
ثالثاً: إن المودع في البنك لم يقصد القرض ولم يسعَ إليه من قريب أو بعيد، وإنما أراد حفظ ماله، وتيسير تعامله بهذا المال مع غيره، وهذه النية يجب أن يكون لها أثر في الحكم الشرعي إبان الاجتهاد، طبقاً للقاعدة الفقهية: "العبرة في العقود المقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني"، والمقاصد والمعاني في هذا الموطن لا يمكن إغفالها بحال، وعليه فإن الجوائز على الحسابات الجارية جائزة شرعاً.
رابعاً: إن العلماء قالوا بأن عقد القرض عقد إرفاق وإحسان وقربة، وأن الزيادة غير المشروطة على القرض عند الوفاء هي أيضاً من باب البر، والإحسان، وحسن القضاء، ومن أولى من البنوك الإسلامية بحسن القضاء، خاصة أنها بنوك مليئة، ولا يمنع من ذلك قضية التشابه مع البنوك الربوية، أو تقليد الغرب، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها، وهذا ليس ضابطاً لبناء حكم فقهي ، وليس ضابطاً للتحريم، بل إن البنوك الإسلامية أولى من غيرها بإعطاء الجوائز وتشجيع المدخرين طالما لا يوجد نص صحيح صريح بالتحريم، وليس هذا من باب الربا.
خامساً: إن الذين قالوا بالتحريم استندوا إلى قاعدة: "كل قرض جر نفعاً فهو ربا"، وقد بينا أن هذا الحديث لم يصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء بروايات متعددة، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
ثم على فرض صحة هذا الحديث، فإننا نحتاج إلى بيان ماهيّة المنفعة المحرمة وضابطها، فمن المعروف لدى الفقهاء أن القرض لا يخلوا من منفعة للمقرض، حتى قال ابن حزم: "ليس في العالم سلف إلا وهو يجر منفعة، وذلك انتفاع السلف بتضمين ماله، فيكون مضموناً _تلف أو لم يتلف_ مع شكر المستقرض إياه وانتفاع المستقرض بمال غيره مدة ما، فعلى قولهم كل سلف فهو حرام، وفي هذا ما فيه"([100]).
فالمنفعة المحرمة هي ما كانت مشروطة مقصودة عند التعاقد، وأما المنفعة العرضية غير المشروطة أو الملحوظة فلا مانع منها شرعاً.
ذلك أن العلاقة بين المصارف الإسلامية والأفراد، هي علاقة منافع متبادلة، فالمصارف بحاجة إلى هذه الأموال لتنميتها واستثمارها والاستفادة من عوائدها وإرجاعها، والأفراد بحاجة إلى المصارف لحفظ أموالهم من الضياع والسرقة، وتيسير معاملاتهم بها من جهة أخرى.
سادساً: إن هذه الجوائز تتم عن طريق القرعة على الحسابات، والذي يأخذ الجائزة، قد يكون واحد من عشرة آلاف، وهي نسبة ضئيلة جداً لا يمكن أن نبني عليها حكماً بالتحريم، ولو كان البنك يعلن عنها قبل الإيداع، أو أثناء فتح الحسابات، طالما أن المودع لم يدخل في عملية إقراض ربوي، ولم يشترط ذلك عند فتح الحساب.
سابعاً: نص كثير من الفقهاء على جواز السفتجة وهي أن يعطي شخص مالا لآخر، وللآخر مال في بلد المعطي فيوفيه إياه ثم يستفيد أمن الطريق، وهو نفع متحقق من القرض للمقرض، ومع هذا أجازه الكثير من الفقهاء([101]).
والقول بجواز الجوائز على الحساب الجاري لا بد له من شروط وضوابط، وهذه الشروط هي:
1- أن تكون عن طريق القرعة، وليس لجميع الحسابات، فإن كانت لجميع الحسابات فهذا هو الربا.
2- أن لا تكون مشروطة عند الإيداع، بمعنى أن لا يكون هناك شرط بأن تدخل هذه الحسابات في القرعة عند الإيداع، وإنما يكون دخولها بإرادة منفردة من البنك.
3- أن لا يأخذ البنك من المودعين أية عمولات بدل الدخول في القرعة على الجوائز، فإن أخذ منهم شيئاً، كان ذلك من قبيل القمار المحرم شرعاً.
