الفتاوى

الموضوع : أين الله تعالى مما يقع من الظلم والقتل والعدوان
رقم الفتوى: 3910
التاريخ : 13-08-2024
التصنيف: شبهات في العقيدة
نوع الفتوى: بحثية
المفتي : لجنة الإفتاء



السؤال:

أين الله تعالى ممّا يجري في العالم من ظلم الأبرياء، وسفك الدماء، وانتهاك الحقوق، وتسلط الأقوياء على الضعفاء بغير وجه حقّ؟


الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله 

ما يقع في الدنيا من الحروب والقتل والظلم وتسلط الأقوياء على الضعفاء ليس آخر الأمر، بل إنّ وراء ذلك حساباً عسيراً يوم القيامة يلاحق كل ظالم وقاتل ومسيء، يقول الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في وصف كمال العدالة يوم القيامة وانتصاف المظلوم من ظالمه: (لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ، مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ) رواه مسلم.

وأما السؤال: أين الله من الظلم والقتل والعدوان؟ فجوابه أن الله سبحانه جعل هذا القتل والعدوان سبباً في رفعة درجات المظلومين يوم القيامة، وسبباً في تعذيب الظالمين في الدنيا والآخرة، يقول الله سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120]، ولو أنّ الله سبحانه وتعالى منع كل ظلم بقدرته لم يكن للتكليف معنى في هذه الدنيا، ولكان هذا مؤدياً إلى تراخي الناس في أداء الحقوق والسعي إليها، ولكانت الدنيا مرتعاً وخيماً للشهوات الدنيئة حيث يأمن كل أحد من كل صعوبة، وتصير الدنيا للدعة والراحة بلا أي معنى للتفاضل بين الناس، فكأن هذا السائل يتصور دنيا تناسب وهمه وشهوته وقلة حيلته، دنيا لا مرض فيها ولا عرض ولا ابتلاء ولا فقر ولا موت ولا ألم، فهذا السؤال باطل جملة وتفصيلاً، ويدلّ على وهن النفس وقلة العزم وضعف العقل.

ومنهج الحياة الذي ارتضاه الله تعالى هو تمكين الإنسان من تدبير أمور معيشته وعلاقته بالآخرين بكلّ عدلٍ وإنصاف، بحيث لا يظلم نفسه ولا يظلم أحداً من إخوته في الإنسانية، وقدرة الإنسان على ذلك هي منحة ربانية من الله تعالى، حيث أنعم على الإنسان بالعقل والاختيار، يقول الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ* وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 8- 10].

فإذا صدر من الإنسان تصرّف باطل فاللوم راجع على ذلك الإنسان الذي أساء، وليس اللوم راجعاً على الله سبحانه وتعالى، بل إن الله عز وجل جعل الإنسان الذي لا يحتكم إلى العقل والرشاد من جملة البهائم والدواب، يقول الله سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179].

وقد أوضح الله تعالى هذه القضية في القرآن الكريم، وبين سبب إرادته لإجراء أمور الدنيا على منهج التكليف والابتلاء والصبر، فقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: 20]، والمعنى أن الله تعالى لو أراد لجعل رسله من الملائكة في رتبة عالية لا يمكن للبشر إلا أن يستجيبوا لهم خوفاً وقهراً واضطراراً، لكن الله تعالى أراد في حكمته أن يجعل الأمر اختيارياً، وجعل الناس يصطدم بعضهم ببعض، ليتخذ كل واحد موقفه الذي سيحاسب عليه.

وكذلك لو أراد الله تعالى أن يمنع الناس من الاقتتال لفعل، ولو أراد أن يكفّ يد الظالم لفعل، وهو القائل سبحانه: {وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253]، والقصد من حصول هذه المصائب اختبار المؤمنين، يقول الله تعالى في بيان ذلك: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2- 3]، وإنّما يمكّن الله الظالم من الظلم ليأخذه بعد ذلك بجريرة ظلمه، ويرفع المظلومين درجات يوم القيامة، قال تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص:5- 6].

وعليه؛ فإنّ الله عز وجل عالم بكل ما يجري في الكون، بل لا تكون في العالم كائنة إلا بإرادة الله تعالى وقدرته، ومن ورائها من الأحكام والحكم والتدبيرات الإلهية ما يخفى على ظاهر العقول، ولا يدركه إلا أصحاب البصائر النورانية من أهل اليقين والإيمان، وواجب المؤمن تجاه ما يجده من المصائب والمصاعب والابتلاءات أن يصبر ولا يجزع، ويأخذ بأسباب القوة والمنعة التي تجعله فوق اعتداء المعتدين ومطامع أهل الكفر والطغيان. والله تعالى أعلم.





للاطلاع على منهج الفتوى في دار الإفتاء يرجى زيارة (هذه الصفحة)

حسب التصنيف[ السابق ]
رقم الفتوى[ السابق | التالي ]


التعليقات


Captcha


تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا