الفتاوى

الموضوع : حكم الذكر بلفظ الجلالة المفرد (الله الله) أو (يا هو)
رقم الفتوى: 3888
التاريخ : 11-06-2024
التصنيف: الأذكار والدعاء
نوع الفتوى: بحثية
المفتي : لجنة الإفتاء



السؤال:

ما حكم الذكر بلفظ الجلالة المفرد (الله الله)، أو (يا هو)؟


الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله 

حثَّ الشرع الحنيف على ذكر الله تعالى في جميع الأوقات والأحوال وبيّن عظيم فضله، وهنالك فضائل عامة للذكر من أهمها: نيل مرضاة الله عز وجل ومغفرته، وكسب الأجور العظيمة، يقول الله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]، وقال صلى الله عليه وسلم: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى) رواه الترمذي.

وقد اتفقت كلمة العلماء على مشروعية وجواز الذكر بالمأثور، واختلفوا في جواز بعض الصور من غير ذلك، ومن الصور المختلف فيها الذكر بالاسم المفرد (الله)، والذي نراه جواز الذكر به كما يلي:

قوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الإنسان:25]، ويقول تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل:8]، والاسم الجامع العام الأشهر لربنا عز وجل هو (الله)، وإليه تعود جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا.

وما ورد أيضاً في قوله تعالى: {قُلِ اللهُ} [الأنعام:91]، {لَيَقُولُنَّ اللهُ} [العنكبوت:61]، مكررة في عدة آيات، وقوله تعالى: {وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، والدعاء ذكر، والذكر دعاء، وكلاهما يشمل ترديد اسمه تعالى مفردًا مجردًا.

وقوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى} [الإسراء:110] أي: اذكره تعالى باسمه (الله)، أو اسمه (الرحمن) أو غيرهما من أسمائه الحسنى.

ويستدل على ذلك بما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الأَرْضِ: اللَّهُ اللَّهُ). أخرجه مسلم في [صحيحه] في كتاب الإيمان، والترمذي في كتاب الفتن، وقال: حديث حسن، والإمام أحمد في [مسنده]، فهذا اسم مفرد ورد ذكره مكرراً في هذا الحديث.

وفي رواية أخرى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: اللهُ، اللهُ) رواه مسلم. قال العلامة عليّ القاري رحمه الله في شرح هذا الحديث: "أي لا يُذكَرُ الله فلا يبقى حكمة في بقاء الناس، ومن هذا يعرف أن بقاء العالم ببركة العلماء العاملين والعُبَّاد الصالحين وعموم المؤمنين، وهو المراد بما قال الطيبي رحمه الله: معنى حتى لا يُقالَ [الله، الله]: حتى لا يُذكَرَ اسمُ الله ولا يُعبَد" [مرقاة المفاتيح 5/ 226].

وورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: (اللَّهُ اللَّهُ رَبَّي لا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) رواه البخاري في [التاريخ الكبير]، والطبراني، فهذا ترديد منه صلى الله عليه وسلم للاسم المفرد.

وما جاء في قصة تعذيب بلال رضي الله تعالى عنه: (فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ... أَحَدٌ) [سنن ابن ماجه]، ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهاه عن هذا.

ومن أقوال العلماء على جواز الذكر بالاسم المفرد:

قول العلامة ابن عابدين رحمه الله: "روى هشام عن محمد عن أبي حنيفة أنه [أي الله] اسم الله الأعظم، وبه قال الطحاوي، وكثير من العلماء وأكثر العارفين حتى إنه لا ذكر عندهم لصاحب مقام فوق الذكر به، كما في "شرح التحرير" لابن أمير حاج" [رد المحتار 1/ 5].

وقول العلامة المناوي رحمه الله: "قالوا: وليس للمسافر إلى الله في سلوكه أنفع من الذكر المفرد القاطع من الأفئدة الأغيار، وهو [الله] وقد ورد في حقيقة الذكر وتجلياته ما لا يفهمه إلا أهل الذوق" [فيض القدير شرح الجامع الصغير 2/ 309].

وقول الإمام ابن عطاء الله السكندري رحمه الله: "فمن خواصه -أي لفظ الجلالة الله- أنه في ذاته اسم كامل في حروفه تام في معناه خاص بأسراره مفرد بصفته، فكان أولاً (الله) فحذف منه الألف فبقي (لله)، ثم حذفت منه اللام الأولى فبقي (له)، ثم حذفت اللام الثانية فبقي (هو)، فكان كل حرف منه تام المعنى، كامل الخصوصية، لم يتغير منه معنى، ولا اختلف بتفريق حروفه منه فائدة ولا نقصت منه حكمة، ولكل لفظة منه معان عجيبة مستقلة بذاتها غريبة" [القصد المجرد في معرفة الاسم المفرد/ ص 34].