ثانياً: الجوائز والهدايا التي تقدمها البنوك الإسلامية للحسابات الاستثمارية
يجوز من الناحية الشرعية إعطاء الجوائز والهدايا على حسابات الاستثمار، وذلك أن حسابات الاستثمار تكيف على أنها مضاربة بين البنك والمودع، وهذه الحسابات قد تكون حسابات لأجل وقد تكون حسابات توفير، وفي كلتا الحالتين فإن المصرف يستثمر هذه الأموال على سبيل المضاربة، فالبنك هو المضارب والمودع هو ربّ المال، وقد أجاز العلماء للمضارب أن يعطي الهدايا أو الجوائز لرب المال بشرطين:
الأول: أن لا تكون هذه الأموال من أرباح المضاربة لأنه لا يجوز للمضارب أن يتبرع بشيء من أموال المضاربة دون إذن صاحب المال.
الثاني: أن لا تؤدي هذه الجوائز إلى ضمان رأس مال المضاربة.
الثالث: أن لا يكون من الأرباح العامة للمصرف، لأن المودعين لهم حق في هذه الأموال، ولا يجوز التبرع من أموالهم بغير إذنهم.
وهو رأي مجلس الإفتاء الأردني([102])، وهيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي الأردني([103])، وندوة البركة للاقتصاد الإسلامي([104]).
جاء في قرار ندوة البركة: "يجوز تقديم البنك جوائز إلى أصحاب حسابات الاستثمار، لأن أرصدة هذه الحسابات مملوكة لأصحابها، والبنك مضارب لهم فيها بحصته من الربح، على ألّا يؤدي منح هذه الجوائز إلى ضمان رأس مال المضاربة، أو أي جزء منها، كما في حالة حدوث خسارة، وذلك لأن ضمان المضارب برأس مال المضاربة لا يجوز شرعاً، على أن يكون دفع هذه الجوائز من أموال البنك، لا من أرباح حسابات الاستثمار، لأن المضارب ليس له التبرع من أموال المضاربة([105]).
المطلب الثاني: حكم خدمة بطاقة الصراف الآلي وخدمة الإنترنت المصرفية أو الهاتف المصرفي التي تقدمها البنوك الإسلامية لعملائها
اعتادت المصارف الإسلامية أن تقدم مجموعة من الخدمات لعملائها، وهذه الخدمات تسهل وصول العميل إلى حسابه، وإجراء عمليات التحويل، والسحب كبطاقة الصراف الآتي، وإتاحة وصول العميل إلى حسابه من خلال الإنترنت، أو الهاتف المصرف، والحق أن هذه الخدمات فيها منافع متبادلة للبنك والعميل، وقد يكون المنفعة للبنك فيها أكثر من العميل، فبطاقة الصراف الآلي تجعل العميل يسحب من حسابه دون أن يدخل إلى فروع البنك، وهذا يوفر عبء على موظفي البنك، وتكلفة إضافية، إضافة إلى تزاحم المراجعين في فروع البنك، وكذلك خدمة الإنترنت والهاتف المصرفي، كلها توفر جهداً كبيراً على المصرف، وكذلك العميل يستطيع أن يسحب من رصيده دون عناء وفي أي مكان أو وقت يشاء.
والحكم الشرعي أنه يجوز للبنك أن يقدم هذه الخدمات مجاناً ودون مقابل، ويجوز للعميل أن يستفيد منها، ذلك أنها وسيلة لوصول العميل إلى حسابه بأيسر الطرق، وهذا جزء من آليات إعادة القرض إلى مالكه.
وقد جاء في مناقشات مجمع الفقه الإسلامي ما قاله الدكتور سامي حمود: "واحتمل هنا أن النفع المقصود بالتحريم المتبادل، كل قرض جر نفعاً فهو ربا، إنما يراد به النفع المادي المشروط على المدين بما يؤديه للدائن، أما تزويد البنك عميله بكشف الحساب وصرف الشيكات له، وتخويله حق الاستفادة من خدمات الصراف الآلي مثلاً، فإن هذه ليست نقوداً مدفوعة زيادة عن الدين وإنما هي خدمات"([106]).
