رمضان مدرسة سنوية تفتح أبوابها ثلاثين يوماً؛ ليتعلم فيها المؤمن كيف يهذب غرائزه، وليتخرج منها حاملاً شهادة التقوى في قلبه.
والمقصود بتهذيب الغرائز: أن تكون الغرائز والشهوات مُسيَّرة وفق المنهج الرباني، وأن يستطيع المسلم أن يسيطر عليها ويتحكم فيها.
فمن سيطر على غريزته طوال ساعات النهار؛ يستطيع أن يسيطر بقية اليوم عليها، فالصيام دورة تدريبية لتهذيب الغرائز؛ كي تتحقق في المسلم معاني الإنسانية التي تعلو فيها حكمة العقل والشرع على نار الغريزة والشهوة.
إن فرضية الصيام ليست لتعذيب الإنسان بل لتهذيب غرائزه؛ لأن الإنسان إذا سيطر على غرائزه يكون إنساناً، فإن سيطرت عليه غرائزه هبط إلى مستوى الحيوان.
ذلك أن من أهداف الصيام إضعاف الطاقات؛ كي لا يجمح الإنسان بغرائزه وشهواته. فعن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(مَن اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)رواه البخاري. أي:أَنَّ الصَّوْمَ قَامِع لِشَهْوَة النِّكَاح.
وقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:(الصَّوْمُ جُنَّةٌ) [رواه النسائي].وجنة:أي وقاية من آفات الدنيا، وحجاب من عذاب الآخرة.
ومِن أهداف الصوم:تقليل نهم الإنسان للطعام والشراب والنساء؛ كي لا يرتبط بالنعم ويتعلق بها دون المنعم؛ فيضل السبيل.
إن السبيل الوحيد لكبح جماح الشهوة وتهذيبها هو الصبر. قال النبي صلى الله عليه وسلم:(وَالصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ)رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
وإنما كان الصوم نصف الصبر؛ لأن في الصوم صبراً على الطاعة، وصبراً عن المعصية، فبقي الصبر على المصيبة.
هذا مع خبر: "الصبر نصف الإيمان" رواه البيهقي في "شعب الإيمان"، فينتج أن الصوم ربع الإيمان.
وإنما أراد الله تعالى تهذيب شهواتنا؛ لأن الاستغراق في الشهوات -وإن كانت مباحة- قد يوقع الشخص في الشهوة المحرمة. قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:(حُفَّت الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّت النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ)رواه مسلم. ومعنى (حُفَّت النَّار بِالشَّهَوَاتِ):أي أن الشَّهَوَات مَوْضُوعَة عَلَى جَوَانِب جهنم؛ فَمَنْ اقْتَحَمَ الشَّهْوَة المحرمة سَقَطَ فِي النَّار.
فشهوة الطعام والشراب والاستمتاع بالنساء موجودة في كل إنسان، وهي مباحة طوال العام، إلا في نهار شهر رمضان، ووجه التهذيب في ذلك:
أولاً:ليعلم المسلم أن هذه الشهواتِ وسيلة لغيرها، وليست غاية مطلوبة لذاتها؛ فالطعام والشراب وسيلة لحفظ النفس، وقرب النساء وسيلة لحفظ النسل. فعلى المسلم ألا يقف عند الوسيلة تاركاً الهدف والمقصد.
ثانياً:ليتذكر المسلم أنه إنما يمتنع عن هذه المباحات والنعم في نهار رمضان لأمر الله تعالى؛ فعليه أن يمتنع عن محارم الله تعالى سائر أيامه ولياليه؛ لأن الله أمر بذلك أيضاً.
ثالثاً:ليُعزز دور الرقابة في قلب المسلم؛ ذلك أن المسلم امتنع عن طعامه وشرابه مع قدرته على الفعل دون علم أحد من الناس؛ فكانت سريرته كعلانيته، لا يخشى إلا الله، وعليه أن يداوم على ذلك في سائر أيام السنة.
رابعاً:ليشعر المسلم بجوعه وعطشه بنعم الله تعالى؛ فيؤدي شكر هذه النعم التي برزت حاجته إليها، فلا يستعمل نعم الله في معصيته؛ لأن الشكر أن لا يُعصى الله بنعمه.
خامساً:ليتذكر المسلم إخوته المسلمين ممن حُرموا الطعام أو الشراب، أو لم يكن لهم قدرة على الزواج؛ فيواسيهم بما استطاع، ولا أقلَّ من الدعاء.