الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
من مات وعليه حقوق للعباد كالديون؛ فإنها تُقضى من تركته إذا كان له مال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ) رواه الترمذي وحسَّنه.
ووفاء الديون من الحقوق المتعلقة بالتركة، وتُقدَّم على الميراث؛ فإذا توفي شخص وترك مالاً، وعليه ديون قُضيت ديونه أولاً، فإن بقي شيء فلورثته، قال الله تعالى -في بيان استحقاق الميراث للوارث-: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:11]، فلا يجوز للورثة أخذ شيء من التركة قبل قضاء الديون، وتنفيذ الوصية بثلث ما تبقى بعد الديون إن كان المتوفى قد أوصى.
قال شيخ الإسلام الإمام النووي رحمه الله: "يبدأ من تركة الميت بمؤنة تجهيزه، ثم تُقضى ديونه، ثم وصاياه من ثلث الباقي، ثم يُقسم الباقي بين الورثة" [منهاج الطالبين/ ص 180].
فإذا تبيّن وجود دَين على الميت بعد توزيع التركة؛ فإنه يُقتطع من نصيب كل وارث بمقدار حصته من التركة؛ حتى لا يكون النقص على وارث دون آخر.
وبما أنك قد ضمنت دَين والدك فللأم مطالبتك بالدّين، أو مطالبة الورثة، فإذا قمت بأداء دَين والدك فلك الرجوع على كل الورثة كلٌّ بحسب نصيبه، قال الإمام الشربيني الشافعي رحمه الله: "ولصاحب الحق ولو وارثاً مطالبة من شاء من الضامن ولو متبرعاً، والمضمون عنه بأن يطالبهما جميعاً، أو يطالب أيهما شاء بالجميع، أو يطالب أحدهما ببعضه والآخر بباقيه، أما الضامن فلخبر: (الزعيم غارم)، وأما الأصيل فلأن الدين باقٍ عليه" [الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع 2/ 314].
وعليه؛ فللأم الحق بالرجوع بالدين على الكفيل، أو على الورثة، فإن رجعت على الكفيل، كان له الرجوع على التركة بما أداه، وبما أنه قد تم توزيع التركة فيرجع على الورثة جميعًا، فيكون على كل وارث -وهو أحدهم- دفع مقدار نسبته من التركة من أصل الدين، بما في ذلك الزوجة، حيث أنها تتحمل مقدار نصيبها من التركة من الدين، فيكون عليها إخراج الثُمن من مبلغ الدين المذكور. والله تعالى أعلم.