السؤال:

تقوم إحدى الشركات ببيع منتجات متعددة الأصناف إلى زبائنهم، قسم من الزبائن يعيد المنتج للشركة، وقسم لا يستلم الشحنة فتعيد شركة الشحن المنتج للشركة، فتقوم الشركة بتجميع هذه الأصناف المتعددة مثل: ألعاب، وأدوات مطبخ، وأجهزة كهربائية وغيرها داخل صناديق كبيرة، ثم تعيد بيعها لمقاولين ووسطاء، فنقوم بشرائها منهم وبيعها في المحلات بطريقة عرضها على طاولات بأسعار أقل من سعرها الأصلي، وللزبون الحق في فتح علبة المنتج وتجربته قبل الشراء، حيث يوجد طريقتان للشراء: الأولى: أن تكون البضاعة بدون كشف، ويكون هذا الحمل بسعر معين ثابت ولجميع الحمولات. الطريقة الثانية: أن تكون البضاعة بكشف مبيَّن من قبل البائع، ويُبعث هذا الكشف بعد أسبوعين من شراء الحمل بسبب الأمور الإدارية والحسابية بين الشركة والوسيط، وتحتوي على تنوع مشابه للنوع الأول، لكن الصنف معلوم، ويختلف هنا السعر من حمل لحمل آخر، وفي هذه الحالة يكون قد تمّ عرض وبيع البضاعة قبل الحصول على الكشف بسبب تأخر الأسبوعين في الاجراءات الإدارية لإرسال الكشف، فما الحكم الشرعي في ذلك؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله 

الأصل تصحيح البيوع التي تعارف الناس عليها، شريطة أن تبتعد عن الغرر والجهالة المؤدية إلى النزاع؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ) رواه أحمد، وأما التعاملات المبنية على الجهالة والغرر فهي محرَّمة شرعاً؛ لأنها من أكل أموال الناس بالباطل، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29].

هذا؛ وبيع الصناديق المغلقة له حالتان، يختلف الحكم فيهما بحسب كل حالة وهما:

الحالة الأولى: أن لا يعلم ما في الصناديق من السلع، لا من حيث النوع ولا من حيث العدد، فهذه الحالة محرَّمة؛ لاشتمالها على الجهالة والغرر.

الحالة الثانية: أن تحتوي منتجات معلومة للمشتري، ولكن لم يرها -وجرت عادة الناس بتبايعها-فهذه الأصل عدم جواز بيعها عند جمهور الفقهاء، وذهب السادة الحنفية إلى الجواز، قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله: "أرأيتم رجلاً انتهى إلى رجل ومعه عِدل ثياب [أي كيس ثياب]، فقال صاحب العِدل: ما أدري كم فيه ثوباً، وإن فتحته فعددته أضرَّ ذلك بعدل، وقد هلك البرنامج، أما ينبغي أن يجوز بيع هذا أبداً حتى يفتح ويعد! فهذا جائز، ولعمري إنه لمن ظنونكم التي أفسدتم بها بيوع المسلمين الجائزة بينهم حتى تجعلون هذه مخاطرة ومقامرة، أرأيتم رجلاً قدم عليه وهو من أهل المدينة بحمل من جوز، وهو يباع عدداً، أما يجوز أن يبيعه مجازفة حتى يعده! 

أرأيتم إن اجتمع عنده بيض كثير، فباعه مجازفة، أما يجوز ذلك حتى يعده! أرأيتم رجلاً أتى بأرضه بأحمال كثيرة من جزر وقثاء وبطيخ، أما يجوز أن يبيعها في أحمالها حتى يعدها واحداً واحداً! فإن قلتم: هذا جائز، فلا بدَّ لكم من أن تجوزوا هذا، فلِمَ لا تجوزون الأول ولا فرق بين الأول وهذا، ولِمَ لَم تقيسوا الأول على هذا، وأجزتم هذا؟! ولو لم تجيزوا بيع الجوز والبيض جزافاً فقد خالفتم الأمة، ولكنا لا نشك أنكم تجيزونه، فقيسوا الجباب والخفاف والقلانس وما كرهتم من ذلك على هذه الأشياء، وإلا فأنتم متحكمون، أرأيتم رجلاً قدم له من خراسان بجراب قوهي، والقوهي إذا حُل أضرَّ ذلك به إضراراً شديداً، وصاحبه لا يدري عدد ما فيه من الثياب، أما يجوز أن يبيعه حتى يفتح ويعلم عدده! هذا جائز كله، وليس يكون من البيوع شيء أجوز من بيع المجازفة الذي لا يحتاج فيه إلى كيل ولا وزن ولا عدد" [الحجة على أهل المدينة 2/ 731].

وعليه؛ فيجوز بيع الصناديق المغلقة إذا احتوت على منتجات معلومة للمشتري وجرى العُرف بذلك، وانتفى الغرر والجهالة المؤدية إلى النزاع، وأما الصناديق المغلقة التي لا يعلم جنس المنتجات التي تحتويها فلا يجوز بيعها؛ لوجود الغرر والجهالة فيها. والله تعالى أعلم.