الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الاعتمادات المستندية هي تعهّد صادر عن المصرف بناء على طلب العميل يلتزم المصرف بمقتضاه بتقديم خدمات معينة ودفع ثمن البضاعة لصالح البائع، وقد أصبح لها أهمية كبرى في عصرنا الحالي في مجال التجارة الدولية لكونها أداة وفاء للأثمان وحصول الثقة بين المتعاقدين.
وتطبيقات الاعتمادات المستندية تختلف بحسب البنك الذي يجريها والعقود التي تنظمها، وتكون في البنوك التجارية بفائدة على القرض، وهو معنى الربا المحرّم في الشريعة الإسلامية.
وأمّا المصارف الإسلامية؛ فالتكييف الشرعي لتطبيق الاعتمادات المستندية يتحدّد بحسب طبيعة الغطاء النقدي الذي يُفتح الاعتماد بناء عليه، وهو إما أن يكون بصيغة الوكالة في حال فتح الاعتماد بغطاء نقدي كامل من العميل، وفي بعض الأحوال تطبق صيغة الوكالة والكفالة معاً إن كان فتح الاعتماد بغطاء نقدي جزئي، وهي في معنى الوكالة لأنّ العميل يوفي ما تبقى من المبلغ المطلوب، وتطبّق المصارف الإسلامية أيضاً صيغة المرابحة للآمر بالشراء إن لم يكن الاعتماد مغطىً من قبل العميل، وهذا التطبيق مرابحة في حقيقته وإن سُمّي اعتماداً مستندياً في الاصطلاح المعاصر.
وأما الأحكام الشرعية لهذه الصور؛ فإذا كان الاعتماد المستندي بصيغة الوكالة فيصحّ حينئذٍ أخذ أجرة على الوكالة مقابل الخدمات التي يقدمها المصرف للعملاء، سواء كانت الأجرة بمبلغ مقطوع، أو بنسبة مئوية أخذاً بمذهب الحنابلة الذين جوزوا أخذ الأجرة نسبة مئوية.
وأمّا إذا جرى فتح الاعتماد المستندي عن طريق عقد المرابحة للآمر بالشراء (مرابحة خارجية)، فيجوز للمصرف أن يربح على البضاعة، وتطبق على ذلك أحكام بيع المرابحة في الشريعة الإسلامية.
وقد نصّت "المعايير الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية" على جواز أخذ الأجرة على الاعتمادات المستنديّة بوصفها وكالة، واستيفاء التكاليف الفعلية فقط مبلغاً مقطوعاً في بعض الأحوال، حيث جاء في (المعيار الشرعي رقم: 14): "يجوز للمؤسسة أن تأخذ قيمة التكاليف الفعلية على الاعتمادات المستندية، ويجوز لها أن تأخذ أجرة على القيام بالخدمات المطلوبة سواء أكانت مبلغاً مقطوعاً أم نسبة من مبلغ الاعتماد، ويشمل ذلك الاعتمادات المستندية الصادرة والواردة، ويشمل تعديل الاعتمادات ما عدا التعديل بزيادة مدة الاعتماد، فلا يجوز لها أن تأخذ عليه إلا المصروفات الفعلية فقط، وتكون حينئذٍ مبلغاً مقطوعاً لا نسبة مئوية".
ولا يجوز على كلّ حالٍ استيفاءُ المصرف أجرةً على أيّ نوع من أنواع الكفالة أو الضمان، سواء كان داخلاً في ما يسمى بالاعتماد المستندي أو بخطاب الضمان، لأنّ الكفالة والضمان من عقود الإحسان والإرفاق، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه، جاء في كتاب [الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 173]: "وأجمعوا أن الحَمَالة –أي الكفالة- بجُعْل يأخذه الحميل لا يحلّ ولا يجوز"، وهذا ما أكّده مجمع الفقه الإسلامي الدولي (قرار رقم: 12/ 2) حيث جاء فيه: "إن الكفالة هي عقد تبرع يقصد به الإرفاق والإحسان، وقد قرر الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على الكفالة، لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جر نفعاً على المقرض، وذلك ممنوع شرعاً". والله تعالى أعلم.