وهذه الخدمات التي يقدمها البنك أقرب ما تكون إلى تسهيلات استيفاء مقدمة للعملاء.
حكم الجوائز على استخدام الصراف الآتي:
يجوز شرعاً تقديم جوائز عن طريق السحب (القرعة)، للذين يسحبون من الصراف الآلي في البنوك الإسلامية بشرطين([107]):
1- ألا يدفع الداخلون في السحب، أو يُخصم من حساباتهم أي مبالغ مقابل الاشتراك في السحب، لأن ذلك يعد قماراً.
2- ألا تزيد عمولة السحب خلال المدة التي يتم السحب خلالها عن العمولة العادية".
المطلب الثالث: حكم خدمة دفتر الشيكات التي يعطيها البنك للعميل
تقوم البنوك الإسلامية بإعطاء أصحاب الحسابات الجارية لديها دفتر شيكات، وكل شك منها هو وسيلة لتمكين العميل من حوالة شخص آخر على حسابه في البنك، ليستوفي منه بأمره مبلغاً معيناً، حيث يمكّن دفتر الشيكات صاحب الحساب من الوفاء بالتزاماته واحتياجاته دون الحاجة إلى حمل النقود، مما يجنبه مخاطر السرقة والضياع لأمواله.
ويمكن القول بأن صاحب الحساب الجاري ينتفع من دفتر الشيكات بمنافع متعددة منها([108]):
1- الأمان: لأن ضياع الشيك أو سرقته أو تزييفه لا يعرض صاحب الأموال لخطر ضياع أمواله فهي مضمونة على البنك.
2- أنه يقدم طريقة اقتصادية لدفع الالتزامات تغني عن حمل النقود لا سيما في المبالغ الكبيرة.
3- أنه إثبات لاستلام القابض للنقود يغني عن السندات، والمعتاد أن تحتفظ البنوك بالشيكات بعد دفع مبالغها، ولكن بعض البنوك تقوم بتسليمها إلى صاحب الحساب للاحتفاظ بها.
الحكم الشرعي لخدمة دفتر الشيكات التي يعطيها البنك للعميل:
تحرير محل النزاع:
يتفق الفقهاء المعاصرون على جواز إصدار دفتر الشيكات للعملاء مقابل عمولة، ويجوز للعميل الانتفاع بها، لأنها حينئذٍ تأخذ حكم الإجازة.
وإن كانت بدون مقابل فقد اختلف فيها العلماء على قولين:
القول الأول: أنه يجوز لصاحب الحساب الجاري الانتفاع بدفتر الشيكات بدون مقابل([109])، وهو رأي هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية([110])، وهيئة الرقابة الشرعية لبنك البلاد([111]).
القول الثاني: أنه يكره الانتفاع بدفتر الشيكات بدون مقابل([112]).
الأدلة التي استدل بها كل من الفريقين:
استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
أولاً: أن هذه المنافع يستفيد منها الطرفان، العميل والبنك، وربما تكون مصلحة البنك فيها غالبة، بل أساسية، وذلك أنه بإصدار الشيكات، يخفض البنك من نسبة التكاليف وعدد الموظفين الذين يحتاجهم في القيام بأعماله مثل تحرير أوامر السحب النقدي وتنفيذها، وتحرير المستندات التي يسحب بها العميل بعض ماله أول كله، واستخدام الشيك يوفر عليه كل ذلك.
ثانياً: إن المنفعة التي يحصل عليها صاحب الحساب الجاري المقرض من هذا النظام دون مقابل ليست منفعة منفصلة عن القرض، بل هي وسيلة لوفاء المصرف للقروض التي اقترضها حيث إنه مطالب بسداد القروض لكل مقرض متى طلب ذلك([113]).
أدلة أصحاب القول الثاني:
استدل القائلون بكراهة انتفاع صاحب الحساب لجاري بدفتر الشيكات بما يأتي:
أن المنفعة التي يحصل عليها صاحب الحساب الجاري من دفتر الشيكات وبطاقة الصراف الآلي دون مقابل أمر مكروه لأن هذه الخدمة تكلف المصرف أموالاً، وذات منفعة متقومة بدليل أن بعض المصارف يتقاضون عنها أجوراً، فتصير هذه المعاملة من الأمور المتشابهات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور مشبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه»([114]).
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كره لنا التعامل بالشبهات، لأنها في نهاية المطاف توقعنا في المحرمات، وأرشدنا إلى تركها والابتعاد عنها، وعلى ذلك جرى بناء الحكم عليها بالكراهية([115]).
ويرد على هذا الاستدلال بما يأتي([116]):
أولاً: لأن تبرع المصرف بقيمة الخدمة الخدمة لا يرتب على العميل أي قيود في سحب بعض أمواله أو كلها من المصرف في أي وقت يشاء.
ثانياً: إن الخدمة التي يحصل عليها العميل بالمجان من جراء تعامله بهذا النوع من الإيداعات ليست منفعة منفصلة عن القرض، بل هي أسلوب من أساليب استرداد الدائن ماله بصورة ميسرة.
ثالثاً: ارتباط زمن بذل الخدمة بزمن القرض ارتباطاً قهرياً لا يمكن فكه أو تفاديه بتقديم أو تأخير زمن بذل الخدمة عن زمن القرض، لأن الخدمة التي يتبرع المصرف بقيمتها تقوم على خدمة القرض ذاته، فلا يتصور وجود الخدمة بغير وجود مخدومها.
رابعاً: أن المصرف منتفع بهذا النظام بل إن منفعته أصلية ومنفعة العميل فرعية.
الترجيح:
إن دفتر الشيكات الذي يصدره البنك لأصحاب الحسابات الجارية فيه منافع متبادلة بين البنك (المقترض) والعميل (المقرض)، فالبنك يحقق لنفسه منافع متعددة، من توفير الوقت والجهد الذي يبذله موظفيه، والعميل كذلك يحقق لنفسه منافع متعددة سبق ذكرها، فالمنفعة لا تخص المقرض بل ينتفعان بها جميعاً، فهي منفعة مشتركة ين الطرفين، وفي الفقه الإسلامي نظائر لذلك، منها مسألة السفتجة وإقراض مال اليتيم وغيره من المنافع التي أجازها العلماء، ولذا فإن إصدار دفتر الشيكات وانتفاع العميل به بدون مقابل جائز شرعاً، والله تعالى أعلم.
المطلب الرابع: حكم خدمة تحصيل شيكات العميل المسحوبة على بنوك أخرى ووضعها في حساب العميل
من الخدمات التي يقدمها البنك لعملائه تحصيل شيكات العملاء المسحوبة لهم على بنوك أخرى ووضعها في حسابات العملاء لديها، وحقيقة هذه المعاملة أنها توكيل من صاحب الحساب للبنك في استيفاء حقه من البنك المسحوب عليه الشيك، وعندما يقوم البنك بتحصيل هذه الشيكات ووضعها في حساب العميل فإنه يوفر على العميل الجهد والوقت في تحصيل الشيك، ومن حق البنك أن يطلب أجراً من عميله على هذه الخدمة، لكن البنك عادة يقدم هذه الخدمة مجاناً للحصول على هذه الأموال للاستفادة منها في أعماله لأنها ستكون لديه في حساب العميل والبنوك عادة تسعى لاستقطاب الأموال مما يقوي مركزها المالي، فالبنك يقدم هذه الخدمة للعملاء لينال منهم قرضاً، أو لينال رضا العملاء.
فهل يجوز أن يقدم البنك هذه الخدمة مجاناً ليحصل على القرض؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين ([117]):
القول الأول: يجوز للبنك أن يقدم هذه الخدمة لعملائه مجاناً ويجوز للعميل أن يستفيد منها، وهو ما ذهبت غليه هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية([118])، وهيئة الرقابة الشرعية لبنك البلاد([119])، والكثير من المحدثين.
القول الثاني: لا يجوز للبنك أن يقدم هذه الخدمة لعملائه مجاناً ولا يجوز للعميل أن يستفيد منها([120])، وهو ما ذهب إليه الدكتور عبد الله الربعي([121]).
الأدلة التي استدل بها كل من الفريقين:
استدل أصحاب القول الأول: بأن هذه الخدمة من المنافع المتبادلة بين الطرفين، فالبنك استفاد باقتراض المبلغ الذي قام بتحصيله للعميل، والعميل انتفع بتحصيل أمواله من مدينه الأول ووضعه لدى مدينه الثاني (البنك الذي يتعامل معه) ليكون تحت تصرفه في أي وقت شاء، ولا يوجد مانع شرعي من ذلك، لأن هذه الخدمة من لوازم الإيفاء والاستيفاء للحسابات في البنوك.
واستدل أصحاب القول الثاني: بأن البنك لم يحصل الشيك إلا لأجل اقتراضه، والعميل انتفع بتحصيل ماله من دين له على الغير بدون مقابل وهذا من باب القرض الذي جر نفعاً وهو حرام.
الترجيح:
أرى أنه لا مانع شرعاً من تقديم هذه الخدمة من قبل البنوك الإسلامية، ويجوز للعميل الانتفاع منها لأنها من لوازم فتح الحساب في البنوك الإسلامية، وذلك أن أهم لوازم الحساب ما يتعلق بالوفاء والاستيفاء لأموال العملاء وتحصيل شيكات العميل هي من هذا القبيل، ويمكن تخريج هذه المسألة على أن خدمة القرض وكلفته تكون على المقترض، وهي نظير ما لو قلت لفلان: "اذهب وخذ مالي من فلان ليكون عندك قرضاً"، وذهابه إلى فلان له تكلفة مالية وهي على المقترض وليس المقرض، طبقاً للقاعدة الشرعية: "أن مؤونة قبض ورد كل عين تلزم من تعود إليه منفعة قبضها"([122])، والمنفعة هنا عائدة على المقترض وحده، والقرض عقد إحسان وقربة، والمحسن لا يكلف مؤنة إحسانه شيئاً، فما على المحسنين من سبيل، وهذا ما نص عليه الفقهاء.
المطلب الخامس: حكم خدمة كشف الحساب التي يمنحها البنك لعملائه
يعرف كشف الحساب بأنه عبارة عن وثيقة يقدمها البنك لعملائه كلما طلبوا ذلك، تبين مقدار رصيد العميل وحركات السحب والإيداع التي يجريها العميل على حسابه.
وخدمة كشف الحساب من الخدمات النافعة للطرفين، البنك والعميل، فهي نافعة للعميل من جهة أنها تمكنه من الاطلاع على حسابه والحركات التي تمت عليه، وتجعله يطمئن على سلامة الإجراءات المصرفية التي نفذها البنك على حسابه في الفترة السابقة لكشف الحساب أو الفترة التي يشملها الكشف، وبهذا تبرأ ذمة البنك من المسؤولية تجاه عميله([123]).
ولا خلاف في أن البنك يجوز له أن يقدم هذه الخدمة مقابل عوض مالي، لا سيما عندما يطلب العميل كشفاً مفصلاً بجميع حركات الحساب، وهو ما تقوم به الكثير من البنوك الإسلامية، وإنما الخلاف فيما إذا قدم البنك هذه الخدمة مجاناً بدون مقابل.
فقد اختلف فيها المعاصرون على قولين:
القول الأول: أنه يجوز للبنك أن يقدم هذه الخدمة مجاناً بدون مقابل ويجوز للعميل أن يستفيد منها، وحجتهم أن هذه وسيلة لوصول العميل إلى دينه والاطلاع عليه، وهذا جائز شرعاً.
القول الثاني: أنه لا يجوز للبنك أن يقدم هذه الخدمة مجاناً، لأن هذه الخدمة ذات تكلفة مالية على البنك وتقديمها بدون مقابل يعتبر من باب القرض الذي جر نفعاً للعميل وهو محرم شرعاً([124]).
والذي أراه أنه لا حرج على البنك أو العميل أن تكون هذه الخدمة مجانية، لأنها وسيلة لأن يطلع العميل على حسابه أو مقدار دينه الذي على البنك، أو جواب البنك لعميله عند سؤاله عن مقدار رصيده وما جرى عليه من حركات.
المطلب السادس: حكم الخدمات المعنوية التي يقدمها البنك لكبار عملائه
جرت عادة الكثير من البنوك أن تقدم لكبار عملائها خدمات معنوية خاصة مثل خدمة الصالات الخاصة وخدمة مواقف السيارات وغيرها.
والحكم الشرعي في هذه الخدمات أنه لا مانع منها شرعاً لأنها خدمات معنوية وليس فيها زيادة مادية على القرض، جاء في ندوة البركة: "لا مانع شرعاً من تخصيص كبار المتعاملين مع البنك بمعاملة متميزة كتخصيص صالات للاستراحة، وتقديم القيافة والهدايا لهم، إذا لم يُخص أصحاب الحسابات الجارية بذلك"([125]).
وجاء في فتوى بنك البلاد: "يجوز للبنك أن يقدم لعملاء الحسابات الجارية ما كان من قبيل الأمور المعنوية، أو الخدمات المتعلقة بفتح الحساب، أو إيفاء العملاء، وذلك مثل الشيكات وبطاقات الصراف، وغرف الاستقبال والاهتمام بالعميل"([126]).
وجاء في المعايير الشرعية: "يجوز للمؤسسة بذل الخدمات التي تتعلق بالوفاء والاستيفاء لأصحاب الحسابات الجارية بمقابل أو بدون مقابل، كدفاتر الشيكات وبطاقات الصراف الآلي ونحوها، ولا مانع من أن تميز المؤسسة بين أصحاب الحسابات الجارية فيما يتعلق بجانب الإيداع والسحب، كتخصيص غرف لاستقبال أصحاب الحسابات أو أن تميزهم بنوع من الشيكات"([127]).
النتائج والتوصيات
بعد البحث في ماهية الحسابات الجارية، والمزايا التي تقدمها البنوك الإسلامية لأصحابها، واستعراض آراء الفقهاء وأدلتهم، توصلت إلى النتائج الآتية:
أولاً: الحسابات الجارية في البنوك الإسلامية هي قروض بالمنظور الفقهي، إلا أنه ينبغي أن لا يجري فيها كل أحكام القرض في الفقه الإسلامي كونها لا تتمحض قرضاً.
ثانياً: حسابات الاستثمار لدى البنوك الإسلامية تكيف على أنها مضاربة وتجري فيها جميع أحكام المضاربة في الفقه الإسلامي.
ثالثاً: يجوز تقديم الجوائز والهدايا لأصحاب الحسابات الجارية بالشروط والضوابط الشرعية المبينة في البحث.
رابعاً: البنوك الإسلامية أولى من غيرها بحسن الوفاء، وينبغي أن تتخذ من الإجراءات المصرفية ما يشجع الصيرفة الإسلامية، ومن ذلك الهدايا والجوائز بضوابطها.
خامساً: يجوز تقديم الهدايا والجوائز لأصحاب حسابات الاستثمار في البنوك الإسلامية.
سادساً: يجوز للبنوك الإسلامية أن تقدم لعملائها خدمة بطاقة الصراف الآلي، وخدمة الإنترنت المصرفية أو الهاتف المصرفي مجاناً، ويجوز لعملاء البنوك الإسلامية الانتفاع من هذه الخدمات.
سابعاً: يجوز للبنوك الإسلامية أن تقدم لعملائها خدمة دفتر الشيكات مجاناً ويجوز للعملاء الانتفاع منها.
ثامناً: يجوز للبنوك الإسلامية أن تقدم لعملائها جوائز على بطاقات الصراف الآلي.
تاسعاً: يجوز للبنوك الإسلامية أن تقدم لعملائها خدمة تحصيل الشيكات مجاناً ويجوز للعملاء الانتفاع منها.
عاشراً: يجوز للبنوك الإسلامية تقديم خدمة كشف الحساب مجاناً ويجوز للعملاء الانتفاع منها.
حادي عشر: يجوز للبنوك الإسلامية أن تقدم لعملائها خدمات معنوية مثل الصالات الخاصة وخدمة كبار العملاء وغيرها.
(*) بحث مقدم إلى مؤتمر (المزايا التي يمنحها المصرف لعملاء الحساب الجاري وغيره من الحسابات الأخرى من المنظور الشرعي)، مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، 2017م.
الهوامش
([1]) قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي رقم (90/3/د9) في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1إلى6 ذي القعدة (1415هـ) الموافق 1-6إبريل 1995م، انظر: منظمة المؤتمر الإسلامي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 9، ج1ص931.