الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
العدل بين الزوجات قسمان:
الأول: عدل في النفقة والمبيت، وهذا ممكن وواجب شرعاً، وهو شرط إباحة التعدد ابتداءً، فإذا لم يقدر عليه الرجل فليكتف بواحدة، قال الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، فإذا خالف الزوج ذلك وقع في الظلم المنهيّ عنه.
وينبغي للزوج أنْ يحرص على العدل الماديّ بين زوجاته ما استطاع؛ فهذا العدل هو المطلوب شرعاً منه.
والقسم الثاني: العدل في المحبة والميل القلبيّ، وهذا لا يقدر عليه الإنسان، ولا يُكلف به شرعاً، ويجوز له أن يتزوج أكثر من واحدة، وإن كان لا يمكن أن يعدل بينهما في المحبة، لكن لا يجوز أن يتجاوز ذلك الإحساس الداخلي إلى التصرف الخارجي ويُؤثِّر على العدل بالمعنى الأول، ولذا قال الله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129]. والمعلّقة: هي التي ليست كالزوجات ولا كالمطلقات والأرامل، فالآية تنهى عن ظلم النساء في النفقة والمعاشرة الزوجية بسبب عدم التساوي بينهنَّ في المحبة.
والواجب في حقّ السكنى خصوصاً أن يكون لكل زوجة مسكن منفصل يليق بمثيلاتها، سواء بتمليك لها أو بالانتفاع به فقط، وليس لها شرط تملّك البيت؛ لأنّ لها حقّ السكنى فقط وليس حقّ تملك البيت، ولا يجوز له جمعهن في مسكن واحد، لأن ذلك مدعاة للتباغض والتشاحن بين الزوجات، وله إسكانهن بدار تتعدد حجراتها أو طوابقها شرط أن تنفصل مرافقها من مطبخ ونحوه؛ لأنها كالمساكن المنفصلة، وهذا حد الواجب في السكنى عموماً، جاء في [مغني المحتاج 4/ 417]: "ولو اشتملت دار على حجرات مفردة المرافق جاز إسكان الضرات فيها من غير رضاهن، والعلو والسفل إن تميزت المرافق مسكنان".
وعليه؛ فلا يجوز لإحدى الزوجات أن تشترط على الزوج أن يهبها شيئاً دون رضاه بعد إتمام عقد الزواج، أما قبل العقد فلها أن تشترط ما تشاء؛ فالعدل بين الزوجات بعد العقد لا قبله، ويسنّ للزوج أن يعدل بين زوجاته في الهبات التي تزيد على الحدّ الواجب من النفقة، فإن شاء أن يهب إحداهنّ شيئاً خاصّاً فهو حرّ في ملكه وله فيه مطلق التصرف بيعاً وشراءً وهبة ونحوها من التصرفات، لكن الجواز مشروط بأنْ لا يقصد الإضرار والحرمان لباقي الورثة وإلا فيحرم. والله تعالى أعلم.