ولا يستشكل ما احتج به المانعون للذكر بالاسم المفرد بأن الذكر فيه لا يؤلف جملة تامة مفيدة، ويجاب على ذلك: أن الذاكر بهذا الاسم المفرد لا يكلم مخلوقاً فلا يُشترط أن يكون كلامه تاماً مفيداً؛ لأنه يذكر الله سبحانه الذي هو عالم بنفسه مطلع على قلبه.

وأما بالنسبة للذكر والدعاء بلفظ (يا هو) فقد أجازه العلماء، واستدلوا للجواز: بأن النحويين يطلقون على الضمير أنه أعرف المعارف، يقصدون به المعارف التي تطلق على المخلوقين، فلا يدخل في ذلك اسم الله تعالى؛ لأنه أعرف المعارف على الإطلاق، واسم الجلالة "الله" مفرد عَلَم، موضوع ليدل بالمطابقة على واجب الوجود، الموصوف بالصفات، الْمُنَزَّه عن الآفات، الذي لا شريك له في المخلوقات، والعَلَم هو ما وضع لمعين، فالداعي يقصد بالعَلَم المفرد هذا المعنى، والضمير ما هو إلا إشارة تفيد تعَيُّن المشار إليه بشرط أن لا يخطر ببال الذاكر شيء سوى ذلك المشار إليه، لأنه يعود على المبتدي به، قال الزجاج رحمه الله: "(لَا إلهَ إلا هُوَ) المعنى لا إله لكل مخلوق إلا هُو، وهو محمول على موضع الابتداء" [معاني القرآن وإعرابه 1 /336].

ومن ذَكَرَ الله بلفظ "هو" فإنما يقصد الله عز وجل، وهو يعلم أن الله عز وجل مُطَّلِع عليه وعالم بما في نفسه. 

قال الإمام الرازي رحمه الله: "أن العقل لا يمكنه الاشتغال بشيء حالة الاستغراق في العلم بشيء آخر، فإذا وجّه فكره إلى شيء يبقى معزولاً عن غيره، فكأن العبد يقول: كلما استحضرت في ذهني العلم بشيء فاتني في ذلك الوقت العلم بغيره، فإذا كان هذا لازما فالأولى أن أجعل قلبي وفكري مشغولاً بمعرفة أشرف المعلومات، وأجعل لساني مشغولاً بذكر أشرف المذكورات، فلهذا السبب أواظب على قوله: "يا هو"... فإن هذا الذكر أشرف المقامات، قال عليه السلام حكاية عن الله تعالى: (إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه).

وإذا ثبت هذا فنقول: أفضل الأذكار ذكر الله بالثناء الخالي عن السؤال، قال عليه السلام حكاية عن الله تعالى: (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)... فالعبد فقير محتاج، والفقير المحتاج إذا نادى مخدومه بخطاب يناسب الطلب والسؤال كان ذلك محمولاً على السؤال، فإذا قال الفقير للغني "يا كريم" كان معناه أكرم، وإذا قال له: "يا نفاع" كان معناه طلب النفع، وإذا قال: "يا رحمن" كان معناه ارحم، فكانت هذه الأذكار جارية مجرى السؤال، وقد بينا أن الذكر إنما يعظم شرفه إذا كان خالياً عن السؤال والطلب، أما إذا قال: "يا هو" كان معناه خالياً عن الإشعار بالسؤال والطلب، فوجب أن يكون قولنا: "هو" أعظم الأذكار... ومن لطائف هذا الفصل أن الشيخ الغزالي رحمة الله عليه كان يقول: "لا إله إلا الله" توحيد العوام، "ولا إله إلا هو" توحيد الخواص، ولقد استحسنت هذا الكلام وقررته بالقرآن والبرهان: أما القرآن فإنه تعالى قال: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}، ثم قال بعده: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] معناه إلا هو، فذكر قوله "إلا هو" بعد قوله "لا إله" فدلَّ ذلك على أن غاية التوحيد هي هذه الكلمة" [مفاتيح الغيب 1 /139-140].

وعليه؛ فلا حرج من الذكر بلفظ الجلالة (الله الله) فهو مفرد عَلَم، موضوع ليدل بالمطابقة على واجب الوجود، الموصوف بالصفات، المُنَزَّه عن الآفات، وكذلك بلفظ (ياهو) لأنه غاية التوحيد، وهي ليست من البدع، والمهم في الذكر هو حضور القلب مع الله عز وجل. والله تعالى أعلم.





للاطلاع على منهج الفتوى في دار الإفتاء يرجى زيارة (هذه الصفحة)

حسب التصنيف[ السابق | التالي ]
رقم الفتوى[ السابق | التالي ]


التعليقات


Captcha


تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا