السؤال:
قرأت أن السنة أن لا يُدخل المرأةَ في قبرها رجلٌ جامَعَ أهله، وذلك للحديث الشريف الذي رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (شهدنا بنتاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، قال: فقال: هل منكم رجل لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا. قال: فانزل. قال: فنزل في قبرها). وقال لي بعضهم: بأن المنع يشمل حالة لو أن المتوفى رجل كذلك. أرجو بيان ذلك، وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الحديث المقصود في السؤال هو ما يرويه الإمام البخاري رحمه الله في "صحيحه" (رقم/ 1342) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (شَهِدْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عَلَى القَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا. قَالَ: فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَا. فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا فَقَبَرَهَا). والبنت المقصودة في الحديث هي أم كلثوم زوجة عثمان رضي الله عنهما، كما ذكره ابن حجر في "فتح الباري" (3/ 158).
وقد استدل العلماء بهذا الحديث على أنه إذا استوى الرجال الأجانب في الصفات التي تُقدمهم لدفن الميت - وهي السن والصلاح والفقه - يقدَّم الذي بَعُد عهده بالجماع.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "يؤخذ من الخبر أن الأجانب - المستوين في الصفات - يقدَّمُ منهم من بَعُدَ عهده بالجماع؛ لأنه أبعد عن مذكِّر يحصل له لو ماس المرأة" تحفة المحتاج (3/ 170).
والحكمة من ذلك أن البعيد عن الجماع أبعد عن أن يذكره الشيطان بما كان منه تلك الليلة، وأبعد عن ملاذ الدنيا التي لا تناسب حال الدفن والقبر، كما قال الكرماني رحمه الله: "لتكون نفسه مطمئنة ساكنة كالناسية للشهوة" عمدة القاري (8/ 76).
ولكن الفقهاء رحمهم الله قالوا: إن الزوج أحق الرجال بدفن زوجته. ولكن استشكلوا في هذا الحديث وجه تقديم أبي طلحة - وهو أجنبي عن المتوفاة - على عثمان زوج أم كلثوم رضي الله عنها، فقالوا في الإجابة عن هذا الإشكال:
أولاً: يقول ابن حجر رحمه الله: "يحتمل أن عثمان لفرط الحزن والأسف لم يثق من نفسه بإحكام الدفن فأذن، أو أنه صلى الله عليه وسلم رأى عليه آثار العجز عن ذلك، فقدم أبا طلحة من غير إذنه، وخصه لكونه لم يقارف تلك الليلة" تحفة المحتاج (3/ 169).
ثانياً: قد يكون لم يحضر من محارمها أحد، ولا حتى زوجها عثمان رضي الله عنه؛ لانشغالهم بأمور أعظم، ذكره الطحاوي في "بيان مشكل الآثار".
ثالثاً: وقيل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد معاتبة عثمان رضي الله عنه على ما وقع منه تلك الليلة مع جارية له وانشغاله عن زوجته، كما قال ابن حجر رحمه الله: "حُكي عن ابن حبيب أن السر في إيثار أبي طلحة على عثمان أن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة، فتلطف صلى الله عليه وسلم في منعه من النزول في قبر زوجته بغير تصريح" فتح الباري (3/ 159)، ويعتذر لعثمان رضي الله عنه في ذلك أنه طال مرضها عليه، ولم يكن يعلم أنها تتوفى في تلك الليلة. والله أعلم.