الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الملائكة عباد الله المكرمون الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون، وهم مخلوقون من نور، محتجبون عن أبصار الناس، ويمكن رؤيتهم بكرامة من الله تعالى وبإذنه في صورتهم الملَكِية أو في صورة يتمثلون بها، وقد دلت الأدلة الشرعية على هذه الأحكام، ومنها: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خُلِقَتِ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ) رواه مسلم، وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَا عَائِشَ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ، فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ تَرَى مَا لاَ أَرَى) متَّفق عليه، وقال الله تعالى عن مريم عليها السلام: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17]، وفي الأحاديث الصحيحة أن جبريل عليه السلام كان يأتي النبيّ صلى الله عليه وسلم على هيئة دحية الكلبي، وعلى هيئة رجل لا يعرفه أحد.
كل هذا يدُّل على أن الملائكة لا يستطيع البشر رؤيتهم على صورتهم التي خُلقوا عليها، إلا ما روي في حقّ نبيّنا صلى الله عليه وسلم أنه رأى جبريل عليه السلام على صورته مرّتين، ولم يثبت ذلك لأحد غيره من أمته، فإذا ادَّعى إنسان أنه رآهم على صورتهم الحقيقيَّة، وكان إنساناً صالحاً صادقاً فوَّضنا أمره إلى الله تعالى؛ لأن هذا لا يتعلَّق به حكم شرعي.
أما رؤية الملك على غير صورته الحقيقية، حيث يتمثّل بصورة البشر فممكنة، وقد وقعت لعديد من الصحابة رضي الله عنهم، ففي الحديث الصحيح الذي رواه سيدنا عمر بن الخطاب والذي سئل فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة جاء في آخره: "... ثُمَّ قَالَ لِي: (يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟) قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ) متفق عليه.
وجاء في الحديث الصحيح عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَمَعَهُ رَجُلاَنِ يُقَاتِلاَنِ عَنْهُ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، كَأَشَدِّ القِتَالِ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ" رواه البخاري، وجاء في صحيح مسلم: "رَأَيْتُ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ شِمَالِهِ يَوْمَ أُحُدٍ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ، يَعْنِي جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ". والله تعالى أعلم.