الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
نصبَ الشّرع الحنيف الإمام في صلاة الجماعة ليقتدي به المصلّون ويتبعونه في أفعال الصلاة كلّها، لكن قد يعرض للإمام سبب يحول بينه وبين تكملة الصلاة على الوجه المطلوب، كأن لا يقدر على مواصلة القراءة لسبب عارض، فله هنا أن يستخلف شخصاً يحلّ محلّه في تكملة الصلاة، وهذا جائز في المذاهب الفقهية الأربعة.
وهذه الصورة لها احتمالاتٌ كثيرة أكثرها وقوعاً في زماننا هي أنْ يستخلف الإمامُ مأموماً من المصلّين، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله: "وإنْ بطلت صلاة للإمام أو أبطلها عمداً جمعة كانت أو غيرها، بحدث أو غيره، فاستخلف هو أو المأمومون قبل إتيانهم بركنٍ شخصاً صالحاً للإمامة بهم مقتدياً به قبل حدثه ولو صبياً أو متنفلاً جاز؛ لأن الصلاة بإمامين بالتعاقب جائزة" [أسنى المطالب شرح روض الطالب 1/ 252].
ومن المعلوم أنّ المأموم في مذهب الشافعية ينصت لقراءة إمامه ولا يقرأ، لذلك ذهب الشافعية في المعتمد من مذهبهم إلى أنّ المستخلَف يجب عليه أنْ يعيد قراءة الفاتحة مرة أخرى؛ لأنها ركن لم يأتِ به ويجب عليه أن يأتي به، قال الإمام الشرواني رحمه الله: "قوله: ويراعى المسبوق نظم المستخلف، قد تشمل هذه العبارة ما لو قرأ الإمام الفاتحة واستخلف شخصاً لم يقرأها فيجب عليه أن يركع من غير قراءة، وليس مراداً؛ بل يجب عليه قراءة الفاتحة لأجل صحّة صلاة نفسه..." [حاشية الشرواني على تحفة المحتاج 2/ 489].
وفي مذهب الحنفية؛ فإنّ القدر الذي تجوز به الصّلاة في المعتمد عندهم كما ذكره صدر الشريعة المحبوبي رحمه الله: "وفرض القراءة: آية، والمكتفي بها مسيء؛ لترك الواجب" [شرح الوقاية 2/ 128]، فإذا قرأ الإمام قدر الفرض من الفاتحة لم يجب على المستخلَف أن يعيد القراءة، بل إذا كان العارض الذي عرض للإمام مجرّد العجز عن القراءة لم يجز أن يستخلف أصلاً، بل يركع ويواصل صلاته، قال الموصلي الحنفي رحمه الله: "ومن حصر عن القراءة أصلاً فقدم غيره جاز... ولو قرأ ما تجوز به الصلاة لا يجوز بالإجماع" [الاختيار لتعليل المختار 1/ 61].
وفي مذهب المالكية؛ فإن المستخلَف يكمل القراءة الجهريّة ولا يعيدها، قال الخرشي رحمه الله: "المستخلف يكمل على صلاة الأول، فيقرأ من حيث انتهى الأول في الجهر، وإن لم يكن قرأ شيئاً افتتح القراءة من أولها، فإن كانت سرية ابتدأ المستخلف القراءة من أولها" [شرح الخرشي على مختصر خليل 2/ 52].
وفي مذهب الحنابلة؛ يبني المستخلَف على قراءة الإمام ويكمل، قال الحجاوي رحمه الله: "وله أنْ يستخلف من يتمّ الصلاة بمأموم، ولو مسبوقاً أو من لم يدخل معه في الصلاة... ويبنى الخليفة الذي كان معه في الصلاة على فعل الأول حتى في القراءة يأخذ من حيث بلغ، والخليفة الذي لم يكن دخل معه في الصلاة يبتدئ الفاتحة لكن يسر بما كان قرأه الإمام منها ثم يجهر بما بقي" [الإقناع في فقه الإمام أحمد 1/ 109].
وعليه؛ فالأحوط إعادة قراءة الفاتحة بناء على مذهب الشافعية، ومن لم يعدها فلا حرج عليه، وصلاته صحيحة، أخذاً بقول غير الشافعية ممّن أجاز البناء على قراءة المستخلِف. والله تعالى أعلم.