الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
فرض الله تعالى فريضة الزكاة على كل مسلم في ماله، قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]، وجعل هذه الفريضة إحدى أركان الإسلام الخمسة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسَةٍ، عَلَى أَنْ يُوَحَّدَ اللهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَالْحَجِّ) متفق عليه.
ويشترط لوجوب الزكاة بأنواعها شروط لا بدَّ من توفرها، وهي: الإسلام، والحرية، وتعيين المالك، وتمام الملك، وبلوغ النصاب، وتمام الحول -فيما يشترط له الحول-، فإذا تحققت هذه الشروط؛ وجبتْ الزكاة في هذا المال.
وأما وجوب الزكاة في مال غير البالغ وغير العاقل، فقد ذهب السادة الشافعية إلى وجوب الزكاة في أموالهما، ووافقهم السادة المالكية والسادة الحنابلة، واستدلوا بعموم قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103]، فالآية الشريفة لم تفرّق في وجوب الزكاة بين مال الصغير والكبير والعاقل وغير العاقل، واستدلوا كذلك بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، لَا تَأْكُلْهَا الزَّكَاةُ) رواه الطبراني، يقول الإمام شمس الدين الرملي الشافعي رحمه الله: "وتجب -أي الزكاة- في مال الصبي والصبية لشمول الخبر المار لهما، ولخبر: (ابتغوا في أموال اليتامى لا تستهلكها الصدقة)، وفي رواية الزكاة، وروى الدارقطني خبر: (مَن ولي يتيماً له مال فليتجرْ فيه، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة)، ولأن المقصود من الزكاة سدُّ الخَلَّة، وتطهير المال، ومالهما قابل لأداء النفقات والغرامات، وليست الزكاة محض عبادة حتى تختص بالمكلف والمجنون، ويخاطب الولي بإخراجها، ومحل وجوب ذلك عليه في مال الصبي والمجنون حيث كان ممن يعتقد وجوبها على الولي عليه" [نهاية المحتاج 3/ 128].
وذهب السادة الحنفية إلى عدم وجوبها عليهما، واستدلوا لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) رواه أبو داود، واستدلوا أيضا بأن الزكاة كالصلاة لا تصح إلا بالاختيار والنية، وغير البالغ العاقل لا اختيار له ولا نية، فلا تجب عليه الزكاة في ماله، يقول الإمام الميرغناني الحنفي رحمه الله: "وليس على الصبي والمجنون زكاة خلافاً للشافعي رحمه الله، فإنه يقول هي غرامة مالية، فتعتبر بسائر المؤن كنفقة الزوجات، وصار كالعشر والخراج، ولنا أنها عبادة فلا تتأدى إلا بالاختيار تحقيقاً لمعنى الابتلاء، ولا اختيار لهما لعدم العقل" [الهداية في شرح بداية المبتدي 1/ 95].
وننبه هنا أن ما سبق من الحكم يكون إذا كانت أموال الصغير وغير العاقل بيد الولي، أما إذا كانت أمواله محفوظة لدى المؤسسات الرسمية؛ فالقاضي الشرعي هو الذي يملك الإذن بإخراج الزكاة عن مال الصغير، والغالب أن القضاة يأخذون بمذهب أبي حنيفة بعدم وجوب الزكاة في مال اليتيم، كما هو قرار مجلس الإفتاء الأردني رقم (83).
وعليه؛ فتجب الزكاة في مال الصغير وغير العاقل على قول جمهور الفقهاء إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول، ولم ينقصْ هذا المال عن النصاب في أثناء الحول، ويتكرر ذلك بتكرر السنين، ويجب على الولي إخراج الزكاة عن غير المكلف عند حولان الحول إذا كان المال تحت يده، وأما إذا كانت أمواله محفوظة لدى المؤسسات الرسمية، فالقاضي الشرعي هو الذي يملك الإذن بإخراج الزكاة عن مال الصغير أو غير العاقل. والله تعالى أعلم.