الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله:
القول المعتمد المفتى به لدينا هو تحريم إجهاض الجنين في جميع مراحله وأطواره، وإن كانت درجة التحريم متفاوتة بين مرحلة وأخرى، إلا أن الإثم يلحق في الجميع، ولذا تجب في مذهبنا كفارة القتل على إجهاض الجنين، وقد قرر ذلك الإمام الغزالي رحمه الله حيث قال: " وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة وإفساد ذلك جناية فإن صارت مضغة وعلقة كانت الجناية أفحش وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشا، ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الانفصال حيا " انتهى. " إحياء علوم الدين " (2/51)
وهذا القول معتمد مذهب المالكية، وقولٌ عند الحنفية، واختاره بعض الحنابلة، ودليله أن في إجهاض الجنين اعتداءً على كائن حي ينمو ليكون نفسا مؤمنة بإذن الله، والاعتداء على الأحياء الأصل فيه المنع وإن لم تنفخ فيه الروح بعد، وإذا جاءت الشريعة بمنع الاعتداء على النبات بالقطع والإتلاف إلا لحاجة، فمنع الاعتداء على النطفة الحية مِن باب أولى.
وليس ضعف الجسم أو الإرضاع من الأعذار المجيزة للإجهاض، ولا يجوز التعذر بمثل هذه الأعذار لارتكاب الإجهاض.
أما إذا قرر الطبيب الثقة أن بقاء الجنين يعرِّضُ حياة الأم للخطر المميت، فيجوز الإجهاض قبل مائة وعشرين يوما من علوقه، بل إذا تعارضت حياة الجنين مع حياة الأم جاز الإجهاض ولو بعد المائة وعشرين يوما، كما أفتى بذلك علماء المجامع الفقهية؛ لأن حياة الأم محققة، وحياة الجنين غير محققة. والله أعلم.